الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجب في الفتح (5/ 467): "ولو جُمِعت الأحاديث التي فيها ذكر خُطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وكلامِه عليه لكانت كثيرة جدًّا، وكذلك أحاديث اتخاذ المنبر كثيرة أيضًا".
222 - باب موضع المنبر
1082 -
. . . يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة [بن الأكوع]، قال: كان بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحائط كقدر ممرِّ الشاة.
• حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (497 و 502)، ومسلم (509/ 263 و 264)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (696).
* * *
223 - باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال
1083 -
. . . حسان بن إبراهيم، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كره الصلاة نصفَ النهار إلا يومَ الجمعة، وقال:"إن جهنم تُسجَر الا يومَ الجمعة".
قال أبو داود: هو مرسل، مجاهدٌ أكبرُ من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
* حديث غريب، مع ضعف إسناده وانقطاعه
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 358/ 7725)، وابن عدي في الكامل (2/ 373)، وأبو الحسن العيسوي في فوائده (49)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 167)، والبيهقي في السُّنن (2/ 464) و (3/ 193)، وفي المعرفة (2/ 278/ 1327 - 1329)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 20)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 260)، وابن الجوزي في التحقيق (623).
رواه عن حسان بن إبراهيم الكرماني: محمد بن عيسى ابن الطباع [واللفظ له]، ومحمد بن أبان الواسطي، وابراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي، وابراهيم بن مهدي المصيصي، وموسى بن إسماعيل الجئلي، وإسحاق بن أبي إسرائيل [وهم ثقات في الجملة، والجبُّلي تقدمت ترجمته قريبًا تحت الحديث رقم (1081)، الشاهد الرابع مما روي في اتخاذ المنبر].
ولفظ محمد بن أبان، وبنحوه لفظ الهروي والجبلي وابن أبي إسرائيل: "الصلاةُ
نصفَ النهار تُكره إلا يومَ الجمعة؛ لأنَّ جنهمَ كل يومٍ تُسجَر إلا يومَ الجمعة".
قال أبو داود: "هو مرسل، مجاهدٌ أكبرُ من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة".
وقال الأثرم في الناسخ (52): "حديث أبي قتادة فيه علل، منها: أنه لم يروه غير حسان، ومنها: أنه من حديث ليث،
…
، ومنها: أن أبا الخليل لم يلق أبا قتادة" [الفتح لابن رجب (3/ 291)، البدر المنير (3/ 272)].
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي قتادة إلا أبو الخليل".
وقد عدَّه ابن عدي في مناكير حسان بن إبراهيم، وقال في أول ترجمته:"سمعت أحمد بن حفص السعدي يقول: ذُكر لأحمد بن حنبل - يعني: وهو جالس - حديث حسان بن إبراهيم الكرماني، - يعني: في الصلاة يوم الجمعة نصف النهار، والنهي عنه -؟ قال: ذاك يروى عن المقبري مرسلًا، ولم يعبأ به"[الكامل (4/ 42 - ط. الرشد)].
وقال ابن عدي في آخر ترجمة حسان بأنه قد حدث بأفراد كثيرة عن عدد من شيوخه، وعدَّ منهم ليثًا؛ يعني: أنه يُغرب عليه، ويحدِّث عنه بما لا يُعرف من حديثه.
وقال أبو الفتح بن أبي الفوارس: "غريب من حديث مجاهد، عن أبي الخليل، يقال: إنه عبد الله بن الخليل الهمداني، عن أبي قتادة، تفرد به عنه: ليث بن أبي سليم، والله أعلم".
وقال ابن عبد البر في التمهيد: "وهذا الحديث منهم من يوقفه".
وقال في الاستذكار (1/ 108): "ومنهم من أوقفه على أبي قتادة، ومثله لا يكون رأيًا".
وقال ابن خزيمة في صحيحه (4/ 155/ 2580) بعد أن أخرج لأبي الخليل عن أبي قتادة حديثًا في الهدي إذا عطب: "هذا الحديث مرسل؛ بين أبي الخليل وأبي قتادة رجل".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 63): "في إسناده انقطاع، وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضُمَّت قوِي الخبرُ، والله أعلم".
• قلت: يمكن تلخيص كلام الأئمة في نضعيف هذا الخبر فيما يأتي:
• أبو الخليل صالح بن أبي مريم: لم يسمع من أبي قتادة، قاله أبو داود والأثرم والترمذي وابن خزيمة [جامع التحصيل (295)، تحفة التحصيل (151)].
وأبو الخليل يروي عن أبي قتادة بواسطة [انظر: السُّنن الكبرى للنسائي (3/ 220 - 224/ 2809 - 2826)، مسند أحمد (5/ 296 و 307)].
• ومجاهد لا يُعرف له سماع من أبي قتادة، وإنما يروي عنه بواسطة، فإذا كان مجاهد أكبر من أبي الخليل ولا يُعرف له سماع، فعدم سماع أبي الخليل من أبي قتادة من باب أولى.
• وليث بن أبي سليم: ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه.
• وقد تفرد به حسان بن إبراهيم الكرماني، عن ليث الكوفي، على كثرة أصحاب ليث من أهل بلده ومن الغرباء، وحديث ليث مبثوث بين أصحابه، ففي تفرد حسان به غرابة شديدة.
• حسان بن إبراهيم الكرماني: لا بأس به، يهم ويخطئ، كثير الأفراد [انظر: التهذيب (1/ 379)، الميزان (1/ 477)]، وهذا من أفراده وغرائبه، التي لا يصلح الاستشهاد بها، لشدة غرابتها، وغلبة الظن أن تكون غير محفوظة من حديث ليث بن أبي سليم، لا سيما وقد عده ابن عبدي في مناكير حسان.
• وقد ذهب الإمام أحمد إلى إعلاله بما يروى عن المقبري مرسلًا، ولم يعبأ به.
• وأعله ابن عبد البر بكونه روي من وجه آخر موقوفًا؛ قلت: لو كان من طريق ليث أيضًا، فما زالت علة الضعف والانقطاع باقية مع الوقف.
وعلى هذا فإن حديث أبي قتادة هذا: حديث غريب، مع ضعف إسناده وانقطاعه، ولا يصلح مثله في الشواهد.
• وله شاهدان:
• الأول: يرويه الوليد بن حماد الرملي [حافظ، يروي الواهيات. تاريخ دمشق (63/ 121)، السير (14/ 78)، اللسان (8/ 382)]: ثنا سليمان بن عبد الرحمن [الدمشقي، ابن بنت شرحبيل: صدوق، له مناكير]: ثنا بشر بن عون: ثنا بكار بن تميم، عن مكحول، عن واثلة، قال: سأل سائل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال يوم الجمعة يؤذَّن فيها بالصلاة في نصف النهار، وقد نهيت عن سائر الأيام؟ فقال:"إن الله يسعِّر جهنمَ كلَّ يوم في نصف النهار، ويخبثها في يوم الجمعة".
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 60/ 144)، وفي مسند الشاميين (4/ 310/ 3393).
قال: حدثنا الوليد بن حماد به.
قلت: هو حديث كذب موضوع؛ قال أبو حاتم عن حديث بهذا الإسناد: "هذا حديث كذب؛ وبشر وبكار: مجهولان"[علل ابن أبي حاتم (2/ 389/ 2678)]، وقال في حديث آخر بهذا الإسناد:"هذا حديث منكر"[علل ابن أبي حاتم (1/ 382/ 1141)]، وقال عنهما في الجرح والتعديل (2/ 362 و 408):"مجهولان"، وقال ابن حبان في المجروحين (1/ 190) (1/ 216 - ط. الصميعي):"بشر بن عون القرشي الشامي: يروي عن بكار بن تميم عن مكحول، روى عنه سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، روى عن بكار بن تميم عن مكحول عن واثلة نسخة نسبتها مئة حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال"[انظر: اللسان (2/ 304 و 328)].
• الثاني: يرويه إبراهيم بن محمد [هو: ابن أبي يحيى الأسلمي]، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس؛ إلا يوم الجمعة.
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 397/ 411 - ط. الوفاء)، وفي المسند (63)، ومن طريقه: البيهقي في السُّنن (2/ 464)، وفي المعرفة (2/ 278 / 1324) و (2/ 476/ 1690)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 329/ 779).
رواه الشافعي في الأم هكذا موصولًا، قال: أخبرنا إبراهيم به، وقد علقه في اختلاف الحديث (15/ 97/ 101 - أم)، فقال: وروي عن إسحاق بن عبد الله،
…
فذكره.
ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (2/ 277/ 1323).
قلت: وهذا حديث باطل؛ رواه ابن أبي يحيى الأسلمي، وهو: متروك، كذبه جماعة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو: متروك أيضًا.
أ - ورواه محمد بن عمر: حدثنا سعيد بن مسلم؛ سمع المقبري؛ يخبر عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (203 - بغية الباحث)، والبيهقي في المعرفة (2/ 476/ 1691).
وهذا كسابقه؛ محمد بن عمر الواقدي: متروك، واتهم، وسعيد بن مسلم هو: ابن بانَك المدني، وهو: ثقة.
قال النووي في الخلاصة (775): "كل طرقه ضعيفة".
ب - ورواه عبد الرحمن بن سليمان، هو [تحرفت هو في المطبوعة إلى: عن] ابن أبي الجون العنسي [لا بأس به، وفي حديثه بعض الإنكار. التهذيب (2/ 513)]، عن عطاء بن عجلان البصري؛ أنه حدثه عن أبي نضرة العبدي؛ أنه حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة الدوسي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال:"إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة".
أخرجه البيهقي في المعرفة (2/ 278 /1326)، بإسناد صحيح إلى عبد الرحمن.
قلت: وهذا حديث باطل؛ عطاء بن عجلان الحنفي، أبو محمد البصري العطار: متروك، منكر الحديث جدًّا؛ كذبه ابن معين وعمرو بن علي الفلاس والجوزجاني، وكان يتلقن كلما لقِّن [التهذيب (3/ 106)] [وتقدم ذكره والكلام عليه تحت الأحاديث رقم (630 و 678 و 902)] [قال ابن العربي في المسالك (1/ 469):"هذا حديث باطل"].
- ورواه البيهقي في السُّنن (2/ 464) من وجه ثالث بإسناد صحيح إلى:
أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان [صدوق]، عن شيخ من أهل المدينة يقال له: عبد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تحرم - يعني: الصلاة - إذا انتصف النهار كل يوم إلا يوم الجمعة".
وعبد الله المدني هذا: رجل مجهول، لا يُدرى من هو، وحديثه هذا منكر.
وقد ضعف إسناده البيهقي في السُّنن، وضعفه الذهبي في تهذيبه (2/ 896).
• وقد اختلف في هذا الحديث على سعيد المقبري، فقد رواه أيضًا:
د - ابن لهيعة [ضعيف]، عن يزيد بن أبي حبيب، عن المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار.
أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 5/ 8950).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عون بن عبد الله إلا المقبري، ولا عن المقبري إلا يزيد بن أبي حبيب، تفرد به: ابن لهيعة"، قلت: وشيخ الطبراني: ضعيف، واتهم.
وما أراه إلا من تخاليط شيخ الطبراني، أو من تخاليط ابن لهيعة، فمن فوق ابن لهيعة كلهم ثقات، لكنه إسناد مدني، ثم كوفي، ثم مدني، ثم مصري.
والمعروف في هذا ما رواه: الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، كما سيأتي بيانه.
هـ - ورواه عبد الله بن صالح [صدوق، كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، قال: ثنا الليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب؛ أن عبد الحميد بن عبد الحكم [أو: ابن الحكم، ولم أجد من ترجم له، وهو أكبر من الذي ترجم له ابن حبان في ثقاته (8/ 402)] كتب إليه؛ يذكر أن سعيد بن أبي سعيد، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلا نصف النهار حتى ترتفع الشمس.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 1833/89)، وأبو موسى المديني في اللطائف (422).
وهذا إسناد غريب، لا يثبت مثله، ولعله من أوهام أبي صالح كاتب الليث.
والمعروف في هذا ما رواه: الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، كما سيأتي بيانه.
و - وروى ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أمن ساعات الليل والنهار ساعة تأمرني أن لا أصلي فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشسى، فإنها تطلع بين قرني الشيطان، ثم الصلاة مشهودة محضورة متقبلة حتى ينتصف النهار، فإذا انتصف النهار فأقصر عن الصلاة حتى تميل الشمس، فإن حينئذ تسعَّر جهنم، وشدة الحر من فيح جهنم، فإذا زالت الشمس فالصلاة محضورة مشهودة متقبلة حتى تصليَ العصر، فإذا صليتَ العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغيب الشمس، فإنها تغيب بين قرني الشيطان، ثم الصلاة مشهودة محضورة متقبلة حتى تصلي الصبح".
أخرجه ابن وهب في الجامع (331)، ومن طريقه: ابن خزيمة (2/ 257/ 1275)، وابن حبان (4/ 418/ 1550)، وأبو يعلى (11/ 457/ 6581)، وأبو العباس السراج في مسنده (1519)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2280)، والطحاوي في المشكل (10/ 133/ 3973)، والبيهقي (3/ 282 و 302).
قلت: وإسناده ليس بذاك القوي؛ عياض بن عبد الله هو: ابن عبد الرحمن بن معمر الفهري القرشي المدني، نزيل مصر: ليس بالقوي، قال الساجي:"روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر"، وهذا من رواية ابن وهب عنه، نعم أخرج مسلم لعياض بن عبد الله الفهري هذا من رواية ابن وهب عنه، لكن في باب الشواهد والمتابعات، ولم يخرج له شيئا في الأصول [انظر: صحيح مسلم (350) و (183/ 176) و (980)، [وانظر في أوهامه: ما تقدم معنا في السُّنن برقم (387)].
ز - ورواه ابن أبي فديك [محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: مدني، صدوق]، عن الضحاك بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: سأل صفوانُ بن المعطل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني سائلك عن أمر أنت به عالم، وأنا به جاهل، قال:"وما هو؟ " قال: هل من ساعات الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ قال: "نعم؛ إذا صليت الصبح فدع الصلاة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع بقرني الشيطان، ثم صلِّ فالصلاة محضورة متقبلة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح، فإذا كانت على رأسك كالرمح فدع الصلاة، فإن تلك الساعة تسجر فيها جهنم وتفتح فيها أبوابها، حتى تزيغ الشمس عن حاجبك الأيمن، فإذا زالت فالصلاة محضورة متقبلة حتى تصلي العصر، ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس".
أخرجه ابن ماجه (1252)، وابن حبان (4/ 409/ 1542)، والبزار (15/ 168/ 8524)، وأبو العباس السراج في مسنده (1520)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2281)، وأبو طاهر المخلص في الخامس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (119)(999 - المخلصيات)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1500/ 3817)، والبيهقي (2/ 455).
ح - خالفه: حميد بن الأسود [بصري، ليس به بأس، وله مناكير. التهذيب (1/ 492)، الميزان (1/ 609)]، قال: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن المقبري، عن صفوان بن المعطل السلمي؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إني أسألك عما أنت به عالم، وأنا به جاهل، من الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليت الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس،
…
"، وذكر الحديث بنحو حديث ابن أبي فديك.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (5/ 312)(10/ 5350/ 23101 - ط. المكنز)، والحاكم (3/ 518)، والطبراني في الكبير (8/ 53/ 7344)[وفي متنه اختلاف].
وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 3816/1500).
قال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
• قلت: يغلب على ظني أن الاختلاف فيه من الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي، وهو: صدوق، يهم كثيرًا، ليَّنه بعضهم، وقال ابن عبد البر:"كان كثير الخطأ، ليس بحجة" [التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)،
علل ابن أبي حاتم (361)، وانظر ما تقدم تحت الحديث رقم (895)].
• وقد وهم هؤلاء في إسناده على سعيد المقبري، وقد سلك بعضهم فيه الجادة والطريق السهل، والمحفوظ في ذلك ما رواه أحد أثبت الناس في سعيد المقبري:
ط - فقد رواه: الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه قال: بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد جاءه رجل من بني سليم، يقال له: عمرو بن عبسة، كان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم بالمدينة، فقال: علمني يا رسول الله، ما أنت به عالم، وأنا به جاهل، وأنبئني بما ينفعني الله ولا يضرك، هل من الليل والنهار ساعة تبقى فيها الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما الليل إذا صلينا المغرب فالصلاة مقبولة مشهودة حتى نصلي صلاة الفجر فاجتنب الصلاة حتى ترتفع الشمس وتبيض؛ فإن الشمس تطلع بين قرني الشيطان، فإذا ابيضت الشمس فإن صلاة محضورة مقبولة حتى يتصف النهار، وتعتدل الشمس كأنها رمح منصوب، ويقوم كل شيء في ظله، فتلك الساعة التي تستعر فيها جهنم؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا مالت الشمس فإن الصلاة مقبولة محضورة حتى تصفر الشمس، فإنها تغرب بين قرني الشيطان".
وفي روايةٍ زاد في آخر الحديث: قال الليث: وحدثني بعض إخواننا عن المقبري في هذا الحديث أنه قال: "إلا يوم الجمعة؛ فإنه لا بأس بالصلاة يومئذ نصف النهار؛ لأن جهنم لا تسعر فيه"[راجع الطريق رقم (هـ)، ولا تثبت هذه الزيادة من وجه].
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 252/ 289 - مطالب)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 319 / 901).
هكذا رواه عن الليث بن سعد: عيسى بن حماد زغبة [ثقة، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات]، وعمرو بن محمد القرشي العنقزي الكوفي [ثقة].
والليث بن سعد من أثبت الناس في سعيد المقبري، ولم يسلك فيه الجادة، قال أحمد بن حنبل:"أصح الناس حديثًا عن سعيد المقبري: ليث بن سعد"، وقال ابن المديني:"الليث، وابن أبي ذئب: ثبتان في حديث سعيد المقبري"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 334/ 602) و (1/ 350/ 659)، التهذيب (3/ 629)، شرح علل الترمذي (2/ 670)].
قال الدارقطني في العلل (8/ 146/ 1466): "وقول الليث: أصح"؛ يعني: من قول الضحاك بن عثمان، وعياض بن عبد الله.
قال ابن رجب في الفتح (3/ 289): "وهو منقطع؛ عون لم يسمع من ابن مسعود، قال الدارقطني: قول الليث أصح؛ يعني: من قول الضحاك ويزيد بن عياض"[كذا، وإنما هو عياض بن عبد الله].
وقال ابن حجر في المطالب: "وهذا الإسناد صحيح؛ إلا أن فيه انقطاعًا؛ لأن عونًا لم يدرك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه".
قلت: وهو منقطع، كما قالا [انظر: سنن أبي داود (886)، تحفة التحصيل (251)].
• ولم ينفرد بذلك الليث، فقد تابعه:
ي - عبد الحميد بن جعفر [مدني، صدوق]، قال: أخبرني المقبري، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ جاء رجل من بني سليم، يقال له: عمرو بن عبسة، وكان تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وهو بمكة، ثم لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة، فجاءه فقال: يا رسول الله! علمني مما أنت به عالم، وأنا به جاهل، وأتني بما ينفعني، ولا تطول؛ فأي صلاة الليل والنهار سليمة؟ فذكر الحديث، وقال في آخره: أي صلاة المتطوعين أفضل؟ قال: "حين يذهب ثلث الليل"، أو قال:"حين ينتصف الليل، فتلك الساعة التي ينزل فيها الرحمن عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مذنب يستغفرني فأغفر له، هل من سائل يرغب إليَّ فأعطيه سُؤلَه، أم هل من عانٍ يرعن اليَّ [كذا في المطبوع، ولعلها: يدعوني] فأفك عانه، حتى إذا فرِق الفجر صعد الرحمن عز وجل العلي الأعلى".
أخرجه الدارقطني في النزول (12)، بإسناد صحيح إلى عبد الحميد.
وعلى هذا يكون الحديث قد عاد إلى حديث عمرو بن عبسة [الآتي ذكره، وهو في صحيح مسلم]، وأنه ليس من حديث أبي هريرة، ولا من حديث صفوان بن المعطل، والله أعلم.
وهذا الوجه الأخير قد رواه عن عبد الحميد: أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، وهو: بصري، ثقة.
ك - ورواه خالد بن الحارث الهجيمي [وهو: بصري، ثقة ثبت]، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، قال: أخبرني سعيد بن أبي سعيد؛ أنه أدرك الناس وهم يتقون الصلاة نصف النهار يوم الجمعة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 91/ 1836)، قال: وحدثونا عن إسحاق، قال: أخبرنا خالد به.
هكذا أبهم ابن المنذر مشايخه الذين حدثوه بذلك، وليس كل شيوخ ابن المنذر ثقات، فقد يخفى حال بعضهم عليه [انظر مثلًا: الأوسط (528)، وقد تقدم الكلام عليه في السُّنن تحت الحديث رقم (335)].
وعلى فرض ثبوته؛ فيقال: كلٌّ قد حدث عن عبد الحميد بما سمع، ومثل هذا يحتمل، وتكون هذه الرواية الأخيرة مما تؤكد ضعف الاستثناء المروي من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا، والله أعلم.
• وأما ما روي عن عمرو بن العاص في استثناء يوم الجمعة؛ فلا يثبت [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 469/ 5428)]، وسيأتي بيان حكم صلاة التطوع نصف النهار يوم الجمعة في الفقرة الآتية.
• وحديث أبي قتادة هذا يمكن حمله على صلاة التطوع، وعلى صلاة فريضة الجمعة نفسها:
• أما صلاة التطوع قبل الجمعة، ففيها أحاديث منها:
1 -
حديث سلمان الفارسي:
يرويه ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، قال: أخبرني أبي، عن [عبد الله] بن وديعة، عن سلمان الفارسي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".
أخرج البخاري (883 و 910)، وتقدم تحت الحديث رقم (343).
2 -
حديث أبي هريرة:
يرويه سهيل بن أبي صالح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام".
أخرجه مسلم (26/ 857)، وتقدم تحت الحديث رقم (343).
3 -
حديث أبي هريرة وأبي سعيد:
يرويه محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي أمامة بن سهل، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخطَّ أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته: كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها".
حديث حسن، تقدم برقم (343).
4 -
حديث أبي أيوب:
يرويه محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمران بن أبي يحيى، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فيركع إن بدا له، ولم يؤذ أحدًا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي: كانت كفارة لما بينها، وبين الجمعة الأخرى".
أخرجه ابن خزيمة (3/ 138/ 1775)، وهو حديث حسن، تقدم تحت الحديث رقم (343).
• وظاهر هذه الأحاديث أنه يصِلُ صلَاته حتى يخرج الامام، فإذا تكلم أنصت، وليس فيها التنبيه على الانتهاء من الصلاة قبل دخول وقت النهي عند انتصاف النهار وقبل خروج الإمام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كانت صلاة التطوع يوم الجمعة منهيًا عنها عند انتصاف النهار، لنبه على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي في السُّنن (2/ 465): "والاعتماد على أن النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إلى الجمعة، ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام، من غير تخصيص ولا استثناء"[وانظر: مختصر الخلافيات (2/ 262)].
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 378): "فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام،
…
"، إلى أن قال: "فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار.
وأيضًا: فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ولا يشعرون بوقت الزوال، والرجل يكون متشاغلًا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال، ولا يمكنه أن يخرج ويتخطى رقاب الناس، وينظر إلى الشمس ويرجع، ولا يشرع له ذلك.
وحديث أبي قتادة هذا: قال أبو داود: هو مرسل؛ لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة، والمرسل إذا اتصل به عمل، وعضده قياس، أو قول صحابي، أو كان مرسِلُه معروفًا باختيار الشيوخ، ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين، ونحو ذلك مما يقتضي قوته؛ عُمِل به".
قلت: حديث أبي قتادة حديث غريب لا يصح الاستشهاد به، والعمل على الأحاديث المذكورة، والآثار الآتي ذكرها.
• ومما يؤكد هذا المعنى فعل الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر من غير نكير:
فقد روى مالك، عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك؛ أنه أخبره: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن؛ جلسوا يتحدثون، حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا، فلم يتكلم أحد. لفظ الشافعي عن مالك، وبنحوه رواية أبي مصعب والقعنبي وابن بكير والحدثاني والشيباني، وانفرد الليثي بقوله: وأذن المؤذنون، وقوله: سكت المؤذنون، بصيغة الجمع، وهي لفظة شاذة.
زاد يحيى الليثي، وأبو مصعب الزهري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن بكير، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني: قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 160/ 274 - رواية يحيى الليثي)(238 - رواية القعنبي)(439 و 440 - رواية أبي مصعب الزهري)(138 - رواية الحدثاني)(227 و 228 - رواية الشيباني)، ومن طريقه: الشافعي في الأم (2/ 398/ 412)، وفي المسند (63)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 92/ 1837)، والبيهقي في السُّنن (3/ 192)، وفي المعرفة (2/ 477/ 1692 و 1693).
وهذا أثر صحيح، وقد صححه النووي في الخلاصة (2851)، وثعلبة بن أبي مالك: مختلف في صحبته، وله رؤية.
• ورواه معمر بن راشد [ثقة ثبت في الزهري]، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 207/ 5351)، وابن أبي شيبة (1/ 448/ 5174) و (1/ 458 / 5299).
ورواه معمر أيضًا، عن الزهري، قال: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك القرظي، قال: قد كان عمر يجيء فيجلس على المنبر، والمؤذن يؤذن ونحن نتحدث، فإذا قضى المؤذن أذانه انقطع حديثنا.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 208/ 5352).
• وقد أدرج يونس بن يزيد وابن أبي ذئب قول الزهري، فجعلاه من كلام ثعلبة:
• رواه ابن أبي ذئب [ثقة، لكن يضعَّف حديثه في الزهري،، عن ابن شهاب، قال: حدثني ثعلبة بن أبي مالك؛ أن قعود الإمام يقطع السُّبحةَ، وأن كلامه يقطع الكلام، وأنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالسٌ على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما، فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا.
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 13/ 4398)، وفي المسند (63)، ومن طريقه: البيهقي في السُّنن (3/ 193)، وفي المعرفة (2/ 477/ 1694).
• ورواه يونس بن يزيد الأيلي [ثقة، من أصحاب الزهري]، عن ابن شهاب، قال: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك القرظي؛ أن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام، وقال: إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر حتى يسكت المؤذن، فإذا قام عمر رضي الله عنه على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما، ثم إذا نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر وقضى خطبتيه تكلموا.
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 370)، وفي المشكل (9/ 435).
قال البيهقي (3/ 193): "ورواه ابن أبي ذئب ويونس عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك، ورواه مالك عن الزهري، فميز كلام الزهري من كلام ثعلبة كما ذكرنا، وهو المحفوظ عند محمد بن يحيى الذهلي".
• وقد روي عن ثعلبة من وجه آخر:
رواه عباد بن العوام [واسطي، ثقة]، عن يحيى بن سعيد [هو الأنصاري المدني: ثقة ثبت]، عن يزيد بن عبد الله [هو: ابن الهاد المدني، وهو: ثقة]، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، قال: أدركت عمر وعثمان، فكان الإمام إذا خرج يوم الجمعة تركنا الصلاة، فإذا تكلم تركنا الكلام.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 447/ 5173) و (1/ 458/ 5296).
وهذا إسناد صحيح.
• قال الشافعي في القديم: "وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار
الهجرة: أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة، ويتكلمون والإمام على المنبر" [المعرفة للبيهقي (2/ 477)، التمهيد (4/ 19)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 18): "وخروج عمر إنما كان بعد الزوال، بدليل حديث طنفسة عقيل بن أبي طالب، وإذا كان خروجه بعد الزوال وقد كانوا يصلون إلى أن يخرج؛ فقد كانوا يصلون وقت استواء الشمس، والله أعلم".
وقال في الاستذكار (1/ 107): "ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال؛ بدليل حديث طنفسة عقيل، وقد مضى ذلك في صدر الكتاب، فإذا كان خروج عمر بعد الزوال وكانت صلاتهم إلى خروجه؛ فقد كانوا يصلون وقت استواء الشمس، وإلى هذا ذهب مالك؛ لأنه عمل معمول به في المدينة، لا ينكره منكر، ومثل هذا العمل عنده أقوى من خبر الواحد، فلذلك صار إليه وعوَّل عليه، ويوم الجمعة وغير الجمعة عنده سواء؛ لأن الفرق بينهما لم يصح عنده في أثر ولا نظر".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 541): "وهذا تصريح باستمرارهم في الصلاة إلى ما بعد زوال الشمس، وهو مما يستدل به على الصلاة وقت استواء الشمس وقيامها يوم الجمعة".
• وسيأتي ذكر شيء من ذلك أيضًا في طرق حديث السائب بن يزيد الآتي برقم (1087 - 1090).
• وأما حديث أبي هريرة:
والذي رواه الحسن بن علي السكري: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل: ثنا مروان بن معاوية الفزاري: ثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ضمضم بن جوس، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خروج الإمام يوم الجمعة للصلاة - يعني: يقطع الصلاة -، وكلامه يقطع الكلام".
أخرجه البيهقي (3/ 193)، بإسناد صحيح إلى الحسن بن علي.
وهو حديث باطل بهذا الإسناد؛ إنما هو من كلام الزهري.
قال البيهقي: "وهذا خطأ فاحش؛ فإنما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب، من قوله غير مرفوع، ورواه ابن أبي ذئب ويونس عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك، ورواه مالك عن الزهري، فميز كلام الزهري من كلام ثعلبة كما ذكرنا، وهو المحفوظ عند محمد بن يحيى الذهلي".
قلت: الراوي عن مروان بن معاوية الفزاري هو: محمد بن عبد الرحمن بن حكيم بن سهم [تحرفت في المطبوع إلى: سهل] الأنطاكي: روى عنه جماعة من الأئمة والمصنفين منهم الإمام مسلم في صحيحه، ووثقه الخطيب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"[التهذيب (3/ 625)].
والراوي عنه هو: الحسن بن علي المعمري [تحرفت في المطبوع إلى: السكري]،
وهو: ثقة حافظ؛ إلا أنه رفع أحاديث وهي موقوفة، وزاد في المتون أشياء ليست فيها [انظر: الكامل (2/ 338)، تاريخ بغداد (7/ 369)، اللسان (3/ 71)]، والحمل في هذا الحديث عليه، ولعله دخل له حديث في حديث.
• وقد صح في النهي عن الصلاة نصف النهار أحاديث، في الصحيح منها:
1 -
حديث عقبة بن عامر:
يرويه موسى بن عُلَيّ، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهنَّ، أو أن نقبُر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميلَ الشمس، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب.
أخرجه مسلم (831)، ويأتي تخريجه في السُّنن برقم (3192)، إن شاء الله تعالى.
2 -
حديث عمرو بن عبسة:
رواه شداد بن عبد الله أبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة، قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن الناس على ضلالة
…
، فذكر حديثًا طويلًا، موضع الشاهد منه، أنه قال: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهلُه، أخبرني عن الصلاة؟ قال:"صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودٌ محضورةٌ حتى يستقلَّ الظلُّ بالرمحِ، ثم أقصِر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ حتى تصلي العصر، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار".
أخرجه مسلم (832)، ويأتي تخريجه في السُّنن تحت الحديث رقم (1277)، إن شاء الله تعالى.
• وقد روي أيضًا في النهي عن الصلاة نصف النهار:
عن ابن مسعود [تقدم، وفي إسناده انقطاع].
[وله فيه حديث آخر، بلفظ: كنا نُنْهَى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ونصفَ النهار: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 134/ 7358)، والبزار (5/ 219/ 1823)، وأبو يعلى (8/ 390/ 4977)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 91/ 1835)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 151)، وفي المشكل (10/ 131/ 3970)، والطبراني في الكبير (10/ 138 / 10238)][هكذا رواه أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود به، وإسناده كوفي جيد، وظاهره الرفع، وخالفه في لفظه وأوقفه على ابن مسعود: زائدة بن قدامة، فرواه عن عاصم به، بلفظ: فكان عبد الله ينهانا عن صلاتين في هاتين الساعتين: حين تطلع حتى ترتفع، ونصف النهار. أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 258/ 9280)، وهذا أشبه، فإن زائدة أحفظ من أبي بكر بن عياش، وله حكم الرفع، والله أعلم].
وعن أبي هريرة [تقدم، ولا يصح][وله حديث آخر: أخرجه أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (84)، وابن الأعرابي في المعجم (220)، والطبراني في الأوسط (5/ 53/ 4650)، وأبو نعيم في المنتخب من حديث يونس بن عبيد (48)][وهو حديث غريب جدًّا، قال ابن رجب في الفتح (3/ 290): وهذا غريب جدًّا، وكأنه غير محفوظ].
وعن صفوان بن المعطل [تقدم، ولا يصح].
وعن أبي عبد الله الصنابحي [أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 559/275)، وفي الكبرى (2/ 212/ 1554)، وابن ماجه (1253)، ومالك في الموطأ (1/ 301/ 584)، وعنه: الشافعي في الرسالة (317)، وفي اختلاف الحديث (10/ 96/ 100 - أم)، وفي المسند (166)، وأحمد (4/ 348 و 349)، وعبد الرزاق (2/ 425/ 3950)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 129 وأبو يعلى (3/ 37 / 1451)، والطحاوي في المشكل (10/ 135/ 3974 و 3975)، وفي أحكام القرآن (295 و 296)، وابن قانع في المعجم (2/ 74)، والجوهري في مسند الموطأ (342)، والبيهقي في السُّنن (2/ 454)، وفي المعرفة (2/ 262/ 1294)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 300)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 320/ 776)، [وأبو عبد الله الصنابحي: تابعي، لا صحبة له، وحديثه مرسل، راجع الحديث رقم (418)، الشاهد الثالث، وقد جزم بإرسال هذا الحديث: البيهقي، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 4)].
وعن مرة بن كعب أو: كعب بن مرة [أخرجه النسائي في الكبرى (7/ 5/ 4860 - 4862)، وأحمد (4/ 234 و 321)، وعبد الرزاق (2/ 425/ 3949)، والسري بن يحيى في حديثه عن شيوخه عن الثوري (127)، والحارث بن أبي أسامة (76 و 219 - بغية الباحث)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (5/ 111/ 2012)، والطبراني في الكبير (20/ 320/ 757)، والدارقطني في العلل (14/ 34/ 3398)، وابن بشران في الأمالي (657)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 56)][وفي سنده اختلاف، ورجح الدارقطني قول الثوري ومن تابعه، وفي سندهم رجل مبهم].
وعن علي بن أبي طالب [أخرجه البزار (3/ 86/ 858)، [وهو حديث ضعيف، تفرد به: أيوب بن جابر السحيمي، وهو: ضعيف، تفرد به عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور، وهو: ضعيف أيضًا، ولم يسمع منه أبو إسحاق سوى أربعة أحاديث].
وعن عبد الرحمن بن عوف [أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 133/ 279)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (3/ 133/ 935)، أواسناده حمصي ضعيف، وقد سبق الكلام عليه فيما تقدم تحت الحديث رقم (226)].
وعن جد عبد الحميد بن سلمة الأنصاري [أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (3/ 1122/ 2419)][ولا يصح سنده، راجع ما تحت الحديث رقم (862)، التهذيب (2/ 476)].
وعن غيرهم أيضًا، ولا تخلو هذه الأحاديث من مقال، أو اختلاف في أسانيدها، وفي الصحيح غنية؛ إذ يثبت به الحكم المراد، والله أعلم.
• قال مالك: "لا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم جمعة ولا في غير ذلك"، قال:"ولا يُعرف هذا النهي"، قال:"وما أدركتُ أهلَ الفضلِ والعُبَّادَ إلا وهم يهجرون ويصلون نصف النهار في تلك الساعة، ما يتقون شيئًا في تلك الساعة"[المدونة (1/ 107)، التمهيد (4/ 17)].
قلت: أما النهي فقد ثبت، فوجب العمل بما دل عليه الدليل، ولا حجة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه يستثنى يوم الجمعة لعموم الأدلة السابق إيرادها آنفًا.
وقال الشافعي في الأم (2/ 398): "فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الإمام على المنبر، فإذا صار على المنبر كفَّ منهم من كان صلى ركعتين فأكثر، وكلم حتى يأخذ في الخطبة، فإذا أخذ فيها أنصت استدلالًا بما حكيتُ، ولا يُنهى عن الصلاة نصف النهار من حضر يوم الجمعة".
وقال أيضًا: "من شأن الناس: التهجير إلى الجمعة، والصلاة إلى خروج الإمام"[المعرفة (2/ 279)].
وقال في القديم: "وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة: أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة، ويتكلمون والإمام على المنبر" لمعرفة للبيهقي (2/ 477)، التمهيد (4/ 19)].
قال ابن عبد البر تعليقًا عليه في التمهيد (4/ 19): "كأنه يقول: النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح، وخص منه يوم الجمعة بما روي من العمل الذي لا يكون مثله إلا توقيفًا، وبالخبر المذكور أيضًا، وبقَّى سائرَ الأيام موقوفةً على النهي".
وبهذا القول - وهو النهي عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة -: قال معاوية بن قرة، والحسن البصري، والحكم، والحسن بن حي، وأبو يوسف [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 469 و 470)، الأوسط لابن المنذر (4/ 91)، اختلاف العلماء للطحاوي (1/ 236 - مختصره)، التمهيد (4/ 19)].
وبهذا القول نكون قد أعملنا جميع أدلة الباب، دون أن نهمل شيئًا منها، وهو الصواب، والله أمحلم.
• وقد قال الإمام أحمد بكراهية الصلاة في هذا الوقت مطلقًا:
ذكر الأثرم قال: "سألت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - عن الصلاة نصف النهار يوم الجمعة؟ فقال: يعجبني أن تتوقاها، فذكرت له حديث ثعلبة بن أبي مالك القرفي: كنا نصلي يوم الجمعة حتى يخرج عمر، قلت له: هذا يدل على الرخصة في الصلاة نصف النهار؟ فقال: ليس في هذا بيان؛ إنما جاء الكلام مجملًا، كنا نصلي، ثم قال: لا، ولكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه: إنما نهى عن الصلاة نصف النهار وعند طلوع
الشمس وعند الغروب، حديث عمرو بن عبسة، وعقبة بن عامر، والصنابحي" [التمهيد (4/ 26)].
وقال إسحاق بن منصور في مسائله (119): "قلت: الصلاة نصف النهار؟ قال: أكرهه يوم الجمعة في الشتاء والصيف"، وقال في موضع آخر (505):"قلت: تكره الصلاة نصف النهار في الشتاء والصيف؟ قال: نعم، في يوم الجمعة وغيرها"، وانظر أيضًا (534).
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله للإمام أحمد: "رأيت أبا عبد الله - يعني: أحمد - إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى أن يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول، فإذا قاربت أمسك عن الصلاة حتى يؤذن المؤذن، فإذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا، يفصل بينها بالسلام"[الفتح لابن رجب (5/ 542)].
وأما تصرف البخاري في صحيحه فإنه يدل على أنه يذهب في ذلك مذهب مالك، لا سيما في ترجمته التي قال فيها:"من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر"، قبل حديث ابن عمر برقم (589).
قال ابن القيم في الزاد (1/ 380): "اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ليس وقت كراهة بحال، وهو مذهب مالك، الثاني: أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد، والثالث: أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة، فليس بوقت كراهة، وهذا مذهب الشافعي".
قلت: ومذهب الشافعي هو الصواب لاعماله جميع أدلة الباب، دون إهمال شيء منها، والله أعلم.
• وأما إقامة صلاة الجمعة في وقت النهي:
• فقد روي ذلك من فعل الخلفاء الراشدين، ولا يصح عنهم:
رواه جعفر بن برقان [الرقي: ثقة؛ إلا في الزهري]، عن ثابت بن الحجاج الكلابي [لم يرو عنه غير جعفر بن برقان، ووثقه أبو داود وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد ترجم له البخاري وابن أبي حاتم بروايته عن التابعين؛ مما يعني: أنه عندهم من تابعي التابعين، ولم يذكروا له رواية عن صحابي، فضلًا عن السماع، وأما ابن حبان فترجم له مرتين في التابعين وتابعيهم، وكأنه جعله اثنين، وله رواية تدل على أنه غزا مع عوف بن مالك الأشجعي، والأقرب عندي أنه كان يرسل عن غيره من الصحابة. التاريخ الكبير (2/ 162)، الجرح والتعديل (2/ 450)، الثقات (4/ 93) و (6/ 127)، تاريخ الرقة (75 و 76)، التهذيب (1/ 263)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 118)]، عن عبد الله بن سيدان السلمي، قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدنا مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: تنصَّف النهار، ثم شهدنا مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحدا عاب ذلك، ولا أنكره.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 110)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة (8/ 198/ 9201 - إتحاف)(2/ 356 - تغليق)، وعبد الرزاق (3/ 175/ 5210)، وابن أبي شيبة (1/ 444/ 5132)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 354/ 995)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 265)، وأبو علي محمد بن سعيد القشيري في تاريخ الرقة (14)، والدارقطني (2/ 17).
قال البخاري: "لا يتابع على حديثه"، وصرح العقيلي بأنه عنى هذا الحديث.
وقال ابن المنذر: "فأما حديث عبد الله بن سيدان: فغير ثابت ذلك عن أبي بكر وعمر، وقد عارضه حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر".
وقال ابن عدي في الكامل (4/ 222): "وهذا الذي أشار إليه البخاري هو حديث واحد، وهو: شبه المجهول".
وقال الدارقطني في ابن سيدان: "ليس بقوي"[تخريج الأحاديث الضعاف (394)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السُّنن (236)].
وقال اللالكائي: "مجهول، لا حجة فيه".
وقال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (2/ 497): "روي عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال من طريق لا يثبت"، ثم قال:"وعبد الله بن سيدان: لا يُعرف".
وقال النووي في الخلاصة (2710): "رواه الدارقطني وغيره، واتفقوا على ضعفه، وضعف ابن سيدان".
وقال في المجموع (4/ 431): "وأما الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان: فضعيف باتفاقهم؛ لأن ابن سيدان ضعيف عندهم، ولو صح لكان متأولًا لمخالفة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير (2/ 56): "لو صح لم يقدح في خصوص ما نحن فيه؛ فكيف وقد اتفقوا على ضعف ابن سيدان".
وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 195): "حديث ضعيف".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 415): "وهذا إسناد جيد".
وقال ابن حجر في التغليق: "رواته ثقات".
وقال في الإتحاف: "وعبد الله بن سيدان: قد ذكروه في الصحابة على قاعدتهم، ولا صحبة له؛ إلا أنه مخضرم، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه".
• وقبل أن أسوق كلام ابن حجر في الفتح؛ أقول: إن رجال هذا الإسناد ثقات؛ غير عبد الله بن سيدان؛ فإنه: تابعي، صحب أبا ذر، وروى عن عدد من الصحابة، وروى عنه: ميمون بن مهران، وثابت بن الحجاج، وحبيب بن أبي مرزوق، ولا تصح رواية عبيد الله بن الغسيل ولا جعفر بن برقان عنه، وإن كان الأول لا يُعرف، وقال ابن سعد:
"ذكروا أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم"، وتبعه على ذلك صاحب تاريخ الرقة وابن شاهين، وذكره ابن حبان في الصحابة مترددًا، فقال:"يقال: إن له صحبة"، ثم أعاده في ثقات التابعين، وقال العجلي:"جزري تابعي ثقة".
وفي المقابل: فقد ذكره العقيلي وابن عدي في الضعفاء لأجل حديثه هذا الذي قال فيه البخاري: "لا يتابع على حديثه"، وقال ابن عدي:"وهو: شبه المجهول"، وقال الدارقطني:"ليس بقوي"، وقال اللالكائي:"مجهول، لا حجة فيه"، وقال ابن بطال:"لا يُعرف"، وهو قليل الرواية، وغالب مروياته موقوفات على الصحابة، ولا يصح له عن الصحابة رواية حديث واحد مرفوع، إذ إن الأسانيد إليه لا تصح، فضلًا عن كون الذين ادعوا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن له صحبة: لا دليل لديهم على صحة مدعاهم، وعلى هذا: فإن الذي وصفه بالجهالة لم يخطئ في ذلك، لا سيما مع كون البخاري قد قدح في روايته لهذا الأثر، وأنه لم يتابع عليه، فجمع حينئذ بين الوصف بالجهالة، وبين عدم الضبط فيما ينقل [الطبقات الكبرى (7/ 438)، التاريخ الكبير (5/ 110)، معرفة الثقات (0 90)، الجرح والتعديل (5/ 68)، الثقات (3/ 347) و (5/ 31)، المعجم الكبير للطبراني (7/ 165/ 6715)، المعجم الأوسط (6/ 368/ 6637)، أسد الغابة (3/ 277)، الميزان (2/ 437)، اللسان (4/ 498)، الإصابة (4/ 125)].
• وعلى هذا فإن هذا الأثر: ضعيف؛ لا يثبت، ولا تقوم به الحجة؛ في مقابل ما سيأتي ذكره من الأحاديث المرفوعة، القاضية بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد زوال الشمس.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 387)[وما بين المعكوفين فمن كلامي]: "رجاله ثقات؛ إلا عبد الله بن سيدان، وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة، فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدي: شبه المجهول، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه.
بل عارضه ما هو أقوى منه: فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة؛ أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس؛ إسناده قوي [أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 285/ 3271)، وابن المنذر (2/ 359/ 1009)، والطحاوي (1/ 188)، لكنه في الظهر، وليس في الجمعة].
وفي الموطأ: عن مالك بن أبي عامر، قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر؛ إسناده صحيح [أخرجه مالك في الموطأ (13)]، وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس، وفهم منه بعضهم عكس ذلك، ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد، وهو بعيد، والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر يتأخر بعد الزوال قليلًا.
وفي حديث السقيفة: عن ابن عباس قال: فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر [أخرجه البخاري (6830)].
وأما علي: فروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق؛ أنه صلى خلف علي الجمعة
بعد ما زالت الشمس؛ إسناده صحيح [أخرجه ابن سعد في الطبقات (6/ 314)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 11)، وابن المنذر (2/ 351/ 986)، والطحاوي في أحكام القرآن (208)، والبيهقي في المعرفة (2/ 475/ 1688)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 56)، وإسناده صحيح].
وروى أيضًا [ابن أبي شيبة (1/ 445/ 5144)] من طريق أبي رزين، قال: كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانًا نجد فيئًا وأحيانًا لا نجد؛ وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلًا [أخرجه أيضًا: ابن المنذر (2/ 351/ 987)، وإسناده صحيح].
وأما النعمان بن بشير: فروى ابن أبي شيبة [(1/ 445/ 5145)] بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال: كان النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس، قلت: وكان النعمان أميرًا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية [أخرجه أيضًا: ابن المنذر (2/ 352/ 993)، وإسناده صحيح].
وأما عمرو بن حريث: فأخرجه ابن أبي شيبة [(1/ 445/ 5146)] أيضًا من طريق الوليد بن العيزار، قال: ما رأيت إمامًا كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، فكان يصليها إذا زالت الشمس؛ إسناده صحيح أيضًا، وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضًا [أخرجه أيضًا: ابن المنذر (2/ 352/ 992)].
وأما ما يعارض ذلك عن الصحابة: فروى ابن أبي شيبة [(1/ 444/ 5134)] من طريق عبد الله بن سلمة - وهو بكسر اللام - قال: صلى بنا عبد الله - يعني: ابن مسعود - الجمعة ضحى، وقال: خشيت عليكم الحر، وعبد الله: صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر، قاله شعبة وغيره [أخرجه أيضًا: الشافعي في الأم (7/ 185)، وابن المنذر (2/ 100/ 628) و (2/ 354/ 997)، والطحاوي في أحكام القرآن (206)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 55)، وآفته عبد الله بن سلمة، وتقدمت ترجمته عند الحديث رقم (229)، فلا يثبت هذا الأثر، ولا يحتج به على خلاف صحيح الحديث والأثر].
و [ابن أبي شيبة (1/ 445/ 5135) و (1/ 476/ 5501) و (6/ 187 / 30556)، من طريق سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية الجمعة ضحى، وسعيد ذكره ابن عدي في الضعفاء" انتهى كلام الحافظ، وما بين المعكوفين لذكر مصادر التخريج والتعقيب من كلامي.
قلت: وأثر معاوية رواه أيضًا: البخاري في التاريخ الكبير (3/ 477)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 327)، وابن المنذر (2/ 354 / 998) (3/ 48/ 992 - ط. الفلاح) [لكن وقع عنده: سويد بن سعيد، انقلب اسمه]. وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 100) و (59/ 150).
قال البخاري: "ولا يتابع عليه"، واكتفى ابن عدي بإيراد كلام البخاري فيه لما ترجم لسعيد بن سويد في كامله (5/ 544 - ط. الرشد)، وكأنه لم ير له شيئًا مرفوعًا يذكره له، مما يدل على جهالته، وقلة مروياته [انظر: اللسان (4/ 58)].