المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌206 - باب من صلى لغير القبلة ثم علم - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١١

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌190 - باب الرد على الإمام

- ‌(1/ 471).* * *191 -باب التكبير بعد الصلاة

- ‌192 - باب حذف التسليم

- ‌193 - باب إذا أحدث في صلاته يستقبل

- ‌194 - باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة

- ‌195 - باب السهو في السجدتين

- ‌196 - باب إذا صلى خمسًا

- ‌197 - باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك

- ‌198 - باب من قال: يتمُّ على أكبر ظنه

- ‌199 - باب من قال: بعد التسليم

- ‌200 - باب من قام من ثنتين ولم يتشهد

- ‌201 - باب من نسي أن يتشهد وهو جالس

- ‌ 273).***202 -باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم

- ‌203 - باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

- ‌204 - باب كيف الانصراف من الصلاة

- ‌205 - باب صلاة الرجل التطوعَ في بيته

- ‌206 - باب من صلى لغير القبلة ثم علِم

- ‌تفريع أبواب الجمعة

- ‌207 - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

- ‌(2/ 733).208 -باب الإجابة أيةُ ساعةٍ هي في يوم الجمعة

- ‌209 - باب فضل الجمعة

- ‌210 - باب التشديد في ترك الجمعة

- ‌211 - باب كفارة من تركها

- ‌212 - باب من تجب عليه الجمعة

- ‌(2/ 266).213 -باب الجمعة في اليوم المطير

- ‌214 - باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة

- ‌215 - باب الجمعة للمملوك والمرأة

- ‌216 - باب الجمعة في القُرى

- ‌(2/ 0 56).***217 -باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

- ‌(24/ 211)].***218 -باب ما يُقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

- ‌219 - باب اللُّبس للجمعة

- ‌220 - باب التحلُّق يومَ الجمعة قبلَ الصلاة

- ‌221 - باب في اتخاذ المنبر

- ‌222 - باب موضع المنبر

- ‌223 - باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌224 - باب في وقت الجمعة

- ‌225 - باب النداء يوم الجمعة

- ‌(24/ 193)].***226 -باب الإمام يكلِّم الرجلَ في خطبته

- ‌227 - باب الجلوس إذا صعِد المنبر

- ‌228 - باب الخطبة قائمًا

- ‌2).***229 -باب الرجل يخطب على قوس

الفصل: ‌206 - باب من صلى لغير القبلة ثم علم

فيقال: أما أهل المدينة فهم داخلون في عموم الأدلة السابقة على التفصيل المذكور، لا سيما وحديث زيد بن ثابت وابن عمر فيه خطاب للصحابة الذين كانوا يصلون في المسجد النبوي، وحديث عبد الله بن سعد صريح في الباب، فإن قيل: حديث زيد بن ثابت عام في تفضيل صلاة الرجل في بيته على جميع المساجد؟ والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟.

فيقال: جاءت قرائن تخدش هذا العموم قد احتفت بهذا النص، أو انفصلت عنه:

فهذا النص أولًا: إنما خوطب به أهل المسجد النبوي، وثانيًا: كان ذلك في صلاة التراويح خاصة وليس في عموم الرواتب أو النوافل المطلقة، وثالثًا: الأمر بصلاة التراويح في البيوت كان مقترنًا بالخشية من أن تفرض عليهم هذه الصلاة في رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة"، ومن ثم فإنه لما زال هذا المانع جمع عمر بن الخطاب الصحابة عليها في المسجد النبوي، ورابعًا: جاء النص الدال على مزيد فضل الصلاة في المسجد الحرام على المسجد النبوي، وذلك فيما اتفق عليه الشيخان [البخاري (1190)، مسلم (1394)] من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام"، وأخرج مثله مسلم من حديث ابن عمر (1395)، وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (1396)، وعليه فإن هذه القرائن تضعف القول بدخول المسجد الحرام في هذا العموم، بحيث تكون النافلة في البيت أفضل منها في المسجد الحرام، وخامسًا: صلاة المعتكف في مسجده خير من صلاته في بيته لأجل اعتكافه، فإن اقتران النافلة بالاعتكاف غير حكمها بدونه، وكذلك اقترانها بالمسجد الحرام، وسادسًا: شد الرحال إلى المساجد الثلاثة إذا قصرناه على تفضيل الفريضة فيها على الفريضة في مسجد حيه، كان ذلك أدعى لضعف الهمم عن تجشم مشاق السفر إلى المساجد الثلاثة؛ وذلك إذا كانت صلاته النافلة في بيته أفضل من صلاته في المسجد الحرام، ويقال مثل ذلك أيضًا فيمن شد الرحال للصلاة في المسجد النبوي والمسجد الأقصى، والله أعلم.

* * *

‌206 - باب من صلى لغير القبلة ثم علِم

1045 -

. . . حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يصلُّون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، فمرَّ رجلٌ من بني سَلِمة، فناداهم وهم

ص: 230

ركوعٌ في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حُوِّلتْ إلى الكعبة، مرتين، فمالوا كما هم ركوعٌ إلى الكعبة.

* حديث صحيح

أخرجه مسلم (527)، وأبو عوانة (1/ 416/ 1539)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 130/ 1166)، والنسائي في الكبرى (10/ 19/ 10941)، وابن خزيمة (1/ 223/ 430 و 431)، وأحمد (3/ 284)، وابن سعد في الطبقات (1/ 242)، وأبو يعلى (6/ 442/ 3826)، وأبو العباس السراج في مسنده (521)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (968)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (119)، والبيهقي (2/ 11)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 51)، والحازمي في الاعتبار (1/ 280/ 57).

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: موسى بن إسماعيل، وعفان بن مسلم، وبهز بن أسد، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وأسد بن موسى [وهم ثقات مشهورون، أكثرهم حفاظ]، وعبد العزيز بن داود [الحراني: ثقة، الجرح والتعديل (5/ 381)، الثقات (8/ 395)، تاريخ الإسلام (16/ 264)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (6/ 371)].

• وقد جمع بين ثابت وحميد في هذا الإسناد: أبو سلمة موسى بن إسماعيل [عند أبي داود]، وأبو أسامة [عند المخلص]، وإبراهيم بن الحجاج [عند أبي يعلى]، وعبد العزيز بن داود [عند أبي نعيم في المستخرج]، فهي زيادة محفوظة في الإسناد.

وأما الباقون فرووه عن حماد عن ثابت عن أنس.

• ولفظ عفان [عند مسلم]: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، فمرَّ رجل من بني سلِمة وهم ركوعٌ في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعةً، فنادى: ألا إن القبلة قد حُوِّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة.

• وله طرق أخرى عن أنس، منها ما رواه:

أ - زيد بن الحباب: نا جميل بن عبيد أبو النضر الطائي: نا ثمامة بن عبد الله، عن جده أنس بن مالك، قال: جاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن القبلة قد حُوِّلت إلى الكعبة، والإمام في الصلاة قد صلى ركعتين، فقال المنادي: قد حوِّلت القبلة إلى الكعبة، فصلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 216)، وابن أبي شيبة (1/ 294/ 3372)، والبزار (13/ 505/ 7335)، والطبراني في الأوسط (2/ 151/ 1545)، والدارقطني في السُّنن (1/ 274)، وفي الأفراد (1/ 161/ 672 - أطرافه).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ثمامة إلا جميل بن عبيد".

ص: 231

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ثمامة إلا جميل، تفرد به: زيد".

وقال الدارقطني: "تفرد به جميل بن عبيد عن ثمامة".

قلت: هذا إسناد صحيح غريب، ثمامة بن عبد الله بن أنس: روايته عن جده في الصحيحين [انظر: تحفة الأشراف (1/ 319 - 324/ 498 - 508)]، وجميل بن عبيد الطائي: روى عنه جماعة من الثقات، وقال ابن معين:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (2/ 519)، الثقات (6/ 147)، تاريخ الإسلام (10/ 107) و (11/ 71)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (3/ 202)]، وزيد بن الحباب: صدوق حافظ مشهور، وثقه جماعة [التهذيب (1/ 662)].

وهو شاذ بجعل الصلاة رباعية، والمحفوظ من حديث أنس: أنها كانت صلاة الفجر.

ب - أبو عاصم الضحاك بن مخلد [ثقة ثبت]: نا عثمان بن سعد: حدثنا أنس بن مالك، قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس أشهرًا، فبينما هو ذات يوم يصلي الظهر، صلى ركعتين إذ صُرف إلى الكعبة، فقال السفهاء:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} . وهذا لفظ عبد الله بن إسحاق الجوهري، وهو ثقة حافظ.

وفي رواية عمرو بن علي الفلاس، وخليفة بن خياط: "صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر، فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة، وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس انصرف بوجهه إلى الكعبة، فقال السفهاء:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} .

أخرجه ابن خزيمة (1/ 224 - 225/ 434)، وخليفة بن خياط في التاريخ (64)، والبزار (13/ 137/ 6531)، وابن جرير الطبري في التفسير (2/ 3 - 4).

قال البزار بعد أن ذكر لعثمان عن أنس ثلاثة أحاديث هذا منها: "وأحاديث عثمان بن سعد: إنما ذكرناها؛ لأن ألفاظها تخالف الألفاظ التي تروى عن أنس".

قلت: هذا حديث منكر؛ وعثمان بن سعد البصري الكاتب المعلم: لينه جماعة، وضعفه آخرون، وهو إلى الضعف أقرب، فإنه يروي عن أنس ما لا يتابع عليه [انظر: تاريخ الدوري (3599)، سنن الدارمي (2/ 375/ 2681)، جامع الترمذي (1683)، ضعفاء النسائي (421)، الجرح والتعديل (1/ 326) و (6/ 153)، ضعفاء العقيلي (3/ 204)، المجروحين (2/ 96)، الكامل (5/ 168)، الميزان (3/ 34)، التهذيب (3/ 61)]، وهو هنا في هذا الحديث خالف أصحاب أنس بن مالك، مثل: ثابت البناني، وحميد الطويل، وثمامة بن عبد الله، فلم يذكروا المدة، ولم يجعلوا التحول في الصلاة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا قول السفهاء من الناس، كما خالف عثمان بن سعد المحفوظ في حديث أنس: أن ذلك التحول كان في صلاة الفجر، لا الظهر، والله أعلم.

* ولحديث أنس في قصة تحويل القبلة شواهد، منها:

ص: 232

1 -

حديث البراء بن عازب:

يرويه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وسفيان الثوري، وشعبة [وهو غريب من حديثه]، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وزكريا بن أبي زائدة، وعمار بن رزيق، وشريك بن عبد الله النخعي، وحديج بن معاوية [وفيهم أثبت أصحاب أبي إسحاق]، وغيرهم:

عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا [وفي رواية: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجَّه إلى الكعبة، فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ]، فتوجَّه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142][فأنزل الله:]{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة: 142]، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ [العصر]، ثم خرج بعد ما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرَّف القوم [وفي رواية: فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر]، حتى توجَّهوا نحو الكعبة. وهذا لفظ إسرائيل [عند البخاري (399 و 7252)].

ولفظ زهير [عند البخاري (40 و 4486)]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال: أخواله من الأنصار، وأنه صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قومٌ، فخرج رجل ممن صلى معه، فمرَّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس، وأهلُ الكتاب، فلما ولَّى وجهه قِبَل البيت، أنكروا ذلك.

قال زهير: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحوَّل رجالٌ وقتلوا، فلم ندرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143].

ولفظ الثوري مختصر [عند البخاري (4492)، ومسلم (525/ 12)]، قال: حدثني أبو إسحاق، قال: سمعت البراء، يقول: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، ثم صُرِفنا نحو الكعبة.

وفي رواية لشريك وحديج: عن البراء، قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقالوا: كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس، فأنزل الله عز وجل:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ؛ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.

وقال شعبة وأبو الأحوص وابن أبي زائدة وعمار وشريك وحديج: ستة عشر شهرًا، بغير شك.

ص: 233

أخرجه البخاري في الصحيح (40 و 399 و 4486 و 4492 و 7252)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 26/ 82)، ومسلم (525)، وأبو عوانة (1/ 328 و 329/ 1162 - 1166) و (1/ 415 و 416/ 1537 و 1538)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 129/ 1161 و 1162)، والترمذي (340 و 2962)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 241/ 318)، والنسائي في المجتبى (1/ 242/ 488) و (1/ 243/ 489) و (2/ 60/ 742)، وفي الكبرى (1/ 456/ 948) و (10/ 16/ 10933 و 10934) و (10/ 17/ 10936)، وابن خزيمة (1/ 222/ 428) و (1/ 224/ 433)(1/ 226/ 437)، وابن حبان (4/ 618/ 1716) و (14/ 190/ 6281) و (15/ 290/ 6870)، وابن الجارود (165)، وأحمد (4/ 283 و 289 و 304)، والطيالسي (2/ 91/ 755) و (2/ 93/ 758)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ (18)، وسعيد بن منصور في سننه (2/ 621/ 223) و (2/ 625/ 224) و (2/ 626/ 225)، وابن سعد في الطبقات (1/ 242 و 243)، وابن أبي شيبة (1/ 294/ 3371) و (7/ 344/ 36610)، وخليفة بن خياط في التاريخ (64)، ولوين محمد بن سليمان المصيصي في جزء من حديثه (83 - 85)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 9)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 380/ 1413 و 1414) و (1/ 384/ 1428)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (339 و 340)، والروياني (278 و 297)، وابن جرير الطبري في التفسير (2/ 3 و 17)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (4/ 47 - 48/ 1142)، وأبو العباس السراج في مسنده (516 - 518)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (962 - 964)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2113 و 2116 و 2117 و 2570)، والطحاوي في أحكام القرآن (245)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/ 248/ 1328) و (1/ 251/ 1347) و (1/ 253/ 1354)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (323)، وابن منده في الإيمان (1/ 328 و 329/ 167 و 168)، وأبو العباس بن عصم في جزئه (31)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السُّنَة (4/ 816 - 818/ 1504 - 1506 و 1508)، والبيهقي في السُّنن (2/ 2)، وفي المعرفة (1/ 483/ 658)، وفي الدلائل (2/ 571 و 573)، وفي الشعب (1/ 44/ 11)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 52) و (23/ 135 و 136)، والواحدي في أسباب النزول (47)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 322/ 444)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 205)، والحازمي في الاعتبار (1/ 279/ 56).

قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 52)، وفي الاستذكار (2/ 453):"فظاهر هذا الخبر يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس؛ لا قبل ذلك، والله أعلم".

• خالفهم فوهم في إسناده ومتنه:

أبو بكر بن عياش، فرواه عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرًا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة

ص: 234

بشهرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء، وعلم الله من قلب نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يهوى الكعبة، فصعد جبريل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض، ينظر ما يأتيه به، فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية، فأتانا آتٍ، فقال: إن القبلة قد صرفت إلى الكعبة، وقد صلينا ركعتين إلى بيت المقدس ونحن ركوع، فتحولنا، فبنينا على ما مضى من صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟ "، فأنزل الله عز وجل:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} .

أخرجه ابن ماجه (1010)، وابن جرير الطبري في التفسير (2/ 3)(2/ 620 - ط. هجر)، وأبو العباس السراج في مسنده (515)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (961)، والدارقطني (1/ 273 - 274)، والواحدي في أسباب النزول (48)، وفي تفسيره الوسيط (1/ 229).

هكذا رواه عن أبي بكر بن عياش بهذا اللفظ: علقمة بن عمرو الدارمي [روى عن أبي بكر بن عياش، وروى عنه جماعة من المصنفين، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يغرب"، الثقات (8/ 525)، التهذيب (3/ 140)][وروايته عند ابن ماجه]، ورواه أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد [ضعيف] عن أبي بكر [عند السراج والدارقطني والواحدي] بنحو لفظ الجماعة؛ إلا أنه زاد في آخره: وقد صلينا ركعتين، وقال: ستة عشر شهرًا، ورواه يحيى بن آدم [ثقة حافظ][وروايته عند ابن جرير]، مختصرًا، وقال فيه: سبعة عشر شهرًا.

• وخالفهم في إسناده: أبو كريب محمد بن العلاء [ثقة حافظ]، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: قال البراء،

فذكره، وقال فيه: سبعة عشر شهرًا، وقال: وقد صلينا ركعتين إلى ههنا، وركعتين إلى ههنا، ثم قال في آخره: قال أبو كريب: فقيل له: فيه أبو إسحاق؟ فسكت.

أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير (2/ 3)(2/ 619 - ط. هجر).

هكذا اضطرب أبو بكر بن عياش في إسناد هذا الحديث ومتنه، ولم يحفظه، وأبو بكر بن عياش: ثقة، صحيح الكتاب، إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه، فلعله منه، فالله أعلم.

2 -

حديث ابن عمر:

يرويه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن مسلم القسملي، وسليمان بن بلال، وموسى بن عقبة، وصالح بن قدامة الجمحي، وعبد السلام بن حفص المديني [وهم ثقات، وفيهم كبار الحفاظ المتقنين]:

عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: بينا الناس بقُباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلةَ قرانٌ، وقد أُمِر أن يستقبل

ص: 235

الكعبة، فاستقبِلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة. لفظ مالك، والباقون بنحوه.

أخرجه البخاري في الصحيح (403 و 4488 و 4490 و 4491 و 4493 و 4494 و 7251)، وفي التاريخ الكبير (6/ 63)، ومسلم (526/ 13 و 14)، وأبو عوانة (1/ 329/ 1167 و 1168)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 129 و 130/ 1163 - 1165)، والترمذي (341 و 2963)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (1/ 244/ 493) و (2/ 61/ 745)، وفي الكبرى (1/ 457/ 951) و (10/ 17/ 10935)، والدارمي (1/ 307/ 1234)، وابن خزيمة (1/ 225/ 435)، وابن حبان (4/ 616/ 1715)، ومالك في الموطأ (1/ 271/ 524)، والشافعي في الرسالة (16 - أم)، وفي الأم (2/ 213/ 188)، وفي السُّنن (35)، وفي المسند (23 و 234)، وأحمد (2/ 16 و 26 و 105 و 113)، وابن أبي شيبة (1/ 295/ 3376)، وأبو العباس السراج في مسنده (519 و 520)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (965 - 967)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 68/ 1244)، والطحاوي في أحكام القرآن (247)، والدارقطني (1/ 273)، والجوهري في مسند الموطأ (466)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (46)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (169)(1745 - المخلصيات)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 158)، والبيهقي في السُّنن (2/ 2 و 11)، وفي المعرفة (1/ 482/ 655)، وفي الدلائل (2/ 572)، والبغوي في شرح السُّنَة (2/ 323/ 445)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، وفي التفسير (1/ 125)، وابن بشكوال في الغوامض (3/ 223)، والحازمي في الاعتبار (1/ 281/ 58).

• ورواه أيضًا: سويد بن سعيد: حدثني حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، وعن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به.

أخرجه مسلم (526/ 14)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 130/ 1165).

3 -

حديث ابن عباس:

يرويه سفيان الثوري، وإسرائيل، وقيس بن الربيع:

عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما وُجِّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة؛ قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية.

أخرجه أبو داود (4680)، والترمذي (2964)، والدارمي (1/ 308/ 1235)، وابن حبان (4/ 621/ 1717)، والحاكم (2/ 269)، وأحمد (1/ 295 و 304 و 322 و 347)، والطيالسي (4/ 397/ 2795)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 384/ 1429)، والبزار (11/ 69/ 4771)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (338)، وابن جرير الطبري في التفسير (2/ 17)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (4/ 48/ 1143)، والطبراني في الكبير (11/ 222/ 11729)، وابن بطة في الإبانة (2/ 778/ 1071)، وابن منده في التوحيد

ص: 236

(2/ 122/ 267)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السُّنَّة (4/ 817/ 1507)، والبيهقي في الشعب (3/ 33/ 2792)، وفي الاعتقاد (175)، والواحدي في تفسيره الوسيط (1/ 226 - 227)، والضياء في المختارة (12/ 27 و 28/ 19 و 20).

قال عبيد الله بن موسى - أحد رواة هذا الحديث عن إسرائيل -: "هذا الحديث يخبرك أن الصلاة من الايمان".

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وهو كما قال؛ فإن هذا الحديث من صحيح حديث سماك حيث رواه عنه سفيان الثوري، وسماك بن حرب: صدوق، تُكُلِّم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا - مثل شعبة وسفيان - فحديثهم عنه: صحيح مستقيم"[انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656)].

وله شاهد من حديث البراء المتقدم.

• ورواه زائدة بن قدامة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم صرفت القبلة بعدُ.

أخرجه أحمد (1/ 250 و 350 و 357)، وابن أبي شيبة (1/ 294/ 3373)، وخليفة بن خياط في التاريخ (64)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 380/ 1415)، والطبراني (11/ 227/ 11751)، والضياء في المختارة (12/ 81 و 82/ 91 و 92).

وهذا حديث صحيح، وزائدة بن قدامة: ثقة ثبت متقن، وهو من طبقة شعبة وسفيان، وله شاهد من حديث البراء المتقدم.

• وانظر فيمن أخطأ بإرساله [عند: ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (341)][وفي إسناده: إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني، وهو: ليس بثقة، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. التهذيب (1/ 63)].

• وله إسناد آخر:

يرويه يحيى بن حماد: ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرًا، ثم صُرِف إلى الكعبة".

أخرجه أحمد (1/ 325)، وابن سعد في الطبقات (1/ 243)، والبزار (11/ 107/ 4825) و (11/ 190/ 4935)، وأبو العباس السراج في مسنده (522)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (309)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (1/ 457/ 23 و 24)، والطبراني في الكبير (11/ 67/ 11066)، والدارقطني فيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (122)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (263) (1282 -

ص: 237

المخلصيات)، والبيهقي (2/ 3)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 54) و (17/ 49)، وفي الاستذكار (2/ 453)، والضياء في المختارة (13/ 82 و 83/ 134 - 136).

قال البزار: "وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلم أحدًا رواه إلا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، ولا نعلم رواه عن الأعمش إلا أبو عوانة".

وقد قال ابن حجر في التلخيص (1/ 215) بأن هذا الحديث هو أصح ما في الباب فيما يتعلق بالجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي إليها بمكة، ثم تعقبه بقوله:"ويعكِّر عليه حديث إمامة جبرائيل به صلى الله عليه وسلم عند باب البيت، وقد تقدم في المواقيت".

قلت: لفظة "باب" شاذة في حديث المواقيت، غير محفوظة، وإنما المحفوظ فيه: "أمني جبريل عند البيت مرتين،

"، وقد تقدم تخريجه برقم (393).

وأما حديث يحيى بن حماد هذا فإنه لا يصح: فإن الأعمش لم يصرح بسماعه من مجاهد، وقد تقدم الكلام على سماع الأعمش من مجاهد عند الحديث رقم (489)، والضابط فيه: أن نقبل ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد - من طريق صحيح ثابت عنه -، وطرح ما سوى ذلك؛ فإنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد؛ فإنه لا يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، لا يثبت منها إلا ما قال فيها:"سمعت"، فهو قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد: مدلَّس عن الضعفاء والمتروكين.

وهذا الحديث مما لم يصرح فيه الأعمش بالسماع؛ فهو مدلَّس عن الضعفاء، كما قال الأئمة، ولا يُقبل من حديثه عن مجاهد إلا ما قال فيه: سمعت، وعليه: فلا يثبت هذا من حديث مجاهد؛ لاحتمال أن يكون الأعمش دلسه عن مثل: الحسن بن عمارة وحكيم بن جبير، وقد تفرد به عن الأعمش: أبو عوانة، ولا رواه عن أبي عوانة غير يحيى بن حماد، وهو: ثقة، ختن أبي عوانة، ومن أروى الناس عنه، فهو إسناد غريب أيضًا، والله أعلم.

• وله أسانيد أخرى لا تصح [عند: أبي عبيد القاسم بن سلام في الناسخ (17)، وابن سعد في الطبقات (1/ 241)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 381/ 1421) و (1/ 382/ 1422) و (1/ 383/ 1427)، وابن جرير الطبري في التفسير (1/ 502) و (2/ 2 - 3 و 5)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/ 212/ 1123) و (1/ 247 - 248/ 1326 و 1327) و (1/ 248/ 1329) و (1/ 1348/252) و (1/ 253/ 1355)، وأبي جعفر النحاس في الناسخ (1/ 455/ 22)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 326/ 2412)، والدارقطني في الأفراد (1/ 465/ 2561 - أطرافه)، وأبي طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (188) (1207 - المخلصيات)، والمخلص في حديث ابن صاعد (8)، والحاكم في المستدرك (2/ 267 - 268)، والبيهقي في السُّنن (2/ 12)، وفي المعرفة (1/ 483/ 657)، وفي الدلائل (2/ 575)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 53)، وفي الاستذكار (2/ 454)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 249)، والحازمي في الاعتبار (1/ 282/ 59)] [وما جاء في هذه الأسانيد: عن عطاء عن ابن عباس، فهو عطاء بن أبي مسلم

ص: 238

الخراساني، ولم يسمع من ابن عباس، وليس هو عطاء بن أبي رباح، وفي سماع ابن جريج من عطاء الخراساني نظر] [وانظر: الدر المنثور (1/ 342 - 346)].

4 -

حديث سهل بن سعد:

يرويه عبد السلام بن حفص، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: لما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة مر رجل بأهل قباء وهم يصلون، فقال لهم: قد حُوِّلت القبلة إلى الكعبة، فاستداروا أمامهم نحو الكعبة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 63)، والدارقطني (1/ 274).

هكذا رواه عن عبد السلام: عبيد الله بن موسى، وهو: ثقة.

• خالفه: خالد بن مخلد: حدثنا عبد السلام بن حفص الليثي، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما،

فذكر الحديث.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 63).

قال البخاري عن هذا الوجه بأنه أثبت، وهو كما قال، والرواية الأولى وهم؛ فعاد الحديث بذلك مرة أخرى إلى حديث ابن عمر، وحديث سهل بن سعد خطأ.

وعبد السلام بن حفص: مدني، صدوق، وله غرائب [التهذيب (2/ 575)، الميزان (2/ 615)، سؤالات ابن أبي شيبة (92)، الفتح لابن رجب (5/ 511)]، وخالد بن مخلد القطواني: ليس به بأس، وله مناكير، يؤخذ عنه حديثه عن أهل المدينة [التهذيب (1/ 531)، الميزان (1/ 640)، شرح علل الترمذي (2/ 775)]، وروايته هنا مقبولة، ومقدمة على رواية عبيد الله بن موسى؛ لأنها وافقت رواية الثقات، ورواية عبيد الله غريبة، والحديث المشهور أولى من الحديث الغريب، والله أعلم.

5 -

حديث تويلة بنت أسلم، وقيل: نويلة، وقيل: ثويلة، وقيل: نائلة، وقيل: تولة، وقيل: نويلة بنت مسلم، وقيل: بديلة بنت مسلم:

روى إبراهيم بن حمزة [الزبيري][ليس به بأس. التهذيب (1/ 63)]: ثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة الحارثي [الأنصاري]، عن أبيه، عن جدته - أم أبيه - تويلة بنت أسلم [وفي رواية: نائلة بنت أسلم]- وهي من المبايعات -؛ أنهن لبمقامهن يصلين في بني حارثة [صلاة الظهر]، فقال عباد بن بشر بن وقش [وفي رواية: بن قيظي]: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام - أو: الكعبة -، قال: فتحوَّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلوا السجدتين الباقيتين نحو الكعبة.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 228/ 3461)، والطبراني في الكبير (24/ 207/ 530)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1930/ 4857) و (6/ 3282/ 7548).

• وقال ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 147): وروى ابن منده بإسناده عن يعقوب بن محمد الزهري [ضعيف، التهذيب (4/ 447)، الميزان (4/ 454)]، عن إبراهيم بن جعفر بن

ص: 239

محمود بن محمد بن مسلمة: حدثنا أبي، عن جدته تويلة بنت أسلم بن عميرة، قالت: صلينا في بني حارثة الظهر أو العصر، فصلينا سجدتين إلى بيت المقدس، فجاء رجل فأخبرهم:"أن القبلة قد صُرفت إلى المسجد الحرام"، قالت: فتحوَّلنا، فتحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال.

وهذا إن صح إسناده إلى يعقوب؛ فهو متابع لإبراهيم بن حمزة الزبيري.

• ورواه إسحاق بن إدريس [الأسواري البصري: متروك، منكر الحديث، قال ابن معين: "كذاب، يضع الحديث". انظر: اللسان (2/ 41)]: حدثنا إبراهيم بن جعفر: حدثني أبي، عن جدته - أم أبيه - نويلة بنت مسلم [وفي رواية بإسناد لا يصح: ثويلة بنت أسلم]، قالت: صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا ركعتين، ثم جاءنا من يحدثنا:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام"، فتحوَّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أولئك رجال آمنوا بالغيب".

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 200/ 3428)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/ 37/ 73)، والطبراني في الكبير (25/ 43/ 82)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3457/ 7864).

فهو حديث باطل بهذه الزيادة التي في آخره.

• وتابعه عليها من هو أسوأ منه حالًا: محمد بن الحسن [ابن زبالة، وهو: متروك، كذبه جماعة، وكان يسرق الحديث، التهذيب (3/ 540)]، عن إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، عن نويلة بنت أسلم، قالت: بينما نحن نصلي نحو بيت المقدس؛ إذ جاء رجل يقال له: عباد، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرف القبلة نحو المسجد الحرام، فتحوَّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أولئك قوم آمنوا بالغيب". أخرجه ابن بشكوال في الغوامض (3/ 225).

° وعلى هذا فإن العمدة في ذلك على ما رواه: إبراهيم بن حمزة الزبيري [ليس به بأس]، ويعقوب بن محمد الزهري [ضعيف]:

كلاهما عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة الحارثي الأنصاري، عن أبيه، عن جدته - أم أبيه - تويلة بنت أسلم - وهي من المبايعات -؛ أنهن لبمقامهن يصلين في بني حارثة، فقال عباد بن بشر بن وقش:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام" - أو: "الكعبة" -، قال: فتحوَّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلوا السجدتين الباقيتين نحو الكعبة.

وهذا إسناد مدني لا بأس به، جعفر بن محمود بن عبد الله بن محمد بن مسلمة الأنصاري: صدوق [التهذيب (1/ 312)]، وابنه إبراهيم: قال أبو حاتم: "صالح"، وذكره

ص: 240

ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (1/ 278)، الجرح والتعديل (2/ 91)، الثقات (6/ 7)، تاريخ الإسلام (12/ 48)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (2/ 167)].

• وأما ما رواه القاسم بن أبي شيبة: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد [الزهري المدني: ثقة]: ثنا شريك [هو: ابن عبد الله النخعي، وهو: صدوق، سيئ الحفظ]، عن أبي بكر بن صخير [هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، واسم أبي الجهم صخير، وهو: ثقة. التهذيب (4/ 488)]، عن إبراهيم بن عباد الأنصاري [لم أقف له على ترجمة]، عن أبيه - وكان إمام بني حارثة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - قال: بينما هو يصلي إذ سمع مناديًا ينادي: "ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حوَّل الكعبة"، فاستداروا راكعين نحو القبلة. أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 189)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1930 - 1931/ 4858).

وهو حديث باطل؛ فقد تفرد به عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد المدني، الثقة المشهور، الذي روى عنه جماعات من الأئمة والثقات، تفرد به عنه دون بقية أصحابه الثقات: القاسم بن محمد بن أبي شيبة، وهو: ضعيف، له مناكير وأباطيل عن الثقات، وقد أنكر عليه ابن عدي حديثًا تفرد به عن يعقوب عن شريك، فقال:"وأبطل القاسم في ذلك، وليس الحديث عند يعقوب بن إبراهيم، والقاسم: ضعيف"[الجرح والتعديل (2/ 550) و (7/ 120)، سؤالات البرذعي (371)، السُّنن الكبرى للنسائي (2/ 379/ 1963)، ضعفاء النسائي (520)، الكامل (4/ 20)، ضعفاء الدارقطني (441)، سنن البيهقي (6/ 140)، تاريخ الإسلام (17/ 298)، اللسان (6/ 382)].

6 -

حديث كعب بن مالك في بيعة العقبة، وفيه قصة البراء بن معرور:

روى ابن إسحاق، قال: فحدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين - أخو بني سلمة -؛ أن أخاه عبيد الله بن كعب - وكان من أعلم الأنصار - حدثه؛ أن أباه كعب بن مالك - وكان كعب ممن شهد العقبة، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها - قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا، فلما توجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء! إني قد رأيت والله رأيًا، وإني والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظَهرٍ - يعني الكعبة - وأن أصلي إليها، قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إني أصلي إليها، قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل،

فذكر الحديث، وأراد البراء أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما صنع، وكانوا لا يعرفونه؛ إذ لم يروه من قبل، فسألوا عنه حتى عرفوه بعمه العباس، قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه جالس فسلمنا، ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس:"هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ "، قال: نعم؛ هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاعر؟ " قال:

ص: 241

نعم، قال: فقال البراء بن معرور: يا نبي الله! إني خرجت في سفري هذا، وهداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال:"لقد كنتَ على قبلةٍ لو صبرتَ عليها"، قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معنا إلى الشام، قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم،

ثم اقتص الحديث بطوله في بيعة العقبة التي حضرها سبعون رجلًا وامرأتان.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 223/ 429)، وابن حبان (15/ 471/ 7011)، والحاكم (3/ 441)، وأحمد (3/ 460 - 462)(6/ 3380/ 16040 - ط. المكنز)، وابنه عبد الله في فضائل الصحابة (2/ 923/ 1767)، وابن هشام في السيرة النبوية (2/ 287)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 234/ 2542)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 395/ 1821)، وابن جرير الطبري في التاريخ (1/ 561)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 333/ 264)، والطبراني في الكبير (19/ 87/ 174)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 287)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 383/ 1159) و (4/ 2124/ 5331)، والبيهقي في الدلائل (2/ 444).

رواه عن ابن إسحاق به هكذا: إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، وزياد بن عبد الله البكائي [ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق، وفيما عدا المغازي فهو: ليس بالقوي]، ويونس بن بكير [كوفي صدوق]، وهؤلاء الثلاثة رووه عن ابن إسحاق به، فقالوا: عبيد الله بن كعب، المصغر.

بينما خالفهم: جرير بن حازم [بصري ثقة، يهم على ابن إسحاق قليلًا]، ويحيى بن سعيد الأموي [ثقة]، وسلمة بن الفضل الأبرش [ثبت في ابن إسحاق، وفي غيره يخطئ ويخالف، وعنده غرائب ومناكير. التهذيب (2/ 76)]، فقالوا: عبد الله، هكذا مكبرًا، وكلاهما المصغر والمكبر: ثقة.

وقول من قال: "عبيد الله بن كعب" المصغر: أولى بالصواب، ففيهم أثبت الناس في ابن إسحاق.

تنبيه: وقع في إسناد ابن خزيمة سقط، حيث سقط ذكر عبيد الله بن كعب من الإسناد، ولعل ذلك من شيخ ابن خزيمة محمد بن عيسى الدامغاني [نزيل الري، روى عنه جماعة منهم: النسائي، وأبو حاتم، وابن خزيمة، وابن جرير، وقال عنه أبو حاتم: "يكتب حديثه"، التهذيب (3/ 668)، وقال في التقريب (557): "مقبول"]، وقد رواه بإثباته كالجماعة: عمار بن الحسن الهمداني [ثقة][عند ابن حبان]، ومحمد بن حميد [حافظ ضعيف، كثير المناكير][عند الطبري]، كلاهما عن سلمة بن الفضل به؛ إلا أنه قال: عبد الله مكبرًا.

والحاصل: فإن هذا إسناد مدني صحيح، رجاله كلهم ثقات، ومعبد بن كعب بن

ص: 242

مالك: قال أحمد: "آل كعب بن مالك كلهم ثقات، كل من روى عنه الحديث"، وقال العجلي:"مدني تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الثقات، وأخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، وروى له مالك في الموطأ، فهو: ثقة [مسائل ابن هانئ (2152)، معرفة الثقات (1753)، شرح علل الترمذي (2/ 876)، التهذيب (4/ 115)]، وهو حديث صحيح، لا أعلم له علة، صححه ابن خزيمة وابن حبان.

قال أبو القاسم البغوي: "وبلغني أن البراء بن معرور توفي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من شهر، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلى عليه، وليس للبراء بن معرور مسند"، وقال نحوه ابن حبان، وزاد:"وأوصى أن يُوجَّه في حفرته نحو الكعبة ففُعِل به ذلك".

قلت: وفي هذا الحديث دليل صريح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس بمكة قبل الهجرة، وبهذا ترجم ابن خزيمة لهذا الحديث في صحيحه، والله أعلم.

* ومما لا يصح في الباب:

7 -

حديث معاذ بن جبل:

قال: أُحِيلَتِ الصلاةُ ثلاثة أحوالٍ، وَأُحِيلَ الصيامُ ثلاثة أحوالٍ.

فأما أحوالُ الصلاة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينةَ وهو يصلي سبعةَ عشرَ شهرًا إلي بيت المقدس، ثم إن الله أنزل عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} قال: فوجَّهه الله إلى مكة.

قال: فهذا حولٌ .... ، وذكر الحديث بطوله.

تقدم برقم (507)، وهو حديث ضعيف، والصحيح: مرسل.

• وقد روي موضع الشاهد منه من وجه آخر:

قال الطبراني: حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش: ثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم أنزل الله آيةً أمره فيها بالتحول إلى الكعبة، فقال:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 111/ 220)، وفي مسند الشاميين (2/ 437/ 1653).

قلت: مالك بن يخامر سمع معاذًا [انظر: صحيح البخاري (3641 و 7460)]، وشريح بن عبيد: حمصي تابعي ثقة، وضمضم بن زرعة الحمصي: قال ابن معين: "ثقة"، وقال أبو حاتم:"ضعيف"، وقال صاحب تاريخ الحمصيين:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، ونقل ابن خلفون عن ابن نمير توثيقه [تاريخ دمشق (24/ 415)، إكمال مغلطاي (7/ 40)، التهذيب (2/ 230)]، ورواية إسماعيل عن أهل الشام مستقيمة، لكن الشأن في ابنه، فإن محمد بن إسماعيل بن عياش: تكلموا فيه وفي روايته عن أبيه، فقال

ص: 243

أبو حاتم: "لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث"، وقال أبو زرعة الرازي:"كان لا يدري أمر الحديث"، وقال أبو داود:"لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غير مرة وهو حي، وسألت عمرو بن عثمان عنه فدفعه"[الجرح والتعديل (7/ 190)، علل الحديث (2/ 374)، سؤالات الآجري (5/ ق 23)، التهذيب (3/ 514)]، وشيخ الطبراني: عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الزبيدي الحمصي: لم أر من ترجم له، ولا حتى في تاريخ دمشق، وهو شيخ للطبراني، أكثر عنه في مصنفاته.

وعليه: فهو إسناد شامي لا يثبت مثله.

8 -

حديث أبي سعيد بن المعلى [عند: البخاري في الكنى (33)، والنسائي في المجتبى (2/ 55/ 732)، وفي الكبرى (1/ 401 - 402/ 813) و (10/ 17/ 10937)، وأبي عبيد القاسم بن سلام في الناسخ (19)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 382/ 1423)، والطحاوي في أحكام القرآن (248 و 249)، والطبراني في الكبير (22/ 303/ 770)][وفي إسناده: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى، وهو: ضعيف].

9 -

حديث عمرو بن عوف المزني [عند: البخاري في التاريخ الكبير (6/ 307)، وابن سعد في الطبقات (1/ 242)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 383/ 1425)، والبزار (8/ 323 - 324/ 3399)، والطبراني في الكبير (17/ 18/ 17)، وابن عدي في الكامل (6/ 59)][وفي إسناده: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وهو: متروك].

10 -

حديث عمارة بن أوس الأنصاري [عند: ابن سعد في الطبقات (1/ 243)، وابن أبي شيبة (1/ 295/ 3374)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 398/ 1424 - السفر الثاني)، وأبي يعلى في المسند (3/ 79/ 1509)، وفي المفاريد (21)، والطحاوي في أحكام القرآن (250)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 247)، وأبي نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2079/ 5229)][وفي إسناده: قيس بن الربيع، وهو: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به، وخالفه فيه: أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين، وهو: متروك، منكر الحديث، فجعله من مسند عمارة بن رؤيبة. أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2078/ 5227)].

11 -

حديث سعد بن أبي وقاص [عند: ابن عدي في الكامل (1/ 191)، وأبي بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (3/ 797)، والبيهقي في السُّنن (2/ 3)، وفي الدلائل (2/ 574)][ضعفه ابن عدي والبيهقي، وهو منكر بوصله، إنما هو من مراسيل سعيد بن المسيب، وقد تفرد بوصله فقال فيه: عن سعد: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وهو: ضعيف، والمعروف: ما رواه الثقات الحفاظ؛ مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وسفيان الثوري، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا، وقال الدارقطني في العلل (4/ 365/ 631):) والمرسل أصح"، وسيأتي ذكر من أخرجه في المراسيل].

ص: 244

° وانظر في المراسيل: موطأ مالك (1/ 271/ 525)، الرسالة (17 - أم)، السُّنن المأثورة (35)، مسند الشافعي (234)، طبقات ابن سعد (1/ 242)، تاريخ خليفة بن خياط (64)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (1/ 381/ 1418)، تعظيم قدر الصلاة لابن نصر (342)، تفسير ابن جرير الطبري (1/ 502) و (2/ 3 و 4)، معرفة السُّنن والآثار (1/ 482/ 656)، دلائل النبوة للبيهقي (2/ 573).

* وأما الأحاديث المتعلقة بترجمة الباب فيمن صلى إلى غير القبلة ثم تبين خطأه:

1 -

حديث عامر بن ربيعة:

يرويه أبو الربيع أشعث بن سعيد السمان [وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري، وسعيد بن سليمان الواسطي، وشيبان بن فروخ، وهم ثقات]، وعمر بن قيس [سندل: متروك، ولا يصح من حديثه]:

عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلًا، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدًا يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل الله عز وجل:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} . وفي رواية: فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"مضت صلاتكم"، ونزلت:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .

أخرجه الترمذي (345 و 2957)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 246 - 247/ 322)، وابن ماجه (1020)، والطيالسي (2/ 462/ 1241)، وعبد بن حميد (316)، والبزار (9/ 269/ 3812)، وابن جرير الطبري في التفسير (1/ 503)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 31)(1/ 140/ 89 - ط. السرساوي)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/ 211/ 1120)، والطبراني في الأوسط (1/ 145/ 460)، والدارقطني (1/ 272)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 179)، والبيهقي (2/ 11)، والواحدي في أسباب النزول (45)، وابن الجوزي في التحقيق (391).

قال الترمذي في الموضع الأول: "هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان: يضعَّف في الحديث".

وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان أبي الربيع عن عاصم بن عبيد الله، وأشعث: يضعَّف في الحديث".

وقال الطوسي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من طريق أشعث السمان، وهو أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان".

وأخرجه العقيلي في ترجمة أبي الربيع السمان مع حديث آخر، ثم قال:"وله غير حديث من هذا النحو، لا يُتابع على شيء منها"، وقال أيضًا:"ليس يُروى متنُه من وجهٍ يثبت".

ص: 245

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عاصم بن عبيد الله إلا أبو الربيع السمان".

قلت: هكذا جزم الأئمة بتفرد أبي الربيع السمان به، وعلى هذا فإن زيادة عمر بن قيس [سندل] في إسناد مسند الطيالسي قد يكون وهمًا من يونس بن حبيب راوي المسند نفسه [وهو: ثقة، وقد رواه من طريقه هكذا بالزيادة: البيهقي]، وقد رواه عن الطيالسي بدونها: يحيى بن حكيم المقوم [ثقة حافظ][عند ابن ماجه والبزار]، وأبو يوسف يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد [ثقة. التعجيل (1196)][عند الدارقطني].

كذلك فقد تحرف اسم أشعث بن سعيد عند عبد بن حميد إلى سعد بن سعيد، فأوهم المتابعة، وليس ذلك إلا تحريفًا، وفي المطبوع من المنتخب: أخبرنا يزيد بن هارون: أنا سعد بن سعيد، والحديث يرويه يزيد بن هارون عن أشعث بن سعيد، وليس عن سعد [كما عند الدارقطني]، والله أعلم.

والحاصل: فإن هذا الحديث قد تفرد به أبو الربيع أشعث بن سعيد السمان، عن عاصم بن عبيد الله به، كما جزم بذلك الأئمة.

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 231) بأنه حديث لا يصح؛ لأنه لم يروه إلا عاصم بن عبيد الله، وهو ساقط.

وقال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 358/ 1104): "وموضع العلة منه: عاصم بن عبيد الله؛ فإنه مضطرب الحديث، تُنكر عليه أحاديث، وأشعث السمان: سيئ الحفظ، يروي المنكرات عن الثقات، وقال فيه عمرو بن علي: متروك".

وضعفه النووي في المجموع (3/ 215).

قلت: هو حديث منكر؛ حيث تفرد به: عاصم بن عبيد الله العمري، وهو: منكر الحديث [التهذيب (2/ 254)، الميزان (2/ 353)، تقدم له حديث منكر برقم (774)].

والمتفرد به عنه: أبو الربيع السمان: متروك، قال هشيم:"كان يكذب"، وقال العقيلي بعد أن ساق في ترجمته حديثين هذا أحدهما:"وله غير حديث من هذا النحو، لا يُتابع على شيء منها"[التهذيب (1/ 178)، الميزان (1/ 263)].

° وله وجه آخر من الإعلال:

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 75/ 202)(2/ 43/ 202 - ط. سعد الحميد): "سألت أبي عن حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ "أنه كان يصلي على راحلته تطوعًا"، فقال: فيها نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}؟، وحديث أبي الربيع السمان الذي رواه عن عامر بن ربيعة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة؟ قال: إن حديث ابن عمر: أصح من حديث أبي الربيع السمان".

قلت: أعله أبو حاتم بما صح في سبب نزول هذه الآية، وصنيع الترمذي يدل على ذلك أيضًا؛ فإنه بعد أن أخرج حديث عامر بن ربيعة وضعفه، أتبعه بحديث ابن عمر وصححه:

ص: 246

• فقد روى يحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن إدريس، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن فضيل، وعيسى بن يونس، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحفص بن غياث، وحكام بن سلم الرازي [وهم: ثلاثة عشر رجلًا من الثقات، بعضهم من كبار الحفاظ]:

عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، وفي رواية: ثم تلا ابن عمر: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، وقال: في هذا نزلت.

أخرجه مسلم (700/ 33 و 34)، وأبو عوانة (2/ 73/ 2361)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 290/ 1570)، والترمذي (2958)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (1/ 244/ 491)، وفي الكبرى (10/ 15/ 10930)، وابن خزيمة (2/ 252/ 1267) و (2/ 253/ 1269)، والحاكم (2/ 266)[ووهم في استدراكه]، وأحمد (2/ 20 و 41)، وابن أبي شيبة (2/ 237/ 8513)(5/ 494/ 8600 - ط. عوامة)، وابن نصر المروزي في السُّنَّة (377)، وأبو يعلى (10/ 17/ 5647)، وابن جرير الطبري في التفسير (1/ 503)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2037 - 2040 و 2085)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 248/ 2802)، والطحاوي في أحكام القرآن (253)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/ 212/ 1121)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (31)، والطبراني في الكبير (13/ 86/ 13725)، والدارقطني (1/ 271)، والبيهقي في السُّنن (2/ 4 و 12)، وفي المعرفة (1/ 485/ 659)، والواحدي في أسباب النزول (46).

2 -

حديث جابر بن عبد الله:

يرويه داود بن عمرو الضبي [ثقة]: ثنا محمد بن يزيد الواسطي [الكلاعي: ثقة ثبت]، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير أو سرية، فأصابنا غيمٌ، فتحرينا واختلفنا في القبلة، فصلى كل رجل منا على حدة، فجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فلما أصبحنا نظرناه فإذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"قد أجزأت صلاتكم".

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (136 - بغية الباحث)(2/ 258/ 1639 - إتحاف الخيرة)(3/ 342/ 317 - مطالب)، والدارقطني (1/ 271)، والحاكم (1/ 206)، والبيهقي (2/ 10).

قال الحاكم: "هذا حديث محتج برواته كلهم؛ غير محمد بن سالم فإني لا أعرفه بعدالة ولا بجرح، وقد تأملت كتاب الشيخين فلم يخرجا في هذا الباب شيئًا".

فتعقبه الذهبي فقال في التلخيص: "هو أبو سهل: واهٍ"، وقال ابن حجر في الإتحاف (3/ 265/ 2974):"هو معروف بالضعف".

ص: 247

وخالف الحاكمَ الدارقطني والبيهقي:

قال الدارقطني في السنن: "كذا قال: عن محمد بن سالم، وقال غيره: عن محمد بن يزيد عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء، وهما ضعيفان".

وقال في العلل (13/ 384/ 3276): "رواه داود بن عمرو، عن محمد بن يزيد، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر، وغيره يرويه عن محمد بن يزيد، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن عطاء، عن جابر، وكلاهما ضعيفان".

وقال البيهقي: "تفرد به: محمد بن سالم ومحمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء، وهما ضعيفان".

وبهما أيضًا أعل ابنُ القطان الحديثَ في بيان الوهم (3/ 360/ 1105).

قلت: محمد بن سالم الهمداني أبو سهل الكوفي: متروك، منكر الحديث [التهذيب (3/ 568)].

• ورواه موسى بن مروان الرقي: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن محمد بن عبيد الله، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، فذكره بمعناه.

أخرجه البيهقي (2/ 10).

وموسى بن مروان البغدادي، سكن الرقة: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو حاتم وأبو داود وجماعة من الأئمة والثقات [التهذيب (4/ 187)، الجرح والتعديل (8/ 164 و 165)، تاريخ بغداد (13/ 41)، تاريخ دمشق (61/ 209)].

ومحمد بن عبيد الله العرزمي: متروك.

• ورواه الحارث بن نبهان [متروك، منكر الحديث. التهذيب (1/ 338)، الميزان (1/ 444)]، عن محمد بن عبيد الله، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: صلينا ليلةً في غيم، وخفيت علينا القبلة، وعلمنا علمًا، فلما انصرفنا نظرنا فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"قد أحسنتم"، ولم يأمرنا أن نعيد.

أخرجه ابن وهب في الجامع (453)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 11).

وانظر أيضًا: سنن سعيد بن منصور (2/ 601/ 210)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 295/ 3382 و 3384)، المعرفة والتاريخ (3/ 28).

قلت: وهذان الطريقان لا يقوي أحدهما الآخر؛ فإن راوييه عن عطاء كلاهما: متروك.

• ورواه أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً كنت فيها، فأصابتنا ظلمةٌ فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منها: القبلة ها هنا قبَلَ الشمال، فصلوا وخطوا خطًا، وقال بعضهم: القبلة ها هنا قبَلَ الجنوب، وخطوا خطًا، فلما أصبحنا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فقدمنا من سفرنا، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك، فسكت، وأنزل الله عز وجل:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ؛ أي: حيث كنتم.

ص: 248

أخرجه الدارقطني (1/ 271)، والبيهقي (2/ 11)، والواحدي في أسباب النزول (44)، وفي تفسيره الوسيط (1/ 195).

قال البيهقي في السُّنن (2/ 12): "ولم نعلم لهذا الحديث إسنادًا صحيحًا قويًا؛ وذلك لأن عاصم بن عبيد الله بن عمر العمري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، ومحمد بن سالم الكوفي: كلهم ضعفاء، والطريق إلى عبد الملك العرزمي غير واضح لما فيه من الوجادة وغيرها، وفي حديثه أيضًا نزول الآية في [غير] ذلك، وقد صح عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ أن الآية إنما نزلت في التطوع خاصة، حيث توجه بك بعيرك"[انظر: تهذيب السُّنن للذهبي (1/ 464)].

وقال في الخلافيات (2/ 24 - مختصره): "وهذا ليس بالقوي لما فيه من الوجادة، والصحيح بهذا الإسناد: عن عبد الملك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن هذه الآية إنما أنزلت في التطوع خاصة".

وقال في المعرفة (1/ 485): "حديث ضعيف، لم يثبت فيه إسناد".

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 231) بأنه حديث لا يصح؛ لأنه لم يروه إلا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو ساقط، وأخطأ في تضعيف عبد الملك، بل هو ثقة.

وقال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 359/ 1105): "علته الانقطاع فيما بين أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري وأبيه، والجهل بحال أحمد المذكور، وما مُسَّ به أيضًا عبيد الله بن الحسن العنبري من المذهب، على ما ذكر ابن أبي خيثمة وغيره".

وضعفه النووي في المجموع (3/ 215).

قلت: أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري: روى عنه جماعة من الثقات، لكنه مجهول الحال، بل قد وجدت له أوهامًا [علل الدارقطني (13/ 28/ 2919)، الثقات (8/ 31)، بيان الوهم (3/ 359/ 1105)، اللسان (1/ 533)، التعجيل (1321)، ذيل الميزان (110)].

ولا تحتمل الوجادة من مثله؛ لأنا لا نعلم هل كان كتاب أبيه مصونًا عن الزيادة والنقصان، أم لا؟ وهل كان كتاب أبيه صحيحًا مقبولًا عند الأئمة؟ ولم أجد شيئًا يدل على ذلك، ولأنه لم يصرح بأنه بخط أبيه، فقد يكون أدخل فيه ما ليس من حديثه، ولأن الوجادة يدخلها من التصحيف والتحريف ما لا يدخل على السماع والعرض.

ثم هو غريب من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، والمحفوظ عنه في ذلك:

• ما رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن إدريس، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن فضيل، وعيسى بن يونس، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحفص بن غياث، وحكام بن سلم الرازي [وهم: ثلاثة عشر رجلًا من الثقات، بعضهم من كبار الحفاظ]:

عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه،

ص: 249

قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، وفي رواية: ثم تلا ابن عمر: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، وقال: في هذا نزلت.

أخرجه مسلم (700/ 33 و 34)، وتقدم ذكره قبل حديث جابر هذا.

قال البيهقي في المعرفة (1/ 485): "وهو أصح ما روي في نزول هذه الآية".

3 -

حديث معاذ بن جبل:

روى أحمد بن محمد بن رشدين المصري: ثنا هشام بن سلام البصري: ثنا أبو داود الطيالسي: ثنا إسماعيل بن عبد الله السكوني أبو إبراهيم، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبيه، عن معاذ بن جبل، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم إلى غير القبلة، فلما قضى الصلاة وسلم، تجلت الشمس، فقلنا: يا رسول الله! صلينا إلى غير القبلة! قال: "قد رفعت صلاتكم بحقها على الله عز وجل ".

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 85/ 246)، وفي مسند الشاميين (51).

وعلقه ابن منده في الكنى (133)، ثم قال:"قال أبو داود الطيالسي: هذا حديث منكر".

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا إسماعيل بن عبد الله، ولا عن إسماعيل إلا أبو داود، تفرد به هشام بن سلام".

قلت: وهذا حديث باطل؛ أبو عبلة شمر بن يقظان [الجرح والتعديل (4/ 375)، الثقات (4/ 367)]، وإسماعيل بن عبد الله السكوني أبو إبراهيم [فتح الباب (133)، وليس هو ابن خالد الرقي السكري، ولا ابن زرارة الرقي؛ فإنه أقدم منهما]، وهشام بن سلام البصري: كلهم مجاهيل، وفي تفرد الأخير عن الطيالسي نكارة ظاهرة، وشيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)].

° وفي عدم إيراد أبي داود لشيء من هذه الأحاديث في هذا الباب دليل على ضعفها عنده، إذ لو صح عنده منها شيء لاحتج به، لكنه أعرض عنها جميعًا، واستعاض عنها بما صح من حديث أنس في تحويل القبلة، إذ هو كافٍ في الاستدلال به على المراد.

وكذلك فعل النسائي؛ فإنه ترجم لذلك بقوله: "باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد"، ثم أخرج تحته حديث ابن عمر في تحويل القبلة المتفق عليه، والذي تقدم معنا في الشواهد، ولم يورد شيئًا من هذه الأحاديث.

° وقبل أن أشرع في ذكر شيء من فقه حديث الباب، أنبه على أن حديث:"ما بين المشرق والمغرب قبلة": لا يصح رفعه، إنما يصح موقوفًا على عمر بن الخطاب.

وقد سبق أن خرجته في مسائل الفقه (4/ 226)، وقد روي مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وابن عباس:

• وأقوى إسناد للمرفوع:

ما رواه عبد الله بن جعفر المخرمي، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بين المشرق والمغرب قبلة".

ص: 250

أخرجه الترمذي (344)، وابن أبي شيبة (2/ 141/ 7440)، وحرب الكرماني في مسائله (1160)، والبزار (15/ 153/ 8485)، والطبراني في الأوسط (1/ 241/ 790) و (9/ 67/ 9140)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 59)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 327/ 446).

قال البخاري: "وحديث عبد الله بن جعفر المخرمي، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أقوى وأصح من حديث أبي معشر"[جامع الترمذي (343)].

وقد احتج بعضهم بتقوية البخاري لحديث الأخنسي هذا، وكلام البخاري هنا لا يعدو عقد مقارنة بين إسنادين أحدهما أقوى من الآخر، ولا يلزم من ذلك صحة واحد منهما عند البخاري نفسه؛ والا فلو كان البخاري مصححًا له لأخرجه في صحيحه لشدة حاجته إليه؛ فقد بوَّب في صحيحه، في كتاب الصلاة، (29) باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، ثم قال البخاري:"ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا"، ثم أسند حديث أبي أيوب (394)، ومراد البخاري من قوله: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة": يعني: لأهل المدينة والشام [انظر: الفتح لابن رجب (2/ 289)، الفتح لابن حجر (1/ 594)].

ومع ذلك فإن الترمذي قد اعتمد كلام البخاري هذا في تصحيح الحديث، فقال:"هذا حديث حسن صحيح"، فأخطأ في ذلك.

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عثمان بن محمد إلا عبد الله بن جعفر".

قلت: عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المخرمي: صدوق، وإنما التبعة فيه على الأخنسي.

قال أبو داود في مسائله لأحمد (1904): "سمعت أحمد يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"، وليس له إسناد.

يعني: حديث عبد الله بن جعفر المخرمي - من ولد مسور بن مخرمة -، عن عثمان الأخنسي، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يريد بقوله: ليس له إسناد؛ لحال عثمان الأخنسي؛ لأن في حديثه نكارة".

قلت: يعني: ليس له إسناد يحتج به في الأحكام، وأين الأخنسي من أصحاب سعيد المقبري، مثل: الليث بن سعد، وابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، وعبيد اللّه بن عمر، وابن عجلان، وإسماعيل بن أمية، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وداود بن قيس الفراء، وعبد الحميد بن جعفر، وغيرهم كثير، كيف يتفرد الأخنسي عن هؤلاء بهذا الحديث الذي هو كالمثل السائر، والعلم الشامخ في مسألة من أهم مسائل شروط الصلاة، وهي استقبال عين القبلة أو جهتها؛ فإن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنسي: وإن وثقه ابن معين، فقد قال ابن المديني:"وروى عثمان هذا أحاديث مناكير عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة"، والبخاري أيضًا وإن وثقه، فقد قال:"وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري"، ولم يذكر له سماعًا من المقبري في ترجمته من التاريخ الكبير، بل لم أقف له على سماع فيما وقفت عليه من حديثه عن المقبري، مع قلته ونكارة بعضه، وقد قال

ص: 251

النسائي بعد أن روى له حديثًا عن المقبري عن أبي هريرة غير هذا، قال:"ليس بذاك القوي"، مستنكرًا بذلك روايته تلك، وقال أبو داود مفسرًا كلام أحمد:"في حديثه نكارة"، وقال ابن حبان في الثقات:"يعتبر حديثه من غير رواية المخرمي عنه؛ لأن المخرمي ليس بشيء في الحديث"، قلت: المخرمي صدوق، وإنما الحمل في هذه الأحاديث التي يرويها على الأخنسي نفسه، وكلام ابن حبان هذا فيه دليل على استنكار أحاديث المخرمي عن الأخنسي، وبهذا يظهر أن الذين جرحوا الأخنسي قد فسروا سبب جرحهم، فيقدم جرحهم المفسر حينئذ على توثيق من وثقه، والله أعلم أعلل ابن المديني (73)، التاريخ الكبير (6/ 249)، الجرح والتعديل (6/ 166)، [علل الترمذي الكبير (273)، السُّنن الكبرى للنسائي (5/ 398/ 5893)، الثقات (7/ 203). الميزان (3/ 52)، إكمال مغلطاي (9/ 184)].

وعلى هذا فإن في تفرد عثمان الأخنسي عن المقبري بهذا الحديث نكارة ظاهرة، وقد وقفت على نقل آخر للإمام أحمد يؤكد تضعيفه لهذا الحديث، واحتجاجه في الباب بقول عمر بن الخطاب مصححًا إياه:

قال مهنأ: "قلت لأحمد: إنك تقول هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" ليس بالقوي؟ قال: نعم، قال: هو صحيح [عن عمر] "[شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (5/ 497)، الفتح لابن رجب (2/ 290)]، ثم أسند حديث حماد بن مسعدة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة، إلا عند البيت [أخرجه حرب الكرماني في مسائله (1162)، هكذا موقوفًا على عمر، وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 186/ 291) موقوفًا على ابن عمر، لم يذكر فيه عمر، والمحفوظ فيه ذكر عمر، وبدون زيادة عند البيت، فقد رواه سفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وزائدة بن قدامة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ووكيع بن الجراح: خمستهم وهم ثقات أثبات، رووه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 345/ 3633 و 3634)، وابن أبي شيبة (2/ 140 و 141/ 7431 و 7439)، والبيهقي (2/ 9)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 59)].

وقد نقل الأثرم عن أحمد، أنه قيل له:"قبلة أهل بغداد على الجدي؟ فجعل ينكر أمر الجدي، فقال: أيشٍ الجدي؟ ولكن على حديث عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة"[الفتح لابن رجب (2/ 293)]، فلو كان عند أحمد فيه حديث مرفوع، ولو من وجهٍ ضعيفٍ محتمَلٍ غيرَ منكر، لما احتج بقول عمر وحده، والله أعلم.

* قال الترمذي في الجامع (344): "وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك، والمشرق عن يسارك، فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة، وقال ابن المبارك: ما بين المشرق والمغرب قبلة، هذا لأهل المشرق، واختار عبد اللّه بن المبارك التياسر لأهل مرو".

ص: 252

قلت: قد صحح ذلك موقوفًا على: عمر بن الخطاب، وروي عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، ولا يصح عنهم، وقال ابن تيمية وابن رجب بأنه لا يعرف عن صحابي خلاف ذلك [مجموع الفتاوى (22/ 209)، الفتح لابن رجب (2/ 291)، [وقد تكلمت عن هذه الأحاديث والآثار في مسائل الفقه، كما ذكرت آنفًا][وانظر مثلًا فيمن تكلم في الاستدلال على القبلة بالمشرق والمغرب، أو بالجدي والنجوم: الموافقات (2/ 90)، الفروق للقرافي (2/ 267) الفرق الخامس والتسعون، مجموع الفتاوى (22/ 207 - 216)، الفتح لابن رجب (2/ 289 - 297)].

* ومن فقه حديث الباب:

قال الترمذي (345) بعد حديث عامر بن ربيعة: "وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا، قالوا: إذا صلى في الغيم لغير القبلة، ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة؛ فإن صلاته جائزة، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق"[وانظر مثلًا: مسائل أحمد لابنه عبد الله (245 و 246)، مسائل الكوسج (286 و 492)، مسائل حرب الكرماني (1/ 536)، مسائل أبي داود (322)].

قلت: يعني في السفر، وأما في الحضر فإنه يستدل على القبلة بسؤال الناس، وبالمحاريب في المساجد.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 54): "وأجمع العلماء أن القبلة التي أمر اللّه نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم هي: الكعبة البيت الحرام بمكة، وأنه فرض على كل من شاهدها وعاينها استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها أو عالم بجهتها فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى كذلك، وأجمعوا على أنه من صلى إلى غير القبلة من غير اجتهاد حمله على ذلك أن صلاته غير مجزئة عنه، وعليه إعادتها إلى القبلة، كما لو صلى بغير طهارة، وفي هذا المعنى حكم من صلى في مسجد يمكنه طلب القبلة فيه بالمحراب وشبهه فلم يفعل وصلى إلى غيرها، وأجمعوا أن على كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها، وعلى أن على من خفيت عليه ناحيتها الاستدلال عليها بكل ما يمكنه من النجوم والجبال والرياح وغير ذلك، مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها، وفي حديث هذا الباب: دليل على أن من صلى إلى القبلة عند نفسه باجتهاده ثم بان له وهو في الصلاة أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب أنه ينحرف ويبني"[وأعاده في الاستذكار (2/ 455)].

ثم قال (17/ 57): "النظر في هذا الباب يشهد: أن لا إعادة على من صلى إلى القبلة عند نفسه مجتهدًا؛ لخفاء ناحيتها عليه؛ لأنه قد عمل ما أمر به، وأدى ما افترض عليه، من اجتهاده بطلب الدليل على القبلة، حتى حسب أنه مستقبلها، ثم لما صلى بان له خطؤه، وقد كان العلماء مجمعين على أنه قد فعل ما أبيح له فعله، بل ما لزمه، ثم اختلفوا في إيجاب القضاء عليه إذا بان له أنه أخطأ القبلة، وايجاب الإعادة إيجاب فرض، والفرائض لا تثبت إلا بيقين لا مدفع له".

ص: 253