المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

يماس الوجه، وقال أحمد في نفض اليدين: لا يضره، فعل أو لم يفعل، وقال إسحاق نحوًا من قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي: ينفضهما، وكان ابن عمر لا ينفض يديه.

قال أبو بكر: كما قال أحمد أقول، غير أن النفخ في اليدين أحب إليَّ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ فيهما".

وقد فصل ابن رجب مذاهب الأئمة في الفتح (2/ 43)، ومما ذكر أيضًا: هل يشترط في المتيمم به أن يكون له غبار يعلق باليد؟

فقال: "واستدل بهذا [يعني: حديث عمار] بعض من ذهب إلى أنه لا يشترط في المتيمم به أن يكون له غبار يعلق باليد، كما هو قول مالك، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم؛ لأن نفخ التراب من اليدين ونفضهما منه قد يزيل ما علق باليد منه أو يخففه حتى لا يبقى منه ما يعم الوجه والكفين غباره، فلو كان المسح بالغبار شرطًا لكان ترك النفخ أولى.

وأجاب عن ذلك بعض من يرى اشتراط الغبار الممسوح به كأصحاب الشافعي وأحمد: بأن النفخ يدل على أنه علق باليد من التراب ما يخفف منه بالنفخ. وقد قال لعمار: "إنما يكفيك هكذا" فدل على أنه لا بد في التيمم من تراب يعلق باليد.

وأجاب بعضهم: بأنه صلى الله عليه وسلم إنما ذكر النفخ لعمار لا لكون النفخ سُنَّة، بل ليبين له أن المبالغة في التيمم بالتمعك الذي فعله بالتراب ليس بسُنَّة، وأنه يكفي من ذلك أدنى ما يمكن أن يمسح به الوجه والكفان من غباره".

وانظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 528)، مسائل أبي داود ‌

(111).

***

122 -

باب التيمم في الحضر

329 -

. . . الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس: أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار -مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، حتى أتى على جدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام.

• حديث متفق عليه.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (17).

ص: 79

330 -

محمد بن ثابت العبدي: أخبرنا نافع، قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سِكَّة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه، فلم يرُدَّ عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط، ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال:"إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر".

• حديث منكر.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (16).

قال أبو داود: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم".

قال ابن داسة: قال أبو داود: "لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه فعل ابن عمر".

***

331 -

. . . عبد الله بن يحيى البُرُلُّسي: حدثنا حيوة بن شريح، عن ابن الهاد: أن نافعًا حدثه عن ابن عمر، قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل، فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الحائط فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام.

• حديث صحيح.

تقدم تحت الحديث رقم (16).

• وخلاصة ما تقدم:

أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وكل ما جاء مرفوعًا في الضربتين، أو مسح الذراعين، أو إلى المرفقين: فلا يصح من ذلك شيء ألبتة.

• ومما روى في ذلك مما لم يسبق أن تكلمنا عليه في هذا الموضع، أو في الموضع السابق تحت الحديث رقم (16 و 17):

1 -

ما رواه الربيع بن بدر، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن رجل منا يقال له الأسلع، قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له، فقال لي ذات ليلة:"يا أسلع قم فارحل"، فقلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاه جبريل بآية

ص: 80

الصعيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا أسلع فتيمم"، قال: فقمت فتيممت، ثم رحلت له، فسار حتى مر بماء، فقال لي:"يا أسلع مس -أو: أمس- هذا جلدك"، قال: وأراني؛ أي: التيمم، كما أراه أبوه: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 65)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 50/ 542)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 113)، وفي أحكام القرآن (114)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 107)، ودعلج في مسند المقلين (5)، والطبراني في الكبير (1/ 298/ 875 و 876)، وابن عدي في الكامل (3/ 128)، والدارقطني (1/ 179)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 356/ 1092/ 1093)، والبيهقي (1/ 208)، والخطيب في التاريخ (8/ 376)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 312 و 313 - 314)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 279/236).

قال ابن المنذر: "وأما حديث الربيع بن بدر: فهو إسناد مجهول؛ لأن الربيع لا يعرف برواية الحديث، ولا أبوه، ولا جده، والأسلع: غير معروف، فالاحتجاج بهذا الحديث يسقط من كل وجه".

وقال ابن عدي: "وهذا أيضًا ليس يرويه غير الربيع".

وقال ابن حزم في المحلى (2/ 149 - 150): "وأما حديث الأسلع: ففي غاية السقوط. . .، وكل من ذكرنا فليسوا بشيء، ولا يحتج بهم".

وقال أبو حاتم جوابًا على ابنه بشأن هذا الحديث: "الربيع بن بدر: متروك الحديث"[العلل (1/ 54/ 137)].

قلت: الربيع بن بدر: متروك، وأبوه، وجده: مجهولان، والأسلع: في صحبته نظر [انظر: الاستيعاب (148 و 149)، الإصابة (122)].

2 -

وروى عثمان بن محمد الأنماطي: ثنا حرمي بن عمارة، عن عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين".

أخرجه الدارقطني (1/ 181)، والحاكم (1/ 180)، والبيهقي (1/ 207)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 278/236).

قال الحاكم: "بإسناد صحيح".

لكن أعله الدارقطني بالوقف، فقال:"رجاله كلهم ثقات، والصواب: موقوف".

وقال ابن الجوزي: "تكلم في عثمان بن محمد".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 268): "وأخطأ في ذلك [يعني: ابن الجوزي] قال ابن دقيق العيد: لم يتكلم فيه أحد، نعم روايته شاذة؛ لأن أبا نعيم رواه عن عزرة موقوفًا".

قلت: لم أجد قول ابن دقيق العيد هذا في الإمام (3/ 153)، وكلام الدارقطني

ص: 81

يقتضي توثيق عثمان بن محمد؛ إلا أن الذهبي قال في الميزان (3/ 52): "عثمان بن محمد الأنماطي: شيخ حدث عنه إبراهيم الحربي، صويلح، وقد تكلم فيه"، فلعله اعتمد على قول ابن الجوزي، والله أعلم.

وعثمان الأنماطي: روى عنه أبو داود وجماعة، ولم أر لأحد فيه كلامًا سوى ما علمت [التهذيب (3/ 78)].

• وعلة هذا الخبر:

أنه قد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الله بن المبارك [ثقتان ثبتان متقنان]:

كلاهما عن عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: جاء رجل فقال: أصابتني جنابة وإني تمعكت في التراب، قال: اضرب، فضرب بيده فمسح وجهه، ثم ضرب بيده أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين. موقوف.

وفي رواية أن جابرًا قال للرجل: أحسبك تحولت حمارًا.

أخرجه أبو نعيم في الصلاة (145 و 153)، وابن المنذر (2/ 49/ 539)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 114)، وفي أحكام القرآن (117)، والدارقطني (1/ 182 و 183)، والحاكم (1/ 180)، والبيهقي (1/ 207).

وهذا هو الصواب: موقوف؛ كما قال الدارقطني؛ فإن أبا نعيم وابن المبارك: أثبت وأضبط وأتقن من مائة مثل حرمي بن عمارة، فإنه: صدوق يهم.

3 -

وروى علي بن ظبيان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين".

أخرجه الدارقطني (1/ 180)، والحاكم (1/ 179)، والطبراني في الكبير (12/ 367/ 13366)، وابن عدي في الكامل (5/ 188)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 235/ 277).

قال الحاكم: "ولا أعلم أحدًا أسنده عن عبيد الله غير علي بن ظبيان، وهو صدوق، وقد أوقفه يحيى بن سعيد وهشيم بن بشير وغيرهما، وقد أوقفه مالك بن أنس عن نافع في الموطأ بغير هذا اللفظ، غير أن شرطي في سند الصدوق الحديث إذا وقفه غيره"، كذا قال.

وقال الدارقطني: "كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا، ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما، وهو الصواب".

وقال ابن عدي: "وهذان الحديثان عن علي بن ظبيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: حديث المدبر، والتيمم جميعًا يرفعهما علي بن ظبيان، ويرفعهما ويوقفهما غيره، وحديث التيمم: رواه يحيى القطان، والثوري، وغيرهما موقوفًا، وإنما يذكر علي بن ظبيان بهذين الحديثين لما رفعهما، فأبطل في رفعهما، والثقات قد أوقفوهما".

قلت: هذا حديث منكر باطل، تفرد برفعه، عن عبيد الله بن عمر: علي بن ظبيان: وهو متروك، منكر الحديث.

ص: 82

والحفاظ من أصحاب عبيد الله بن عمر قد أوقفوه على ابن عمر: يحيى بن سعيد القطان، وسفيان الثوري، وهشيم بن بشير، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن إدريس، وعبد الرزاق بن همام، وعلي بن معبد:

رواه ثمانيتهم، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 212/ 819)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (151)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 114/ 9664 - 9666)، وابن المنذر (2/ 48 - 49/ 538)، والطحاوي (1/ 114)، والدارقطني (1/ 180)، والبيهقي في السنن (1/ 207)، وفي المعرفة (1/ 286/ 313).

ورواه أيضًا عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا عليه: مالك، وأيوب، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وهشام بن عروة، وعبد العزيز بن أبي رواد:

ولفظ مالك: أقبل نافع، وعبد الله بن عمر من الجرف، حتى إذا كانا بالمربد، نزل عبد الله فتيمم صعيدًا طيبًا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى.

وفي لفظ آخر: أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين.

أخرجه مالك في الموطأ (140 و 141)، وعبد الرزاق (1/ 212 و 818/ 229 و 883)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (150 و 156)، وابن أبي شيبة (1/ 146/ 1673)، والشافعي في الأم (2/ 105/ 104)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 114/ 9663)، والطحاوي (1/ 114)، والدارقطني (1/ 181)، والبيهقي في السنن (1/ 207)، وفي المعرفة (1/ 285 و 286/ 311 و 312).

قال الدارقطني في العلل (12/ 306/ 2738) عن الموقوف: "وهو الصواب".

4 -

ورواه سليمان بن أرقم [متروك]، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب، ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا، ثم ضربنا ضربة أخرى الصعيد الطيب، ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بأيدينا من المرافق إلى الأكف، على منابت الشعر من ظاهر وباطن.

أخرجه الدارقطني (1/ 181)، والحاكم (1/ 179).

وهذا حديث منكر.

خالفه معمر بن راشد فرواه، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة على التراب ثم مسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى ثم مسح بها يديه إلى المرفقين، ولا ينفض يديه من التراب.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 211 - 212/ 817)، ومن طريقه: ابن المنذر (2/ 48/ 537)، والدارقطني (1/ 182).

وهذا المحفوظ: موقوف على ابن عمر.

ص: 83

5 -

ورواه سليمان بن أبي داود الحراني [منكر الحديث]، عن سالم ونافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في التيمم:"ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين".

أخرجه الدارقطني (1/ 181)، والحاكم (1/ 180).

قال الدارقطني: "سليمان بن أرقم وسليمان بن أبي داود: ضعيفان".

وقال أبو زرعة: "هذا حديث باطل، وسليمان: ضعيف الحديث".

وهو كما قال؛ فقد أوقفه أصحاب نافع، وسالم.

• وفي الباب أيضًا:

عن أبي أمامة، ولا يصح [المعجم الكبير للطبراني (8/ 245/ 7959)، المدونة (1/ 42)، المحلى (2/ 148)].

وعن عائشة؛ وهو منكر [مسند البزار (1/ 177/ 196 - مختصر الزوائد)، الكامل (2/ 442)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 47/ 105)].

وانظر: الإمام لابن دقيق العيد (3/ 142 - 156)، التلخيص (1/ 266)، وغيرهما.

• مسألة:

قال ابن رجب في الفتح (2/ 18): "واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" من يقول إن التيمم يجوز بجميع أجزاء الأرض من التراب والرمل، والنورة، والزرنيخ، والجص، وغير ذلك، كما هو قول مالك، وأبي حنيفة، وغيرهما.

واستدل من قال: لا يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض، كما يقوله الشافعي، وأحمد في ظاهر مذهبه، بما في صحيح مسلم، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فضلنا على الناس بثلاث: جعلث صفوننا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء"، وذكر خصلة أخرى.

فخص الطهور بتربة الأرض بعد أن ذكر أن الأرض كلها مسجد، وهذا يدل على اختصاص الطهورية بتربة الأرض خاصة؛ فإنه لو كانت الطهورية عامة كعموم المساجد لم يحتج إلى ذلك.

وقد خرَّج مسلم حديث جابر الذي خرجه البخاري ها هنا، وعنده:"وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا".

وهذا يدل على اختصاص الطهورية بالأرض الطيبة، والطيبة: هي الأرض القابلة للإنبات، كما في قوله تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58].

وروينا من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا".

ولكن قد دلت نصوص آخر على عموم كون الأرض مسجدًا فتبقى طهوريتها مختصة بالأرض المنبتة.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث: عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن

ص: 84

علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت أربعًا لم يعطهن أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم".

وقد ظن بعضهم أن هذا من باب المطلق والمقيد، وهو غلط، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافًا لما حكي عن أبي ثور، إلا أن يكون له مفهوم فيبنى على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتربة لقب، واللقب مختلف في ثبوت المفهوم له، والأكثرون يأبون ذلك.

لكن أقوى ما استدل به: حديث حذيفة الذي خرجه مسلم فإنه جعل الأرض كلها مسجدًا، وخص الطهورية بالتراب، وأخرج ذلك في مقام الامتنان، وبيان الاختصاص، فلولا أن الطهورية لا تعم جميع أجزاء الأرض لكان ذكر التربة لا معنى له، بل كان زيادة في اللفظ ونقصًا في المعنى، وهذا لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم.

وقد خرجه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه:"وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعل ترابها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء". انتهى كلامه.

وانظر: الفتح لابن حجر (1/ 438)؛ وقد صحح إسناد حديث أنس، وحسن إسناد حديث علي، وهو كما قال، وحديث علي حسن إسناده أيضًا: السيوطي في الدر المنثور (2/ 294)، وابن كثير في تفسيره (1/ 392)، وصححه الضياء في المختارة (2/ 348 و 728/ 349 و 729).

والحديث في: مسند أحمد (1/ 98 و 158)، ومصنف ابن أبي شيبة (6/ 304/ 31647)، ومسند البزار (2/ 251/ 656)، وفوائد تمام (2/ 109/ 1276)، وسنن البيهقي (1/ 213)، وتمهيد ابن عبد البر (19/ 291)، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (489).

وهو حديث حسن، وانظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (2/ 399/ 2705).

وثم دليل آخر احتج به القائلون بأنه يتعين التيمم بالتراب الذي له غبار يعلق باليد، وهو قوله تعالى في سورة المائدة:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فقالوا بأن "من" هنا للتبعيض.

لكن رد عليهم الآخرون فقالوا: هذا محتمل، ويحتمل أيضًا أن تكون لابتداء الغاية؛ أي: مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ما له غبار، قال ابن العربي:"وقال علماؤنا: إنما أفادت "منه": وجوب ضرب الأرض باليدين، فلولا ذلك. . . لجازت الإشارة إلي الصعيد، وضرب الوجه واليدين بعد الإشارة باليدين إلى الأرض، ولكنه أكد بقوله: "منه" ليكون الابتداء بوضع اليدين على الأرض تعبدًا، ثم ضرب الوجه واليدين بعد ذلك بهما"[أحكام القرآن (2/ 80)]

إذا علمت ذلك؛ علمت أنه لا بد من قرينة ترجح أحد القولين، وقد وجدتها في كلام العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله إذ يقول في تفسيره [أضواء البيان (2/ 30)]:

ص: 85

"فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير [يعني: بأنها لابتداء الغاية] وذلك في قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] فقوله: {مِنْ حَرَجٍ} نكرة في سياق النفي زيدت قبلها "من"، والنكرة إذا كانت كذلك، فهي نص في العموم. . . فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج، والمناسب لذلك كون "من" لابتداء الغاية؛ لأن كثيرًا من البلاد ليس فيه إلا الرمال أو الجبال، فالتكليف بخصوص ما فيه غبار يعلق باليد لا يخلو من حرج في الجملة.

ويؤيد هذا: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" وفي لفظ: "فعنده مسجده وطهوره" الحديث".

• قلت: اللفظ الأخير ليس من حديث جابر، وإنما هو من حديث أبي أمامة الذي:

أخرجه الترمذي في الجامع (1553) مختصرًا، وفي العلل الكبير (462)، وأحمد (5/ 248 و 256)، والروياني (1260)، والسراج في مسنده (498 - 500)، والطبراني في الكبير (8/ 257 و 258/ 8001 و 8002)، والآجري في الشريعة (1048)، والبيهقي (1/ 212 و 222) و (2/ 433)، وابن عبد البر (5/ 222)، والمزي في التهذيب (12/ 318).

من طرق عن سليمان التيمي، عن سيار، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فضلني ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -أو قال: على الأمم- بأربع؛ قال: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدًا وطهورًا، فأينما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم".

قال الترمذي في الجامع: "حديث أبي أمامة: حديث حسن صحيح، وسيار هذا يقال له: سيار مولى بني معاوية، وروى عنه سليمان التيمي، وعبد الله بن بحير وغير واحد".

وقال في العلل: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث، وقلت له: من سيار هذا الذي روى عن أبي أمامة؟ قال: هو سيار مولى بني معاوية، أدرك أبا أمامة وروى عنه، وروى عن أبى إدريس الخولاني، وروى عن سيار: سليمان التيمي، وعبد الله بن بحير".

قلت: إسناده رجاله ثقات؛ سيار الشامي روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات من التابعين، وأعاده في أتباع التابعين، ولم يذكر فيه البخاري ولا ابن أبي حاتم جرحًا ولا

ص: 86

تعديلًا، ولم يرو منكرًا، وحديثه هذا مشهور عن عدد من الصحابة، وليس فيه ما ينكر عليه، ولا يعرف له سماع من أبي أمامة، والله أعلم [انظر: التاريخ الكبير (4/ 160)، الجرح والتعديل (4/ 254)، الثقات (4/ 335) و (6/ 422)، التهذيب (2/ 143)]، وصححه ابن القيم في الزاد (1/ 200)، وصحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير (2/ 624)، وابن حجر في التلخيص (1/ 149).

وفي معناه أيضًا بإسناد جيد، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعًا:"وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت"، وسيأتي تخريجه -إن شاء الله تعالى- تحت الحديث رقم (489).

قال العلامة الشنقيطي: "فهذا نص صحيح صريح في أن من أدركته الصلاة في محل ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة أو الرمل طهور له ومسجد".

وقال ابن دقيق العيد: "قوله صلى الله عليه وسلم: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" مما يستدل به على عموم التيمم بأجزاء الأرض؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: الأرض، ومن خص التيمم بالتراب يحتاج أن يقيم دليلًا يخص به هذا العموم، أو يقول: دل الحديث على أنه يصلي، وأنا أقول بذلك، فمن لم يجد ماءً ولا ترابًا صلى على حسب حاله، فأقول بموجب الحديث، إلا أنه قد جاء في رواية أخرى: "فعنده طهوره ومسجده"، والحديث إذا اجتمعت طرقه فسر بعضها بعضًا"[إحكام الأحكام (1/ 152)].

زاد ابن الملقن بعد هذا النقل فقال: "وقال ابن المنذر: ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: "جعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا" حكاه الخطابي"[الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 164)].

قال الشنقيطي: "فإن قيل: ورد في الصحيح ما يدل على تعين التراب الذي له غبار يعلق باليد، دون غيره من أنواع الصعيد، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء. . ." الحديث، فتخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان يفهم منه أن غيره من الصعيد ليس كذلك.

فالجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن كون الأمر مذكورًا في معرض الامتنان مما يمنع فيه اعتبار مفهوم المخالفة، كما تقرر في الأصول، قال في مراقي السعود في موانع اعتبار مفهوم المخالفة:

أو امتنان أو وفاق الواقع

والجهل والتأكيد عند السامع

ولذا أجمع العلماء على جواز أكل القديد من الحوت، مع أن الله خص اللحم

ص: 87

الطري منه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]؛ لأنه ذكر اللحم الطري في معرض الامتنان، فلا مفهوم مخالفة له، فيجوز أكل القديد مما في البحر.

الثاني: أن مفهوم التربة: مفهوم لقب؛ وهو لا يعتبر عند جماهير العلماء، وهو الحق كما هو معلوم في الأصول".

قال ابن دقيق العيد في الأحكام (1/ 151): "ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن في الحديث قرينة زائدة عن مجرد تعليق الحكم بالتربة، وهو الافتراق في اللفظ بين جعلها مسجدًا وجعل تربتها طهورًا على ما في ذلك الحديث، وهذا الافتراق في السياق قد يدل على الافتراق في الحكم، وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقًا، كما في الحديث الذي ذكره المصنف"، وانظر: الإعلام (2/ 160 - 161).

الثالث: قال الشنقيطي: أن التربة فرد من أفراد الصعيد، وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يكون مخصصًا له عند الجمهور، سواء ذكرا في نص واحد كقوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، أو ذكرا في نصين كحديث:"أيما إهاب دبغ فقد طهر" عند أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم؛ مع حديث:"هلا انتفعتم بجلدها"، يعني: شاة ميتة -عند الشيخين- كلاهما من حديث ابن عباس.

فذكر الصلاة الوسطى في الأول، وجلد الشاة في الأخير: لا يقتضى أن غيرهما من الصلوات -في الأول-، ومن الجلود -في الثاني- ليس كذلك.

قال في مراقي السعود عاطفًا على ما لا يخصص به العموم:

وذكر ما وافقه من مفرد

ومذهب الراوي على المعتمد

ولم يخالف في عدم التخصيص بذكر بعض أفراد العام بحكم العام إلا أبو ثور محتجًا بأنه لا فائدة لذكره إلا التخصيص، وأجيب من قبل الجمهور: بأن مفهوم اللقب ليس بحجة، وفائدة ذكر البعض: نفي احتمال إخراجه من العام.

والصعيد في اللغة: وجه الأرض، كان عليه تراب أو لم يكن، قاله الخليل، وابن الأعرابي، والزجاج، قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافًا بين أهل اللغة، قال الله تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)} [الكهف: 8]؛ أي: أرضًا غليظة لا تنبت شيئًا، وقال تعالى:{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40]، ومنه: قول ذي الرمة:

كأنه بالضحى ترمي الصعيد به

دبابة من عظام الرأس خرطوم

. . ." [انظر: الجامع لأحكام القرآن (5/ 227)].

قال القرطبي: "فاستدل أصحاب هذه المقالة بقوله عليه السلام: "وجعلت تربتها لنا طهورًا"، وقالوا: هذا من باب المطلق والمقيد، وليس كذلك، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم، كما قال تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]، وقد حكى أهل اللغة أن الصعيد اسم لوجه الأرض كما ذكرنا، وهو نص القرآن كما بيَّنَّا، وليس

ص: 88

بعد بيان الله بيان، وقال صلى الله عليه وسلم للجنب:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك"[الجامع (5/ 228)].

وقال في موضع آخر: "وحديث عمران بن حصين نص على ما يقوله مالك، إذ لو كان الصعيد التراب لقال عليه السلام للرجل: عليك بالتراب فإنه يكفيك، فلما قال: "عليك بالصعيد" أحاله على وجه الأرض"[الجامع (6/ 105)].

الوجه الرابع: قال ابن دقيق العيد في الإحكام (1/ 151): "ومنها: أن الحديث المذكور الذي خصت فيه التربة بالطهورية لو سلم أن مفهومه معمول به، لكان الحديث الآخر بمنطوقه يدل على طهورية بقية أجزاء الأرض، أعني: قوله صلى الله عليه وسلم: "مسجدًا وطهورًا"، فإذا تعارض في غير التراب دلالة المفهوم الذي يقتضي عدم طهوريته، ودلالة المنطوق الذي يقتضي طهوريته فالمنطوق مقدم على المفهوم.

وقد قالوا: إن المفهوم يخصص العموم، فتمتنع هذه الأولوية إذا سلم المفهوم ههنا، وقد أشار بعضهم إلى خلاف هذه القاعدة، أعني: تخصيص العموم بالمفهوم، ثم عليك بعد هذا كله بالنظر في معنى ما أسلفناه من حاجة التخصيص إلى التعارض بينه وبين العموم في محله"، وانظر: الأعلام (2/ 162).

قال الشنقيطي: "واختلف العلماء فيه [يعني: في الصعيد] من أجل تقييده بالطيب، فقالت طائفة: الطيب: هو الطاهر؛ فيجوز التيمم بوجه الأرض كله: ترابًا كان، أو رملًا، أو حجارة، أو معدنًا، أو سبخة، إذا كان ذلك طاهرًا، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم.

وقالت طائفة: الطيب: الحلال، فلا يجوز التيمم بتراب مغصوب.

وقال الشافعي، وأبو يوسف: الصعيد الطيب: التراب المنبت، بدليل قوله تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58].

وساق ابن العربي في معنى الطيب خمسة أقوال ثم قال: "أصحها الطاهر"[أحكام القرآن (1/ 569)].

وهذا القول هو الصواب؛ لما تقدم تقريره قبل.

ومما يؤكد صحة القول بجواز التيمم بجميع أجزاء الأرض مما يصح إطلاق اسم الصعيد عليه سواء كان عليه تراب أو لم يكن، ولا يتعين ما له غبار:

حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة: قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام [تقدم برقم (329)، وهو في الصحيح].

قال القرطبي في تفسيره (5/ 229): "وهو دليل على صحة التيمم بغير التراب، كما يقوله مالك ومن وافقه".

وثم دليل آخر: وهو فعله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 200) في هديه صلى الله عليه وسلم في التيمم: "وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها، ترابًا

ص: 89

كانت، أو سبخة، أو رملًا، وصح عنه أنه قال:"حيثما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة، فعنده مسجده وطهوره" وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل، فالرمل له طهور، ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القلة، ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه، مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب، وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا، قطع بأنه كان يتيمم بالرمل، والله أعلم، وهذا قول الجمهور".

وقال في فوائد غزوة تبوك (3/ 561): "ومنها: جواز التيمم بالرمل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قطعوا الرمال التي بين المدينة وتبوك، ولم يحملوا معهم ترابًا بلا شك، وتلك مفاوز معطشة، شكوا فيها العطش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعًا كانوا يتيممون بالأرض التي هم فيها نازلون، هذا كله مما لا شك فيه، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "فحيثما أدركت رجلًا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره".

وسوف يأتي تخريج أحاديث طهورية الأرض مفصلًا عند الحديث رقم (489).

وقد سبق أن ذكرت فوائد أحاديث هذا الباب فيما تقدم تحت الحديث رقم (17).

وانظر: الأم (2/ 105)، جامع البيان لابن جرير (4/ 112)، المحرر الوجيز (440)، معجم تهذيب اللغة (2/ 2013)، معجم مقاييس اللغة (567)، الفروق للقرافي (2/ 74/ 61)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 364)، شرح السنة (1/ 401)، سؤالات أبي داود للإمام أحمد (117 - 119)، فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 351 - 360)، نيل الأوطار (1/ 397)، الشرح الممتع (1/ 329).

• ومما يحسن نقله: قال ابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 112): "والمسح منه بالوجه: أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر، أو ما قام مقامه، فيمسح بما علق من الغبار وجهه، فإن (علق من الغبار) كان الذي علق به من الغبار كثيرًا فنفخ عن يديه أو نفضه، فهو جائز، وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء، وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد ثم مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك؛ لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد -وهو أرض رمل- فلم يعلق بيديه منها شيء فيتيمم به، أن ذلك مجزئه، لم يخالف في ذلك من يجوز أن يعتد خلافًا، فلما كان ذلك إجماعًا منهم، كان معلومًا أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين: مباشرة الصعيد بهما، بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما، لا لأخذ تراب منه"

ومن فتاوى اللجنة الدائمة رقم (5081)(5/ 351):

س: إنني في بيت وليس عندي تراب وفي بعض الأوقات ليس عندي أحد يحضر لي ترابًا هل يجوز لي أن أتيمم على الفراش (السجاد)، أم لا؟

ج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد: يجب عليك أن تتيمم بتراب طاهر إذا لم يوجد الماء، أو تعذر استعماله؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا

ص: 90