المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

2 -

عن سمرة بن جندب [عند: ابن ماجه (1093)، والبزار (10/ 432/ 4585)، وأبي بكر المروزي في الجمعة وفضلها (47)، والروياني (820)، والطبراني في الكبير (7/ 212 و 232/ 6880 و 6968)، وفي مسند الشاميين (4/ 30 و 75/ 2646 و 2767)].

3 -

عن أبي سعيد الخدري [عند: أبي بكر المروزي في الجمعة وفضلها (45)].

4 -

عن أبي أمامة [عند: أحمد (5/ 260)، والطبراني في الكبير (8/ 165 و 287/ 7691 و 8102)].

5 -

عن ابن عمر [عند: أبي نعيم في الحلية (6/ 35‌

‌1)].

***

128 -

باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

352 -

. . . يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كان الناس مُهَّان أنفسهم؛ فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم:"لو اغتسلتم".

• حديث متفق على صحته.

أخرجه البخاري (903)، ومسلم (6/ 847)، وأبو عوانة [(17/ 726/ 13127) إتحاف]، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 437/ 1905)، وابن حبان (4/ 37/ 1236)، وأحمد (6/ 62 - 63)، والشافعي في الرسالة (1/ 138/ 95 - أم)، وفي اختلاف الحديث (10/ 139 - 140/ 143 - أم)، وفي المسند (172)، وإسحاق (2/ 427/ 989)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 284 - 285)، وفي زياداته على الموطأ (68)، وأبو يوسف القاضي في الآثار (366 و 367)، وعبد الرزاق (3/ 200/ 5315)، والحميدي (178)، وابن أبي شيبة (1/ 434/ 5006)، والطحاوي (1/ 117)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 384)، والبيهقي (1/ 295) و (3/ 189)، وابن عبد البر (10/ 83 - 84 و 84) و (16/ 215) و (24/ 34 - 35)، والخطيب في التاريخ (2/ 161)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 229/ 265).

• وله طرق أخرى؛ منها ما رواه:

1 -

عبيد الله بن أبي جعفر: أن محمد بن جعفر حدثه، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسانٌ منهم، وهو عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا".

أخرجه البخاري (902)، ومسلم (847/ 6)، وأبو عوانة [(17/ 139/ 22016) إتحاف]، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 436/ 1904)، وأبو داود (1055)، وابن خزيمة (3/ 127/ 1754)[سقط من إسناده محمد بن جعفر خطأ. إتحاف (17/ 139/ 22016)]، وابن حبان (4/ 38 - 39/ 1237)، وأبو بكر المروزي في الجمعة وفضلها (28)، والبيهقي (3/ 189 و 190 و 173).

ص: 188

2 -

أبو الأسود، عن عروة، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم، وكان يكون لهم أرواح، فقيل لهم:"لو اغتسلتم".

أخرجه البخاري (2071)، والنسائي في الكبرى (2/ 267/ 1694)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده (28).

3 -

الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء: أنه سمع القاسم بن محمد بن أبي بكر: أنهم ذكروا غسل يوم الجمعة عند عائشة، فقالت: إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة، وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم، فيتأذى بها الناس، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أو لا يغتسلون".

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 93 - 94/ 1379)، وفي الكبرى (2/ 267/ 1695)، ومن طريقه: ابن عبد البر (10/ 84)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 51).

4 -

قريش بن أنس: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس عمال أنفسهم، فكانوا يروحون إلى الجمعة كهيئتهم، فقيل لهم:"لو اغتسلتم".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 1753/127).

• وانظر في الأوهام: التاريخ الأوسط (2/ 61/ 1800)، علل الترمذي الكبير (140)، الكامل (4/ 112)، تاريخ دمشق (25/ 141).

***

353 -

. . . عبد العزيز -يعني: ابن محمد-، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة: أن أناسًا من أهل العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا، ولكنه أطهرُ وخيرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب؛ وسأخبركم كيف بَدْءُ الغُسلِ: كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقًا مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرِق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح، آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح، قال:"يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه".

قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكُفُوا العمل، ووُسِّع مسجدُهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق.

• حديث منكر.

أخرجه الطحاوي (1/ 116)، والطبراني في الكبير (11/ 219/ 11548)، والبيهقي (1/ 295)، وابن عبد البر (10/ 85).

ص: 189

• ورواه سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، وسأله رجل عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: لا، من شاء اغتسل، وسأحدثكم عن بدء الغسل: كان الناس محتاجين، وكانوا يلبسون الصوف، وكانوا يسقون النخل على ظهورهم، وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ضيقًا متقارب السقف، فراح الناس في الصوف فعرقوا، وكان منبر النبي صلى الله عليه وسلم قصيرًا، إنما هو ثلاث درجات، فعرق الناس في الصوف فثارت أرواحهم، أرواح الصوف، فتأذى بعضهم ببعض، حتى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال:"يا أيها الناس إذا جئتم الجمعة فاغتسلوا، وليس أحدكم من أطيب طيب إن كان عنده".

أخرجه ابن خزيمة (3/ 127/ 1755)، والحاكم (1/ 280 - 281) و (4/ 189)، وأحمد (1/ 268 - 269)، وعبد بن حميد (590)، والبيهقي (3/ 189)، وابن عبد البر (10/ 86) و (11/ 214).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه".

قلت: لم يخرج الشيخان شيئًا بهذا الإسناد، بل إن الترمذي لما روى بهذا الإسناد حديث البهيمة قال:"سألت محمدًا [يعني: البخاري، عن حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس؟ فقال: عمرو بن أبي عمرو: صدوق، ولكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عن عكرمة"، ثم قال: "ولا أقول بحديث عمرو بن أبي عمرو أنه: من وقع على بهيمة أنه يقتل، [علل الترمذي الكبير (427)].

قلت: فكيف يقال بعد ذلك بأن هذا الإسناد على شرط البخاري، وهو يضعفه.

وضعفه أيضًا: ابن حزم في المحلى (2/ 12).

وقال ابن حجر وابن رجب بأن البخاري لم يخرج لعمرو بن أبي عمرو عن عكرمة شيئًا في الصحيح [هدي الساري (453)، شرح علل الترمذي (2/ 798)].

وقال أحمد: "كل أحاديثه عن عكرمة مضطربة".

قال ابن رجب: "لكنه نسب الاضطراب إلى عكرمة لا إلى عمرو"[شرح العلل (2/ 798)].

قلت: هو كما قال البخاري: "روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء منها أنه سمع عكرمة".

• وقد أنكروا على عمرو بن أبي عمرو حديثه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: "من أتى بهيمة فاقتلوه"[انظر: التهذيب (3/ 294)، الميزان (3/ 282)، سنن أبي داود (4464)، جامع الترمذي (1455)، علل الترمذي الكبير (427)].

• وحديثه هذا أيضًا هو من مناكيره عن عكرمة:

وذلك لأن طاووسًا روى عن ابن عباس خلاف هذا، قال طاووس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، وإن لم تكونوا

ص: 190

جنبًا، وأصيبوا من الطيب"، قال ابن عباس: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري.

متفق عليه [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (350)]، فهذا الذي صح عن ابن عباس يرد رواية عمرو بن أبي عمرو هذه إذ هو بخلافها في الغسل والطيب معًا، والله أعلم.

والخلاصة: فإن عمرو بن أبي عمرو: وإن كان ثقة متفق على تخريج حديثه في الصحيح، إلا أنهما لم يخرجا له شيئًا من روايته عن عكرمة، لما فيها من مناكير، مثل حديث:"من أتى بهيمة فاقتلوه"، ومثل هذا الحديث أيضًا لمخالفته ما رواه طاووس عن ابن عباس، فهو حديث منكر، والله أعلم.

وقد حسن إسناده: النووي في المجموع (4/ 536)، وابن حجر في الفتح (2/ 289)، وقد علمت ما فيه.

• وأما ما رواه البيهقي في سننه (1/ 295)، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو أحمد محمد بن إسحاق الصفار العدل: ثنا أحمد بن نصر: ثنا عمرو بن طلحة القناد: ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ويجزي من الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

فهو حديث منكر.

قال البيهقي: "وهذا الحديث بهذا اللفظ: غريب من هذا الوجه، وإنما يعرف من حديث الحسن وغيره".

وقال الذهبي في المهذب (1/ 294): "غريب بمرة"، ثم قال:"والمشهور خبر همام وغيره"؛ يعني: حديث سمرة الآتي.

قلت: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: صدوق يهم، وأسباط بن نصر: ليس به بأس، تكلم في روايته عن السدي [التهذيب (1/ 109)، الميزان (1/ 175)] وهو كثير الخطأ، يقلب الأسانيد.

وعمرو بن حماد بن طلحة اللباد: صدوق، قال الساجي:"عنده مناكير"[التهذيب (3/ 265)].

وأحمد بن محمد بن نصر اللباد، روى عنه جماعة، ولم يوثق [طبقات الحنابلة (1/ 181/ 62)]؛ فلا يحتمل من مثله التفرد بهذا، وإن كان يحتمل أن يكون الوهم فيه ممن فوقه.

وأما محمد بن إسحاق فهو: الإمام الحافظ العلامة الجهبذ الثبت؛ أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم الكبير مؤلف كتاب الكنى، وكان من بحور العلم، وإمام عصره في هذه الصنعة [تاريخ دمشق (55/ 154)، السير (16/ 370)، التذكرة (3/ 976)].

• والحاصل: أن هذا حديث منكر؛ والمعروف إنما هو حديث الحسن عن سمرة. وهو الحديث الآتي:

***

ص: 191

354 -

. . . قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل".

• حديث صحيح.

أخرجه الترمذي في الجامع (497)، وفي العلل (141)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الجامع "مختصر الأحكام"(3/ 10/ 467)، والنسائي (3/ 94/ 1380)، والدارمي (1/ 434/ 1540)، وابن خزيمة (3/ 128/ 1757)، وابن الجارود (285)، وأحمد (5/ 8 و 11 و 15 و 16 و 22)، وابن أبي شيبة (1/ 436/ 5026)، وأبو بكر المروزي في الجمعة وفضلها (31)، والبزار في مسنده (10/ 401 - 402/ 4541)، والروياني (787)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (986)، والطحاوي (1/ 119)، والطبراني في الكبير (7/ 199/ 6817 - 6820)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (148)، وابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 289)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 295) و (3/ 190)، وفي المعرفة (1/ 356/ 456)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 79) و (16/ 212 و 214)، والخطيب في التاريخ (2/ 352)، والبغوي في شرح السُّنة (1/ 431/ 336)، والمزي في التهذيب (10/ 474)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 49).

هكذا رواه عن قتادة: شعبة بن الحجاج، وهمام بن يحيى، وأبو عوانة الوضاح.

• تنبيهان:

الأول: قال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 214): حدثنا عبد الرحمن بن مروان، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى قاضي القلزم، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود، قال: حدثنا عبد الله بن هاشم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن هشام، عن قتادة ....

هكذا وقع في هذا الإسناد "هشام" وهو الدستوائي، وهو من أثبت أصحاب قتادة؛ لكنه تصحيف يبدو أنه وقع من بعض النساخ، فإن الإسناد إليه صحيح، وابن عبد البر قد روى هذا الحديث من طريق ابن الجارود، والحديث في منتقاه [كما هو مذكور في التخريج] من طريق همام لا من طريق هشام، والحديث قد رواه أحمد في مسنده (5/ 15 و 16) عن عبد الرحمن بن مهدي عن همام، لا عن هشام، فظهر بذلك أن "همام" قد تصحف إلى "هشام" من بعض النساخ، وليس لهشام فيه ناقة ولا جمل.

الثاني: قال أبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (467): نا محمد بن المثنى العنزي البصري، قال: نا سعيد بن سفيان الجحدري، قال: نا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، قال: نا سمرة بن جندب

الحديث. هكذا وقع عنده التصريح بسماع الحسن من سمرة لهذا الحديث، وهو خطأ ظاهر، فإن الذين أثبتوا سماع الحسن من سمرة -إما مطلقًا وإما مقيدًا-: لم يحتجوا إلا بحديث العقيقة، ومنهم من زاد حديث "النهي عن

ص: 192

المثلة"، وهو الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 567)، إلا أنها رواية شاذة أخطأ فيها هشيم [انظر: المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس لحاتم العوني (3/ 1232)].

والحديث قد رواه الترمذي (497) بنفس إسناده عن محمد بن المثنى به بالعنعنة، ورواه من طريق الترمذي هكذا بالعنعنة: البغوي في شرح السُّنَّة.

ورواه الطبراني (6819)، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجى: ثنا محمد بن المثنى

، به هكذا بالعنعنة.

وتابع محمد بن المثنى عليه به هكذا معنعنًا: محمد بن بشار المعروف ببندار، رواه عن سعيد بن سفيان الجحدري به معنعنًا بين الحسن وسمرة [مسند البزار. مسند الروياني].

ولم ينفرد به الجحدري عن شعبة، فقد تابعه عليه: يزيد بن زريع، عن شعبة به بالعنعنة [عند: النسائي، وابن خزيمة، وأحمد (5/ 11)، وابن جعد، والطبرانى (6818)، والقطيعي].

وروي عن عفان عن شعبة به، ولا يصح، والمحفوظ: عن عفان عن همام [انظر: سنن البيهقي (1/ 295)، تاريخ بغداد (2/ 352)].

ورواه كما تقدم متابعًا لشعبة: أبو عوانة، وهمام، كلهم بالعنعنة لم يصرح في طريق منها بسماع الحسن من سمرة، مما يجزم معه بخطأ رواية مستخرج الطوسي [وانظر: المرسل الخفي (3/ 1261)].

• والحديث قد اختلف فيه على قتادة:

1 -

فرواه شعبة، وهمام، وأبو عوانة:

ثلاثتهم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

ورواه سعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطار، ومعمر بن راشد:

ثلاثتهم، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 199/ 5311)، والبيهقي (1/ 296)، وذكره البخاري تعليقًا فيما حكاه عنه الترمذي في العلل الكبير (141).

قلت: أما شعبة، وسعيد بن أبي عروبة: فهما من أثبت الناس في قتادة.

وأما همام، وأبو عوانة، وأبان: فهم من طبقة الشيوخ في قتادة، في مرتبة بعد شعبة وسعيد.

وأما معمر: فإنه سيئ الحفظ لحديث قتادة [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 694)].

وقد اختلفت أنظار الأئمة النقاد فيما هو الراجح من هذا الاختلاف:

1 -

فقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن هذا الحديث فقال: "روى همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى سعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكرا: عن سمرة"[العلل الكبير (141)].

ص: 193

فكأن البخاري توقف، والله أعلم.

2 -

وسأل ابن أبي حاتم أباه، عن حديث همام، وأبان وقال:"قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: جميعًا صحيحان، همام ثقة وصله، وأبان لم يوصله"[العلل (1/ 199/ 575)].

3 -

وذكر الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث على الحسن، ثم قال:"وكلها وهم، والمحفوظ: ما رواه شعبة عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة"، ثم ذكر بعض الاختلاف على الحسن أيضًا، ثم قال:"والجميع وهم إلا قول شعبة عن قتادة"[العلل (10/ 263)].

قلت: الذي يظهر لي بأنه أقرب الأقوال إلى الصواب: الثاني والثالث: فإما أن يقال بأن قتادة كان ينشط أحيانًا فيوصله، ويفتر أحيانًا فيرسله، وكلاهما محفوظ عنه صحيح، وحينئذ يقال بأنه لا تعارض هنا بين الوصل والإرسال؛ وهذا ما ذهب إليه أبو حاتم.

وإما أن يقال بأن المحفوظ: رواية الأكثر من أصحاب قتادة الثقات، وهي رواية شعبة، وهمام، وأبي عوانة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولًا.

وهذا ما ذهب إليه الدارقطني.

وعلى كلا القولين: فالوصل: صحيح محفوظ.

• والحديث قد اختلف فيه أيضًا على الحسن البصري:

1 -

فرواه قتادة عنه به هكذا موصولًا ومرسلًا.

2 -

ورواه يونس بن عبيد [ثقة ثبت، وهو أثبت أصحاب الحسن]، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره.

أخرجه البزار (10/ 401/ 4540)، والطبراني في الكبير (7/ 223/ 6926)، وابن عدي في الكامل (3/ 9)، وأبو الطاهر الذهلي في جزئه (52).

كلهم من طريق: الجراح بن مخلد قال: ثنا خالد بن يحيى: ثنا يونس بن عبيد به.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن يونس، عن الحسن، عن سمرة، إلا خالد بن يحيى".

وخالد بن يحيى هذا: ترجم له ابن عدي في كامله بقوله: "خالد بن يحيى، أبو عبيد السدوسي البصري، حدث عن يونس بن عبيد وغيره ما لا يرويه غيره"، ثم ذكر له ثلاثة أحاديث هذا أحدها، ثم قال:"ولخالد هذا غير ما ذكرت من الحديث: إفرادات وغرائب عمن يحدث عنه، وليس بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به؛ لأني لم أر في حديثه متنًا منكرًا".

واعتمد على ذلك الذهبي في الميزان (1/ 645) فقال: "صويلح، لا بأس به، ذكره ابن عدي في كامله وقواه".

ولم يزد ابن حجر في اللسان (3/ 344) على أن نقل كلام ابن عدي، ولم يذكروا له شيئًا مما يستنكر عليه في المتون.

ص: 194

قلت: خالد بن يحيى السدوسي هذا هو الهلالي، وهو قليل الحديث، ومع قلَّته فإنه يخطئ ويخالف، وينفرد عن يونس بن عبيد بما لا يتابع عليه، ويروي عن ابن أبي عروبة خلاف ما يرويه الثقات من أصحاب سعيد، مثل حديث ولوغ الكلب [تقدم تحت الحديث رقم (73)] فقد أخطأ في إسناده، وتفرد فيه عن يونس بن عبيد، وليس من حديث يونس، ومثل حديث خاتم النبي صلى الله عليه وسلم[انظر: الكامل (3/ 10)، أفراد الدارقطني (2/ 161/ 1021 - أطرافه)]، فقد أخطأ في متنه على ابن أبي عروبة فقال:"في يساره"، والحفاظ من أصحاب سعيد يقولون:"في يمينه".

فمثل هذا لا يحتمل تفرده عن مثل يونس بن عبيد في كثرة أصحابه الثقات الذين رووا عنه، لا سيما وأن له أصحاب قد اعتنوا بحديثه مثل: يزيد بن زريع، وخالد بن عبد الله الواسطي، وإسماعيل ابن علية، وغيرهم؛ فلا ينبغي أن يفوتهم مثل هذا الحديث عن يونس، وهو من أحاديث الأحكام التي لها موقع عظيم في الاستدلال، فهو من أقوى حجج القائلين بعدم وجوب غسل الجمعة.

ويزيد بن زريع [وهو من أثبت أصحاب يونس] يروي حديثنا هذا: عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن به، بإسناد نازل، فلو كان الحديث عنده عن يونس لما فرط فيه لعلو إسناده، والله أعلم.

وعلى هذا فالحديث منكر بهذا الإسناد.

كذلك يمكن أن يقال: لو كان الحديث محفوظًا من حديث يونس، مشهورًا عنه، لما أهمل الأئمة الاحتجاج به في بابه، ولما توانوا عن إخراجه في مصنفاتهم، لا سيما أصحاب السنن والصحيح.

3 -

ورواه أبو بكر الهذلي، عن الحسن، وابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى يوم الجمعة فتوضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل".

أخرجه البزار في مسنده [عزاه إليه: ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 50)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 92)، ابن حجر في التلخيص (2/ 134)]، وابن عدي في الكامل (3/ 323)، والدارقطني في الأفراد (5/ 160/ 5004 - أطرافه).

قال البزار: "هذا الحديث لا نعلم يروى عن محمد عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد".

وقال الدارقطني: "تفرد به أسباط، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، وابن سيرين".

قلت: وهذا ليس شيء، فإن أبا بكر الهذلي: متروك، عامة ما يرويه لا يتابع عليه.

4 -

ورواه محمد بن حرب، قال: حدثني الضحاك بن حمرة الأملوكي، عن الحجاج بن أرطاة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وقد أدى الفرض، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

أخرجه الطحاوي (1/ 119)، والطبراني في الأوسط (8/ 161/ 8272)، وابن عدي في الكامل (4/ 98).

ص: 195

سقط من إسناد الطبراني "الحجاج بن أرطأة"، وقال بناء على ذلك:"لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم بن مهاجر إلا الضحاك".

قلت: هو منكر من حديث الحسن عن أنس، تفرد به إبراهيم بن مهاجر البجلي: وليس بالقوي، ولا يتابع على بعض حديثه، وهذا منها "وانظر الحديث المتقدم برقم (316)].

والحجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين.

والضحاك بن حمرة -بالراء المهملة- الأملوكي: ضعيف [التهذيب (2/ 222)، إكمال مغلطاي (7/ 13)، الميزان (2/ 322)].

5 -

ورواه أبو حرة، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره.

أخرجه أبو داود الطيالسي (2/ 688/ 1447)، وبحشل في تاريخ واسط (158 - 159)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 539 - ط حمدي السلفي)، والطبراني في الأوسط (7/ 374/ 7765)، والبيهقي (1/ 296).

رواه عن أبي حرة جماعة، وتفرد به هو عن الحسن، فوهم في قوله:"عبد الرحمن بن سمرة"، وإنما هو "سمرة بن جندب".

وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن: صدوق عابد، وحديثه عن الحسن: ضعيف، لم يسمع من الحسن إلا ثلاثة أحاديث [التهذيب (4/ 302)، إكمال مغلطاي (12/ 200)، الميزان (4/ 329)].

قال العقيلي بعدما ذكر الاختلاف فيه على الحسن: "ورواه شعبة، وهمام، وأبو عوانة: عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، وهو الصواب".

وقال ابن حجر في المطالب العالية (1/ 713/285): "المشهور عن الحسن في هذا: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، لا عن عبد الرحمن بن سمرة".

وقال في التلخيص (2/ 134/ 656): "ورواه أبو حرة، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة، ووهم في اسم صحابيه

وهذا الاختلاف فيه على الحسن وعلى قتادة: لا يضر؛ لضعف من وهم فيه، والصواب كما قال الدارقطني: عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، وكذلك قال العقيلي".

وقال الدارقطني بعدما ذكر الاختلاف فيه: "وكلها وهم، والمحفوظ: ما رواه شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة"، وقال أيضًا:"والجميع وهم؛ إلا قول شعبة عن قتادة".

• والحاصل: أن المحفوظ في هذا الحديث عن الحسن: هو ما رواه شعبة، وهمام، وأبو عوانة: عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال العقيلي، والدارقطني.

ص: 196

• وروي الحديث أيضًا: من حديث أنس، وأبي سعيد الخدري، وجابر:

1 -

أما حديث أنس؛ فله أسانيد:

أ - عثمان بن يحيى القرقساني، قال: نا مؤمل بن إسماعيل، قال: نا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره.

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 9/ 4525)، والضياء في المختارة (5/ 50/ 1666).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد بن سلمة إلا مؤمل، تفرد به عثمان بن يحيى".

وهذا حديث غريب؛ مؤمل بن إسماعيل: سيئ الحفظ، كثير الغلط، وعثمان بن يحيى القرقساني: لم أر من ذكره بجرحِ، وأودعه ابن حبان في ثقاته (8/ 455)، وأخرج له في صحيحه (15/ 112/ 6716): حديثًا لا يصح.

ب - الفضل بن المختار، عن أبان، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"، فلما كان الشتاء قلنا: يا رسول الله أمرتنا بالغسل يوم الجمعة، وقد جاء الشتاء، ونحن نجد البرد! فقال:"من اغتسل فبها ونعمت، ومن لم يغتسل فلا حرج".

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 385) و (6/ 15).

وهذا حديث باطل؛ أبان بن أبي عياش: متروك، والفضل بن المختار: أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، عامة ما يرويه لا يتابع عليه [الجرح والتعديل (7/ 69)، الكامل (6/ 16)، ضعفاء العقيلي (3/ 449)، الميزان (3/ 358)، اللسان (6/ 352)].

ج - يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه ابن ماجه (1091)، والطيالسي (3/ 579/ 2224)، وعبد الرزاق (3/ 199/ 5312)، ومحمد بن الحسن في الحجة (1/ 279 - 280)، وفي زياداته على الموطأ (63)، والبزار (13/ 203/ 6669)، وأبو يعلى (7/ 127/ 4086)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1750 و 1751)، والطحاوي (1/ 119)، وابن عدي (3/ 102 و 133)، وابن الغطريف (18)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 306 - 307)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 296)، وفي المعرفة (1/ 356/ 456).

رواه عن يزيد الرقاشي [وهو: ضعيف]: إسماعيل بن مسلم المكي [ضعيف]، والربيع بن صبيح [عابد صالح مجاهد، ليس بالقوي]، ودرست بن زياد [ضعيف].

فهو حديث ضعيف.

• تنبيهان:

الأول: روي عن سفيان الثوري، عن يزيد الرقاشي، ولا يصح، بينهما الربيع بن صبيح أو عكرمة؛ قال أبو القاسم البغوي: "هكذا حدثنا علي، عن سفيان، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، وهو مرسل؛ لم يسمع الثوري من يزيد الرقاشي شيئًا، وبينهما

ص: 197

الربيع بن صبيح"، وقال ابن عدي في الكامل (3/ 133): "وقد رواه جماعة من أصحاب الثوري: يزيد بن أبي حكيم، وعبد الرزاق وغيرهما، عن الثوري، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي".

الثاني: روي الحديث أيضًا: عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أنس [الحلية]، وروي عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، ويزيد الرقاشي، عن أنس [البزار. شرح المعاني]، ولا يصحان.

قال البزار: "وهذا الحديث إنما يعرف من حديث يزيد الرقاشي، عن أنس. رواه غير واحد عنه، وجمع يحيى بن أبي بصير في هذا الحديث عن الربيع عن الحسن ويزيد الرقاشي، عن أنس؛ فحمله قوم من أصحاب الحديث على أنه عن الحسن أيضًا، عن أنس، وأحسب أن الربيع إنما ذكره عن الحسن مرسلًا، وعن يزيد الرقاشي، عن أنس، فلما لم يفصله جعلوه كأنه عن الحسن عن أنس، وعن يزيد عن أنس".

2 -

وأما حديث جابر، فيرويه:

أ - عبيد بن إسحاق العطار، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه البزار (1/ 302/ 629 - كشف)، والطحاوي (1/ 119)، وابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (67)[وهو برقم (736) في مجموع مصنفاته]، وابن عدي في الكامل (5/ 347).

قال ابن عدي: "وهذا أيضًا لا أعلم يرويه غير عبيد بن إسحاق"، وقال بعدما أنكر عليه أحاديث:"وعامة ما يرويه إما أن يكون منكر الإسناد، أو منكر المتن".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عبيد بن إسحاق عن قيس بن الربيع، وعبيد هذا: منكر الحديث [اللسان (5/ 349)، كنى مسلم (69)، أسامي الضعفاء (195)].

ب - ورواه أبو نضرة، واختلف عليه:

• فرواه أبان بن أبي عياش [متروك]، عن أبي نضرة، عن جابر، به مرفوعًا.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 199/ 5313)[أبهم الثوري اسم أبان في رواية عبد الرزاق، وصرح به عند عبد بن حميد]، وعبد بن حميد (1077)، وأبو يوسف في الآثار (368)، ومحمد بن الحسن في الحجة (1/ 286)، وابن شاهين في الناسخ (30)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (60).

• • ورواه الربيع بن بدر [متروك]، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعًا.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (10/ 87) و 16/ 213).

••• ورواه أسيد بن زيد الجمال [متروك، كذبه ابن معين، ولا عبرة بقول ابن القطان:"ومع هذا فقد أخرج له البخاري، وهو ممن عيب عليه الإخراج له"، بيان الوهم

ص: 198

(3/ 398)؛ لأن البخاري أخرج له مقرونًا بغيره في موضع واحد، وقد كرر الحديث بأسانيد صحيحة. انظر: البخاري (3410 و 5705 و 5752 و 6472 و 6541)، مسلم (220)] قال: ثنا شريك: أنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به مرفوعًا.

أخرجه البزار في مسنده [بيان الوهم (3/ 397)، الأحكام الوسطى (3/ 117)، نصب الراية (1/ 92)]، والبيهقي (1/ 296).

قال البزار: "لا نعلم رواه عن عوف إلا شريك، ولا عن شريك إلا أسيد بن زيد، وأسيد بن زيد كوفي قد احتمل حديثه، مع شيعية شديدة كانت فيه".

وانظر: المهذب للذهبي (1/ 294).

قلت: مثله لا يحتمل ولا كرامة!، وهو مع وهائه الشديد قد خولف فيه، فقد روى أبو نعيم في مسند أبي حنيفة ص (60) بإسناد صحيح إلى عثمان بن أبي شيبة: ثنا شريك، عن أبان، عن أبي نضرة، عن جابر به مرفوعًا.

فعاد الحديث إلى أبان مرة أخرى.

وحديث أسيد هذا أنكره عليه الذهبي في الميزان (1/ 257)، وابن حجر في التهذيب (1/ 175)، وانظر: إكمال مغلطاي (2/ 220).

• والخلاصة: أن الحديث لا يصح عن أبي نضرة، فضلًا عن أن يكون من حديث جابر أو أبي سعيد.

• وفي النهاية فإن الحديث فد روي بإسناد ضعيف عن أنس، وأصح ما ورد فيه حديث سمرة الذي رواه:

شعبة، وهمام، وأبو عوانة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

قال الترمذي: "حديث حسن"، وذكر الاختلاف على قتادة.

وقال النسائي في المجتبى (1380): "الحسن عن سمرة كتابًا، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، والله تعالى أعلم".

وقال البغوي: "هذا حديث حسن".

وقال النووي في شرح مسلم (6/ 133): "حديث حسن"، وقال في تهذيب الأسماء واللغات (3/ 33):"حديث صحيح".

وقال ابن رشد في البداية (1/ 119): "حديث ضعيف".

قلت: الحديث رجاله ثقات؛ إلا أن الشأن في اتصاله بين الحسن وسمرة؛ فمن رآه متصلًا بينهما صحَّح الحديث؛ ومن رآه منقطعًا ضعَّف الحديث.

• وهذه المسألة قد بحثها وأوعب الكلام فيها مفصلًا بما يغني عن الإعادة: الشريف حاتم العوني في كتابه: "المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس"، في المجلد الثالث من ص (1174) إلى ص (1475)؛ يعني: فيما يزيد على (300) صفحة.

ص: 199

ويمكن تلخيصها فيما يلي:

• اختلف العلماء في إثبات سماع الحسن من سمرة أو نفيه:

1 -

فطائفة نفت السماع مطلقًا؛ مثل: شعبة، وأحمد، وابن معين، وغيرهم.

2 -

وطائفة قالت بأنه لم يسمع، ولكنه يروي من كتاب وجادة، مثل: يحيى بن سعيد القطان، وبهز بن أسد، وابن معين، والبرديجي، وغيرهم.

3 -

وطائفة قالت: لم يسمع إلا حديث العقيقة، مثل: الدارقطني، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وابن حزم، وغيرهم.

4 -

وطائفة قالت: لم يسمع إلا حديث العقيقة وحده، والباقي يرويه وجادة، مثل النسائي، والبزار وجماعة.

5 -

وطائفة أثبتت له السماع مطلقًا، مثل ابن المديني، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وجماعة.

وأقوى ما اعتمد عليه النافون للسماع: هو تضعيفهم لحديث قريش بن أنس، والذي فيه إثبات سماع الحسن من سمرة لحديث العقيقة، مثل الإمام أحمد، وابن معين، والبرديجي.

والذين قالوا بأن الحسن إنما يروي من كتاب سمرة وجادة من غير سماع ولا عرض: اعتمدوا على ما صح عن ابن عون، قال:"وجدت عند الحسن كتاب سمرة، فقرأته عليه، وكان فيه: يجزي من الاضطرار غبوق أو صبوح".

واحتج الذين أثبتوا السماع مطلقًا بحديث قريش بن أنس: الذي يرويه علي بن المديني، وعبد الله بن أبي الأسود، وأبو موسى محمد بن المثنى، وهارون بن عبد الله الحمال، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب، وغيرهم:

قالوا: حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال:"أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن: ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته؟ فقال: من سمرة بن جندب".

أخرجه البخاري في صحيحه (5472)، وفي التاريخ الكبير (2/ 289) [وفيه وفي التاريخ الأوسط (1/ 393): قال علي [بن المديني]: وسماع الحسن من سمرة بن جندب: صحيح، وأخذ بحديثه:"من قتل عبده قتلناه"]، والترمذي (182 و 182 م)، وفيه:"قال محمد: قال علي بن عبد الله: الحسن عن سمرة بن جندب: حديث صحيح، وقد سمع منه"، والنسائي في المجتبى (7/ 166/ 4221)، وفي الكبرى (4/ 373/ 4533)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 33/ 4044)، وابن أبي الدنيا في العيال (75)، والطحاوي في المشكل (6/ 422/ 4503 - تحفة)، والبزار (10/ 401/ 4539)، وابن حزم في المحلى (7/ 525)، والبيهقي (9/ 299)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 307)، والمزي في التهذيب (23/ 587 - 588).

وقريش بن أنس وإن كان قد تغير؛ إلا أن هؤلاء ممن روى عنه قبل التغير، فهم من

ص: 200

قدماء أصحابه، وحديثه هذا من قديم حديثه وصحيحه، فهو حديث صحيح، صححه البخاري، وابن المديني، والترمذي، والنسائي، والبزار، والدارقطني، وغيرهم.

وفي هذا رد بالحجة والبرهان على من ضعفه، مثل: أحمد، وابن معين، والبرديجي، وانظر تفصيل ذلك في المرسل الخفي ص (1220 - 1231) من المجلد الثالث.

وهذا هو الحديث الصحيح الوحيد الذي يُثبِت سماعَ الحسنِ من سمرة، وثمة أحاديث آخر لكن لا يصح منها شيء [انظر: المصدر السابق من ص (1232 - 1274)].

• فأما الذين نفوا السماع مطلقًا فهم محجوجون بحديث قريش بن أنس الصحيح الثابت.

• وأما الذين أثبتوا السماع مطلقًا فحديث ابن عون حجة عليهم لما فيه من الحجة على أن الحسن كان يروي كتاب سمرة عرضًا ويحدث به قراءة عليه.

وقد ثبت أن كثيرًا من الأحاديث التي يرويها الحسن عن سمرة موافقة لكتاب سمرة الذي يرونه بنوه.

ثم كيف يسمع الحسن كل هذه الأحاديث من سمرة ولا يصرح بسماعه منه إلا في حديث واحد.

فالقول بأن رواية الحسن عن سمرة إنما هي وجادة صحيحة، فهو كتاب صحابي موثوق به، محفوظ عند بنيه، استعاره منهم الحسن، والحسن من هو في فقهه ودينه وورعه وعلمه وفطنته، وبُعدِه عن دخول التصحيف عليه، فالكتاب الذي كان عنده إما أن يكون كتاب سمرة نفسه، أو نسخة منه؛ كما قال البزار وابن القطان، أقول: فالقول بأن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع إلا أنه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة، هذا القول هو الموافق لقول بعض العلماء المحققين؛ وهو قول وسط بين من نفى مطلقًا أو أثبت مطلقًا.

وعليه فإنه إذا صح الإسناد إلى الحسن البصري؛ فحديثه عن سمرة محمول على الاتصال، وهو صحيح.

وقد صحح الإمام الترمذي للحسن عن سمرة أحاديث كثيرة [انظر: الجامع (182 و 1237 و 1266 و 1368 و 1522 و 2983 و 1296)].

وما لم يصححه الترمذي فإما أن يكون الإسناد إلى الحسن مما لا يعتمد عليه، أو مما لا يصح، أو غير ذلك، وانظر: الجامع (233 و 251 و 1082 و 1349 و 1365 و 1414 و 1583 و 2443 و 3077 و 3231 و 3271 و 3931).

وممن صحح للحسن عن سمرة أيضًا: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن الجارود.

واحتج به النسائي في مواضع (7/ 292/ 4620) و (7/ 313 و 314/ 4681 و 4682) و (8/ 20 و 21/ 4736 - 4738) و (8/ 26/ 4753 و 4754).

ص: 201

واحتج البخاري وشيخه ابن المديني بحديث: "من قتل عبده قتلناه"[علل الترمذي (401)].

والإمام أحمد مع كونه ينفي سماع الحسن من سمرة؛ فقد احتج بأحاديث من رواية الحسن عن سمرة [انظر: مسائل صالح (384)، ومسائل الكوسج (2/ 24 و 48/ 1855 و 1938)، وغيرها].

• ونختم ذلك بنقلين عن مرويات الحسن عن سمرة:

1 -

قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 125): "وقد صح سماع الحسن من سمرة، وغاية هذا أنه كتاب، ولم تزل الأمة تعمل بالكتب قديمًا وحديثًا، وأجمع الصحابة على العمل بالكتب، وكذلك الخلفاء بعدهم، وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيها تعطلت الشريعة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي، فيعمل بها من تصل إليه، ولا يقول: هذا كتاب، وكذلك خلفاؤه بعده، والناس إلى اليوم، فَرَدُّ السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل الباطل، والحفظ يخون، والكتاب لا يخون".

وقال بعد ذلك بصفحتين (2/ 127) في صحيفة سليمان بن قيس اليشكري: "وغاية هذا أن يكون كتابًا، والأخذ عن الكتب حجة".

قلت: ولا سيما إذا كان الراوي من الكتاب عالم فقيه حجة، له دراية واسعة بفن الكتابة والتصحيف، مثل الحسن البصري؛ مما يزيد الثقة بهذه الصحيفة.

2 -

وفي التهذيب (1/ 389 و 390): "وقال بهز بن أسد، لم يسمع الحسن من ابن عباس

، واعتماده على كتب سمرة

"، وفيه أيضًا: "

وقال يحيى القطان وآخرون: هي كتاب"، قال ابن حجر العسقلاني: "وذلك لا يقتضي الانقطاع".

يعني: أنها أحاديث متصلة مقبولة.

• وبناء على ما تقدم فإن حديث: شعبة، وهمام، وأبي عوانة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل": حديث صحيح.

وهذا الحديث هو أقوى ما يستدل به على عدم فرضية غسل الجمعة.

قال ابن رشد في البداية (1/ 119): "وهو نص في سقوط فرضيته؛ إلا أنه حديث ضعيف"، قلت: قد صح الحديث.

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 95): "قوله: "فبها" قال الأصمعي: معناه: فبالسُّنَّة أخذ، وقوله: "ونعمت" يريد: ونعمت الخصلة، ونعمت الفعلة، أو نحو ذلك، وإنما ظهرت التاء التي هي علامة التأنيث لإظهار السُّنَّة أو الخصلة أو الفعلة، وفيه البيان الواضح: أن الوضوء كافٍ للجمعة، وأن الغسل لها فضيلة لا فريضة".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 431): "وفيه دليل على أن الغسل لاكتساب الفضل، والوضوء جائز،

"، ثم نقل كلام الخطابي.

ص: 202

وقال ابن العربي في القبس (1/ 265): "وهذا نص"؛ يعني: في عدم الفرضية.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 421): "ووجه الدلالة منه قوله: "فالغسل أفضل"، فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء".

وانظر أيضًا: الاستذكار (2/ 13)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 33)، شرح الطيبي (3/ 852)، نيل الأوطار (1/ 295).

• وفي نهاية أحاديث غسل الجمعة يحسن أن نجمل القول في حكم الاغتسال يوم الجمعة:

حكى بعضهم الاختلاف في حكم غسل الجمعة لكن كلام الترمذي وابن عبد البر يعارض ذلك:

قال الترمذي بعد حديث سمرة: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: اختاروا الغسل يوم الجمعة، ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة

"، ثم نقل كلام الشافعي السابق ذكره عند الحديث رقم (340).

قال ابن رجب في الفتح (5/ 341) معقبًا على كلام الترمذي: "وهذا الكلام يقتضي حكاية الإجماع على ذلك".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 218) بعد حديث سمرة: "وقد أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب، وفي ذلك ما يكفي ويغني عن الإكثار، ولا يجوز على الأمة بأسرها جهل معنى السُّنَّة، ومعنى الكتاب، وهذا مفهوم عند ذوي الألباب، إلا أن العلماء مع إجماعهم على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب، اختلفوا فيه: هل هو سُنَّة مسنونة للأمة، أم هو استحباب وفضل، أو كان لعلة فارتفعت وليس بسُنَّة".

قال ابن رجب في الفتح (5/ 343 و 344): "وذكر ابن عبد البر أنه لا يعلم أحدًا قال: إنه يأثم بتركه، غير أهل الظاهر، وأن من أوجبه قال: لا يأثم بتركه. وحكى أيضًا الإجماع على أنه ليس بفرض واجب

"، ثم قال ابن رجب: "فابن عبد البر لم يثبت في وجوب غسل الجمعة -بمعنى كونه فرضًا يأثم بتركه- اختلافًا بين العلماء المعتبرين، وإنما خص الخلاف في ذلك بأهل الظاهر.

والأكثرون: أطلقوا حكاية الخلاف في وجوب غسل الجمعة، وحكوا القول بوجوبه عن طائفة من السلف، كما حكاه ابن المنذر، عن أبي هريرة، وعمار، وعن مالك أيضًا.

والذي ذكره ابن عبد البر هو التحقيق في ذلك، والله أعلم، وأن من أطلق وجوبه إنما تبع في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق اسم الواجب عليه، وقد صرح طائفة منهم بأن وجوبه لا يقتضي الإثم بتركه، كما حمل أكثر العلماء كلام النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك أيضًا، وممن صرح بهذا: عطاء كما سبق ذكره عنه، ومنهم: يحيى بن يحيى النيسابوري، والجوزجاني.

ص: 203

وقد تبين بهذا أن لفظ الواجب ليس نصًّا في الألزام بالشيء، والعقاب على تركه؛ بل قد يراد به ذلك -وهو الأكثر-، وقد يراد به تأكد الاستحباب والطلب

".

وقال في جامع العلوم والحكم ص (525 - 526) معقبًا على تعبيرات بعض الأئمة مثل مالك وأحمد وإسحاق، قال: "وسبب هذا -والله أعلم- أن التعبير بلفظ السُّنَّة قد يفضي إلى التهاون بفعل ذلك، وإلى الزهد فيه وتركه، وهذا خلاف مقصود الشارع من الحث عليه، والترغيب فيه بالطرق المؤدية إلى فعله وتحصيله، فإطلاق لفظ الواجب أدعى إلى الإتيان به، والرغبة فيه.

وقد ورد إطلاق الواجب في كلام الشارع على ما لا يأثم بتركه، ولا يعاقب عليه عند الأكثرين؛ كغسل الجمعة، وكذلك ليلة الضيف عند كثير من العلماء أو أكثرهم، وإنما المراد به المبالغة في الحث على فعله وتأكيده".

وقد لخص القرطبي في المفهم (2/ 478) أدلة الفريقين بقوله: "قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم": ظاهر في وجوب غسل الجمعة، وبه قال أهل الظاهر، وحكي عن بعض الصحابة، وعن الحسن، وحكاه الخطابي عن مالك، ومعروف مذهبه وصحيحه: أنه سُنَّة، وهو مذهب عامة أئمة الفتوى. وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة، ودلهم على ذلك أمور:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له"، فذكر فيه الوضوء، واقتصر عليه دون الغسل، ورتب الصحة والثواب عليه، فدل على أن الوضوء كاف من غير غسل، وأن الغسل ليس بواجب [تقدم تخريجه والكلام على فقهه تحت الحديث رقم (343)].

وثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم لهم حين وجد منهم الريح الكريهة: "لو اغتسلتم ليومكم هذا" وهذا عرض، وتحضيض، وإرشاد للنظافة المستحسنة، ولا يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب [حديث عائشة تقدم برقم (352)، وقال ابن العربي في القبس (1/ 266): "فبينت رضوان الله عليها سبب الغسل، وأوضحت علته، فارتبط الغسل بها، والفرائض المطلقة لا تتعلق بالعلل العارضة"، وقال ابن رجب في الفتح (5/ 409): "وهذا من أوضح الأدلة على أن غسل الجمعة ليس بواجب، حتى ولا على من له ريح تخرج منه، وإنما يؤمر به ندبًا واستحبابًا، لقوله: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا""، ثم قال القرطبي:]

وثالثها: تقرير عمر والصحابة لعثمان رضي الله عنهم على صلاة الجمعة بالوضوء من غير غسل، ولم يأمروه بالخروج، ولم ينكروا عليه، فصار ذلك كالإجماع منهم؛ على أن الغسل ليس بشرط في صحة الجمعة، ولا واجب [تقدم تخريجه برقم (340)، والكلام على فقهه بتوسع ونقل كلام الأئمة فيه] [ويزاد عليه: قال ابن العربي في القبس (1/ 266): "وجه التعلق منه: أن عمر والصحابة بأجمعهم أعلموا ذلك الرجل بتأكيد الغسل، وأقروه على تركه؛ ولو

ص: 204

كان فرضًا ما سامحوه؛ لأن القوم كانوا أجل من أن يقروا على منكر"].

ورابعها: ما يقطع مادة النزاع، ويحسم كل إشكال: حديث الحسن عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهذا نص في موضع الخلاف، غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه، وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة، فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك، والله تعالى أعلم [تقدم الكلام على الحديث قريبًا وأنه حديث صحيح].

وخامسها: أنه عليه الصلاة والسلام قد قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه" وظاهر هذا: وجوب السواك والطيب، وليس كذلك بالاتفاق، يدل على أن قوله:"واجب" ليس على ظاهره، بل المراد به: ندب المؤكد، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ الواو، والله تعالى أعلم" انتهى كلام القرطبي، وما بين الحاصرتين زيادات زدتها من كلام الأئمة لزيادة الإيضاح.

وحديث أبي سعيد الخدري الأخير تقدم برقم (344)، وفيه أيضًا قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 83):"لما قرن النبي صلى الله عليه وسلم الغسل يوم الجمعة إلى إمساس الطيب، وكان إمساس الطيب ليس بفرض لا يختلف فيه أهل العلم، دل على أن الغسل المقرون إليه مثله"، وقال أيضًا:"وكذلك لما قرن الغسل إلى السواك، دل على أن الغسل ليس بفرض".

وانظر في هذا المعنى أيضًا: التمهيد (4/ 219)، صحيح ابن خزيمة (3/ 125).

وانظر غير ما تقدم: المغني (2/ 99)، الحجة على أهل المدينة (1/ 279)، الاستذكار (2/ 13)، شرح معاني الآثار (1/ 118)، شرح السنَّة (1/ 428)، تأويل مختلف الحديث (199)، صحيح ابن خزيمة (3/ 125)، صحيح ابن حبان (7/ 21)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 331)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/ 126)، أعلام الحديث للخطابي (1/ 569 - 571)، معالم السنن (1/ 95)، القبس في شرح الموطـ (1/ 264)، فتح الباري لابن حجر (2/ 420)، شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ 379).

• ومما يؤيد القول بعدم فرضية غسل الجمعة [مع ما تقدم من الأدلة]: ما صح عن ابن مسعود، وإبراهيم النخعي:

1 -

فقد روى مسعر بن كدام، والمسعودي، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن همام بن الحارث، عن ابن مسعود، قال: الغسل يوم الجمعة سُنَّة. وفي لفظ: إن من السُّنَّة الغسل يوم الجمعة.

أخرجه الطيالسي (1/ 307/ 391)، وعبد الرزاق (3/ 200/ 5316)، وابن أبي شيبة (1/ 435/ 5020)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 307/ 202 - زوائده)، والبزار (5/ 315/ 1932)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1918)، وابن المنذر (4/ 41/ 1774)، والشاشي (875)، وابن الأعرابي في المعجم (1/ 195/ 342)، والخطيب في الكفاية (421).

ص: 205

وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح، وله حكم الرفع.

وهمام بن الحارث: سمع ابن مسعود [التاريخ الكبير (8/ 236)].

• ورواه إسحاق بن رزيق -وفي رواية: ابن زريق- مرة: عن إبراهيم بن خالد الصنعاني [وهو ثقة]، ومرة: عن المغيرة بن سقلاب [وهو منكر الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل (6/ 359)، اللسان (8/ 133)، وحديث القلتين المتقدم برقم (64)]:

كلاهما عن سفيان الثوري، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن همام بن الحارث، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغسل يوم الجمعة من السُّنَّة".

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 212/ 10501) من طريق المغيرة. وأبو نعيم في الحلية (4/ 178) من طريق إبراهيم.

قال أبو نعيم: "لم يرفعه أحد من أصحاب الثوري إلا إسحاق بن زريق، عن إبراهيم، والمغيرة بن سقلاب عنه، ورواه شعبة عن [في المطبوع: و، وهو خطأ] مسعر، والمسعودي عن وبرة"؛ يعني: عن همام، عن ابن مسعود قوله.

قلت: رفعه منكر، لتفرد إسحاق بن زريق به ولا يحتمل من مثله التفرد بمثل هذا، لا سيما مع المخالفة، وإسحاق هذا: ذكره ابن حبان في الثقات، وكان راويًا لإبراهيم بن خالد الصنعاني، روى عنه عن سفيان الثوري: الجامع الكبير [الثقات (8/ 121)، المؤتلف للدارقطني (2/ 1020)، الإكمال (4/ 57)، الأنساب (3/ 64)، التوضيح (4/ 180)، وقد سبق ذكره قبل ذلك في إسناد يرويه عن مجاهيل تحت الحديث المتقدم برقم (227)، وفيه ما ينكر].

• والخلاصة: أن المعروف في هذا عن ابن مسعود: موقوف عليه، وهو صحيح عنه، وله حكم الرفع.

2 -

وروى الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: إني لأحب أن أغتسل من خمس: من الحجامة، والموسى، والحمام، والجنابة، ويوم الجمعة، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: ما كانوا يرون غسلًا واجبًا إلا غسل الجنابة، وكانوا يستحبون الغسل يوم الجمعة.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 180/ 702) و (1/ 297/ 1141) و (3/ 199/ 5309)، ومسدد بن مسرهد (1/ 118/ 205 - مطالب)، والبيهقي (1/ 300).

ورواه عن الأعمش به: الثوري، وأبو معاوية، وعبد الله بن داود.

وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 435/ 5009 و 5013).

وكأن إبراهيم النخعي في ذلك يحكي إجماع الصحابة ومن بعدهم.

• وفي المسألة قول ثالث:

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 377): "وللناس في وجوبه ثلاثة أقوال: النفي والإثبات، والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، والثلاثة لأصحاب أحمد".

ص: 206