المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌129 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌129 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل

قلت: الصحيح ما تقدم من تأكد استحبابه مطلقًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي وجد منه ريحًا كريهة:"لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"، ولم يوجبه عليه، كما في حديث عائشة.

وقد قال ابن القيم قبل هذا: "الأمر بالاغتسال في يومها [يعني: يوم الجمعة]، وهو أمر مؤكد جدًّا، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوء من مس النساء، ووجوب الوضوء من مس الذكر، ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة، ووجوب الوضوء من الرعاف، والحجامة، والقيء، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ووجوب القراءة على المأموم".

***

‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

355 -

. . . سفيان: حدثنا الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام؛ فأمرني أن أغتسل بماء وسدر.

• رجاله ثقات، وهو حديث مرسل.

أخرجه الترمذي (605)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(565)، والنسائي (1/ 109/ 188)، وابن خزيمة (1/ 126/ 254 و 255)، وابن حبان (4/ 45/ 1240)، وابن الجارود (14)، وأحمد (5/ 61)، وعبد الرزاق (6/ 9/ 9833) و (10/ 318/ 19225)، والدولابي في الكنى (1/ 204/ 378)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 114/ 640)، وابن الأعرابي في المعجم (832 و 1464) [وفي الموضع الثاني: وهمٌ بزيادة الأعمش]، وابن السماك في التاسع من فوائده (70)، وابن قانع في المعجم (2/ 348)، والطبراني في الكبير (18/ 338/ 866)، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (74)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 117)، وفي معرفة الصحابة (4/ 2302/ 5680)، والبيهقي في السنن (1/ 171)، وفي المعرفة (1/ 267/ 268 و 269)، وفي الدلائل (5/ 317)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 171/ 340 و 341).

هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي [وهما أثبت من روى عن سفيان الثوري]، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو القيسي، وعبيد الله بن موسى، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ومحمد بن كثير العبدي، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن الوليد العدني، ومؤمل بن إسماعيل [وهم أحد عشر رجلًا من ثقات أصحاب الثوري، عدا الأخيرين ففي حفظهما شيء]:

رووه عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم به.

[وانظر: إتحاف المهرة (12/ 729/ 16356)، ففي مطبوع ابن الجارود تصحيف].

ص: 207

• وخالفهم:

1 -

وكيع بن الجراح [حافظ من أثبت أصحاب سفيان]، لكن اختلف عليه:

أ- فرواه مرة، عن سفيان، عن الأغر المنقري، عن خليفة بن الحصين، عن قيس بن عاصم به؛ مثل الجماعة.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 36).

ب- ورواه ثانية، عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين: أن جده قيس بن عاصم كذا مرسلًا.

أخرجه البيهقي (1/ 171).

ج- ورواه ثالثة، عن سفيان، عن الأغر المنقري، عن خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، عن أبيه: أن جده أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . . . الحديث.

أخرجه أحمد (5/ 61) عن وكيع. وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 44).

د- ورواه رابعة، عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبيه، عن جده قيس بن عاصم، أنه قال: أسلمت

الحديث.

أخرجه ابن السكن في صحيحه [بيان الوهم والإيهام (2/ 429/ 438)، التلخيص (657)][وانظر: تحفة الأشراف (8/ 290)].

ثم قال: "هكذا رواه وكيع مجودًا، عن أبيه، عن جده. ويحيى بن سعيد وجماعة رووه عن سفيان، لم يذكروا أباه".

قلت: الذين رووه، عن وكيع بهذه الوجوه الأربعة كلهم ثقات، وعليه: فإن رواية وكيع هذه مضطربة لا يعول عليها.

2 -

ورواه قبيصة بن عقبة السوائي [ثقة، إلا في حديث سفيان الثوري؛ فليس بذاك القوي، قال: حدثنا سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبيه: أن جده قيس بن عاصم

الحديث.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 44)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 131) و (3/ 242)، والبيهقي (1/ 172).

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 24/ 35): "وسألت أبي عن حديث رواه قبيصة، عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبيه، عن جده قيس بن عاصم: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فأمره أن يغتسل بماء وسدر؟.

قال: إن هذا خطأ؛ أخطأ قبيصة في هذا الحديث؛ إنما هو: الثوري، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، ليس فيه أبوه".

قلت: وهذا هو الصواب، الذي رواه الحفاظ من أصحاب الثوري، لا سيما وفيهم يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي، وما عداه: وهم.

3 -

ورواه أبو داود الحفري [عمر بن سعد بن عبيد: ثقة عابد، من أصحاب

ص: 208

الثوري، مقدم فيه على قبيصة وطبقته]، عن سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين: أن جده قيسًا لما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر.

أخرجه العجلي في معرفة الثقات (1533).

قلت: إن كان أبو داود الحفري حفظه هكذا عن الثوري، فروايته هذه تبين الإرسال في هذا الحديث، وأن خليفة إنما يحكي قصة إسلام جده، ولم يحضرها، ولم يدركها، ولا يرويها عنه رواية، والله أعلم.

وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وأبي عامر العقدي، وأبي عاصم النبيل، وعبيد الله بن موسى [وفيهم: أثبت أصحاب الثوري]: ما يشهد لهذا المعنى، فقد قالوا في روايتهم: عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه أسلم

الحديث [عند: الترمذي، والطوسي، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وأحمد، وغيرهم].

وإنما رواه محمد بن كثير العبدي، والفريابي، وعبد الرزاق، وعبد الله بن الوليد العدني، ومؤمل بن إسماعيل [وهم في طبقة دون أولئك في الضبط والمعرفة]، فقالوا: عن جده قيس بن عاصم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الاسلام [عند: أبي داود، وعبد الرزاق، والدولابي، وابن السماك، والنقاش]، وهي رواية ظاهرها الاتصال.

ورواية الحفاظ من أصحاب الثوري: أشبه بالصواب، وعليه: فهو حديث مرسل، لم يسنده خليفة بن حصين عن جده.

• وقد تابع سفيان الثوري عليه:

قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به]، رواه عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه أسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 122/ 7041)، وفي الكبير (18/ 338/ 867)، والبيهقي في الدلائل (5/ 317).

• وهي متابعة جيدة لرواية الثوري التي رواها عنه جماعة الحفاظ.

وله متابع آخر: قال أبو نعيم في المعرفة (4/ 2302) بعد رواية الثوري المحفوظة: "رواه أبو شيبة، وقيس بن الربيع، عن الأغر مثله.

ورواه حفص بن عبد الرحمن، عن الثوري، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبيه، عن جده، قيس بن عاصم".

قلت: حفص بن عبد الرحمن هو: ابن عمر بن فروخ أبو عمر البلخي الفقيه النيسابوري؛ وهو: صدوق، تكلم في حفظه، وليس من أصحاب الثوري المعروفين، ولا من أهل بلده، حتى يعتد بخلافه [انظر: التهذيب (1/ 452)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وفي مستخرج الطوسي:"وهذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، بدون:"حسن".

ص: 209

قلت: الذي تفرد بهذا الحديث هو الأغر بن الصباح، وهو: كوفي ثقة.

وشيخه: خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري: ثقة أيضًا.

لكن هل يعرف له سماع من جده قيس بن عاصم؟ الجواب: لا يعرف له سماع منه، ولهذا حكم الترمذي على هذا الحديث بالحسن لعدم اتصاله بين خليفة وجده، مع كون رجاله ثقات، لا سيما وقد رواه جماعة الحفاظ عنه بلفظ يدل على الحكاية، لا على الرواية، وقد أبان ذلك أبو داود الحفري في روايته، مما يجعلنا نجزم بإرساله، والله أعلم.

وقال البغوي: "هذا حديث حسن".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 661): "حديث حسن صحيح".

• والحاصل: أن حديث قيس بن عاصم: حديث رجاله ثقات، وهو حديث مرسل، ولا يعلم لخليفة سماع من جده قيس، والله أعلم.

تنبيه: ذهب ابن القطان في كتابه "بيان الوهم والإيهام"(2/ 438/429) و (3/ 336/ 1080) إلى ترجيح رواية وكيع، بذكر حصين في الإسناد، واعتمد عليها في تضعيفه للحديث لجهالة حال حصين بن قيس، والصواب عدم ذكره في الإسناد كما تقدم، والله أعلم.

***

356 -

. . . عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، قال: أُخبرت عن عثيم بن كليب، عن أبيه، عن جده: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألق عنك شعر الكفر"، يقول: احلق.

قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: "ألق عنك شعر الكفر واختتن".

• حديث ضعيف جدًّا.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 10/ 9835) و (10/ 317/ 19224).

ومن طريقه: أبو داود (356)، وأحمد (3/ 415)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 316/ 1692) و (5/ 269/ 2795)، والطبراني في الكبير (22/ 395/ 982)، وابن عدي في الكامل (1/ 222)، والبيهقي (1/ 172) و (8/ 323)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 499)، وابن الجوزي في التحقيق (3/ 415).

قال ابن عدي: "وهذا الذي قاله ابن جريج في هذا الإسناد: أُخبرت عن عثيم بن كليب، إنما حدثه إبراهيم بن أبي يحيى فكنى عن اسمه.

حدثنا عبد الله بن إسحاق المدائني: حدثنا محمد بن زياد الزيادي: حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن عثيم بن كثير بن كلاب، عن أبيه، عن جده: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احلق عنك شعر الكفر".

ص: 210

وقال البيهقي: "وهذا الذي قاله ابن جريج في هذا الإسناد: أخبرت عن عثيم بن كليب، إنما حدثه إبراهيم بن أبي يحيى، فكنى عن اسمه".

وقال البرديجي في الأسماء المفردة (60): "ويقال: إن ابن جريج سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأنه يقول: حُدثت".

وقال الخطيب في التلخيص (1/ 500): "رواه إبراهيم بن أبي يحيى المدني، عن عثيم، ويروى أن ابن جريج إنما رواه عن ابن أبي يحيى، إلا أن إبراهيم قال: عثيم بن كثير بن كلاب، إن كان الراوي ضبط الحديث عنه

"، ثم ساق حديث إبراهيم بن أبي يحيى من طريق عبد الله بن إسحاق المدائني به، مثل حديث ابن عدي.

ورواه أيضًا ابن قانع في المعجم (2/ 389)، قال: حدثنا محمد بن مروان القرشي: نا محمد بن زياد الزيادي به، نحو حديث ابن عدي.

ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2397/ 5869)، من طريق محمد بن يونس الكديمي: ثنا غانم بن الحسن: ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي: حدثني عثيم بن كثير بن كليب، عن أبيه، عن جده: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"احلق عنك شعر الكفر" فحلقه.

ثم قال: "رواه صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمد مثله

" [وانظر: المعرفة أيضًا (3/ 1523/ 3862)].

وهذا يدل على أن هذا الحديث إنما يعرف من حديث إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني، وهو مشهور عنه، رواه عنه جماعة، منهم ابن جريج، لكنه دلسه فقال:"أخبرت عن عثيم بن كليب"، وقد صدق الدارقطني إذ يقول:"تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل: إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة، وغيرهما"[التهذيب (2/ 617)].

وبهذا فإن حديث ابن جريج إنما هو من حديث إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني، وبه يعرف، وابن أبي يحيى هذا: متروك، بل كذاب، كذبه أهل بلده وهم به أعرف، فقد كذبه مالك، وهو الحكم في أهل المدينة، وقال بشر بن المفضل:"سألت فقهاء أهل المدينة عنه؟ فكلهم يقولون: كذاب"، وكذبه أيضًا من أئمة الجرح والتعديل: يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن حبان، وغيرهم، وقال البزار:"يضع الحديث"، ومع ذلك فقد خفي أمره على الإمام الشافعي، فوثقه وأكثر عنه في كتبه [انظر: التهذيب (1/ 83)، إكمال مغلطاي (1/ 284)، الميزان (1/ 57)، الكامل (1/ 217)].

فكيف يقال بعد ذلك بأنه حديث حسن؛ لأن أبا داود أخرجه في سننه، وسكت عليه، وقد علمت أنه من حديث إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وهو كذاب جهمي، يضع الحديث.

ص: 211

فإن قيل: قال أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1523): "ورواه عبد الله بن منيب، عن عثيم بن كثير بن كليب، عن أبيه، عن جده نحوه".

وعبد الله بن منيب: ليس به بأس.

فيقال: لم يذكر أبو نعيم الإسناد إلى ابن المنيب، فلعل الراوي عنه: هو الواقدي [وهو: متروك]، وهذا ما يغلب على ظني فإن أحاديث عبد الله بن المنيب عن عثيم بن كثير بن كليب: يرويها الواقدي [انظر: الكامل (6/ 241)، شعب الإيمان (6/ 210/ 7930)].

• والحديث مشهور من حديث إبراهيم بن أبي يحيى، ولا يعرف من حديث ابن المنيب، ولو صح إليه واشتهر لما تركه أبو داود وغيره، وعدل عنه إلى طريق ابن جريج الظاهر الانقطاع، مما يدل على أن الحديث لا يعرف من حديث ابن المنيب.

ولو افترضنا صحته إلى ابن المنيب، فالحديث لا يصح أيضًا، فإن عثيم بن كليب، أو عثيم بن كثير بن كليب: هو، وأبوه، وجده: مجهولون، قاله ابن القطان في بيان الوهم (3/ 43/ 695) [وانظر: التاريخ الكبير (7/ 79 و 230)، الجرح والتعديل (7/ 37 و 156 و 167)، الثقات (7/ 303)، الأسماء المفردة للبرديجي (60)، الإكمال لابن ماكولا (6/ 138)، التهذيب (3/ 83 و 475)، اللسان (6/ 413)، ذيل الميزان (627)، التعجيل (901)، المغني (2/ 430)، الإصابة (3/ 471) و (5/ 266 و 347) و (7/ 348)].

ولم أرد الخوض في تحقيق القول فيمن هو صحابي هذا الحديث، كليب أم أبوه؟ وإن كنت أميل إلى ترجيح الثاني، وهو الذي يشير إليه صنيع البخاري في تاريخه، وأبي حاتم، وابن حبان، والبرديجي، وغيرهم، وكذلك صنيع من أخرج الحديث في مصنفاتهم من أصحاب المسانيد، والمعاجم، وذكر الصحابة، مثل: أحمد، وابن أبي عاصم، والطبراني، حيث ذكروا هذا الحديث في ترجمة: أبي كليب، أو جد عثيم بن كليب، حيث لم يقل: عثيم بن كثير بن كليب إلا إبراهيم بن أبي يحيى والواقدي، وكلاهما لا يعتبر به، فبقي قول ابن جريج، والله أعلم.

• فإن قيل: للحديث طريق أخرى؛ قال أبو نعيم في المعرفة (5/ 2398): "ورواه خالد بن عمرو، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كثير بن كليب، عن أبيه نحوه".

قلت: هذا وصله ابن قانع من معجم الصحابة (2/ 383) قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور: نا أبو نعيم الحلبي: نا خالد بن عمرو، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كثير بن كليب، عن أبيه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فقال لي:"احلق عنك شعر الكفر، واغتسل، واغسل ثيابك" فذهبت، فحلقت رأسي وجسدي وعانتي.

فهذا حديث موضوع على الليث بن سعد، وضعه خالد بن عمرو، وهو: ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص القرشي الأموي السعيدي، أبو سعيد الكوفي، وهو: متروك، منكر الحديث، كذبه ابن معين، ورماه بالوضع: صالح جزرة وابن حبان وابن عدي، وقال

ص: 212

أحمد: "ليس بثقة، يروي أحاديث بواطيل"، وقال ابن عدي:"روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير"، ثم روى له أحاديث من طريق: أبي نعيم الحلبي عنه، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ثم قال: "وهذه الأحاديث التي رواها خالد، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: كلها باطلة، وعندي أن خالد بن عمرو وضعها على الليث.

ونسخة الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عندنا من حديث يحيى بن بكير، وقتيبة، وابن رمح، وابن زغبة، ويزيد بن موهب، وليس فيه من هذا شيء".

ثم قال بعد أن ذكر له جملة من أحاديثه، عن الثوري وابن أبي ذئب، ومالك بن مغول، وإسرائيل، وشعبة وغيرهم:"وخالد بن عمرو هذا له غير ما ذكرت من الحديث عمن يحدث عنهم، وكلها أو عامتها موضوعة، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء"[الكامل (3/ 29)، تاريخ بغداد (8/ 299)، التهذيب (1/ 528)، الميزان (1/ 635)].

وأبو نعيم الحلبي هو: عبيد بن هشام: ليس بالقوي، كان يلقن فيتلقن [التهذيب (3/ 41)].

وابن سابور، شيخ ابن قانع: محدث مشهور، وثقه الدارقطني والذهبي [سؤالات السهمي (144)، تاريخ بغداد (4/ 225)، السير (14/ 462)، اللسان (1/ 502)].

• والحاصل: أن حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده: حديث ضعيف جدًّا، إنما يعرف من حديث إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، واللّه أعلم.

فلا يصلح مثله في الشواهد.

• وفي الباب:

عن واثلة بن الأسقع، وقتادة الرهاوي، وأبي هريرة:

1 -

أما حديث واثلة:

فيرويه سليم بن منصور بن عمار: ثنا أبي: ثنا معروف أبو الخطاب، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: لما أسلمت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي:"اذهب فاغتسل بماء وسدر، وألق عنك شعر الكفر"، ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي.

أخرجه الحاكم (3/ 570)، والطبراني في الكبير (22/ 82/ 199)، وفي الصغير (2/ 117/ 880)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 239)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 329)، وفي أخبار أصبهان (1/ 463)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 71 - 72)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 355 و 356).

قال الطبراني: "لم يرو عن واثلة بن الأسقع إلا بهذا الإسناد، تفرد به منصور بن عمار".

قال الهيثمي في المجمع (1/ 283): "وفيه منصور بن عمار الواعظ: وهو ضعيف".

قلت: معروف بن عبد الله الخياط أبو الخطاب: قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (5/ 439)، ولم يذكر فيه شيئًا، ثم ذكره في ترجمة الإمام ابن خزيمة في ثقات تبع أتباع التابعين (9/ 156)، وقال: "ومعروف من أصحاب

ص: 213

واثلة بن الأسقع، روى عنه أحرفًا تشبه أحاديث الثقات"، لكنه لم يذكر شيئًا من هذه الأحرف، وفي خاتمة الكتاب (9/ 295) ذكر طرفًا منها، فقال: "ومعروف حفظ من واثلة بن الأسقع أشياء"، ثم ذكر منها أشياء من أفعال واثلة نفسه: في الجنائز، وفي إملاء الأحاديث، ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ومعروف هذا سمع واثلة، وحفظ عنه، وهو: صدوق"، ويلاحظ أن ابن حبان ترجم لأبي الخطاب هذا في الموضع الأول برواية الوليد بن مسلم وعلي بن حجر عنه، وهما من الثقات.

وعلى هذا فإن توثيق ابن حبان لمعروف ووصفه له بالصدق قائم على سبره لأحاديث معروف التي رواها عنه الثقات دون غيرهم، حسب علم ابن حبان وما وقف عليه من أحاديثه.

• وأما ابن عدي فقد سلك في كامله (6/ 326) مسلكًا آخر: فقد بدأ ترجمته بأحاديث أربعة رواها عمر بن حفص الدمشقي، عن معروف، عن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أحاديث تلوح عليها أمارات الوضع، ذكرها الذهبي في ترجمة معروف من الميزان (4/ 144 - 145)، ثم قال:"هذه موضوعات بيقين، والبلية من عمر بن حفص؛ لأن معروفًا قل ما روى، وأكثر ما عنده أمور من أفعال واثلة؛ وكان مولاه".

ونقله ابن حجر في تهذيبه (4/ 119) بتصرف واختصار، فقال:"أورد له ابن عدي في ترجمته عدة أحاديث منكرة من رواية عمر بن حفص المعمر، والبلية فيها منه، لا من معروف".

وكان الذهبي قد ترجم لعمر هذا في ميزانه (3/ 190) فقال: "عمر بن حفص الدمشقي الخياط المعمر: شيخ أعتقد أنه وضع على معروف الخياط أحاديث؛ كما سيأتي في ترجمة معروف

"، ونقل ابن حجر كلام الذهبي بتمامه في اللسان (6/ 91)، ولم يزد عليه شيئًا، ولم يتعقبه بشيء، وكذا صاحب الكشف الحثيث (542).

وقد ترجم ابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 566) لعمر بن حفص هذا بثلاثة أحاديث منها، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

• ثم روى ابن عدي له حديثًا خامسًا، من رواية إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: ثنا معروف، قال: عاد واثلة بن الأسقع يزيد بن الأسود،

فذكر قصة في آخرها حديث مرفوع: "يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما أحب".

وإبراهيم بن هشام هذا: أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان فلم يصب، قال فيه أبو حاتم وأبو زرعة:"كذاب"[الميزان (1/ 72) و (4/ 377)، اللسان (1/ 381) و (8/ 444)].

وحديث واثلة هذا: محفوظ صحيح عنه، من طريق آخر، انظر: الذكر والدعاء (1/ 23/ 5) بتخريجي، لكن المقصود أنه ليس محفوظًا من حديث معروف الخياط عنه.

• ثم روى له ابن عدي حديثًا سادسًا، قال: ثنا أبو قصي: ثنا أبي محمد بن إسحاق، وعمي عبد الله بن إسحاق، قالا: ثنا معروف الخياط: ثنا واثلة بن الأسقع

ص: 214

الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد جنازة ومشى أمامها، وجلس حتى يأخذ بأربع زوايا السرير، وجلس حتى تدفن، كُتب له قيراطان من أجر، أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد".

روى هذا الحديث ابن عساكر في تاريخه (27/ 81) و (52/ 20)، من طرقٍ عن أبي قصي به، ولفظه في بعض طرقه:"من حمل بجوانب السرير الأربع غفر له أربعين كبيرة".

وهذا حديث منكر؛ لا ينبغي الحمل فيه على معروف الخياط، وإنما على محمد وأخيه عبد الله ابني إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري: لم أر من ترجم لهما سوى ابن عساكر في تاريخ دمشق في الموضعين السابقين، ولم يذكر لهما راويًا سوى أبي قصي، ولا أنهما رويا عن غير معروف الخياط، ولم يذكر لهما سوى هذا الحديث الواحد.

وأما أبو قصي: فهو إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري: روى عنه: أبو سعيد بن الأعرابي، والحافظ أبو علي النيسابوري، والطبراني، وابن عدي، وآخرون، ونعته الذهبي في السير (14/ 185) بقوله:"المحدث العالم".

• ثم روى له ابن عدي حديثًا سابعًا، من طريق: يونس بن عطاء، عن معروف مولى واثلة، قال: سمعت واثلة يقول: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء.

ويونس بن عطاء هذا، قال فيه ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 262) بعد أن أخرج حديثه هذا من طريق ابن عدي، قال:"ويونس بن عطاء: غير معروف".

وإن كان هو يونس بن عطاء الصدائي الذي يروي عن حميد الطويل؛ فقد قال فيه ابن حبان: "يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج بخبره"، وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم:"روى عن حميد الطويل: الموضوعات"[الميزان (4/ 482)، اللسان (8/ 574)].

وعلى هذا فلا تبعة فيه أيضًا على معروف الخياط، وإنما الحمل على يونس بن عطاء هذا: ثم إنه قد خولف في رفعه؛ فقد رواه هشام بن عمار عن معروف به موقوفًا على واثلة فعله، وهو أصح.

أخرجه ابن عدي (6/ 327)، وابن عساكر (51/ 262).

ثم قال ابن عدي بعد هذه الأحاديث السبعة: "وهذه الأحاديث لمعروف عن واثلة: منكرة جدًّا، ومعروف هو مولى واثلة".

• قلت: قد تبين مما سبق أنه لا ينبغي الحمل في هذه الأحاديث على معروف، وإنما التبعة فيها على الرواة عن معروف فهم إما ضعفاء أو مجاهيل، وكل هذه الأحاديث المتقدمة لا يصح إسناد واحد منها إلى معروف الخياط؛ فكيف تُنكَر عليه؟!!

ثم ذكر ابن عدي بعد ذلك ما رواه معروف من أفعال واثلة وأقواله الموقوفة عليه، ثم ختم بحديث أبي الخطاب الدمشقي: ثنا رزيق أبو عبد الله، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمسة وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مائة، وصلاته في المسجد الأقصى

ص: 215

بخمسين ألفًا، وصلاته في مسجدي بخمسين ألفًا، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف".

وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه (1413)، والطبراني في الأوسط (7/ 112/ 7008)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 242 - 243 و 243) و (15/ 158 - 159 و 159)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 576/ 946)، وضياء الدين المقدسي في فضائل بيت المقدس (19).

كلهم من طريق هشام بن عمار، عن أبي الخطاب به، ووقع عند الطبراني، وابن عساكر، وضياء الدين مصرحًا باسم أبي الخطاب: قال هشام بن عمار: ثنا أبو الخطاب حماد الدمشقي.

ورواه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 488 - 489)، وعلقه ابن ماكولا في الإكمال (2/ 464).

من طريق: الربيع بن نافع، نا سلمة بن علي أبو الخطاب -كان يسكن باللاذقية-، عن رُزَيْق بن عبد الله: أنه سمع أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة، والصلاة في المسجد الذي يُجْمَّعُ فيه الجمعة بخمس وعشرين ألف صلاة، والصلاة في مسجد القبايل بخمس وعشرين ألف صلاة".

قال الخطيب في رزيق بن عبد الله، وسلمة بن علي:"هما في عداد المجهولين"، ونقله ابن ماكولا في الإكمال (4/ 48).

وقال ابن ماكولا: "والحديث منكر، ورجاله مجهولون، ما عدا الربيع بن نافع".

وتعقبه ابن رجب في فتح الباري (2/ 581) بقوله: "كذا قال، وليس فيهم من يجهل حاله سوى أبي الخطاب هذا"، [وانظر: البدر المنير (9/ 513)].

لكن ذهب ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه (4/ 170) إلى أن سلمة بن علي تصحف من مسلمة بن علي، وهو الخشني، ومن هنا وقع اللبس حسب قوله، فظناه مجهولًا، والذي يظهر لي -والله أعلم-، أنه لم يتصحف، فان الخشني يكنى: أبا سعيد، وكان يسكن البلاط قرية من قرى دمشق، وأما الراوي هنا يكنى: أبا الخطاب، وكان يسكن اللاذقية، فهو مجهول، كما قال الخطيب وابن ماكولا وابن رجب، ولو تنزلنا فقلنا بأنه الخشني، فهو أسوأ حالًا، إذ إن مسلمة بن علي الخشني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (4/ 76)].

وأيًّا كان أبو الخطاب الدمشقي هذا، سواءً كان اسمه حماد، أو سلمة بن علي، فإنه: مجهول، أو كان هو مسلمة بن علي الخشني، فإنه: متروك، منكر الحديث.

فظهر بذلك بأنه ليس بأبي الخطاب معروف بن عبد الله الخياط، كما توهم ذلك ابن عدي فحمَّله تبعة هذا الحديث المنكر، وإنما الحمل فيه على أبي الخطاب حماد الدمشقي: وهو مجهول [التقريب (702)]، أو أبي الخطاب سلمة بن علي، وهو: مجهول، أو مسلمة بن علي الخشني، وهو: متروك، منكر الحديث.

ص: 216

قال ابن عساكر: "ذكره أبو أحمد بن عدي في ترجمة معروف بن عبد الله الخياط، ووهم في ذلك، هما اثنان"، لذا فقد أخرج ابن عساكر هذا الحديث في ترجمة حماد هذا.

وقال الطبراني وقد ورد عنده مصرحًا باسمه "حماد": "لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: هشام بن عمار".

وقال الذهبي في ترجمة معروف الخياط من الميزان (4/ 145): "قيل: روى له ابن ماجه، ولم يصح"، ثم ذكر هذا الحديث في ترجمة أبي الخطاب الدمشقي "حماد"، وقال في الحديث:"هذا منكر جدًّا"[الميزان (4/ 520)].

وممن وهَّم ابن عدي أيضًا في نسبة هذا الحديث إلى معروف الخياط: المزي وابن حجر وغيرهما [انظر: تهذيب الكمال (7/ 174) و (8/ 299)، تهذيب التهذيب (4/ 119 و 517)].

• وحاصل ما تقدم: أن كل الأحاديث المرفوعة التي أوردها ابن عدي في ترجمة أبي الخطاب معروف بن عبد الله الخياط، ثم أنكرها عليه، وضعفه بسببها، فالرجل منها بريء، وإنما الحمل فيها على من روى عنه هذه الأحاديث من الضعفاء والمجاهيل، وبذا يعلم خطأ الحكم العام الذي ختم به ابن عدي ترجمة معروف فقال:"ومعروف الخياط هذا: عامة ما يرويه، وما ذكرته: أحاديث لا يتابع عليها".

• إلا أنني وجدت له حديثًا منكرًا، له طريقان:

الأول: يرويه محمد بن جعفر المصيصي: ثنا محمد بن قطن: ثنا معلى بن سلام الرفاء، عن معروف الخياط، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بكاء الصبي إلى سنتين يقول: لا إله إلا الله، [محمد رسول الله]، وما كان بعد ذلك فاستغفار لأبويه، وما عمل من حسنة فلأبويه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه، ولا على أبويه؛ حتى يجري عليه القلم".

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 106 - 107) و (59/ 376)، والرافعي في التدوين (2/ 231).

وإسناده إلى معروف لا يصح، فإن من دون معروف مجاهيل [انظر ترجمة معلى بن سلام الرفاء: في الثقات (9/ 183)، تاريخ ابن عساكر (59/ 376)، وترجمة محمد بن قطن: في تاريخ ابن عساكر (55/ 106)، ولم أعرف محمد بن جعفر المصيصي].

والثاني: يرويه ابن عساكر في تاريخه (59/ 348)، قال: أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني: نا عبد العزيز الكتاني: أنا تمام بن محمد: حدثني أبو الفرج العباس بن محمد بن حبان الدمشقي: أنا محمد بن خريم: أن هشام بن عمار حدثهم: نا معروف الخياط، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكر مثله دون ما بين المعكوفين.

قال ابن عساكر: "غريب جدًّا".

قلت: نعم؛ هو حديث منكر جدًّا، والإسناد إلى معروف الخياط: إسناد صحيح،

ص: 217

رجاله كلهم ثقات، ومحمد بن خريم هو: ابن محمد بن عبد الملك بن مروان أبو بكر العقيلي: إمام محدث ثقة، مكثر عن هشام بن عمار [انظر: تاريخ دمشق (52/ 396)، السير (14/ 428)، اللسان (7/ 116)].

ولا يُعترض على هذا بأن هشامًا كان يقبل التلقين، فالحديث له طريق أخرى عن معروف تؤيد ثبوته عنه، والحمل فيه على معروف أولى من هشام، لا سيما والراوي عن هشام من المكثرين المشهورين بالرواية عنه، ومن دون محمد بن خريم: حفاظ ثقات مأمونون مشهورون.

ومثل هذا الحديث المنكر مما يضعف به الرجل، وهذا مما يدل على أن ابن حبان لم يسبر كل مرويات معروف الخياط مما حدا به إلى تقويته والجزم بأنه صدوق، لذا فإن قول أبي حاتم الرازي:"ليس بالقوي"، أقرب إلى الصواب.

• والخلاصة: أن معروف بن عبد الله الخياط أبا الخطاب: ضعيف، والله أعلم.

ولذلك فإن ابن عساكر بعدما سرد شيئًا من مرويات معروف الخياط وأقوال أهل العلم فيه فكأنه ارتضى قول ابن عدي: "عامة ما يرويه أحاديث لا يتابع عليه"، فختم به ترجمة معروف.

ثم إن الراوي عن معروف الخياط لحديث الباب: هو منصور بن عمار الواعظ أبو السري الخراساني، ويقال: هو بصري، وهو: ضعيف، ويروي عن ضعفاء أحاديث منكرة لا يتابع عليها، قال الذهبي في السير (9/ 95):"ساق ابن عدي مناكير لمنصور تقضي بأنه واهِ جدًّا"، وقال أبو أحمد الحاكم:"روى عنه ابنه عن مشايخه أحاديث منكرة"[انظر: الميزان (4/ 187)، اللسان (8/ 165)، تاريخ دمشق (60/ 324)].

وابنه سليم بن منصور بن عمار: متكلم فيه ولم يترك [الميزان (2/ 232)، اللسان (4/ 187)، الجرح والتعديل (4/ 216)، تاريخ بغداد (9/ 232)، المغني (1/ 285)].

فهو حديث منكر، والله أعلم.

2 -

وأما حديث قتادة الرهاوي:

فيرويه أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني: ثنا قتادة بن الفضل بن قتادة الرهاوي، عن أبيه: حدثني هشام [وفي رواية الطبراني: حدثني عم أبي هاشم] بن قتادة الرهاوي، عن أبيه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فقال لي:"يا قتادة! اغتسل بماء وسدر، واحلق عنك شعر الكفر"، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من أسلم أن يختتن وإن كان ابن ثمانين.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 18/ 2677)، والطبراني في الكبير (19/ 14/ 20).

وهذا حديث ضعيف؛ هشام بن قتادة، وابن أخيه الفضل بن عبد الله بن قتادة: مجهولان، ومن دونهما ثقات.

ص: 218

وانظر الكلام على هذا الإسناد مفصلًا في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (2/ 707/ 322).

وقد ضعف إسناده الحافظ في التلخيص (4/ 618).

3 -

وأما حديث أبي هريرة:

فيرويه عبد الرزاق قال: أخبرنا عبيد الله، وعبد الله ابنا عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن ثمامة الحنفي أُسر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه، فيقول:"ما عندك يا ثمامة"، فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمن تمن على شاكر، وإن تُرِد المال تعط منه ما شئت، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا! فمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فأسلم، فحله وبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل، وصلى ركعتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد حسن إسلام صاحبكم".

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 9/ 9834) و (10/ 318/ 19226).

ومن طريقه: أبو عوانة في صحيحه (4/ 258/ 6699)، وابن خزيمة (1/ 125/ 253)، وابن حبان في صحيحه (4/ 41/ 641)، وفي الثقات (1/ 280 - 281)، وابن الجارود (15)، وابن المنذر (2/ 115/ 641)، والطحاوي في المشكل (5/ 436/ 3523 - ترتيبه)، والبيهقي (1/ 171)، والخطيب في المبهمات ص (42).

والناظر إلى هذا الإسناد لأول وهلة يقول: هو إسناد صحيح على شرط الشيخين، فقد أخرجا أحاديث لعبيد الله بن عمر العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة [انظر: تحفة الأشراف (9/ 477 - 480/ 12983 - 12987 و 12990 و 12991)].

ومن المعلوم أن عبيد الله بن عمر العمري من أثبت الناس وأصحهم حديثًا عن سعيد المقبري [شرح علل الترمذي (2/ 670)].

لكن الحديث رواه عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة: أن ثمامة بن أثال أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل".

أخرجه أحمد (2/ 304)، ومن طريقه: أبو نعيم في الحلية (9/ 36)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 224/ 256).

وتابعه: سريج بن النعمان [ثقة]، قال: حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر-، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن ثمامة بن أثال الحنفي أسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينطلق به إلى حائط أبي طلحة فيغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد حسن إسلام صاحبكم".

أخرجه أحمد (2/ 483).

وتابعهما: محمد بن سنان [الباهلي العوقي: ثقة ثبت]، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة: أن رجلًا أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل.

أخرجه الخطيب في المبهمات ص (40) بإسناد صحيح إلى العوقي.

ص: 219

فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري، ولا أعلم حدث به أحد الثقات من أصحاب عبيد الله بن عمر غير عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو مضعَّف في عبيد الله بن عمر، له عنه مناكير، قال أحمد:"روى عن عبيد الله أحاديث مناكير، هي من حديث العمري"، وقال يحيى بن معين بأن أحاديث عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر: منكرة. [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 770 و 809)].

فكيف يقبل تفرد عبد الرزاق بهذا الحديث دون أصحاب عبيد الله الثقات على كثرتهم، وقد وهم عبد الرزاق في زيادة عبيد الله بن عمر في الإسناد، إنما هو حديث عبد الله بن عمر العمري.

فإن قيل: قد يكون هذا الحديث مما حدث به عبد الرزاق بعدما أضر وفقد بصره؟ فيقال: قد حدث به عن عبد الرزاق جماعة من متقدمي أصحابه مثل: أبي الأزهر أحمد بن الأزهر، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن يحيى الذهلي، وتابعهم: محمد بن علي بن سفيان النجار، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [انظر: شرح العلل (2/ 752)، التقييد والإيضاح (437)، الكواكب النيرات (34)].

- فإن قيل: حدث بهذا الحديث أيضًا عن عبيد الله بن عمر العمري: سفيان الثوري، فيكون متابعًا لعبد الرزاق، ويثبت به حديث عبيد الله بن عمر، ويصح عنه.

فيقال: لا يصح في ذلك شيء عن الثوري:

1 -

فقد أخرج الخطيب في المبهمات ص (41) قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل [هو أبو الحسين بن بشران الثقة الحافظ المشهور. السير (17/ 311)]: أخبرنا علي بن محمد بن أحمد المصري [هو أبو الحسن البغدادي الواعظ المشهور بالمصري: ثقة عارف. السير (15/ 381)]: حدثنا ابن أبي مريم: حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، أو عبد الله بن عمر، عن المقبري، عن أبي هريرة: أن ثمامة بن أثال الحنفي أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي.

وهذا حديث باطل، وابن أبي مريم هذا على ضعفه فقد اضطرب فيه، فقد أخرج الخطيب أيضًا في المبهمات ص (40 - 41) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر إمام المسجد الجامع بأصبهان [ثقة. السير (17/ 478)]: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن ثمامة بن أثال أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ويصلي.

هكذا رواه ابن أبي مريم هذا مرة، عن الفريابي، عن الثوري، عن عبيد الله بن عمر، أو عبد الله بن عمر، هكذا على الشك، ورواه مرة أخرى فقال: عبد الله بن عمر، ولم يشك.

وعلى فرض ثبوت الحديث عن سفيان الثوري، فأولى الروايات شبهًا بالصواب:

ص: 220

الرواية الثانية لموافقتها لرواية الحفاظ الثلاثة المتقدمة: لكن عبد الله بن محمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم: قال ابن عدي: "يحدث عن الفريابي وغيره بالبواطيل"، هكذا افتتح ترجمته، ثم ختمها بقوله:"إما أن يكون مغفلًا لا يدري ما يخرج من رأسه، أو يتعمد، فإني رأيت له غير حديث مما لم أذكره أيضًا هاهنا غير محفوظ"[الكامل (4/ 255)، اللسان (4/ 562)، الارشاد (2/ 473)، ضعفاء ابن الجوزي (2/ 139)، مجمع الزوائد (2/ 173)، وقال: "ضعيف جدًّا"، و (6/ 314 و 315 و 318 و 324 و 326) و (9/ 77)، وقال: "ضعيف"].

2 -

وأخرج الخطيب أيضًا في المبهمات ص (41) قال: أخبرنا علي بن يحيى الإمام [ثقة. السير (17/ 478)]: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي: أُخبرت عن الأشجعي، عن سفيان، عن عبيد الله بن عمر، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: جيء بثمامة بن أثال أسيرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تقتل تقتل عظيمًا، وإن تفاد تفاد كريمًا، فأرسله، ثم جاء مسلمًا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، ثم أمره أن يصلي.

وهذا منكر؛ فإن الرواية المحفوظة -كما سيأتي- بغير هذا اللفظ، وفيها أنه اغتسل من تلقاء نفسه، لم يؤمر بذلك، ثم جاء فدخل المسجد، وأسلم، فقدم الغسل على الإسلام.

والأشجعي عبيد الله بن عبيد الرحمن: ثقة مأمون، أثبت الناس كتابًا في الثوري، وهو من أصحابه المقدمين فيه؛ وهو أثبت فيه من الفريابي وقبيصة وأصحابهما [التهذيب (3/ 20)، التقريب (406)، شرح العلل (2/ 722)].

والإمام أحمد يروي عنه في مسنده بواسطة ابنه [المسند (1/ 67 و 100 و 120 و 308) و (4/ 115) و (6/ 135)]، أو بواسطة أبي النضر هاشم بن القاسم [المسند (1/ 98) و (1/ 402) و (4/ 61) و (5/ 374) و (6/ 80 و 258)]، أو بواسطة إبراهيم بن أبي الليث [المسند (4/ 171)].

وإبراهيم بن أبي الليث هذا: متروك الحديث، كان يكذب، قال صالح جزرة:"كان يكذب عشرين سنة، وقد أشكل أمره على يحيى وأحمد وعلي بن المديني، حتى ظهر بعد بالكذب، فتركوا حديثه"، وقال يعقوب بن شيبة:"كان أصحابنا كتبوا عنه ثم تركوه، وكانت عنده كتب الأشجعي، وكان معروفًا بها، فلم يقتصر على الذي عنده حتى تخطى إلى أحاديث موضوعة"[اللسان (1/ 337)، التعجيل (21)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1058)].

• ولا يبعد عندي أن يكون هذا هو الواسطة بين أحمد والأشجعي لأمور منها:

1 -

أن هذا الحديث ليس في المسند المطبوع، ولا في كتب الأطراف، مثل: إتحاف المهرة (14/ 669/ 18451) وغيره، مما يدل على أن عبد الله بن أحمد لم يدخله

ص: 221

في المسند عمدًا لما تبين لأبيه حال إبراهيم بن أبي الليث والذي لم يتابع على هذا الحديث.

2 -

أن الواسطة بين أحمد، والأشجعي لو كان ثقة لصرح به ولم يكني عنه.

3 -

نكارة المتن والذي يدل على ضعف الواسطة.

• ومما يؤكد ضعف هذه الروايات عن الثوري، وأن الحديث ليس محفوظًا عن عبيد الله بن عمر العمري، وإنما هو حديث عبد الله بن عمر:

ما رواه أبو يعلى في مسنده (11/ 6547/424)، قال: حدثنا بشر بن سيحان: حدثنا عمرو بن محمد الرزيني -قال: فما رأيت مثله بعيني قط-: حدثنا سفيان الثوري، عن رجل، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: لما أسلم ثمامة أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ويصلي ركعتين.

وهذا إن كان محفوظًا عن الثوري: فهو يبين عورة ما تقدم من الأسانيد عن الثوري، فإن الثوري لا يبهم الرجل غالبًا إلا وهو مجروح عنده غير مرضي، ولو رضيه الثوري لصرح باسمه ولم يكنه، فهذا يشير إلى أن راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر العمري، لكني أيضًا لا أراه محفوظًا عن الثوري، وإن كان هذا الإسناد أصلح حالًا مما تقدم.

وذلك لأن عمرو بن محمد بن أبي رزين: صالح، قال ابن حبان:"ربما أخطأ"[التهذيب (3/ 352)، علل الترمذي الكبير (316 و 317)، أفراد الدارقطني (5/ 421 - أطرافه)]، ولا يحتمل تفرد مثله عن الثوري؛ وليس من أصحابه.

وبشر بن سيحان: قال أبو حاتم: "حدثنا بشر بن سيحان، وما به بأس، وكان من العباد"، وروى عنه أبو زرعة، وقال:"شيخ بصري صالح"، وقال ابن حبان في الثقات:"ربما أغرب"[الجرح والتعديل (2/ 358)، الثقات (8/ 143)، اللسان (2/ 297)].

• والخلاصة: أنه لا يصح عن الثوري في هذا الحديث شيء يعتمد عليه، وإنما هو كما تقدم حديث عبد الله بن عمر العمري، كما رواه عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وسريج بن النعمان، ومحمد بن سنان، وتابعهم أيضًا: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن نافع الصائغ [كما في المدونة (1/ 36)]، فالحديث مشهور عن عبد الله بن عمر العمري، وروايته هذه: منكرة؛ فإن العمري هذا: ليس بالقوي، كثير الخطأ [راجع الحديث المتقدم برقم (236)]، وهو على ما فيه من ضعف، فقد خالف أثبت الناس في سعيد المقبري: الليث بن سعد، ومن تابعه؛ مثل: عبد الحميد بن جعفر [صدوق]، ومحمد بن عجلان [صدوق]، ومحمد بن إسحاق [صدوق]، فلم يذكروا في روايتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالغسل.

• ونسوق رواية الليث بن سعد [فهي التي اتفق عليها الشيخان]:

رواه الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة، يقول: بعث

ص: 222

رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ماذا عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان بعد الغد، فقال:"ما عندك يا ثمامة؟ " قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال:"ماذا عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله! لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. لفظ مسلم.

أخرجه البخاري (462 و 469 و 2422 و 2423 و 4372)، ومسلم (1764/ 59)، وأبو عوانة (4/ 258/ 6697 و 6698)، وأبو داود (2679)، والنسائي (1/ 109/ 189) و (2/ 46/ 712)، وابن خزيمة (1/ 125/ 252)، وابن حبان (4/ 42/ 1239)، وأحمد (2/ 452)، وابن زنجويه في الأموال (463)، وابن شبة في أخبار المدينة (798)، وابن المنذر في الأوسط (11/ 233/ 6630)، والطحاوي في المشكل (5/ 434/ 3521 - ترتيبه)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 134)، وابن حزم (4/ 243) و (8/ 26)، والبيهقي في السنن (1/ 171) و (2/ 444) و (6/ 319) و (9/ 88)، وفي الدلائل (4/ 78)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 279)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 345/ 1882).

• ورواه عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، بمثل حديث الليث.

أخرجه مسلم (1764/ 60)، وأبو عوانة (4/ 257/ 6696)، والطحاوي في المشكل (5/ 436/ 3522 - ترتيبه)، والبيهقي (9/ 65).

• ورواه ابن إسحاق: ثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة، بنحو حديث الليث، ومما زاد فيه قوله: قال أبو هريرة: فجعلنا المساكين نقول بيننا: ما نصنع بدم ثمامة، والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة، وفيه: فخرج ثمامة حتى أتى حائطًا من حيطان المدينة فاغتسل فيه، وتطهر، وطهر ثيابه، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخره:

ص: 223

وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (11/ 235/ 6632)، والبيهقي في السنن (9/ 66)، وفي الدلائل (4/ 79).

• ورواه ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، بنحو حديث الليث مختصرًا، وفيه: فبدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه، وقذف الله عز وجل في قلبه، قال: فذهبوا به إلى بئر الأنصار، فغسلوه فأسلم، وفي آخره: حتى قال عمر: لقد كان -والله! - في عيني أصغر من الخنزير، وإنه في عيني أعظم من الجبل، خلى عنه، فأتى اليمامة، حبس عنهم، فضجوا وضجروا، فكتبوا بأمر الصلة، قال: وكتب اليه.

أخرجه أحمد (2/ 246 - 247)، وابن المنذر في الأوسط (11/ 234/ 6631)، وابن قانع (1/ 131)، وانظر: مشكل الآثار للطحاوي (5/ 434/ 3521 - ترتيبه).

وقد خالف ابن إسحاق الجماعة في كيفية أخذ ثمامة بن أثال فقال: كان إسلام ثمامة بن أثال الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرض له أن يمكنه الله منه، وكان عرض له وهو مشرك، فأراد قتله، فأقبل ثمامة معتمرًا وهو على شركه، حتى دخل المدينة، فتحير فيها، حتى أخذ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد ....

وكان ابن إسحاق قد ذكر قبل ذلك -في مغازيه- من قبل نفسه: أن ثمامة بن أثال كان رسول مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله أن يمكنه منه.

قال البيهقي في الدلائل (4/ 81): "ورواية الليث بن سعد ومن تابعه: أصح في كيفية أخذه".

وانظر: علل الدارقطني (8/ 161/ 1481).

• وحاصل مما تقدم: أن أقوى ما روي في الباب: حديث قيس بن عاصم، وحديث قتادة الرهاوي، وهما حديثان ضعيفان.

قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 114 و 115): "ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلًا أسلم أن يغتسل"، ثم أسند حديث قيس بن عاصم، وحديث أبي هريرة، من طريق عبد الرزاق، وقد تقدم الكلام عليهما، ثم قال: "واختلفوا في الكافر يسلم، فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث: عليه أن يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وأمره على الوجوب، ولأن الكافر لا يكاد يخلو في الجنابة في كفره من احتلام أو جماع، ولا يغتسل، ولو اغتسل لم ينفعه ذلك؛ لأن الاغتسال من الجنابة فريضة من الفرائض، لا يجوز أن يؤتى بها إلا بعد الإيمان، كما لا يجوز أداء شيء من الفرائض مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج إلا بعد الإيمان.

وممن كان يرى أن يغتسل: مالك، وأوجب ذلك: أبو ثور، وأحمد.

ص: 224