الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
121 - باب التيمم
317 -
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسَيد بن حضير وأناسًا معه في طلب قلادة أضلَّتها عائشة، فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم.
زاد ابن نفيل [يعني: شيخ أبي داود في رواية هذا الحديث عن أبي معاوية عن هشام]: فقال لها أُسَيد بن حضير: يرحمك الله، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولكِ فيه فرجًا.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (336 و 3773 و 4583 و 5164 و 5882)، ومسلم (367/ 109)، وأبو عوانة (1/ 253/ 873)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 403/ 810)، والنسائي في المجتبى (1/ 172/ 323)، وفي الكبرى (1/ 196/ 308)، وابن ماجه (568)، والدارمي (1/ 208/ 746)، وابن خزيمة (1/ 131/ 261)، وابن حبان (4/ 608/ 1709)، وأحمد (6/ 57)، وإسحاق (2/ 112 و 113/ 582 و 583)، والحميدي (165)، وعبد بن حميد (1504)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 107)، وأبو العباس السراج في مسنده (4 و 5)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1486)، وابن المنذر (2/ 46/ 534)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 962/ 5370)، والطبراني في الكبير (23/ 50/ 131)، وابن حزم (2/ 141)، والبيهقي (1/ 214)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 167 و 168 و 169)، والجوزقاني في الأباطيل (365)، وابن بشكوال في الغوامض (1/ 364 و 365)، والذهبي في السير (11/ 382 و 468).
من طرق عن هشام به.
وهذا الحديث المتفق على صحته: قد أنكر ابن المنذر فيه لفظة: "فصلوا بغير وضوء"، فقال بعد أن أخرجه من طريق عبدة بن سليمان:"إن كان هذا محفوظًا قوله: "صلوا بغير وضوء"، فقد حفظه عبدة، فإني لم أجده من غير حديثه، ففيه كالدليل على أنه لا إعادة على من صلى في الوقت الذي لا يجد ماء ولا ترابًا بغير طهارة؛ لأن فرض أولئك قبل نزول آية التيمم كان الوضوء بالماء، فإذا كانوا صلوا في تلك الحال بغير طهور، ولم يؤمروا بالإعادة، كان كذلك من كان في مثل حالهم، وقد أعوزه ما يتطهر به فصلى، فلا إعادة عليه، هذا إذا كان الحرف الذي في حديث عبدة محفوظًا"، وفي المسألة أربعة أقوال هذا أصحها [انظر: فتح الباري لابن رجب (2/ 29)].
قلت: هو محفوظ، اتفق عليه رواة هذا الحديث عن هشام عدا ابن عيينة، فقد رواه:
عبدة بن سليمان، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو معاوية، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وعلي بن مسهر، وحماد بن سلمة، وحميد بن الأسود.
ثمانيتهم [وهم ثقات حفاظ؛ عدا الأخير فهو صدوق]، رووه عن هشام بن عروة به فقالوا:"فصلوا بغير وضوء"، أو:"بغير طهور".
ولفظ أبي أسامة، ومحمد بن بشر، وعبد الله بن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه في طلبها [قال ابن نمير: فوجدوها]، فأدركتهم الصلاة [قال ابن نمير: وليس معهم ماء]، فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيرًا، فوالله ما نزل بك أمر قط [قال ابن نمير: تكرهينه]؛ إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة [قال ابن نمير: إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرًا].
[البخاري (336 و 3773 و 5164)، مسلم. أحمد]
وأما لفظ حديث ابن عيينة [حميدي. تمهيد]: عن عائشة، أنها سقطت قلادتها ليلة الأبواء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين في طلبها، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فلم يدريا كيف يصنعان، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيرًا، ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله لك مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه خيرًا.
فالقلادة هي لأسماء استعارتها منها عائشة، وأما الرجال الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها فقد صلوا بغير وضوء، ودروا كيف يصنعون.
• وخالف هؤلاء جميعًا؛ فشذ في روايته، ولم يحفظ لا الإسناد ولا المتن:
معمر بن راشد، فرواه عن هشام بن عروة، عن أبيه أو غيره، قال: سقط عقد عائشة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا يبتغونه فأدركهم الصبح، وليس معهم ماء، فصلوا بغير طهور، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل التيمم.
قال معمر: وأخبرني أيوب، قال: مر أبو بكر بعائشة فقال: حبست الناس وعنيتيهم.
قال معمر: وقال هشام، عن أبيه، وقال أيوب أيضًا: فلما نزل التيمم سر بذلك أبو بكر، وقال: ما علمتك لمباركة، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرًا.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 227/ 879)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (23/ 49/ 130).
وهذا من أوهام معمر.
• والحديث رواه مفصلًا:
عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم -
وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم، [وفي زيادة في الصحيحين: فتيمموا].
فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
أخرجه البخاري (334 و 3672 و 4607 و 4608 و 5250 و 6844 و 6845)، ومسلم (367/ 108)، وأبو عوانة (1/ 252 - 253/ 870 - 872)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 402/ 809)، والنسائي في المجتبى (1/ 163 - 165/ 310)، وفي الكبرى (1/ 189/ 295) و (10/ 65 - 66/ 11042)، ومالك في الموطأ (1/ 98/ 134)، والشافعي في المسند (160)، واختلاف الحديث (73)، وأحمد (6/ 179)، وإسحاق بن راهويه (2/ 410/ 966)، وعبد الرزاق (1/ 228/ 880)، وابن خزيمة (1/ 131/ 262)، وابن حبان (4/ 117 و 146/ 1300 و 1317)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 107)، وأبو العباس السراج في مسنده (1 و 2)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (77)، وابن المنذر (2/ 11/ 504)، والآجري في الشريعة (1903)، والطبراني في الكبير (23/ 49/ 129)، والجوهري في مسند الموطأ (583)، والبيهقي في السنن (1/ 204 و 223 و 233)، وفي المعرفة (1/ 287 /315 و 316)، والواحدي في أسباب النزول (175)، والجوزقاني في الأباطيل (364).
• وللحديث إسناد آخر حسن:
يرويه محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بتربان -بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال، وهو بلد لا ماء به-، وذلك من السحر، انسلت قلادة لي من عنقي فوقعت، فحبس عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لالتماسها حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء، قالت: فلقيت من أبى ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف، وقال: أفي كل سفر للمسلمين منك عناء وبلاء، قالت: فأنزل الله الرخصة بالتيمم، قالت: فتيمم القوم وصلوا، قالت: يقول أبي حين جاء من الله ما جاء من الرخصة للمسلمين: والله ما علمت يا بنية إنك لمباركة، ماذا جعل الله للمسلمين من حبسك إياهم من البركة واليسر.
أخرجه أحمد (6/ 272 - 273) واللفظ له، والطبراني في الكبير (23/ 121/ 159).
• ومن فوائد هذا الحديث غير ما تقدم:
خروج النساء مع الرجال في الأسفار، وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات: مباح، إذا كان العسكر كبيرًا يؤمن عليه الغلبة.
وفي إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لالتماس العقد والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فيه دليل على أنه ليس للمرء أن ينصرف عن سفر لا يجد فيه ماء، ولا يترك سلوك طريق لذلك بل ذلك مما أباح الله له.
وفي الحديث: فنزلت آية التيمم، ولم يقل آية الوضوء ما يبين أن الذي طرأ عليهم من العلم من ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء؛ إذ من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء [التمهيد (7/ 167 و 176)].
وآية التيمم قال الحافظ في الفتح (1/ 434): "المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6].
وقد قيل بأن آية التيمم في سورة النساء نزلت قبل غزوة أحد؛ يعني: قبل آية التيمم من سورة المائدة بكثير، فإن آية النساء لم تحرم الخمر مطلقًا بل عند حضور الصلاة، وهذا كان قبل أُحد، فإن تحريم الخمر نزل بعد غزوة أحد، وقصة عائشة هذه كانت بعد غزوة أحد بغير خلاف، وليس في قصتها ما يناسب النهي عن قربان الصلاة حال السكر حتى تصدر به الآية، وأما تصدير هذه الآية بالوضوء فلم يكن لأصل مشروعيته، وإنما كان تمهيدًا للانتقال عنه إلى التيمم عند العجز عنه.
فإن قيل: فلماذا إذن توقف الصحابة عن التيمم وصلوا بغير وضوء ولا تيمم مع سبق نزول التيمم في سورة النساء؟
قال ابن رجب في الفتح (2/ 11): "فالظاهر -والله أعلم- أنهم توقفوا في جواز التيمم في مثل هذه الواقعة؛ لأن فقدهم للماء إنما كان بسبب إقامتهم لطلب عقد أو قلادة، لإرسالهم في طلبها من لا ماء معه مع إمكان سيرهم جميعًا إلى مكان فيه ماء، فاعتقدوا أن في ذلك تقصيرًا في طلب الماء، فلا يباح معه التيمم، فنزلت آية المائدة مبينة جواز التيمم في مثل هذه الحال، وأن هذه الصورة داخلة في عموم آية النساء، ولا يستبعد هذا، فقد كان طائفة من الصحابة يعتقدون أنه لا يجوز استباحة رخص السفر في الفطر والقصر إلا من سفر طاعة دون الأسفار المباحة، ومنهم من خص ذلك بالسفر الواجب كالحج والجهاد، فلذلك توقفوا في جواز التيمم للاحتباس عن الماء لطلب شيء من الدنيا".
قلت: وفيما قاله نظر، ولا يسلم له فإن ظاهر حديث عائشة، وحديث عمار الآتي أن آية التيمم في سورة المائدة هي أول ما نزل من التيمم ولم يكن عندهم فيه سُنَّة قبل ذلك، لا سيما حديث عمار، والله أعلم.
***
318 -
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا عبد الله بن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه: عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث: أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر،
فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
• حديث شاذ، وهو منقطع.
***
319 -
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري، وعبد الملك بن شعيب، عن ابن وهب، نحو هذا الحديث، قال: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فذكر نحوه، ولم يذكر المناكب والأباط. قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين.
• حديث شاذ، وهو منقطع.
ورواه عن ابن وهب أيضًا: أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أنبأنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار بن ياسر: حين تيمموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم.
أخرجه ابن ماجه (571)، قال: حدثنا أبو الطاهر به، فلم يذكر المناكب والآباط أيضًا، لكن هذه الزيادة محفوظة من حديث ابن وهب، ويونس:
• فقد رواه عثمان بن عمر [ابن فارس العبدي: ثقة]، قال: حدثنا يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عمار بن ياسر كان يحدث: أن الرخصة التي أنزلها الله في الصعيد إنما كانت في ليلة حبست عائشة فيها الناس وهي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرحيل وليس مع الناس ماء، فأتى أبو بكر عائشة فتغيظ عليها، وقال: حبست الناس وليس مع الناس ماء يتوضؤون به للصلاة، فأنزل الله الرخصة في التيمم؛ التمسح بالصعيد الطيب. وقال أبو بكر حين أنزلت: يا بنية! والله ما علمت إنك لمباركة، وكان عمار يحدث: أنهم ضربوا بأكفهم الصعيد فمسحوا به وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأيديهم [فمسحوا] إلى المناكب والآباط.
أخرجه أحمد (4/ 321) مختصرًا، والروياني (1344) واللفظ له، والآجري في الشريعة (1902).
وأما الزيادة التي انفرد بها أبو الطاهر ابن السرح عن ابن وهب، عن يونس؛ من أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، فهي زيادة شاذة، والله أعلم.
• تابع يونس بن يزيد على إسناده:
1 -
معمر بن راشد، واختلف عليه:
أ- فرواه الشافعي في اختلاف الحديث (75)، وفي المسند (160)، قال: أخبرنا الثقة، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلت آية التيمم، فتيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب.
ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (1/ 288/ 319)، والحازمي في الاعتبار (1/ 266/ 49).
والشافعي يروي عن معمر بواسطة: مطرف بن مازن [قال النسائي: "ليس بثقة"، اللسان (6/ 56)]، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد [صدوق يخطئ]، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك، وابن علية [وهم ثقات]، فلا ندري ممن أخذه، أعن الثقة؟ أم عن الضعيف؟.
ب- ورواه عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عمار بن ياسر كان يحدث: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، معه عائشة، فهلك عقدها، فحبس الناس في ابتغائه، حتى أصبحوا، وليس معهم ماء، فنزل التيمم. قال عمار: فقاموا فمسحوا بها، فضربوا أيديهم فمسحوا وجوههم، ثم عادوا فضربوا بأيديهم ثانية، ثم مسحوا أيديهم إلى الإبطين -أو قال: إلى المناكب-.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 213/ 827)، وعنه: أحمد (4/ 320)، وأبو يعلى (3/ 200/ 1632)، وابن المنذر (2/ 47/ 535)، وابن عبد البر (7/ 179).
وهذا أصح، فإن عبد الرزاق ثبت في معمر.
وعليه: يكون معمر قد تابع يونس على إسناده، وتابعه أيضًا في المتن بذكر المناكب والضربتين.
2 -
الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار بن ياسر أنه قال: سقط عقد عائشة فتخلفت لالتماسه، فانطلق أبو بكر إلى عائشة فتغيظ عليها في حبسها الناس، فأنزل الله الرخصة في التيمم، قال: فمسحنا يومئذ إلى المناكب، قال: فانطلق أبو بكر إلى عائشة فقال: ما علمت إنك لمباركة.
أخرجه ابن ماجه (565)، والشاشي (2/ 433/ 1041).
لكنه اختصره ولم يذكر الضربتين.
3 -
ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله، عن عمار بن ياسر، قال: هلك عقد لعائشة من جزع ظفار [خرز يماني، وظفار: جبل أو مدينة باليمن، في سفر من أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر، فالتمست عائشة عقدها حتى انبهر الليل، فجاء أبو بكر فتغيظ عليها، وقال: حبست الناس بمكان ليس فيه ماء، قال: فأنزلت آية الصعيد، فجاء أبو بكر فقال: أنت والله يا بنية ما علمت مباركة، فقال عبيد الله: وكان عمار يحدث: أن الناس طفقوا يومئذ يمسحون بأكفهم الأرض، فيمسحون بها وجوههم، ثم
يعودون فيضربون ضربة أخرى، فيمسحون بها أيديهم إلى المناكب والآباط، ثم يصلون.
أخرجه الطيالسي (2/ 28/ 672)، واللفظ له، وأحمد (4/ 320)، وأبو يعلى (3/ 201/ 1633)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 115/ 9675)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 111)، والشاشي (2/ 433/ 1040)، والبيهقي (1/ 208).
فذكر المناكب والآباط، وذكر ضربتين.
واتفقوا جميعًا: يونس، ومعمر، والليث، وابن أبي ذئب: على أن هذه الصفة في التيمم إنما كانت من الناس من تلقاء أنفسهم، ولم يقل أحد منهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك؛ إلا في رواية شاذة عن يونس.
واتفق على ذكر الضربتين: يونس، ومعمر، وابن أبي ذئب، وروايتهم مرسلة، فإن عبيد الله لم يدرك عمارًا [تحفة التحصيل (218)].
• وخالف هؤلاء الأربعة في إسناده عن ابن شهاب:
***
320 -
صالح، عن ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرَّس بأُولاتِ الجيش، ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء؛ فتغيظ عليها أبو بكر، وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا بها وجوههم، وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس.
• حديث شاذ.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 167/ 314)، وفي الكبرى (1/ 190/ 296)، وابن الجارود (121)، وأحمد (4/ 263 - 264)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (3/ 1079 و 1128)، وأبو يعلى (3/ 198/ 1629)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 421/ 1024)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 110 و 111)، وفي أحكام القرآن (106)، وابن حزم (2/ 153)، والبيهقي في السنن (1/ 208)، وفي المعرفة (320)، وابن عبد البر (7/ 169 و 178)، والواحدي في أسباب النزول (176)، والحازمي في الاعتبار (1/ 267 / 50)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 273/234).
فزاد صالح بن كيسان: عبد الله بن عباس في الإسناد وجعلها ضربة واحدة.
• وتابعه على إسناده:
1 -
محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمار بن ياسر، قال: كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالصعيد إذا لم نجد الماء، قال: فضربنا ضربة باليدين بالصعيد للوجه فمسحناه مسحة واحدة، قال: ثم ضربنا ضربة أخرى لليدين فمسحناهما بهما إلى المنكبين ظهرًا وبطنًا.
أخرجه أبو يعلى (3/ 199/ 1630)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 110)، وفي أحكام القرآن (102)، والبزار (4/ 221/ 1383 و 1384).
لكن جعلهما ضربتين.
2 -
عبد الرحمن بن إسحاق [المدني: صدوق يخطئ، لكن الإسناد إليه لا يصح، فإن الراوي عنه: يوسف بن خالد السمتي: متروك، كذبه ابن معين]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: أن عمار بن ياسر، قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا وجوهنا وأيدينا إلى المناكب بالتراب.
أخرجه أبو يعلى (3/ 184 و 213/ 1609 و 1652).
***
قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه: عن ابن عباس، وذكر ضربتين كما ذكر يونس.
ورواه معمر عن الزهري: ضربتين.
وقال مالك: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار.
وكذلك قال أبو أويس، عن الزهري.
وشك فيه ابن عيينة؛ قال مرة: عن عبيد الله، عن أبيه، أو: عن عبيد الله، عن ابن عباس. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس. اضطرب ابن عيينة فيه، وفي سماعه من الزهري.
ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سميت.
المحفوظ: قول مالك ومن تابعه، ورجال إسناده ثقات، وصححه ابن حبان وغيره.
وانظر فيمن ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث: سنن البيهقي (1/ 208).
قلت: رواية ابن إسحاق تقدمت في الوجه الثاني من الاختلاف على الزهري في هذا الحديث.
ورواية معمر تقدمت في الوجه الأول.
• وأما الوجه الثالث:
1 -
فقد روى مالك بن أنس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنه أخبره عن أبيه، عن عمار بن ياسر، قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب.
أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 168/ 315)، وفي الكبرى (1/ 191/ 297)، وابن حبان (4/ 133/ 1310)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 110)، وفي أحكام القرآن (104 و 105)، والشاشي (2/ 434/ 1042)، وابن حزم (2/ 153)، والبيهقي (1/ 208)، وابن عبد البر (7/ 178).
2 -
تابعه أبو أويس [عبد الله بن عبد الله بن أويس: صدوق يهم]، عن الزهري: أن عبيد الله بن عبد الله أخبره، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، أنه قال: تمسحنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من التراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب.
أخرجه أبو يعلى (3/ 199/ 1631).
3 -
واختلف فيه على ابن عيينة:
أ- فرواه الإمام الشافعي، والحميدي، وأبو بكر محمد بن خلاد [ثقة]، ومحمد بن عمرو بن العباس الباهلي [ثقة. تاريخ بغداد (3/ 127)]، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني [حافظ صدوق، لازم ابن عيينة]، والزبير بن بكار قاضي مكة [ثقة] (6):
ستتهم: عن سفيان بن عيينة، قال: حدثنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب [والآباط].
قال أبو بكر الحميدي: حضرت سفيان، وسأله عنه يحيى بن سعيد القطان فحدثه، وقال فيه: حدثنا الزهري، ثم قال: حضرت إسماعيل بن أمية أتى الزهري فقال: يا أبا بكر! إن الناس ينكرون عليك حديثين تحدث بهما، فقال: وما هما؟ قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب، فقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار.
قال: وحديث عمر أنه أمر بالوضوء من مس الإبط، فرأيت الزهري كأنه أنكره، وقد كان عمرو بن دينار حدثناه، عن الزهري قبل ذلك، فذكرته لعمرو، قال: بلى، قد حدثنا به.
كذا الرواية في مسند الحميدي، ورواها [أعني: هذه القصة] يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة، ومن طريقه: البيهقي في السنن، قال يعقوب: ثنا أبو بكر الحميدي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يسأل سفيان -يعني: ابن عيينة- عن هذا الحديث: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب؟ فقال سفيان: حضرت إسماعيل بن أمية أتى الزهري، فقال: يا أبا بكر إن الناس ينكرون عليك حديثين، قال: وما هما؟ فقال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب. فقال الزهري: أخبرنيه عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب. فقال إسماعيل: وحديث عبيد الله في
مس الإبط؟ فكان الزهري كف عنه كالمنكر له وأنكره، فأتيت عمرو بن دينار فأخبرته وقد كنت سمعته يحدث به، عن الزهري، فقال عمرو: بلى، حدثني الزهري، عن عبيد الله: أن عمر أمر رجلًا أن يتوضأ من مس الإبط.
قال أبو بكر الحميدي: ثم سمعت بعد ذلك بعض أصحابنا يقول: إنه دخل على سفيان في شفاعة، فسأله عن حديث التيمم فحدثه به عن عمرو، فقلت للذي حدثني: ما أراه ذهب إلا إلى مس الإبط، وأخبرته بعض هذه القصة أو بنحو منها، ثم لم يزل في نفسي حتى سألت سفيان عنه؟ فقال: هو عن الزهري، ليس عن عمرو، ولكن الذي حدثنا عمرو: حديث الإبط، وأخبرته عن الرجل الذي حكى عنه، فقال سفيان: إما لم يحفظ عليَّ، وإما أن أكون أنا وهمت.
الحديث أخرجه: الشافعي في اختلاف الحديث (74)، وفي المسند (160)[وفي سند المطبوع سقط]، والحميدي (143)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 66)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 211/ 278)، والبزار (4/ 239/ 1403)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (129)، وابن المنذر (2/ 47/ 536)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (562 - 563)، والبيهقي في السنن (1/ 138)، وفي المعرفة (317).
واللفظ للحميدي، والزيادة للباهلي.
• وهذه القصة تبين عوار ما رواه:
ب- ابن أبي عمر العدني، وإبراهيم بن بشار [وهما صدوقان من أصحاب ابن عيينة ممن لازمه وأكثر عنه، لكن يَهِما عليه في الشيء بعد الشيء]، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن [وقال إبراهيم: ثنا]، عمرو بن دينار، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب.
أخرجه ابن ماجه (566)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 111)، وفي أحكام القرآن (103).
• والمحفوظ: ما رواه أحفظ أصحاب ابن عيينة: الإمام الشافعي، والحميدي، ومن تابعهما.
والقصة التي رواها الحميدي تبين أن هذا الحديث لم يروه ابن عيينة، عن عمرو، عن الزهري، بل سمعه من الزهري مباشرة، وإنما الذي رواه، عن عمرو، عن الزهري إنما هو حديث مس الإبط.
وبهذه القصة لم يبق شك في كون ابن عيينة لم يضطرب في إسناد هذا الحديث -كما قال أبو داود-، بل حفظه ابن عيينة وضبطه، وأجاب يحيى بن سعيد القطان بما يدل على حفظه للحديث، وعدم اضطرابه فيه، وكذلك جوابه للحميدي.
• والحاصل: أن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وأبا أويس: قد اتفق ثلاثتهم
على رواية الحديث عن: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، عن عمار، قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب.
وهذا هو المحفوظ: عن الزهري في هذا الحديث؛ فإن الإمام مالكًا من أثبت الناس في الزهري؛ بل هو أثبت من روى عنه هذا الحديث، والقول قوله، فكيف وقد تابعه عليه: سفيان بن عيينة، وهو أيضًا من أثبت أصحاب الزهري، وتابعهما: أبو أويس المدني.
وابن عيينة أثبت في الزهري من: معمر، ويونس، وابن أبي ذئب، والليث بن سعد، وصالح بن كيسان، فضلًا عن غيرهم، ممن روى عنه هذا الحديث، فكيف وقد تابعه من هو أحفظ منه لحديث الزهري، الإمام مالك.
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 31/ 61): "وسألت أبي وأبا زرعة، عن حديث رواه صالح بن كيسان، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم؟
فقالا: هذا خطأ؛ رواه مالك، وابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار؛ وهو الصحيح، وهما أحفظ.
قلت: قد رواه يونس، وعقيل، وابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أصحاب الكتب؟
فقالا: مالك صاحب كتاب، وصاحب حفظ".
وما قالاه هو الصواب.
وأما النسائي فقد ذهب إلى تصويب الوجهين: الثاني والثالث، فقال في السنن الكبرى بعدما أخرج حديث صالح بن كيسان -بزيادة ابن عباس في الإسناد-:"خالفه مالك بن أنس: رواه عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار"، ثم أخرجه من طريق مالك، ثم قال:"وكلاهما محفوظ، والله أعلم".
قلت: وقوله هذا ممكن محتمل من جهة منزلة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، فإنه: ثقة ثبت فقيه، وأحد الفقهاء السبعة الأعلام، وكان من بحور العلم، فيحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، لكن قول أبي حاتم وأبى زرعة هو الصحبح لوجهين:
الأول: أن مالكًا وابن عيينة: أثبت في الزهري من كل من روى عنه هذا الحديث.
والثاني: أن من قال: عن عبيد الله، عن ابن عباس، فقد سلك الجادة والطريق السهل لكثرة ما يروي عبيد الله عن ابن عباس، بخلاف روايته عن أبيه، فتحتاج إلى حافظ.
وبناء على هذا: فإن عبد الله بن عتبة بن مسعود: ثقة، رفيع القدر، كثير الحديث والفتيا، فقيه، سمع عمر بن الخطاب، واستعمله عمر على سوق المدينة، وكان قد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأتي به، فمسحه بيده ودعا له، ذكره البخاري في التابعين، وقال:"سمع عمر رضي الله عنه، كان بالكوفة"، وذكره ابن البرقي فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه رواية، فهو: تابعي من كبار التابعين، وغلط من عده في الصحابة، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله
من العمر قرابة خمس سنين [التاريخ الكبير (5/ 157)، معرفة الثقات (930)، طبقات ابن سعد (5/ 58)، الاستيعاب (1464)، الإصابة (4831)، التهذيب (2/ 381)، وغيرها].
وعبد الله بن عتبة معاصر لعمار بن ياسر، وكانا بالكوفة؛ إلا أنه لا يعرف لعبد الله سماع من عمار، ولا رواية إلا في هذا الحديث الواحد.
قال البزار: "ولا نعلم روى عبد الله بن عتبة عن عمار إلا هذا الحديث".
• وهذا الحديث قد صححه ابن حبان، وابن الجارود، وحسنه الحازمي، واحتج به النسائي، وكلام الشافعي وإسحاق بن راهويه يشعر بتصحيحهما لهذا الحديث.
قال الشافعي في اختلاف الحديث ص (74): "فلو كان لا يجوز أن يكون تيمم عمار إلى المناكب إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع التنزيل كان منسوخًا؛ لأن عمارًا أخبر أن هذا أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم، فكل تيمم كان للنبي صلى الله عليه وسلم بعده مخالفه فهو ناسخ له".
ثم ذكر احتمالًا آخر ص (75)، فقال:"أو يكون إنما سمع آية التيمم عند حضور الصلاة، فتيمموا واحتاطوا، فأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأن ذلك لا يضرهم، كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء، فلما صاروا إلى مسألة النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا، وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث عمار، بما وصفت من الدلائل".
وقال الترمذي بعد حديث قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن عمار بن ياسر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه وللكفين، برقم (144)، ويأتي عند أبي داود برقم (327)، قال الترمذي:"وقد روي هذا الحديث عن عمار في التيمم أنه قال: "للوجه والكفين" من غير وجه، وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط. فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روى عنه حديث المناكب والآباط.
قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي: حديث عمار في التيمم للوجه والكفين: هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط: ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عمارًا لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين، والدليل على ذلك: ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: الوجه والكفين، ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين".
وحكى ابن رجب في الفتح (2/ 57 و 58) قول الشافعي، ثم قال:"وكذا ذكر أبو بكر الأثرم وغيره من العلماء"، وقال بعد حكاية قول ابن راهويه:"وهذا الجواب ذكره إسحاق بن راهويه وغيره من الأئمة".
وأما قول ابن رجب: "وهذا حديث منكر جدًّا، لم يزل العلماء ينكرونه"، فليس بجيد
بعدما علمت قبول الأئمة له، وتفسيرهم له، وأما إنكار الإمام أحمد له فيحمل على ما حمله عليه الأئمة من أنه ليس عليه العمل، وهذا ما يدل عليه قوله:"ليس بشيء"، والله أعلم.
وقال ابن حبان في الصحيح (4/ 134): "كان هذا حيث نزل آية التيمم، قبل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عمارًا كيفية التيمم، ثم علمه ضربة واحدة للوجه والكفين؛ لما سأل عمار النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم".
وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 51 و 52): "وأما الأخبار التي رويت عن عمار التي فيها ذكر اختلاف أفعالهم حين نزلت آية التيمم قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمهم صفة التيمم مما فعلوه عند نزول الآية احتياطًا قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمهم صفة التيمم، فلما جاؤوه علمهم فقال لعمار: "إنما كان يكفيك هذا"، وفي قوله: "إنما كان يكفيك هذا" دليل على أن الفعل الذي كان منهم، كان قبل أن يعلمهم، والدليل على صحة هذا القول أن عمارًا علمهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ولايته أيام عمر على الكوفة: التيمم ضربة للوجه والكفين".
وإلى هذا ذهب أيضًا: الطحاوي في شرح المعاني (1/ 111)، والحازمي في الاعتبار (1/ 265).
وهذا مما يدل على تصحيحهم للحديث، فلو كان عندهم ضعيفًا لا يثبت لما احتاجوا إلى هذا التأويل، والله أعلم.
***
321 -
الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسًا بين عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا، أما كان يتيمم؟ فقال: لا، وإن لم يجد الماء شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة: 6]؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم.
فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا" فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله، على الكفين، ثم مسح وجهه؟ فقال له عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟.
• حديث متفق على صحته.
وهذا لفظ أبي معاوية، وفي رواية مسلم: ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، ووجهه.
وقد رواه عن الأعمش: أبو معاوية، وشعبة، وحفص بن غياث، وعبد الواحد بن زياد، ويعلى بن عبيد، وعيسى بن يونس.
ورواية أبي معاوية أتم، قال أحمد:"وحديث أبي معاوية أتم وأحسن"[العلل لابنه عبد الله (5624)].
أخرجه البخاري (345 و 346 و 347)، ومسلم (368/ 110 و 111)، وأبو عوانة (1/ 254 - 255/ 875 - 879)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 403/ 811)، والنسائي (1/ 170/ 320)، وابن خزيمة (1/ 136/ 270)، وابن حبان (4/ 128 و 130 و 131/ 1304 و 1305 و 1307)، وأحمد في المسند (4/ 264 و 265 و 396)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 369 و 370/ 5623 - 5626)، وابن أبي شيبة (1/ 145 و 146/ 1671 و 1677)، وأبو العباس السراج في مسنده (6 و 7)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2573 و 2574)، والطحاوي في أحكام القرآن (90)، والهيثم بن كليب (2/ 423 و 424/ 1025 و 1026)، والدارقطني (1/ 179)، وابن حزم (2/ 154 - 155)، والبيهقي (1/ 211 و 215 و 226)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 170)، والبيهقي في المعرفة (322).
وعند أحمد في المسند وفي العلل: "قال عفان: وأنكره يحيى -يعني: ابن سعيد- فسألت حفص بن غياث؟ فقال: كان الأعمش يحدثنا به عن سلمة بن كهيل، وذكر أبا وائل".
قلت: الحديث محفوظ عن الأعمش بطريقيه، ومثل هذا يحتمل من الأعمش فهو من كبار الحفاظ الذين يدور عليهم حديث أهل الكوفة.
ورواه عنه بهذا الوجه: شعبة، وأبو معاوية، وهما من أثبت أصحابه، واتفق الشيخان على إخراج حديثه من هذه الوجه، وقال البيهقي:"لا يشك حديثي في صحة إسناده".
لكن قال الإمام أحمد في رواية الأثرم: "إن كان ما روى أبو معاوية حقًّا؛ روى عن الأعمش، عن شقيق القصة، فقال أيضًا: ضربة للوجه والكفين، وتابعه عبد الواحد، قال أبو عبد الله -يعني: أحمد-: فهذان جميعًا قد اتفقا عليه، يقولان: ضربة للوجه والكفين".
قال ابن رجب في الفتح (2/ 88): "وإنما أنكر يحيى بن سعيد هذه اللفظة، وتوقف فيها الإمام أحمد؛ لأن شعبة، وحفص بن غياث، وابن عيينة، وغيرهم، رووه: عن الأعمش، ولم يذكروا الضربة الواحدة، ولا صفة التيمم في حديثه، عن شقيق، عن أبي موسى، ثم ذكر أحمد أن أبا معاوية وعبد الواحد قد اتفقا على هذه اللفظة، فزالت نكارة التفرد، وقد تبين أن يعلى تابعهما أيضًا".
وقال ابن رجب أيضًا (2/ 89 و 90): "وفي حديث أبي معاوية الذي خرجه البخاري ها هنا شيئان أُنكرا على أبي معاوية:
أحدهما: ذكره مسح الوجه بعد مسح الكفين، فإنه قال:"ثم مسح وجهه"، وقد اختلف في هذه اللفظة على أبي معاوية. . . في ذكر مسح الوجه، وعطفه: هل هو بالواو أو بلفظ: ثم، وقد قال الإمام أحمد في رواية أحمد بن عبدة: رواية أبي معاوية عن الأعمش في تقديم مسح الكفين على الوجه: غلط".
والثاني: أنه ذكر أن أبا موسى هو القائل لابن مسعود: إنما كرهتم هذا لهذا؟ فقال ابن مسعود: نعم، وإنما روى أصحاب الأعمش منهم: حفص بن غياث، ويعلى بن عبيد، وعبد الواحد بن زياد: أن السائل هو الأعمش، والمسؤول هو شقيق أبو وائل".
***
322 -
سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: كنت عند عمر، فجاءه رجل فقال: إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، قال: فقال عمار: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"إنما كان يكفيك أن تقول هكذا"، وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع.
فقال عمر: يا عمار اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن شئت والله لم أذكره أبدًا، فقال عمر: كلا، والله لنولينك من ذلك ما توليت.
• صحيح؛ دون ما زاد على الوجه والكفين.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 238/ 915)، وابن المنذر (2/ 15/ 514)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 113)، وفي أحكام القرآن (113)، والبيهقي (1/ 210)، وابن عبد البر (7/ 171).
هكذا رواه عن الثوري: محمد بن كثير العبدي، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني.
ورواه عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: كنا عند عمر. . . فذكره بنحوه، لكن قال: ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه.
أخرجه النسائي (1/ 168/ 316)، وأحمد (4/ 319)، وأبو يعلى (3/ 181/ 1606).
ورواية عبد الرحمن بن مهدي محفوظة؛ فهو من أثبت الناس في سفيان الثوري، وكلاهما ثقة إمام.
فزاد ابن مهدي في الإسناد: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى متابعًا لأبي مالك، وهي زيادة مقبولة محفوظة.
• وقد اختلف في إسناد هذا الحديث ومتنه على سلمة بن كهيل:
1 -
فرواه سفيان الثوري، عن سلمة به هكذا.
2 -
ورواه الأعمش، عن سلمة، واختلف فيه على الأعمش.
***
323 -
حفص: حدثنا الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى، عن عمار بن ياسر. . . في هذا الحديث؛ فقال:"يا عمار! إنما كان يكفيك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه، والذراعين إلى نصف الساعدين، ولم يبلغ المرفقين، ضربة واحدة.
قال أبو داود: ورواه وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن بن أبزى.
ورواه جرير، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى -يعني: عن أبيه-.
• حديث شاذ.
قلت: الذي وقفت عليه في المصادر: أن رواية وكيع موافقة لرواية جرير مثل الجماعة، وعليه فحديث الأعمش هذا قد اختلف عليه فيه:
أ- فرواه حفص بن غياث، عن الأعمش، عن سلمة، عن ابن أبزى، عن عمار به، وقال:"إلى نصف الساعدين".
ب- ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ، من أثبت أصحاب الأعمش]، وجرير بن عبد الحميد [ثقة صحيح الكتاب]، وعبد الله بن نمير [ثقة ثبت، من أصحاب الأعمش]، ويعلى بن عبيد [ثقة، من أصحاب الأعمش]، وعيسى بن يونس [ثقة مأمون. من أصحاب الأعمش]، ومحاضر بن المورع [صدوق. من أصحاب الأعمش]، وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية [ثقة]، وأبو يحيى التيمي إسماعيل بن إبراهيم الأحول الكوفي [ضعيف]:
رواه سبعتهم عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى عمر. . . فذكر الحديث.
قال وكيع: ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
وقال جرير: فمسح بهما يديه ووجهه.
وقال ابن نمير: ثم نفضهما فمسح يديه.
وقال يعلى بن عبيد: فمسح وجهه وكفيه.
وقال عيسى بن يونس: ثم نفخهما، ومسح بهما وجهه وكفيه.
وقال محاضر بن المورع: ومسح يديه ووجهه.
وقال ابن أبي غنية: ومسح بيديه ووجهه.
وقال أبو يحيى التيمي: ثم نفضهما، ثم نفخ فيهما، ومسح بهما وجهه ويديه.
فلم يقل أحد منهم: إلى نصف الساعدين، ولم يقولوا: والذراعين.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 135/ 269)، وأبو عوانة (1/ 255 و 256/ 880 و 881 و 884)، وابن أبي شيبة (1/ 146/ 1678) و (7/ 302/ 36292)، والبزار (4/ 225/ 1386)، والسراج في مسنده (8 - 10)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2380)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 112)، وفي أحكام القرآن (110)، والهيثم بن كليب (2/ 425 - 429/ 1027 و 1028 و 1030 و 1035)، والدارقطني (1/ 183).
ورواية الجماعة أولى بالصواب؛ وهِم فيه حفص.
3 -
ورواه شعبة:
***
324 -
. . . محمد -يعني: ابن جعفر-: أخبرنا شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، بهذه القصة، فقال:"إنما كان يكفيك"، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ومسح بهما وجهه وكفيه.
شك سلمة قال: لا أدري؟ فيه: إلى المرفقين؛ يعني: أو: إلى الكفين.
• صحيح؛ دون ما زاد على الوجه والكفين.
أخرجه النسائي (1/ 165 - 166/ 312)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 404/ 813)، وأحمد (4/ 265).
***
325 -
حجاج -يعني: الأعور-: حدثني شعبة، بإسناده بهذا الحديث، قال: ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه، وكفيه إلى المرفقين -أو: الذراعين-.
قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين، والوجه، والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول! فإنه لا يذكر الذراعين غيرك.
• صحيح؛ دون ما زاد على الوجه والكفين.
أخرجه النسائي (1/ 170/ 319)، والبيهقي (1/ 210).
• تابعهما: يحيى بن سعيد القطان، وعمرو بن مرزوق، وأبو داود الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي:
أربعتهم: عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت ذرًا يحدث، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن رجلًا أتى عمر. . . فذكر نحوه.
قال شعبة: ثم شك سلمة فلم يدر؛ إلى الكوعين، أو: إلى المرفقين [لفظ الطيالسي].
أخرجه مسلم (368/ 112) تبعًا لحديث شعبة عن الحكم، فساق الإسناد ولم يسق لفظه، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 404/ 813)، والطيالسي (2/ 31/ 674)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 113)، وفي أحكام القرآن (109)، والشاشي (2/ 427 - 428/ 1032)، والبيهقي في السنن (1/ 209 و 210)، وفي المعرفة (324).
• والحاصل: أن الثوري، وشعبة، والأعمش، قد اختلفوا في إسناد هذا الحديث:
1 -
فرواه سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي مالك وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: كنا عند عمر. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه، وبعض ذراعيه، وفي رواية: إلى نصف الذراع.
2 -
ورواه شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت ذرًا يحدث، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أن رجلًا أتى عمر. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه وكفيه، شك سلمة قال: لا أدري؟ فيه: إلى المرفقين؛ يعني: أو: إلى الكفين.
وفي رواية: ثم شك سلمة فلم يدر، إلى الكوعين، أو: إلى المرفقين.
وفي رواية: قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين، والوجه، والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول! فإنه لا يذكر الذراعين غيرك، [فشك سلمة فقال: لا أدري! ذكر الذراعين أم لا].
3 -
ورواه الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى عمر. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
قلت: والثلاثة: الثوري، وشعبة، والأعمش: أئمة حفاظ، وسلمة بن كهيل: ثقة ثبت متقن.
وقد سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة، عن هذا الحديث إلا أنه جعل رواية الأعمش كرواية شعبة متابعًا له فيها، فقال أبو زرعة:"حديث شعبة أشبه"، قال ابن أبي حاتم:"قلت لأبي زرعة: ما اسم أبي مالك؟ قال: لا يسمى، وهو الغفار"[العلل (2)].
وقال ابن أبي حاتم في موضع آخر (34): "وسألت أبي عن اختلاف حديث عمار بن ياسر في التيمم، وما الصحيح منها؟
فقال: رواه الثوري، عن سلمة، عن أبي مالك الغفاري، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم.
ورواه شعبة، عن الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه حصين، عن أبي مالك قال: سمعت عمارًا يذكر التيمم موقوفًا.
قال أبي: الثوري أحفظ من شعبة.
قلت لأبي: فحديث حصين عن أبي مالك؟
قال: الثوري أحفظ، ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمار كلامًا غير مرفوع، ويسمع مرفوعًا من عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . القصة.
قلت: فأبو مالك سمع من عمار شيئًا؟
قال: ما أدري ما أقول لك؟ قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك: سمعت عمارًا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين.
قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار، وقد سمع من ابن عباس؟
قال: بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة".
• قلت: أما حديث سلمة بن كهيل:
فإن كان حديث شعبة هو المحفوظ؛ فهو حديث صحيح، عدا ما شك فيه سلمة، وهو ما زاد على الكفين، فقد تابعه الحكم بن عتيبة على الكفين حسب، ولم يزد شيئًا وهو الصحيح، وأما ما زاده سلمة بن كهيل شكًا منه فلم يتابع عليه في هذا الحديث، بل أنكره عليه منصور، فقال له:"انظر ما تقول! فإنه لا يذكر الذراعين غيرك".
وإن كان حديث الثوري هو المحفوظ -فإنه أحفظهم-: فهو حديث صحيح أيضًا؛ عدا ما زاده سلمة على الكفين.
فإن أبا مالك الغفاري واسمه غزوان [سماه ابن معين ومسلم، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود، وابن حبان]: كوفي ثقة [وثقه ابن معين، والعجلي، وابن حبان] [انظر: التاريخ الكبير (7/ 108)، الجرح والتعديل (7/ 55)، العلل ومعرفة الرجال
(1/ 388/ 767 و 769) و (3/ 26/ 4031)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 110 و 495 و 556/ 459 و 2421 و 2724) و (4/ 2913/16)، كنى مسلم (3054)، سؤالات الآجري (5/ ق 43)، ثقات العجلي (1804)، طبقات ابن سعد (6/ 295)، ثقات ابن حبان (5/ 293)، التهذيب (3/ 375)، التقريب (490)].
وقد تابعه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات (7/ 9)، وسأل الأثرم الإمام أحمد فقال:"قلت لأحمد: سعيد وعبد الله أخوان؟ قال: نعم. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: كلاهما عندي حسن الحديث"، وسعيد أخوه: ثقة؛ وثقه النسائي، وابن حبان، وقد سوى بينهما الإمام أحمد كما ترى [انظر: التهذيب (2/ 371)].
قال البيهقي في المعرفة (1/ 291): "واختلفوا فيه على أبي مالك حبيب بن صهبان: فقيل: عنه عن عبد الرحمن بن أبزى: إلى نصف الذراع.
وقيل: عنه عن عمار نفسه: وجهه وكفيه.
والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة؛ فهو فقيه حافظ لم يشك في الحديث، وسياقه أحسن سياقة، كما رواه شقيق بن سلمة، عن أبي موسى، عن عمار".
قلت: نعم؛ الاعتماد في هذا الحديث على رواية الحكم بن عتيبة المتفق عليها، وأما تسمية أبي مالك بحبيب بن صهبان فلا يتابع عليه البيهقي، بل جزم الحفاظ بأن أبا مالك هذا الذي يروي عنه سلمة بن كهيل؛ هو غزوان [راجع المصادر السابق ذكرها].
وقال في السنن (1/ 210)"هذا الاختلاف في متن حديث ابن أبزى، عن عمار: إنما وقع أكثره من سلمة بن كهيل لشك وقع له، والحكم بن عتيبة: فقيه حافظ، قد رواه عن ذر بن عبد الله، عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن؛ فساق الحديث على الإثبات من غير شك فيه، وحديث قتادة: عن عزرة يوافقه، وكذلك حديث حصين، عن أبي مالك".
وأما حديث الأعمش: فهو خطأ.
• وأما حديث أبي مالك الغفاري؛ فقد اختلف عليه:
1 -
فرواه سلمة بن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم برقم (322).
2 -
ورواه حصين بن عبد الرحمن، عن أبي مالك واختلف عليه:
أ- فرواه شعبة، وأبو الأحوص، وعبد الله بن إدريس، وزائدة بن قدامة:
أربعتهم [وهم ثقات حفاظ متقنون]: رووه عن حصين، قال: سمعت أبا مالك يقول: سمعت عمار بن ياسر يخطب بالكوفة، وذكر التيمم، فضرب بيده الأرض، فمسح وجهه ويديه. لفظ شعبة.
وفي رواية زائدة: أنه غمس باطن كفيه في التراب، ثم نفخ فيها، ثم مسح وجهه، ويديه إلى المفصل، وقال عمار: هكذا التيمم.
وبنحوه رواية أبي الأحوص، وزاد: مرة واحدة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 147/ 1685)، وابن المنذر (2/ 546/52 و 547)، والطحاوي (1/ 112)، والدارقطني (1/ 184)، وابن جرير في تفسيره (4/ 113/ 9654 و 9656).
ب- وخالفهم: إبراهيم بن طهمان [ثقة يغرب]، فرواه عن حصين، عن أبي مالك، عن عمار بن ياسر؛ أنه أجنب في سفر له، فتمعك في التراب ظهرًا لبطن، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره فقال:"يا عمار إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين".
أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (85)، والدارقطني (1/ 183).
قال الدارقطني: "لم يروه عن حصين مرفوعًا غير إبراهيم بن طهمان، ووقفه شعبة وزائدة وغيرهما، وأبو مالك في سماعه من عمار نظر، فإن سلمة بن كهيل قال فيه: عن أبي مالك، عن ابن أبزى، عن عمار، قاله الثوري عنه".
وقال أبو حاتم: "هو أبو مالك الغفاري، والصحيح عن عمار موقوفًا، من حديث حصين عن أبي مالك".
فالمحفوظ من حديث حصين: موقوف على عمار.
• لكن ما الراجح والصحيح من حديث أبي مالك؟
أما الدارقطني فقد مال إلى ترجيح رواية سلمة بن كهيل، وأعل بها رواية حصين بدون الواسطة.
وأما أبو حاتم فقد تقدم أن ابنه سأله (34) فقال: "فحديث حصين عن أبي مالك؟ قال: الثوري أحفظ، ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمار كلامًا غير مرفوع، ويسمع مرفوعًا من عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . القصة. قلت: فأبو مالك سمع من عمار شيئًا؟ قال: ما أدري ما أقول لك؟ قد روى شعبة عن حصين عن أبي مالك: سمعت عمارًا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين. قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار وقد سمع من ابن عباس؟ قال: بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة".
قال أبو زرعة العراقي في تحفة التحصيل ص (373): "وأشار أبو حاتم بقوله: "وسلمة أحفظ من حصين"، إلى ترجيح رواية سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار، فأثبت بين أبي مالك وعمار واسطة، ورواية سلمة هذه رواها أبو داود والنسائي لحديث التيمم، وقال الدارقطني: في سماع أبي مالك من عمار نظر".
قلت: كلام أبي حاتم ليس فيه الجزم بترجيح رواية سلمة بن كهيل، بل قال باحتمال صحة رواية حصين والتي فيها إثبات سماعه الموقوف من طريق شعبة.
وعلى هذا الاحتمال، يقال بأن أبا مالك سمع عمارًا وهو يخطب بالكوفة، فوصف لهم التيمم، موقوفًا عليه، هكذا رواه الحفاظ عن حصين، ثم هو قد سمع من عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في صفة التيمم مرفوعًا، هكذا رواه الثوري عن سلمة بن كهيل، ولما كان الإسناد إلى أبي مالك في الموقوف والمرفوع صحيحًا، رجاله أئمة ثقات حفاظ، صارا كالحديثين، لذا قال أبو حاتم: "ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمار كلامًا غير مرفوع، ويسمع مرفوعًا من عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم، وبين وفاة عمار وابن عباس إحدى وثلاثون سنة (37 - 68).
***
326 -
شعبة، قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، في هذا الحديث، قال: فقال -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض، فتمسح بهما وجهك وكفيك"، وساق الحديث.
• حديث متفق على صحته.
هذا حديث يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة -ولفظه عند مسلم-: قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أن رجلًا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال: لا تصلي. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماءً، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك"، فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به.
ولفظ البخاري -من طريق آدم عن شعبة-:. . . فذكر القصة بنحوها، ثم قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك هكذا"، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
أخرجه البخاري (338 و 339 و 340 و 341 و 342 و 343)، ومسلم (368/ 112 و 113)، وأبو عوانة (1/ 255 و 256/ 882 و 885 و 886)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 404/ 812)، والنسائي (1/ 169 و 170/ 317 و 318 و 319)، وابن ماجه (569)، وابن خزيمة (1/ 134 و 135/ 266 و 268)، وابن حبان (4/ 79 و 131 و 132/ 1267 و 1306 و 1309)، وابن الجارود (125)، وأحمد (4/ 265 و 320)، والطيالسي (2/ 30/ 673)، والبزار (4/ 223/ 1385)، وأبو يعلى (3/ 183/ 1607)، والسراج في مسنده (12)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2552)، وابن المنذر (2/ 51 و 55/ 544 و 548)، والطحاوي في
شرح المعاني (1/ 112)، وفي أحكام القرآن (108)، والمحاملي في الأمالي (241)، والشاشي (2/ 427 - 431/ 1031 و 1033 و 1034 و 1038 و 1039)، والدارقطني (1/ 183)، وابن حزم في المحلى (2/ 155)، والبيهقي (1/ 209 و 214 و 216)، وابن عبد البر (7/ 170)، والحازمي في الاعتبار (1/ 269/ 51)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 233/ 271)، والذهبي في السير (9/ 264 - 265) و (13/ 499 - 500)، وفي التذكرة (3/ 951).
رواه عن شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وغندر، وحجاج بن منهال، وحجاج بن محمد الأعور، ويزيد بن هارون، وأبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، والنضر بن شميل، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وآدم بن أبي إياس، ومحمد بن كثير العبدي، وبهز بن أسد، ويزيد بن زريع، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وابن أبي عدي، وعفان بن مسلم، ووهب بن جرير، وعاصم بن علي، وعبد الرحمن بن زياد (21).
ولفظ أبي داود الطيالسي: أتى رجل عمر فذكر أنه كان في سفر فأجنب ولم يجد الماء، فقال: لا يصلي، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ كنت أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصلِّ، وأما أنا فتمعكت في التراب، وصليت، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال لك:"أما أنت فلم يكن ينبغي لك أن تدع الصلاة، وأما أنت يا عمار، فلم يكن ينبغي لك أن تمعك كما تمعك الدابة؛ إنما كان يجزئك"، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الأرض إلى التراب، ثم قال:"هكذا"، فنفخ فيها، ومسح وجهه ويديه إلى المفصل، وليس فيه: الذراعين.
• وهذا الحديث قد سمعه الحكم بن عتيبة من سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى أيضًا: فقد روى يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، والنضر بن شميل، وآدم بن أبي إياس، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار:
ستتهم: عن شعبة، قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أن رجلًا أتى عمر. . . فذكر الحديث، ثم قال: قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، مثل حديث ذر. لفظ القطان، ولم يذكر شبابة حديث ذر.
أخرجه البخاري (3339) تعليقًا، ومسلم (368/ 112 و 113)، وأبو عوانة (1/ 256/ 883 و 887)، والنسائي (1/ 170/ 318)، والشاشي (2/ 426/ 1029).
قال أبو داود: "ورواه شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، قال: سمعت عمارًا يخطب. . . بمثله؛ إلا أنه قال: لم ينفخ.
وذكر حسين بن محمد، عن شعبة، عن الحكم. . . في هذا الحديث، قال: ضرب بكفيه إلى الأرض، ونفخ.
قلت: تقدم تخريج حديث حصين، عن أبي مالك قريبًا تحت الحديث رقم (325)، وتقدم الكلام عليه، وأما أن شعبة قال في روايته: لم ينفخ، فلم أقف عليه، والذي وقفت
عليه من المصادر أنه سكت عنها، لكن أثبت النفخ في اليدين أو النفض: زائدة بن قدامة، وأبو الأحوص كلاهما عن حصين به: فهو محفوظ من حديث حصين.
وأما رواية حسين بن محمد: فلم أقف على من وصلها، والحديث رواه عن شعبة، عن الحكم: واحد عشرون رجلًا، أكثرهم ذكر فيه النفخ؛ فهو صحيح محفوظ.
***
327 -
سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم؟ فأمرني: ضربةً واحدةً للوجه، والكفين.
• حديث صحيح.
أخرجه الترمذي (144)، وابن خزيمة (1/ 134/ 267)، وابن حبان (4/ 132/ 1308)، وابن أبي شيبة (1/ 147/ 1686) و (7/ 302/ 36295)، والبزار (4/ 227/ 1387)، وأبو يعلى (3/ 183 و 804/ 1602 و 1638)، وأبو العباس السراج في مسنده (13)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 112)، وفي أحكام القرآن (107)، والشاشي (2/ 430/ 1037)، والدارقطني (1/ 182)، والبيهقي في السنن (1/ 210)، وفي المعرفة (1/ 291/ 325)، وابن عبد البر (7/ 179).
• واختلف في إسناده على سيد بن أبي عروبة:
1 -
فرواه يزيد بن زريع، وإسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، ومحمد بن بكر البرساني:
أربعتهم: عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار به.
2 -
ورواه عبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعيسى بن يونس، والحسن بن صالح:
خمستهم: عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى: أن أباه حدثه: أن عمار بن ياسر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم؟ قال: "ضربة للوجه والكفين".
أخرجه أبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(127 و 128)، والبزار (4/ 1388/227)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 113/ 9661)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 133).
فلم يذكروا عزرة في الإسناد.
ويزيد بن زريع، وإسماعيل ابن علية، وعبدة بن سليمان، وعبد الأعلى، ومحمد بن بشر، كلهم: ثقات أثبات في سعيد بن أبي عروبة، وممن سمع منه قبل الاختلاط.
• وعلى هذا فإن هذا الاختلاف إنما هو من قبل ابن أبي عروبة، فإن كلا الوجهين محفوظ عنه.
وعندئذ يمكن أن يقال:
إما أن يكون قتادة سمعه من عزرة أولًا [وسماعه من عزرة ثابت صحيح. انظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 357)]، ثم سمعه بعدُ من سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، مثل ما وقع للحكم بن عتيبة في هذا الحديث حيث سمعه أولًا من ذر بن عبد الله، ثم سمعه بعدُ من سعيد [مع العلم بأنه لا يعرف لقتادة سماعًا من سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، والصحيح أن بينها عزرة بن عبد الرحمن، انظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 357)، وما بعدها].
وإما أن يكون سعيد بن أبي عروبة وهم فيه؛ فإنه كان يحدث من حفظه، ولم يكن له كتاب، قال الإمام أحمد:"لم يكن لسعيد بن أبي عروبة كتاب، إنما كان يحفظ ذلك كله"[التهذيب (2/ 33)]، وقيل لأحمد: روى الكوفيون عن سعيد غير شيء خلاف ما روى عنه البصريون؟ قال: "هذا من حفظ سعيد، كان يحدث من حفظه"[شرح العلل (2/ 746)].
وهذا الوجه الثاني عندي هو الصواب، والصحيح: عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار.
ووهم سعيد بن أبي عروبة لما حدث به فأسقط عزرة من الإسناد، وأصاب لما حدث به بالإثبات والزيادة.
• والدليل على ذلك: أن أبان بن يزيد العطار [ثقة ثبت، وهو من طبقة الشيوخ من أصحاب قتادة]، رواه عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم:"ضربة للوجه والكفين". لفظ عفان بن مسلم.
ولفظ يونس بن محمد المؤدب: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم؟ فقال: "ضربة للوجه والكفين".
أخرجه الدارمي (1/ 208/ 745)[سقط من المطبوعة "عزرة" من الإسناد وهو خطأ والصواب إثباته، فقد رواه الدارمي، عن عفان، وكل من رواه عن عفان أثبت عزرة في الإسناد، وإسناد الدارمي مثبت على الصواب في إتحاف المهرة (11/ 722)]، وابن الجارود (126)، وأحمد (4/ 263)، والبزار (4/ 227/ 1389)، وأبو العباس السراج في مسنده (14)، وابن المنذر (2/ 51/ 544)، والشاشي (2/ 430/ 1036)، وابن قانع في المعجم (2/ 250)، والطبراني في الأوسط (1/ 173/ 542)، والدارقطني (1/ 182 و 183)، وابن عبد البر (7/ 180)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 233 / 272).
فهو حديث صحيح.
قال الترمذي: "حديث عمار: حديث حسن صحيح".
وقال إسحاق بن راهويه: "حديث عمار في التيمم للوجه والكفين: هو حديث حسن صحيح"[جامع الترمذي (144)].
وقال الدارمي: "صح إسناده".
وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود.
• وفي الجملة: فقد اتفق الأئمة على صحة حديث عمار بن ياسر في الضربة الواحدة للوجه والكفين، وتلقوه بالقبول [فتح الباري لابن رجب (2/ 89)].
فقد اتفق الشيخان على إخراج حديث: شعبة، عن الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار به.
وعن الحكم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار به.
وصح من طريق: قتادة، عن عزرة، عن ابن أبزى، عن أبيه، عن عمار.
واتفقا أيضًا على إخراج حديث: الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي موسى، عن عمار.
قال إسحاق بن هانئ؛ "سئل أحمد عن التيمم؟ قال: ضربة واحدة للوجه والكفين.
قيل له: ليس في قلبك شيء من حديث عمار؟ قال: لا" [مسائل ابن هانئ (1/ 12)، الفتح لابن رجب (2/ 89)].
وقال حرب: "سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: والتيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، يبدأ بوجهه، ثم يمسح كفيه إحداهما بالأخرى. قيل له: صح حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؟ قال: نعم، قد صح"[الفتح لابن رجب (2/ 61)].
وقال في مسائل ابنه صالح (540): "ضربة للوجه والكفين على حديث عمار"[وانظر: (944 و 988)].
وانظر كلام الإمام الشافعي: اختلاف الحديث (75)، المعرفة للبيهقي (1/ 292)، الفتح لابن رجب (2/ 61).
***
328 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبان، قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر؟ فقال: حدثني محدث، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار بن ياسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إلى المرفقين".
• حديث غريب.
أخرجه البزار (4/ 228/ 1390 و 1391)، والدارقطني (1/ 182)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 210)، وفي المعرفة (1/ 326/291)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 180)، وفي الاستذكار (1/ 312).
وفي أكثر المصادر زيادة: قال أبان: سئل قتادة عن التيمم في السفر؟ فقال: كان ابن عمر يقول: إلى المرفقين، وكان الحسن، وإبراهيم يقولان: إلى المرفقين، قال: وحدثني محدث عن الشعبي. . . فذكره.
قال راويه عن موسى بن إسماعيل، أبو إسحاق إبراهيم بن هانئ: فذكرته لأحمد بن حنبل فعجب منه، وقال: ما أحسنه-!.
يعني: ما أغربه، وإلا لقال به، وقد تقدم نقل كلامه قريبًا؛ فليراجع.
قال البيهقي في السنن: "وأما حديث قتادة عن محدث عن الشعبي فهو منقطع، لا يُعلم من الذي حدثه فينظر فيه".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 55 - 56): "وهذا الإسناد: مجهول لا يثبت، والصحيح: عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين".
وهو كما قال.
• ومثل هذا مما يذكر للتعجب فقط:
ما رواه ابن ماجه (570)، والطبراني في الأوسط (6/ 6/ 5632).
عن عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، وسلمة بن كهيل: أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى عن التيمم؟ فقال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمارًا أن يفعل هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفضهما، ومسح على وجهه -قال الحكم:- ويديه. وقال سلمة: ومرفقيه.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث، عن الحكم، وسلمة بن كهيل إلا ابن أبي ليلى، ولا عن ابن أبي ليلى إلا حميد بن عبد الرحمن، تفرد به عثمان بن أبي شيبة".
وأقرب منه إلى الصواب:
ما رواه أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم [صدوق، كثير الخطأ. اللسان (6/ 368)، تقدم ذكره تحت الحديث رقم (300)]، قال: حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"التيمم ضربتان للوجه واليدين".
قال ابن أبي ليلى: اختلفا فقال [أحدهما]: "الوجه والذراعين"، وقال الآخر:"الوجه والكفين"؛ يعني: التيمم، ....
أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1827/ 1396).
ثم قال: "وقد سقط من الحديث شيء أفسد نظامه، وهذا الحديث إنما يرويه: الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، ويرويه أيضًا عن سلمة عن كهيل، عن ذر، عن سعيد، وقال الحكم: قد سمعته من ابن عبد الرحمن بن أبزى رحمه الله".
قلت: مثل هذا مما يدل على سوء حفظ ابن أبي ليلى فقد رواه شعبة، عن الحكم، عن
ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار به. وسمعه الحكم من سعيد.
ورواه شعبة، والثوري، والأعمش، عن سلمة بن كهيل، واختلفوا عليه، لكن لم يقل أحد منهم في إسناده "عن ابن أبي أوفى"، وإنما هو: ابن أبزى، ولا رووه عن الحكم عن سلمة، وهم فيه ابن أبي ليلى في الموضعين.
وسأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: "هذا خطأ؛ وإنما الصحيح: سلمة والحكم، عن ذر، عن ابن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم"[العلل (4)].
• وحديث عمار رواه أيضًا:
أبو إسحاق السبيعي، عن ناجية بن خفاف أبي خفاف، عن عمار بن ياسر، قال: أجنبت وأنا في الإبل فلم أجد ماء فتمعكت في التراب تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك؛ فقال:"إنما كان يجزيك من ذلك التيمم".
أخرجه النسائي (1/ 166/ 313)، وأحمد في المسند (4/ 263)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 308/ 2366)، والطيالسي (2/ 32/ 675)، وعبد الرزاق (1/ 238/ 914)، والحميدي (144)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (141)، وابن أبي شيبة (1/ 144/ 1659)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 258/ 4735)، وأبو يعلى (3/ 180 و 192 و 205/ 1605 و 1619 و 1640)، وابن المنذر (2/ 13/ 508)، والطحاوي في أحكام القرآن (92 و 93)، وابن قانع في المعجم (2/ 250)، والبيهقي (1/ 216 و 220).
وإسناده ضعيف؛ ناجية بن خفاف: مجهول، قال علي بن المديني:"لم يسمع هذا الحديث عندي من عمار؛ لأن ناجية هذا لقيه يونس بن أبي إسحاق، وليس هو بالقديم"، قلت: وهي حجة قوية على الانقطاع، فقد قال أبو نعيم: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: حدث ناجيةُ أبا إسحاق وأنا معه، قال: تمارى عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود في التيمم،. . . فذكر الحديث، وهذا ظاهر الإرسال، لعدم إدراك ناجية هذا لهذه الواقعة التي يحكيها، لا سيما مع تقدم وفاة ابن مسعود، ويؤيده أنه في بعض الروايات يقول: قال عمار، أو: أن عمارًا؛ ولا يعرف له منه سماع.
وقد اختلف الرواة على أبي إسحاق في اسم أبيه، فمنهم من سماه: ناجية بن كعب، ووهَّم ابن المديني والخطيب البغدادي من قال هذا [انظر: التهذيب (4/ 204)].
• مسألة:
جاء في حديث عمار: ثم نفخ فيهما، وفي رواية: ثم نفضهما.
فهل النفخ أو النفض سُنَّة؟
قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 55): "واختلف أهل العلم في نفض اليدين أو النفخ فيهما إذا ضرب بهما الأرض للتيمم:
فقالت طائفة: ينفضهما، كذلك قال الشعبي، وقال مالك: ينفضهما نفضًا خفيفًا، وقال الشافعي: إذا علقهما شيء كثير من الغبار، فلا بأس أن ينفض منه، إذا بقي في يده غبار