المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب في المواقيت - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌2 - باب في المواقيت

الأخبار في هذا الموضوع على: أن فرائض الصلوات خمس، وسائرهن تطوع، وهو قول عوام أهل العلم؛ غير النعمان فإنه خالفهم، وزعم أن الوتر فرض، وهذا القول مع مخالفته للأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما عليه عوام أهل العلم عالمهم وجاهلهم، ولا نعلم أحدًا سبقه إلى ما قال، وخالفه أصحابه فقالوا كقول سائر الناس".

وانظر: الأم (2/ 150)، صحيح ابن خزيمة (2/ 137 و 283) و (3/ 164)، الناسخ والمنسوخ للنحاس (428)، الاستذكار (2/ 370)، إحكام الأحكام لابن حزم (3/ 336)، قواطع الأدلة (2/ 84)، بداية المجتهد (1/ 64)، المغني (1/ 222)، المجموع (3/ 4)، نصب الراية (2/ 114)، وغيرها.

***

‌2 - باب في المواقيت

393 -

قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن سفيان: حدثني عبد الرحمن بن فلان بن أبي ربيعة -قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة-، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمَّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي -يعني: المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم.

فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إليَّ فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين".

• حديث صحيح، دون قوله:"هذا وقت الأنبياء من قبلك".

هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان عن الثوري، فقال:"عبد الرحمن بن فلان بن أبي ربيعة"، وهو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، كما قال أبو داود.

فقد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن يوسف الفريابي، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وأبو أحمد الزبيري، والحسين بن حفص بن الفضل الهمداني، وعبد الله بن الوليد العدني، ومؤمل بن إسماعيل:

ص: 360

تسعتهم: عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة: حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره بنحو حديث القطان.

وشذ قبيصة، فقال في حديث سفيان هذا:"وصلى بي الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، وقت العصر بالأمس"[عبد بن حميد (703)].

وشذ أبو أحمد الزبيري ومؤمل، فقالا أو أحدهما في المغرب في اليوم الثاني:"وقتًا واحدًا"، وإنما هي من حديث جابر [الدارقطني (1/ 258)].

أخرج حديثهم: ابن خزيمة (1/ 168/ 325)، وابن الجارود (149 و 150)، والحاكم (1/ 193)، وأحمد (1/ 333 و 354)، وعبد الرزاق (1/ 531/ 2028) [وقرن بالثوري: ابن أبي سبرة، وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة: متروك، هالك، من جملة من يضع الحديث]، وابن أبي شيبة (1/ 280/ 3220) و (7/ 315/ 36432)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (143)، وأبو الحسن الطوسي في الأربعين (9)، وعبد بن حميد (703)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (30)، وأبو يعلى (5/ 134 - 135/ 2750)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (133)، وابن المنذر (2/ 325/ 944)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 146 - 147)، وفي أحكام القرآن (278)، والطبراني في الكبير (10/ 309 - 310/ 10752 و 10753)، والدارقطني (1/ 258)، والبيهقي (1/ 364 و 366 و 368 و 372 و 373 - 374 و 377 و 446)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 361)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 324)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 9/ 349)، وفي التفسير (1/ 476) [وفيه زيادة:"عند باب البيت" ولعلها وهم من النساخ فالحديث في شرح السُّنَّة بنفس السند بدون قوله "باب"]، وابن الجوزي في التحقيق (313)، وابن دقيق العيد في الإمام (4/ 30).

• تابع الثوري عليه جماعة، منهم:

1 -

مغيرة بن عبد الرحمن [هو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي المدني: صدوق فقيه، كان يهم. التقريب (606)، التهذيب (4/ 135)، سؤالات ابن محرز (1/ 81)]، عن أبيه عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عند البيت مرتين

"فذكره مثل حديث القطان إلا أنه قال في العشاء: "حين ذهب ثلث الليل".

أخرجه ابن خزيمة (325)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (29).

2 -

عبد الرحمن بن أبي الزناد [حديثه بالمدينة: صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون؛ إلا ما كان من رواية سليمان بن داود الهاشمي؛ فأحاديثه عنه حسان، وليس هذا من الأول ولا الأخير، ولكنه صالح في المتابعات. انظر ما تقدم تحت الحديث

ص: 361

رقم (148)]، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم، قال: أخبرني ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر -في الأولى منها- حيث كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حيث كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم.

وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقت الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليَّ جبريلُ فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين".

أخرجه الترمذي (149)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (144)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 147)، وفي أحكام القرآن (280)، والطبراني في الكبير (10/ 310/ 10754)، وابن عبد البر (3/ 361).

وجاء في رواية ابن أبي خيثمة من رواية سعد بن عبد الحميد بن جعفر [وهو: صدوق يهم]: "عند باب البيت" وهي وهم؛ لم يذكرها هناد بن السري، ولا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ولا أسد بن موسى [وهم ثقات].

قال الترمذي: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح"، وفي أكثر المصادر:"حديث حسن" فقط، والزيادة ثابتة.

3 -

عبد العزيز بن محمد الدراوردي [مدني ثقة، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، أو من كتب غيره]، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند باب الكعبة مرتين،

" فذكر الحديث بنحو حديث ابن أبي الزناد.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 156/ 136)، وفي المسند (26)، والحاكم (1/ 193)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (134)، والدارقطني (1/ 257)، والبيهقي في السنن (1/ 364 و 367)، وفي المعرفة (1/ 397 - 398/ 512 و 513)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 178 - 179/ 271).

4 -

حاتم بن إسماعيل [المدني: صحيح الكتاب، ليس به بأس]، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

علقه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 128 - 129/ 354).

• وأما ما رواه عبيس بن مرحوم [ثقة؛ في حديثه شيء. الجرح والتعديل (7/ 34)، التاريخ الكبير (7/ 78)، الثقات (8/ 524)، معرفة الثقات (1198)]، عن حاتم بن

ص: 362

إسماعيل، عن ابن عجلان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

علقه ابن أبي حاتم في العلل (354).

فقال أبو زرعة: "وهم عبيس في هذا الحديث".

وقال أبو حاتم: "أخشى أن يكون وهم فيه عبيس".

وأعلاه بحديث الحفاظ، عن حاتم، المتقدم؛ ثم قالا:"هذا الصحيح"، وقال أبو حاتم مرة أخرى:"أخشى أن يكون هذا الحديث بهذا الإسناد موضوعًا"؛ يعني: حديث عبيس هذا.

5 -

مسلم بن خالد [الزنجي المكي: فقيه، صدوق، كثير الأوهام]، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم، عن نافع، عن ابن عباس به مرفوعًا.

أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة (1/ 350).

6 -

عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني [ضعيف]: ثنا عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن نافع بن جبير، عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند باب البيت مرتين

" فذكره بنحو حديث ابن أبي الزناد.

أخرجه تمام في الفوائد (329).

7 -

سليمان بن بلال [مدني، ثقة، إمام]، قال: ثنا عبد الرحمن بن الحارث، ومحمد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند البيت مرتين،

" فذكر الحديث بنحو حديث الثوري.

أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (31)، والدارقطني (1/ 257) مختصرًا. ومن طريقه: ابن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 105).

• خالف هؤلاء جميعًا فوهم في إسناده:

1 -

عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون [ثقة، فقيه، إمام، مصنف]، قال: ثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن نافع بن جبير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عند البيت مرتين" مرسل.

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (146).

وقال: "وكذا قالوا: عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الماجشون من الحديث: حكيم وابن عباس".

2 -

يحيى بن عبد الله بن سالم [صدوق]، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس به مرفوعًا.

أخرجه ابن وهب في الجامع (324)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 146 - 147)، وفي أحكام القرآن (279).

ص: 363

وهم يحيى فأسقط حكيمًا من الإسناد.

• وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: قال ابن معين: "ليس به بأس"، وقال مرة:"صالح"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان من أهل العلم"، وقال العجلي:"مدني ثقة"، وقال ابن سعد:"كان ثقة"، وصحح له الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وصنيع أبي حاتم والدارقطني في العلل يدل على تقويتهما له.

وقال النسائي: "ليس بالقوي"، وضعفه ابن المديني، وقال أحمد:"متروك"، لكن قال ابن نمير:"لا أقدم على ترك حديثه"[التاريخ الكبير (5/ 271)، الجرح والتعديل (5/ 224)، تاريخ ابن معين للدارمي (586)، الثقات (7/ 69)، معرفة الثقات (1030)، تاريخ الإسلام (9/ 203)، الميزان (2/ 554)، التهذيب (2/ 497)].

قلت: فمثله لا يحتج به، لكنه صالح في الشواهد والمتابعات وقد يحسن حديثه بالقرائن.

• وهو هنا لم ينفرد بهذا الحديث، بل قد توبع عليه، تابعه:

محمد بن عمرو بن علقمة الليثي [صدوق له أوهام] كما تقدم في الطريق السابقة من رواية سليمان بن بلال عنه مقرونًا بعبد الرحمن بن الحارث؛ كلاهما، عن حكيم بن حكيم، عن نافع، عن ابن عباس به.

وحكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف: قال ابن سعد: "كان قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه"، وقال ابن القطان الفاسي:"لا تعرف عدالته".

لكن قال الإمام أحمد: "ما أعلم إلا خيرًا"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"ثقة"، وصحح له الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، فهو: حسن الحديث؛ كما قال الذهبي في الكاشف، وقال ابن حجر في التقريب:"صدوق"[التاريخ الكبير (3/ 17)، الجرح والتعديل (3/ 202)، الثقات (6/ 214)، سؤالات أبي داود (225)، مشاهير علماء الأمصار (1015)، طبقات ابن سعد -القسم المتمم- ص (298)، معرفة الثقات (345)، تاريخ الإسلام (7/ 66)، بيان الوهم والإيهام (3/ 528/ 1317)، الميزان (1/ 584)، التهذيب (1/ 474)، الكاشف (1/ 347)، التقريب (161)].

• ولم ينفرد حكيم بهذا الحديث، بل توبع عليه، تابعه:

1 -

عتبة بن مسلم مولى بني تميم [ثقة]:

روى أحمد بن محمد بن أيوب قال: نا إبراهيم [بن سعد]، عن ابن إسحاق، عن عتبة بن مسلم -مولى بني تميم-، عن نافع بن جبير -وكان نافع كثير الرواية-، عن ابن عباس قال: لما فرضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فصلى به الصبح حين صلى الفجر [كذا ولعلها: حين طلع الفجر]

ثم ذكر الحديث.

هكذا رواه مختصرًا وجعل الصبح أول صلاة بدأ بها: ابن أبي خيثمة في التاريخ

ص: 364

الكبير (147)، ومن طريقه وقرنه بغيره: ابن عبد البر في التمهيد (3/ 367 - 368)، وانظر: البدر المنير (3/ 171).

ورواه ابن هشام في السيرة النبوية (2/ 84)، قال: قال ابن إسحاق: وحدثني عتبة بن مسلم -مولى بني تميم-، عن نافع بن جبير بن مطعم -وكان نافع كثير الرواية-، عن ابن عباس، قال: لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل عليه السلام فصلى به الظهر حين مالت الشمس، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب الشفق، ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر، ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول، ثم صلى به الصبح مسفرًا غير مشرق، ثم قال: يا محمد! الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس.

وهذا وإن كان ظاهره الانقطاع بين ابن هشام وابن إسحاق، إلا أنه متصل، فابن هشام يروي سيرة ابن إسحاق في هذا الكتاب، فأحيانًا يذكر الواسطة بينه وبين ابن إسحاق، وفي الغالب يحذفها اختصارًا، وإنما يحتاج لذكر ابن إسحاق بين الفينة والأخرى تمييزًا لكلامه من كلام ابن إسحاق؛ لأنه قام باختصار سيرة ابن إسحاق وأضاف إليها أشياء من عنده، وابن هشام يروي سيرة ابن إسحاق عن زياد بن عبد الله البكائي عنه [انظر: السيرة النبوية (1/ 106 و 239) و (2/ 313) و (3/ 26 و 135) و (4/ 57 و 122)].

وزياد بن عبد الله البكائي: وإن كان فيه لين؛ إلا أنه ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق، قال صالح بن محمد:"ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد، وزياد في نفسه ضعيف، ولكن هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب"، وقال عبد الله بن إدريس:"ما أحد أثبت في ابن إسحاق من زياد البكائي؛ لأنه أملى عليه إملاء مرتين"[انظر: الميزان (2/ 91)، إكمال مغلطاي (5/ 114)، التهذيب (1/ 650)].

وعلى هذا فالحديث صحيح ثابت عن ابن إسحاق، ولا يضر أحمد بن محمد بن أيوب ما قيل فيه من عدم سماعه من إبراهيم بن سعد، فإن سماعه منه ثابت، وليس هذا موضع تفصيل ذلك [انظر: تاريخ بغداد (4/ 393)، تاريخ الإسلام (16/ 52)، الميزان (1/ 133)، التهذيب (1/ 42)، التقريب (53)، وقال:"صدوق كانت فيه غفلة، لم يدفع بحجة، قاله أحمد"].

ورواية ابن هشام أولى من رواية ابن أيوب، مع إمكان الجمع بينهما.

وحديث ابن إسحاق هذا حديث حسن، وهي متابعة جيدة لحديث حكيم بن حكيم، إلا أنه لم يشتمل على هذه الزيادة التي أنكرها ابن عبد البر:"هذا وقت الأنبياء من قبلك".

ص: 365

• تنبيه:

قوله: "وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس"، يحتمل أن يكون هكذا، جملة واحدة، بتقييد كثرة الرواية بابن عباس، ويحتمل أن يكون إخبارًا عن نافع بكثرة روايته مطلقًا، ثم عاد مرة أخرى إلى الإسناد فقال: عن ابن عباس، فعلى الأول: يكون مرسلًا، وعلى الثاني: فهو متصل مثل حديث الجماعة، وهو أقرب إلى الصواب، لموافقته لرواية الجماعة من جهة، ومن جهة أخرى: فما لنافع عن ابن عباس في الكتب الستة سوى ستة أحاديث فقط [راجع: تحفة الأشراف (5/ 258 - 260/ 6517 - 6522)]، وعدد أحاديثه عنه في المعجم الكبير: سبعة أحاديث فقط بعد حذف المكرر [المعجم الكبير (10/ 306 - 310/ 10742 - 10755)] فأين كثرة روايته عنه؟!

فدل ذلك على أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الصواب، والله أعلم.

2 -

عبيد الله بن مقسم [تابعي، ثقة مشهور]:

رواه محمد بن عمر الواقدي [متروك]: ثنا إسحاق بن حازم [ثقة]، عن عبيد الله بن مقسم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام بمكة مرتين، فجاءني في أول مرة

" الحديث.

أخرجه الدارقطني (1/ 258 - 259).

وإسناده واهٍ، لأجل الواقدي.

3 -

عمر بن نافع بن جبير بن مطعم [لم أر من ترجم له]:

رواه عنه عبد الله بن عمر العمري، واختلف عليه:

أ- فرواه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 531 - 532/ 2029)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (10/ 310/ 10755).

عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: أتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس، فقال له: قم فصل، فصلى الظهر

، فذكر الحديث بنحوه إلى أن قال في آخره:"ثم قال له: هذه صلاة النبيين قبلك فالزم".

ب- وخالفه: إسماعيل بن عياش، فرواه عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن زياد بن أبي زياد مولى عياش بن أبي ربيعة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عند باب الكعبة

" الحديث.

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (145)، والدارقطني (1/ 258).

ورواية عبد الرزاق أولى بالصواب فإن إسماعيل بن عياش: روايته عن أهل الحجاز غير مستقيمة، وهذه منها؛ فإن عبد الله بن عمر العمري: مدني.

إلا أن إسناد عبد الرزاق: ضعيف؛ فإن عبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي، وعمر بن نافع بن جبير بن مطعم: لم أر من ترجم له.

ص: 366

قال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 362): "تكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، وهو -والله- كلهم معروفوا النسب مشهورون بالعلم [وفي الإمام (4/ 33): ورواته كلهم ثقات معروف مشهور بالعلم]، وقد خرجه أبو داود وغيره، وذكر عبد الرزاق، عن الثوري، وابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده، مثل رواية وكيع وأبي نعيم. وذكره عبد الرزاق أيضًا: عن العمري، عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس مثله".

قال ابن دقيق العيد في الإمام معقبًا على ابن عبد البر (4/ 33): "وكأنه اكتفى بالشهرة في حمل العلم مع عدم الجرحة الثابتة، وهو مقتضى رأيه، وذكر أيضًا ما يقتضي تأكيد الرواية بمتابعة ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن الحارث، وكذلك ذكر أيضًا متابعة العمري، عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، وهذه متابعة حسنة، وقال الترمذي: حديث ابن عباس: حديث حسن".

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 205): "حديث ابن عباس: اجتنبه قديمًا الناس، وما حقه أن يجتنب، فإن طريقه صحيح، وليس ترك الجعفي والقشيري له [يعني: البخاري ومسلمًا] دليلًا على عدم صحته؛ لأنهما لم يخرجا كل صحيح

، [ثم استطرد إلى أن قال:] ورواة حديث ابن عباس هذا كلهم ثقات مشاهير، لا سيما وأصل الحديث صحيح، في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: حديث ابن عباس: حديث صحيح، قال الترمذي:"حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والحاكم، وقال البغوي:"هذا حديث حسن"، وصححه أيضًا: ابن عبد البر وابن العربي، وقال ابن المنذر:"ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[الأوسط (2/ 334 و 338 و 430)].

لم ينفرد به سفيان الثوري -وإن كان لا يضره تفرده-، عن عبد الرحمن بن الحارث، بل تابعه جماعة منهم: سليمان بن بلال، وابن أبي الزناد، والدراوردي، ومغيرة بن عبد الرحمن، وحاتم بن إسماعيل، وغيرهم.

ولم ينفرد به عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم بن حكيم، بل تابعه: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي.

ولم ينفرد به حكيم بن حكيم، عن نافع، بل تابعه: عتبة بن مسلم، وعمر بن نافع.

ونافع بن جبير بن مطعم: تابعي كبير، ثقة فاضل، سمع العباس بن عبد المطلب، وغيره من الصحابة، وروايته عن ابن عباس في الصحيحين [انظر: تحفة الأشراف (5/ 258) وما بعدها].

• تنبيهان:

الأول: لفظة "عند باب البيت" بزيادة "باب" لا تثبت في هذا الحديث، والمحفوظ:"عند البيت".

ص: 367

الثاني: قال ابن عبد البر: "لا يوجد هذا في اللفظ: "ووقت الأنبياء قبلك" إلا في هذا الإسناد، والله أعلم"، قاله بعد أن ساق الحديث من طريق أبي نعيم، عن الثوري، والحق أنها موجودة في حديث ابن عباس في معظم طرقه المذكورة قبلُ، لكن يمكن أن يقال: إنما رويت هذه اللفظة من حديث ابن عباس دون غيره من الأحاديث في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وانظر: صحيح ابن حبان (14/ 115).

وهذا باستثناء طريق ابن إسحاق فليست فيه هذه الزيادة، والتي وردت من طريق حكيم بن حكيم، وعمر بن نافع؛ وعتبة بن مسلم أثبت منهما، ففي ثبوتها إذن نظر، والله أعلم.

الغريب: الشراك -بكسر الشين المعجمة- هو أحد سيور النعل التي يكون على وجهها. [النهاية (2/ 468)].

وهو الوقت الذي لا يجوز لأحد أن يتقدمه في صلاة الظهر؛ يعني: فوق ظل الزوال، وقدره بالشراك لدقته، وهو أقل ما يتبين به زيادة الظل، حتى يعرف منه ميل الشمس عن وسط السماء [النهاية (4/ 131)، المصباح المنير (311)، لسان العرب (3/ 373)، تاج العروس (9/ 79)].

***

394 -

. . . أسامة بن زيد الليثي: أن ابن شهاب أخبره: أن عمر بن عبد العزيز، كان قاعدًا على المنبر، فأخر العصر شيئًا، فقال له عروة بن الزبير: أما إن جبريل عليه السلام قد أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة، فقال له عمر: اعلم ما تقول؟ فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه" يحسب بأصابعه: خمس صلوات.

فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس، وربما أخرها حين يشتد الحر، ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء، قبل أن تدخلها الصفرة، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حتى يجتمع الناس، وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يسفر.

• شاذ بذكر تفصيل المواقيت، أدرجها فيه أسامة بن زيد، وأصله: متفق عليه بدونها.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 181/ 352)، وابن حبان (4/ 298 و 362/ 1449 و 1494)، والحاكم (1/ 192 - 193)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 41/ 1987)، وابن

ص: 368

المنذر في الأوسط (2/ 342/ 970)، والطحاوي (1/ 154 و 176 و 188 و 191) مفرقًا، والطبراني في الكبير (17/ 258/ 716)، وفي الأوسط (8/ 299 - 300/ 8694)، والدارقطني (1/ 250 و 251 و 252)، والبيهقي في السنن (1/ 364 و 435 و 441)، وفي المعرفة (1/ 396 - 397/ 511)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 357)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 628 و 630)، وابن الجوزي في التحقيق (334).

وقد أعل أبو داود رواية أسامة بن زيد الليثي هذه، فقال بعد الحديث:

***

قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزهري:

معمر، ومالك، وابن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سعد، وغيرهم: لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه، ولم يفسروه.

ووافقه على ذلك جماعة من الأئمة، مثل:

1 -

ابن خزيمة: حيث قال في صحيحه بعد حديث إسامة هذا: "هذه الزيادة لم يقلها أحد غير أسامة بن زيد في هذا الخبر كله".

2 -

الطبراني: قال في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن أسامة بن زيد إلا يزيد بن أبي حبيب، تفرد به الليث، ولم يحد أحد ممن روى هذا الحديث عن الزهري المواقيت؛ إلا أسامة بن زيد".

قلت: لم ينفرد به يزيد بن أبي حبيب عن أسامة، فقد تابعه عليه عنه: ابن وهب، ومن طريقه: أخرجه أبو داود وغيره.

3 -

الدارقطني؛ حيث قال في العلل (6/ 185)(1057): "كذلك رواه أصحاب الزهري عنه [يعني: مختصرًا] منهم: مالك، وابن عيينة، ويونس، وعقيل، وشعيب.

ورواه أسامة بن زيد، عن الزهري، وذكر في مواقيت الصلوات الخمس، وأدرجه في حديث أبي مسعود.

وخالفه يونس وابن أخي الزهري:

فروياه عن الزهري، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر مواقيت الصلاة، بغير إسناد فوق الزهري.

وحديثهما: أولى بالصواب؛ لأنهما فصلا ما بين حديث أبي مسعود وغيره".

4 -

الخطيب البغدادي؛ حيث قال في المدرج (2/ 630): "وقد وهم أسامة بن زيد إذ ساق جميع هذا الحديث بهذا الإسناد؛ لأن قصة المواقيت ليست من حديث أبي مسعود، وإنما كان الزهري يقول فيها: وبلغنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر حين تزول الشمس

إلى آخر الحديث، بيَّن ذلك: يونس بن يزيد في روايته عن ابن شهاب، وفصَّل حديث أبي مسعود المسند من حديث المواقيت المرسل، وأورد كل واحد منهما

ص: 369

مفردًا، وقد روى عن ابن شهاب حديث أبي مسعود: مالك بن أنس، وعقيل بن خالد، وعبد الملك بن جريج، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي؛ فلم يذكر أحد منهم قصة المواقيت، وفي ذلك دليل على أنه ليس من حديث أبي مسعود بسبيل، والله أعلم" [وقد صححت بعض تصحيفات المطبوع من فتح الباري لابن رجب (3/ 10)].

قلت: وما قالوه هو الصواب، وهو ظاهر جلي، ومع هذا فقد صحح حديث أسامة هذا بشواهده ومتابعاته: ابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن حجر في الفتح (2/ 6)، وقال الخطابي:"هو صحيح الإسناد"[الفتح لابن رجب (3/ 10)]، وقال النووي في المجموع (3/ 52):"رواه أبو داود بإسناد حسن، قال الخطابي: هو صحيح الإسناد"، وقال المنذري في مختصره (370):"وهذه الزيادة في قصة الإسفار؛ رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة".

قلت: نعم؛ لو كان ثقة حافظًا يعتمد على حفظه، ولم يخالف جبال الحفظ والإتقان، وأثبت الناس في الزهري، وأحفظهم لحديثه، وأطولهم له ملازمة، مع كمال الضبط، مثل: مالك، وابن عيينة، ومعمر، ويونس، وعقيل، وشعيب، والليث.

فأين أسامة بن زيد الليثي من هؤلاء! والذي لو خالف واحدًا منهم لحكم على روايته بالشذوذ، فكيف وقد اجتمعوا؟! وأين هو من أصحاب الزهري؟

وأسامة بن زيد الليثي هذا قد اختلفت فيه أقوال أئمة الجرح والتعديل، فمنهم من وثقه مطلقًا: مثل علي بن المديني، ومنهم من ضعفه مطلقًا: مثل أبي حاتم، قال:"يكتب حديثه، ولا يحتج به"، فأنزله عن مرتبة الاحتجاج لو تفرد، ومنهم من اختلفت أقواله فيه: مثل أحمد، وابن معين، والنسائي، ومنهم من توسط فيه: مثل ابن حبان، وابن عدي، وهو أعدل الأقوال جمعًا بين الفريقين، فهو صدوق يهم، كما قال ابن حجر في التقريب، ومما يبين مرتبته وأنه لا يرتقي إلى مرتبة عموم الثقات، فضلًا عن أن يصل إلى مرتبة أئمة الضبط والإتقان -كمالك بن أنس-: قول الإمام أحمد لما سئل عن حاتم بن أبي صغيرة؟ فقال: "ثقة"، ثم سئل عن أسامة بن زيد الليثي؟ فقال:"هو دونه، وحرك يده"[العلل ومعرفة الرجال (2/ 36/ 1473)، وانظر: التهذيب (1/ 108)، الميزان (1/ 174)، إكمال مغلطاي (2/ 57)، موسوعة أقوال الإمام أحمد (1/ 77)، الجامع في الجرح والتعديل (1/ 58)، التذليل على التهذيب (35)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (4/ 1877)].

فكيف يعد من الثقات الذين تقبل زياداتهم، فضلًا عن تقديمه على أقرانه عند المخالفة.

• وهذا الحديث قد رواه عن ابن شهاب الزهري: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، وعبد الملك بن جريج، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وقرة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وابن أبي ذئب.

ص: 370

وهم اثنا عشر رجلًا، ونسوق ألفاظهم:

1 -

مالك بن أنس، عن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز، أخَّر الصلاة يومًا، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة آخر الصلاة يومًا، وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"بهذا أمرت"؟

فقال عمر بن عبد العزيز: اعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه.

هكذا روى هذا الحديث: مالك في موطئه (1/ 33/ 1)، وهو أول حديث في الموطأ:

ومن طريقه أخرجه: البخاري (521)، ومسلم (610/ 167)، وأبو عوانة (1/ 285/ 997)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 207/ 1360)، والدارمي (1/ 284/ 1185)، وابن حبان (4/ 299/ 1450)، وأحمد (5/ 274)، والسراج في مسنده (958)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1321)، والطبراني في الكبير (17/ 258/ 713)، والجوهري في مسند الموطأ (160)، والبيهقي في السنن (1/ 363 و 441)، وفي المعرفة (1/ 395 و 369/ 509 و 510)، والخطيب في الكفاية (396)، وفي المدرج (2/ 631).

قال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 354): "وظاهر مساقه في رواية مالك يدل على الانقطاع

"، ثم قال: "وهذا الحديث متصل عند أهل العلم، مسند صحيح

".

وفيه نكتة لطيفة، وهي أن بعض الحفاظ قد يختصر لفظ الأداء الدال على السماع بـ "أن"، والتي ظاهرها الانقطاع؛ إذا كانت القرينة دالة على السماع، ولا يلتبس مثله على السامع.

2 -

الليث بن سعد، عن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز آخر العصر شيئًا، فقال له عروة: أما إن جبريل قد نزل، فصلى إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة؟ فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل فأمني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه"، يحسب بأصابعه خمس صلوات.

أخرجه البخاري (3221)، ومسلم (610/ 166)، وأبو عوانة (1/ 286/ 1000)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 1359/206)، والنسائي (1/ 245 - 246/ 494)، وابن ماجه (668)، وابن حبان (4/ 296/ 1448)، والسراج في مسنده (955)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1318)، والطبراني في الكبير (17/ 259/ 715)، وابن عبد البر (3/ 355)، والخطيب في المدرج (2/ 633).

ص: 371

3 -

شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته، وكان يؤخِّر الصلاة في ذلك الزمان، فقال له عروة: أخَّر المغيرة بن شعبة صلاة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري -وهو جد زيد بن الحسن أبو أمه، وكان ممن شهد بدرًا- فقال: ما هذا يا مغيرة؟

أما والله لقد نزل جبريل فصلى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، خمس صلوات، ثم قال "هكذا أمرت".

ففزع عمر حين حدثه عروة بن الزبير بذلك، وقال: اعلم ما تحدث يا عروة، إن جبريل هو أقام لهم وقت الصلاة.

قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه.

قال عروة: ولقد حدثتني عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، قبل أن تظهر الشمس.

قال: فلم يزل عمر بن عبد العزيز من ذلك اليوم يتعلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا.

أخرجه البخاري في الصحيح (4007) مختصرًا، وفي التاريخ الأوسط (1/ 220/ 391)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 3117/209)، والبيهقى (1/ 441)، والخطيب في المدرج (2/ 634) واللفظ له.

4 -

سفيان بن عيينة، قال: حدثنا الزهري، قال: آخر عمر بن عبد العزيز يومًا الصلاة، فقال له عروة بن الزبير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نزل جبريل فأمَّني، فصليت معه، ثم نزل فأمَّني فصليت معه، ثم نزل فأمَّني فصليت معه" حتى عد الصلوات الخمس، فقال له عمر بن عبد العزيز: اتق الله يا عروة، وانظر ما تقول! قال عروة: أخبرنيه بشير بن أبي مسعود، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 155 - 156/ 135)، وفي المسند (26)، والحميدي (451)، وابن أبي شيبة (1/ 3227/282)، وابن نصر في كتاب الوتر (270 - مختصره)، وأبو عوانة (1/ 998/285)، والسراج في مسنده (960)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1323)، والطبراني في الكبير (17/ 258/ 714)، والبيهقي في السنن (1/ 363)، وفي المعرفة (1/ 395/ 508)، وابن عبد البر (3/ 356)، والخطيب في المدرج (2/ 633 - 634)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 388).

5 -

معمر بن راشد، عن الزهري، قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخَّر صلاة العصر مرة، فقال له عروة بن الزبير: حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري: أن المغيرة بن شعبة أخَّر الصلاة مرة -يعني: العصر- فقال له أبو مسعود: أما والله يا مغيرة لقد علمت: أن جبريل عليه السلام نزل فصلى، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى الناس معه، ثم نزل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى الناس معه، حتى عد خمس صلوات، فقال له عمر: انظر ما تقول يا

ص: 372

عروة! أو إن جبريل هو سن وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك حدثني بشير بن أبي مسعود، قال: فما زال عمر يتعلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا.

أخرجه عبد الرزاق عن معمر (1/ 540 - 541/ 2044)، ومن طريقه: أبو عوانة (1/ 286/ 1001)، وأحمد (4/ 120)، والسراج في مسنده (956)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1319)، والطبراني في الكبير (17/ 257/ 711)، وابن عبد البر (3/ 355)، والخطيب في المدرج (2/ 635).

6 -

ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب: أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل عروة بن الزبير، قال عروة: مسَّى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر، وهو على الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة

فذكر الحديث بنحوه، وذكر في آخره ثبت عروة.

أخرجه أبو عوانة (1/ 286/ 1002)، وعبد الرزاق (1/ 541/ 2045)، والطبراني في الكبير (17/ 257/ 712)، وابن عبد البر (3/ 355 - 356)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 632).

7 -

عقيل بن خالد، عن ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير وهو عند عمر بن عبد العزيز -في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة-، قال: أمسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر -وهو أمير الكوفة يومئذ-، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: يا مغيرة

، فذكر الحديث بنحوه، وذكر في آخره ثبت عروة.

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 260/ 717)، والخطيب في المدرج (2/ 631 - 632).

8 -

يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، قال: حدثني عروة بن الزبير، وسمعته يحدث عمر بن عبد العزيز -في إمارته على المدينة، وكان عمر يؤخر الصلوات في ذلك الزمان-، فقال عروة لعمر: أخَّر المغيرة بن شعبة صلاة الظهر [كذا، وهي وهم، والمحفوظ كما في حديث غيره من الحفاظ: صلاة العصر، ولعل الوهم فيها من نعيم بن حماد -صدوق يخطئ كثيرًا- رواي الحديث، عن ابن المبارك، عن يونس، والحديث ثابت عن يونس عن ابن شهاب، كما يدل عليه كلام الدارقطني في العلل (6/ 185)] وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري -وهو جد زيد بن حسن، وكان ممن شهد بدرًا-، فقال: ما هذا يا مغيرة

فذكر الحديث بنحوه، وفي آخره ذكر ثبت عروة.

أخرجه من طريق نعيم بن حماد به هكذا: الخطيب في المدرج (2/ 636).

ورواه الطبراني في الكبير (17/ 260/ 717)، قال: حدثنا أحمد بن رشدين المصري: ثنا يوسف بن عدي: ثنا رشدين بن سعد، عن قرة بن عبد الرحمن، وعقيل، ويونس، عن ابن شهاب به مختصرًا، وقال:"وأمسى بصلاة العصر".

وإسناده ضعيف؛ لضعف رشدين بن سعد، وحفيده شيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن

ص: 373

الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)].

وهو ثابت من حديث يونس، رواه عنه ابن وهب:

أخرجه السراج في مسنده (959)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1322).

بإسناد صحيح إلى ابن وهب به.

9 -

قرة بن عبد الرحمن بن حيويل [ليس بقوي، له مناكير]، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أخبره عن بشير بن أبي مسعود، عن أبيه أبي مسعود: أنه قال للمغيرة بن شعبة وأمسى بصلاة العصر: أما والله لقد علمت يا مغيرة: أن جبريل عليه السلام نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"هكذا أمرت".

أخرجه الطبراني (717).

بالإسناد المتقدم ذكره مقرونًا فيه قرة بعقيل، ويونس، وهو إسناد ضعيف.

10 -

عبد الرحمن بن نمر اليحصبي [صدوق، من أصحاب الزهري]، قال: سألت الزهري عن وقت العصر؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير: أنه قال لعمر بن عبد العزيز -في إمرته على المدينة، ومسى بصلاة العصر-، فقال عروة: مسى المغيرة بن شعبة يومًا بصلاة العصر وهو أمير على الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال:

فذكر الحديث بنحوه، وفي آخره ذكر ثبت عروة.

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 117/ 2879).

11 -

عبيد الله بن أبي زياد الرصافي [صدوق، قال الذهلي: "أخرج إلي جزءًا من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحًا"، التهذيب (3/ 10)][لم يرو عنه سوى ابن ابنه: الحجاج بن أبي منيع: وهو ثقة]، عن الزهري قال: سمعت عروة بن الزبير وهو يحدث عمر بن عبد العزيز -في إمارته على المدينة، وكان عمر يؤخر الصلاة ذلك الزمان-، فقال له عروة: أخَّر المغيرة بن شعبة يومًا صلاة العصر وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري -وهو جد زيد بن حسن أبو أمه، وكان شهد بدرًا، فقال: ما هذا يا مغيرة

فذكر الحديث بنحوه، وفي آخره ذكر ثبت عروة، وقوله: فلم يزل عمر من ذلك اليوم يتعلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا.

أخرجه الخطيب في المدرج (2/ 635 - 636).

12 -

محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب [ثقة، وفي روايته عن الزهري خاصة شيء. التهذيب (3/ 628)، شرح علل الترمذي (2/ 671)] في موطئه، عن ابن شهاب: أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز، عن ابن أبي مسعود الأنصاري: أن المغيرة بن شعبة أخَّر الصلاة، فدخل عليه أبو مسعود، فقال: ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصلى وصلى وصلى وصلى وصلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم صلى، ثم قال:"هكذا أمرت".

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (3/ 356 - 357).

ص: 374

وهذه رواية شاذة عن الزهري في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين في يومين، والحفاظ يروونه عن الزهري مرة واحدة فقط بخمس صلوات.

• والخلاصة: أن رواية أسامة بن زيد الليثي: شاذة بذكر تفصيل المواقيت؛ حيث روى حديث أبي مسعود هذا عن الزهري جمع من ثقات أصحابه الحفاظ بدون هذه الزيادة؛ وهذا وجه من الشذوذ.

• ووجه آخر: وهو أن أسامة بن زيد قد خالف في سياق هذا الحديث بهذا الإسناد: يونس بن يزيد الأيلي وابن أخي الزهري؛ فأدرج حديث المواقيت المرسل، في حديث أبي مسعود المسند:

فقد أخرج الخطيب في المدرج (2/ 637) بإسنادين صحيحين إلى يونس بن يزيد، قال: قال ابن شهاب [وفي الرواية الأخرى: عن ابن شهاب قال]: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر حين تميل الشمس بعد نصف النهار، فإذا أبرد عنها في شدة الحر صلاها حين يكون فيء [ظل] كل شيء مثله. وصلى [أول] صلاة العصر حين يكون فيء [ظل] كل شيء مثله، إلى أن يكون فيء [ظل كل شيء] مثليه، ويصلي [صلاة] المغرب حين يرى [أول] الليل، ويحل فطر الصائم، ويصلي [صلاة] العشاء حين يغيب غسق [شفق] الليل، إلى ثلث الليل الأول، ويصلي صلاة الفجر فيما بين أن يبين [يتبين] أول الفجر إلى أن يسفر، والإسفار آخر وقتها، وكان لا يكاد يصليها كل يوم إلا بغلس.

وذكر الدارقطني في العلل (6/ 186) أن ابن أخي الزهري تابع يونس بن يزيد على ذلك، ثم قال:"وحديثهما أولى بالصواب؛ لأنهما فصلا ما بين حديث أبي مسعود وغيره"، وكان قال قبل ذلك بأن أسامة بن زيد رواه "عن الزهري وذكر فيه مواقيت الصلوات الخمس، وأدرجه في حديث أبي مسعود".

وقال الخطيب في المدرج (2/ 630): "وقد وهم أسامة بن زيد إذ ساق جميع هذا الحديث بهذا الإسناد؛ لأن قصة المواقيت ليست من حديث أبي مسعود، وإنما كان الزهري يقول فيها: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر حين تزول الشمس

إلى آخر الحديث. بيَّن ذلك يونس بن يزيد في روايته عن ابن شهاب، وفصَّل حديث أبي مسعود المسند من حديث المواقيت المرسل، وأورد كل واحد منهما مفردًا".

• ووجه ثالث من الشذوذ: وهو إعراض البخاري ومسلم عن زيادة أسامة بن زيد، مع حاجتهما إليها في بابها، مما يدل على تضعيفهما لروايته، والله أعلم.

ثم رأيت أبا العباس السراج قد أخرج حديث الجماعة في مسنده (563 و 955 - 960 و 1110)، وهو في حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (2/ 318 - 320/ 1318 - 1323)، من طريق الليث بن سعد، ومعمر، وابن أخي الزهري، ومالك، ويونس، وسفيان:

ستتهم عن الزهري به كما تقدم، فزاد بذلك عدد من روى الحديث عن الزهري خلافًا لرواية أسامة بن زيد الليثي، فأصبح عددهم ثلاثة عشر رجلًا (13) زاد ابن أخي الزهري.

***

ص: 375

قال أبو داود: وكذلك أيضًا: روى هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة، نحو رواية معمر وأصحابه؛ إلا أن حبيبًا لم يذكر بشيرًا.

• أما رواية حبيب:

فيرويها ابن عبد البر في التمهيد (3/ 359)، من طريق الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر، قال: حدثني حبيب بن أبي مرزوق، عن عروة بن الزبير، قال: حدثني أبو مسعود: أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتمها خمسًا.

فقال له عمر بن عبد العزيز: انظر يا عروة ما تقول! إن جبريل هو الذي وقَّت مواقيت الصلاة. قال: كذلك حدثني أبو مسعود، فبحث عمر عن ذلك حتى وجد ثبته، فما زال عمر عنده علامات الساعات ينظر فيها حتى قُبض رحمه الله.

قال أبو عمر بن عبد البر: "قد أحسن حبيب بن أبي مرزوق في سياق هذا الحديث على ما ساق أصحاب ابن شهاب في الخمس صلوات لوقت واحد مرة واحدة، إلا أنه قال فيه عن عروة: حدثني أبو مسعود، والحفاظ يقولون: عن عروة، عن بشير بن أبي مسعود، عن أبيه

".

قلت: إسناده إلى عروة بن الزبير: حسن، إسناده رقِّي، وجعفر هو: ابن برقان الرقي.

وإسقاط بشير بن أبي مسعود من هذا الإسناد: وهم من حبيب بن أبي مرزوق أو ممن دونه؛ والمحفوظ إثباته كما في رواية ابن شهاب الزهري.

ورواية حبيب هذه تؤكد وهم أسامة بن زيد في روايته.

• وأما رواية هشام بن عروة:

فيرويها فليح بن سليمان [ليس به بأس، روى عن أهل المدينة أحاديث مستقيمة وغرائب، كثير الوهم حتى أطلق عليه الضعف جماعة من الأئمة. التهذيب (3/ 404)، الميزان (3/ 365)]، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أخَّر عمر بن عبد العزيز الصلاة يومًا فدخلت عليه، فقلت: إن المغيرة بن شعبة آخر الصلاة يومًا فدخل عليه أبو مسعود، فقال للمغيرة: ألست قد علمت أن جبريل نزل فصلى، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"بهذا أمرت".

قال عروة: فقال لي عمر بن عبد العزيز: يا عروة انظر ما تحدث! فإن جبريل الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة. قال: كذلك سمعت بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه ....

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (154)، ومن طريقه: ابن عبد البر (3/ 358).

وقال الدارقطني في العلل (6/ 186): "وتابعه عبد الرحمن العمري عن هشام".

ص: 376

قلت: عبد الرحمن العمري هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري: متروك [التقريب (369)].

وخالفهما: أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، وحماد بن سلمة [ثقة]، وأبو حمزة [هو: السكري، محمد بن ميمون المروزي: ثقة فاضل]:

فرووه عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن المغيرة بن شعبة كان يؤخر الصلاة، فقال له رجل من الأنصار: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال لي جبريل: صلِّ صلاة كذا في ساعة كذا، حتى عد الصلوات"، فقال: بلى، قال: فأشهد أنا كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم والشمس بيضاء نقية، ثم نأتي بني عمرو بن عوف، وإنها لمرتفعة، وهي على رأس ثلثي فرسخ من المدينة. لفظ حماد بن سلمة.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 288/ 3304)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 241/ 112 - زوائده)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (153)، وابن عبد البر (3/ 258).

• قلت: هذا مرسل، وهو أولى بالصواب، من رواية فليح بن سليمان.

• ولحديث عروة هذا طريق أخرى يرويها:

أيوب بن عتبة: ثنا أبو بكر بن عمرو بن حزم: أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز -وهو يومئذ أمير المدينة في زمان الحجاج والوليد بن عبد الملك، فكان ذلك في زمان يؤخرون فيه الصلاة-، فحدث عروة عمر قال: حدثني أبو مسعود الأنصاري -أو: بشير بن أبي مسعود كلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم[كذا في رواية أحمد بن يونس، وفي رواية عبد الله بن عبد الحكم بواو العطف، وفي رواية سعدويه؛ سعيد بن سليمان: "عن ابن أبي مسعود عن أبيه -إن شاء الله-"]: أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس فقال: يا محمد صل الظهر، فقام فصلى، ثم أتاه جبريل عليه السلام حين كان ظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد صل العصر، فقام فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس، فقال له: يا محمد صل المغرب، فصلى، ثم أتاه حين غاب الشفق الأحمر، فقال: يا محمد قم فصل العشاء، فقام فصلى، ثم أتاه حين انشق الفجر، فقال: يا محمد صل الصبح، فقام فصلى.

ثم أتاه الغد، وظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد قم فصل الظهر، فقام فصلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه، فقال: يا محمد صل العصر، فقام فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس، وقت واحد، فقال: يا محمد صل المغرب، فصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل، فقال: يا محمد قم فصل، ثم أتاه حين أسفر، فقال: يا محمد صل الصبح، فقام فصلى، ثم قال: ما بين هذين وقتين.

أخرجه أبو بكر الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (60)، والطبراني في الكبير (17/ 260/ 718)، والدارقطني (1/ 261)، والبيهقي في المعرفة (1/ 401/ 519)، وابن عبد البر (3/ 359).

ص: 377

قال البيهقي: "ورواه أيوب بن عتبة: وليس بالقوي".

قلت: قد اختلف فيه على أبي بكر بن عمرو بن حزم:

1 -

فرواه أيوب بن عتبة [اليمامي، ما حدث باليمامة فهو صحيح، وما حدث بالعراق فهو ضعيف، وهذا الحديث رواه عنه أهل العراق ومصر، فإن أحمد بن يونس: كوفي، وسعيد بن سليمان: واسطي نزل ببغداد، وعبد الله بن عبد الحكم: مصري، فهو إذن من ضعيف حديثه. والله أعلم]: حدثنا أبو بكر بن عمرو بن حزم، عن عروة، عن ابن أبي مسعود، عن أبيه به.

2 -

ورواه أيوب بن سليمان بن بلال [مدني، ثقة، له عن أبي بكر بن أبي أويس نسخة، وروى عنه البخاري بهذا الإسناد إلى صالح بن كيسان أربعة أحاديث متابعة (533 و 534 و 569 و 7329)،، قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس [ثقة]: حدثني سليمان بن بلال، قال: قال صالح بن كيسان: سمعت أبا بكر بن حزم بلغه: أن أبا مسعود قال: نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة فأمره، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء بقدره مرة، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العتمة -وهي العشاء- حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح حين طلع الفجر.

ثم جاءه من الغد، فأخَّر الظهر إلى قدر ظله، وأخر العصر إلى قدر ظله مرتين، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم أعتم بالعشاء، ثم أصبح بالصبح، ثم قال: ما بين هذين صلاة.

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 365)، وفي المعرفة (1/ 400 - 401/ 518).

من طريق البخاري عن أيوب به.

وهذا إسناد مدني متصل صحيح إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني القاضي، لكنه منقطع بينه وبين أبي مسعود.

3 -

ثم رواه أيوب بن سليمان أيضًا، قال: حدثني أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال: أخبرني يحيى بن سعيد [وبهذا الإسناد أخرج البخاري حديثًا واحدًا متابعة (1029)]، عن أبي بكر بن حزم، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس ومالت، فقال: قم فصل الظهر أربعًا، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثله، فقال: قم فصل العصر أربعًا

فذكر نحو حديث أيوب بن عتبة إلا أنه ذكر عدد الركعات لكل صلاة في اليومين وختمه بقوله: "يا رسول الله ما بين هذين صلاة" يريد الوقت.

أخرجه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (58).

قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرملي: ثنا أيوب به.

وإسحاق الرملي هذا: ثقة، والإسناد ممن فوقه إلى يحيى بن سعيد الأنصاري: إسناد مدني متصل صحيح؛ لكنه منقطع بين أبي بكر بن حزم وأبي مسعود.

ص: 378

• تابع أبا بكر بن أبي أويس على هذا الوجه:

1 -

أخوه إسماعيل بن أبي أويس [صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه. التقريب (80)]، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد، عن أبي مسعود، قال: أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، فذكر مثل حديث أخيه أبي بكر هذا؛ بذكر عدد ركعات الفرائض.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 42/ 1988)، والطبراني في الكبير (17/ 263/ 724)، والبيهقي في السنن (1/ 361 - 362)، وفي المعرفة (1/ 400/ 517).

قال البيهقي: "أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري، وإنما هو بلاغ بلغه".

قلت: صح ذلك من طريق صالح بن كيسان، قال: سمعت أبا بكر بن حزم بلغه: أن أبا مسعود قال:

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 176): "أنه منقطع؛ لأن أبا بكر هذا لم يولد إلا بعد موت أبي مسعود".

وانظر: تحفة التحصيل (358).

2 -

بشر بن عمر الزهراني [بصري، ثقة]، قال: ثنا سليمان بن بلال: ثنا يحيى بن سعيد: حدثني أبو بكر بن عمرو بن حزم، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء جبريل عليه الصلاة والسلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فصلِّ، وذلك لدلوك الشمس حين مالت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعًا

الحديث بطوله بذكر عدد الركعات.

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده [المطالب العالية (1/ 263/139)].

• وتابع سليمان بن بلال على هذا الوجه:

محمد بن جعفر بن أبي كثير [مدني؛ ثقة]، قال: حدثني يحيى بن سعيد، قال: ثني أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبرائيل عليه السلام لدلوك الشمس حين مالت فصلى بي الظهر".

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 137).

• وقد اختلف على يحيى بن سعيد الأنصاري:

أ- فرواه سليمان بن بلال، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير [ثقتان مدنيان]، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبي مسعود الأنصاري به.

وهذا إسناد مدني، رجاله ثقات، منقطع فيما بين أبي بكر وأبي مسعود.

ب- ورواه زفر بن الهذيل العنبري [ثقة، وهو كوفي، انتقل إلى البصرة ومات بها. السير (8/ 38)، اللسان (3/ 501)]، عن يحيى ين سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس عن رأسه، قال: قم فصلِّ فقام فصلى الظهر أربعًا

، فذكر الحديث بنحوه مع ذكر عدد الركعات.

ص: 379

أخرجه الدارقطني في العلل (6/ 187).

ويمكن اعتبار زفر متابعًا لابن بلال، وابن أبي كثير؛ إلا أنه أبهم الصحابي وجعله جماعة، ومثل هذا لا يضر.

ج- ورواه سفيان الثوري [أمير المؤمنين في الحديث، وهو كوفي]، عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه [ح]؛ وعن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد، قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به الظهر حين زالت الشمس. هكذا مختصرًا.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 535/ 2033)، عن الثوري به.

• تابع الثوري في روايته عن يحيى بن سعيد:

حماد بن سلمة [بصري، ثقة]، فرواه عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم فصل الظهر، فلما كان الظل بطوله، قال: صل العصر. . .، فذكر الحديث بطوله.

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (1/ 240/ 111 - زوائده)، قال: حدثنا داود بن المحبر: ثنا حماد به.

فإن كان داود بن المحبر هو المتفرد به عن حماد، فهي إذًا متابعة ساقطة واهية، لأجل داود بن المحبر؛ فإنه: متروك.

• وخالف الثوري في روايته عن عبد الله بن أبي بكر:

معمر بن راشد [بصري، ثقة ثبت، وهو ثبت في الزهري وابن طاووس، وفي حديثه عن العراقيين شيء].

• رواه عنه عبد الرزاق واختلف عليه:

فرواه إسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جدًّا، وقد سمع منه بعد ما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة. انظر: اللسان (2/ 36)]، عن عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه: أن جبرائيل نزل فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله. . .، فذكر الحديث بطوله.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 534/ 2032).

ورواه إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ، إمام، مجتهد، وهو قرين الإمام أحمد، وسماعهما من عبد الرزاق متقدم قبل أن يعمى]، في مسنده [مطالب (1/ 140/ 266)]، قال: أخبرنا عبد الرزاق: ثنا معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده عمرو بن حزم، قال: جاء جبريل عليه الصلاة والسلام يصلي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس حين زالت الشمس، ثم صلى العصر حين كان ظله مثله. . .، فذكره.

ص: 380

ورواية إسحاق بن راهويه أولى بالصواب؛ لحفظه وضبطه، ولتقدم سماعه من عبد الرزاق، بخلاف الدبري.

وقد وهم فيها معمر بقوله: "عن جده عمرو بن حزم"، ورواية الثوري هي المحفوظة؛ لم يجاوز بها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فإن الثوري أحفظ وأضبط لحديثه عن كل مشايخه، بخلاف معمر فإنه يضعف في بعض مشايخه مثل ثابت البناني وغيره.

فالحمل في هذه الرواية على معمر، فإنه دون الثوري في الحفظ والإتقان والضبط، والله أعلم.

وعلى هذا: فإن الوجه الأخير في الاختلاف على أبي بكر بن عمرو بن حزم:

4 -

هو ما رواه الثوري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن عمرو بن حزم به مرسلًا. وتقدم.

وأما ما رواه أبو بكر الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (59)، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم [يعني: ابن سويد الرملي]: ثنا أيوب بن سليمان: حدثني أبو بكر، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عمر بن عبد العزيز، عن هذا الحديث سواء؛ إلا أنه قال في حديثه: قال جبريل عليه السلام: "هذه صلاتك؛ وصلاة الأنبياء قبلك".

فهذا فيما يظهر لي: مما تفرد به أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، ولا أراه إلا من غرائبه؛ فإنه وإن كان حافظًا إمامًا في هذا الشأن؛ إلا أنه كثير الغرائب وله أشياء أنكرت عليه، وقال الدارقطني:"وهو كثير الخطأ"[انظر: الكامل (6/ 300)، سؤالات السلمي (285)، سؤالات السهمي (89 و 132)، تاريخ بغداد (3/ 209)، السير (14/ 383)، الميزان (4/ 27)، اللسان (7/ 473)].

• وأما الوجه الصحيح في هذا الاختلاف، فالذي يظهر لي -والله أعلم-:

أن ما رواه أهل المدينة [سليمان بن بلال، ومحمد بن جعفر]، وغيرهم من الغرباء [زفر بن الهذيل]، عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، عن أبي بكر بن حزم، عن أبي مسعود الأنصاري: محفوظ؛ لأن الحديث الذي اشتهر في بلده وخارجها أولى من غيره.

وأن ما رواه سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم مرسلًا: محفوظ أيضًا لمنزلة الثوري في الحفظ، والإتقان، والغاية في الضبط.

ويكون يحيى بن سعيد قد حدث به على الوجهين.

يؤيد ذلك: أن صالح بن كيسان قد تابع يحيى بن سعيد على الوجه الأول، وأن عبد الله بن أبي بكر قد تابع يحيى بن سعيد على الوجه الثاني، وكلهم مدنيون ثقات مشاهير.

وفي كلا الحالين؛ فإن الحديث: لا يصح؛ لأنه إما منقطع بين أبي بكر بن حزم، وأبي مسعود، كما صرح بذلك ابن حزم والبيهقي، وكذا هو في رواية صالح بن كيسان: بلاغ.

ص: 381

وإما مرسل، لم يجاوز أبا بكر بن حزم، وهو تابعي صغير.

وأما رواية أيوب بن عتبة المتصلة؛ فهي رواية منكرة، لا يعول عليها، ولا تصلح في المتابعات، والمنكر أبدًا منكر.

ولا يصلح حديث أبي بكر بن حزم بطريقيه، المنقطع والمرسل، لا يصلح أن يكون عاضدًا لرواية أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب، لكونها رواية شاذة لا تحتمل التقوية بغيرها، إذ الشاذ من قسم المردود في باب الرواية مما لا يحتمل الاعتضاد بغيره.

وقد اعتمد بعضهم على رواية أيوب بن عتبة، أو على رواية أبي بكر بن حزم المنقطعة في تقويتها، وهو مخالف للقواعد ومنهج الأئمة.

واعتمد بعضهم -كابن عبد البر- على الروايات التي ذُكر فيها عدد الركعات -وهي روايات منقطعة؛ لا تصح- ليرُدَّ بها حديث عائشة الصحيح الثابت المتفق على صحته [البخاري (350 و 1090 و 3935)، مسلم (685)]: أنها قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.

وفي رواية: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.

أقول: بل إن حديث عائشة هذا لهو من أعظم الحجج في رد هذه الروايات -مع ضعفها- والتي تدل على أن جبريل عليه السلام أول ما علم النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت بعد فرض الصلاة في الإسراء؛ أمره أن يصليها أربعًا أربعًا عدا المغرب والفجر، وهو قول شاذ مردود، ترده السنن الصحاح.

• والخلاصة: أن الذي يصح من هذه الأسانيد والمتون إنما هو: ما رواه جماعة الحفاظ: عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن بشير بن أبي مسعود، عن أبيه.

قال الدارقطني في العلل (6/ 187) بعد سرد هذا الاختلاف: "والصواب: قول الزهري: عن عروة، عن بشير بن أبي مسعود، عن أبيه".

***

قال أبو داود: وروى وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقت المغرب، قال:"ثم جاءه المغرب حين غابت الشمس -يعني: من الغد- وقتًا واحدًا".

• حديث صحيح.

حديث وهب بن كيسان، عن جابر في المواقيت يرويه:

عبد الله بن المبارك عن [وفي رواية: أخبرنا] حسين بن علي بن حسين، قال: أخبرني وهب بن كيسان، قال: حدثنا جابر بن عبد الله، قال: جاء جبريل عليه السلام إلى

ص: 382

النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد فصلِّ الظهر، [فقام فصلى الظهر] حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله، جاءه العصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح.

ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس -وقتًا واحدًا لم يزل عنه-، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدًّا، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله.

لفظ سويد بن نصر عن ابن المبارك -وهو راويته-، وبنحوه لفظ عبدان، وهو راويته أيضًا، وفي رواية إبراهيم بن شماس، ويحيى بن آدم: حين ذهب ثلث الليل -أو: نصف الليل-، هكذا بالشك.

وتابع سويد بن نصر، وعبدان عبد الله بن عثمان على روايتهما، وبغير شك، حين ذهب ثلث الليل: أحمد بن الحجاج البكري المروزي، والحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك، وحبان بن موسى بن سوار السلمي المروزي، وهم جميعًا ثقات وروايتهم هي الصواب؛ بغير شك.

وما بين المعكوفين زيادة يقتضيها السياق من رواية عبدان وغيره.

أخرجه الترمذي (150)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(135)، والنسائي (1/ 263/ 526)، واللفظ له، وابن حبان (4/ 335/ 1472)، والحاكم (1/ 195 - 196)، وأحمد (3/ 330)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (152)، والدارقطني (1/ 256 و 257)، والبيهقي (1/ 368)، وابن عبد البر (3/ 362)، وابن الجوزي في التحقيق (314).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

وقال: "وقال محمد [يعني: البخاري]: أصح شيء في المواقيت: حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: وحديث جابر في المواقيت: قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم" [وانظر: علل الترمذي الكبير (84)].

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، مشهور من حديث عبد الله بن المبارك،

ص: 383

والشيخان لم يخرجاه لقلة حديث الحسين بن علي الأصغر، وقد روى عنه عبد الرحمن بن أبي الموال وغيره".

ثم أسند إلى موسى بن عبد الله بن الحسن: حدثني أبي وغير واحد من أهل بيتنا، قالوا: كان الحسين بن علي بن الحسين أشبه ولد علي بن الحسين به في التأله والتعبد".

وقال الذهبي في تلخيصه: "صحيح مشهور، وحسين مُقِل".

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسائله لأبيه (179): "سألت أبي رحمه الله: ما الذي يعتمد عليه في مواقيت الصلاة من الأحاديث التي جاءت، وأي حديث عندك أقوى، والحديث الذي روى ابن المبارك، عن الحسين بن علي، عن وهب بن كيسان، عن جابر، ما ترى فيه؟ وكيف حال الحسين؟

قال أبي: أما الحسين فهو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روى في المواقيت: حديث ليس بالمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وقد روى في المواقيت غير حديث: ابن عباس، وبريدة، وعبد الله بن عمر، وجابر، وأبي موسى، وأبي برزة، وأبي هريرة، فكل يصف صفة فيها بعض ما وصف الآخر،. . .".

قال ابن رجب في فتح الباري (3/ 15): "وإنما قال الإمام أحمد: ليس بالمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعضه غيره؛ لأن قاعدته: أن ما انفرد به ثقة، فإنه يتوقف فيه، حتى يتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصًا إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان، وابن المديني، وغيرهما".

قلت: حكم الترمذي عليه بالغرابة؛ لكونه لم يروه عن وهب بن كيسان سوى الحسين بن علي الأصغر، وهو مقل في الحديث، ولم يروه عن الحسين سوى ابن المبارك.

وابن المبارك: ثقة ثبت حجة، إمام فقيه عالم، لا يضره تفرده، وأما الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الأصغر فهو: ثقة مقل، قال النسائي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الثقات، منهم ابن المبارك، وهو معروف بانتقائه لمن يروي عنهم، وهو إمام في الجرح والتعديل، ولو كان في حديث الحسين هذا ما ينكر لترك ابن المبارك التحديث به [انظر: الجرح والتعديل (1/ 269) و (3/ 55)، تاريخ الإسلام (9/ 111)، التهذيب (1/ 426)، التحفة اللطيفة (990)].

ثم إن وهب بن كيسان: ليس بكثير الأصحاب، قد روى عنه جماعة من أهل المدينة وغيرهم، فإذا تفرد عنه مدني ثقة، فلا يضره ذلك وقُبل منه، ولم يكن تفرده -والحالة هذه- منكرًا، لا سيما وقد توبع على أصل حديثه، والله أعلم.

فهو حديث صحيح، صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وقال أحمد:"ليس بالمنكر"، وقال البخاري:"أصح شيء في المواقيت: حديث جابر"، واحتج به النسائي.

ص: 384

• ولحديث جابر هذا طرق أخرى منها:

1 -

برد بن سنان، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه، فصنع كما صنع، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الغداة.

ثم أتاه في اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه، فصنع مثل ما صنع بالأمس، فصلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل الرجل مثل شخصيه، فصنع كما صنع بالأمس، فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فصنع كما صنع بالأمس، فصلى المغرب، فنمنا ثم قمنا، ثم نمنا ثم قمنا، فأتاه فصنع كما صنع بالأمس، فصلى العشاء، ثم أتاه حين امتد الفجر، وأصبح والنجوم بادية مشتبكة، فصنع كما صنع بالأمس، فصلى الغداة، ثم قال:"ما بين هاتين الصلاتين وقت".

هكذا رواه قدامة بن شهاب المازني عن برد به.

ورواه أبو الرداد عمرو بن بشر الحارثي: ثنا برد به مثله؛ إلا أنه قال في اليوم الثاني في آخر الحديث: ثم أتاه حين وجبت الشمس لوقت واحد، فنقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب، ثم قال "لو نمنا؟ "، ثم قمنا، فأتاه نحو ثلث الليل فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العشاء الآخرة، ثم أتاه جبريل حين أضاء الفجر، وأضاء الصبح، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الغداة، ثم قال:"ما بين الصلاتين وقت".

قال: فسأل رجل [رسول الله صلى الله عليه وسلم] عن الصلاة؟ فصلى بهم كما صلى به جبريل، ثم قال:"أين السائل عن الصلاة ما بين الصلاتين وقت".

أخرجه النسائي (1/ 255 - 256/ 513)، والحاكم (1/ 196)، والطبراني في الأوسط (2/ 192/ 1689)، وفي مسند الشاميين (1/ 211/ 378)، وابن المقرئ في الأربعين (28)، والدارقطني (1/ 257)، وتمام في الفوائد (327 و 328)، والبيهقي في السنن (1/ 369)، وفي المعرفة (1/ 402/ 520)، وابن عبد البر (3/ 363)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 361)، والمزي في التهذيب (23/ 545).

قال تمام: "هذا حديث كبير، غريب من حديث برد بن سنان، لم يحدث به عن برد -والله أعلم- إلا قدامة بن شهاب، وعمرو بن بشر الحارثي هذا، وهو -أعني: عمرو البصري- يكنى أبا الرداد، ولم يحدث به عنه إلا إسحاق الصواف البصري، والله أعلم".

ص: 385

قلت: هذه الزيادة التي زادها عمرو الحارثي: زيادة شاذة، وهي قوله: قال: فسأل رجل. . . إلخ، فإن أبا الرداد عمرو بن بشر الحارثي البصري هذا: في عداد المجاهيل، لم يترجم له البخاري في تاريخه الكبير، ولا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وإنما ترجم له البخاري في تاريخه الأوسط (2/ 225)، فقال: "حدثني إسحاق بن إبراهيم بن محمد الواسطي الباهلي، قال: مات عمرو بن بشر الحارثي البصري بعد المائتين.

قال إسحاق:. . . قلت لعمرو: أين سمعت من برد بن سنان؟ قال: قدم ههنا، فنزل علي كهمس بن الحسن"، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 482)، قال: "يروي عن برد بن سنان، روى عنه إسحاق بن إبراهيم الصواف، مات سنة سبع عشرة ومائتين"، وقال مسلم في الكنى (1169): "سمع برد بن سنان، روى عنه إسحاق الصواف"، وقال ابن منده في فتح الباب (2871): "حدث عن برد بن سنان، كناه إسحاق بن إبراهيم الصواف"، وانظر أيضًا: تكملة الإكمال (3/ 21).

فالرجل لم يذكر له راوٍ سوى إسحاق بن إبراهيم الصواف، ولم يُذكر أنه روى عن غير برد بن سنان، مما يدل على أنه: مجهول، غير معروف بالطلب، مع قلة حديثه جدًّا، ولم أعثر له بعد بحث على غير هذا الحديث، بل إن في سماعه من برد بن سنان شك، فقد توفي برد سنة (135 هـ)، وتوفي أبو الرداد هذا سنة (217 هـ)، فبين وفاتيهما (82) سنة مما يستبعد معه اللقاء والسماع.

والحديث معروف عن برد بن سنان من طريق قدامة بن شهاب البصري، وهو ثقة.

وبرد بن سنان أبو العلاء الدمشقي، نزيل البصرة، تُكلم فيه، وهو: صدوق [انظر: التهذيب (1/ 217)، سؤالات أبي داود للإمام أحمد (274)، الميزان (1/ 302)].

• ولم ينفرد به برد بن سنان الدمشقي ثم البصري، عن عطاء بن أبي رباح المكي؛ بل تابعه عبد الكريم بن أبي المخارق البصري نزيل مكة [وهو: ضعيف].

فقد روى عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام بمكة مرتين. . . " فذكر الحديث، وقال فيه:"وصلى المغرب حين غابت الشمس"، "وصلى المغرب -في اليوم الثاني- في وقتها بالأمس".

أخرجه الدارقطني (1/ 257)، والحاكم (1/ 196).

فهو إسناد صالح في المتابعات.

2 -

زيد بن الحباب، قال: حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، قال: حدثني الحسين بن بشير بن سلام [وقال بعضهم: "سليمان" بدل "سلام"]، عن أبيه، قال: دخلت أنا، ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري، فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف-، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفيء قدر الشراك، ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر

ص: 386

الشراك وظل الرجل، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر.

ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل، ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه، قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل -أو: نصف الليل. شك زيد-، ثم صلى الفجر فأسفر.

أخرجه النسائي (1/ 261 - 262/ 524)، وابن أبي شيبة (1/ 281/ 3226) و (7/ 315/ 36434)، والطبراني في الأوسط (4/ 364/ 4446)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 236).

• تابع زيد بن الحباب عليه:

1 -

معن بن عيسى [ثقة ثبت]، قال: حدثني خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد، عن حسين بن بشير بن سلمان -مولى صفية بنت عبد الرحمن-، عن أبيه [قال]: قدم علينا الحجاج حين قتل ابن الزبير يضيع [فضيع] الصلاة، فجئنا [فخرجت مع محمد بن حسين أو: محمد بن علي -حتى جئنا]، جابر بن عبد الله، وقد كُفَّ بصره.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 99)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 322/ 689).

2 -

عبد الرزاق بن همام الصنعاني [ثقة]:

قال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (2/ 401)(2/ 14 ب مخطوط): "وجدت في المعجم الأوسط لأبي القاسم الطبراني: ثنا الدبري: ثنا عبد الرزاق، عن خارجة بن عبد الله بن زيد، عن حسين بن بشر [بشير] بن سلام -كذا ألفيته في نسخة قديمة مقروءة، أصل من الأصول-، عن أبيه، قال: قدم علينا الحجاج حين قتل ابن الزبير، فضيع الصلاة، فخرجت مع محمد بن حسين -أو: محمد بن علي-، حتى جئنا جابر بن عبد الله، فسألناه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكر الحديث.

ولم أجده في المطبوع من المصنف، ولا من المعجم الأوسط.

هكذا اختلف على زيد بن الحباب فقيل: "سلام" وقيل: "سلمان"، وقال معن بن عيسى:"سلمان"، وقال عبد الرزاق:"سلام"، ومعن: أثبتهم، وروايته أصوب، لذا فإن البخاري وابن أبي حاتم والنسائي وأبا داود وابن حبان قالوا في ترجمته:"سلمان" فقط.

وإسناده ضعيف، صالح في المتابعات.

بشير بن سلمان: قال النسائي: "ليس به بأس"، وقال أبو داود:"لا بأس به"، وقال الذهبي:"لا يعرف إلا في هذا الخبر"[التهذيب (1/ 235)، الميزان (1/ 329)، إكمال مغلطاي (2/ 401)، التاريخ الكبير (2/ 99)، الجرح والتعديل (2/ 374)، الثقات (4/ 71 و 72)، التحفة اللطيفة (634)].

والحسين بن بشير بن سلمان: لا يعرف إلا بهذا الإسناد، ولم يرو عنه سوى خارجة بن عبد الله هذا، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته لكونه لم يرو منكرًا، وهو:

ص: 387

مجهول، قال الذهبي في الكاشف:"يجهل"، وقال في التقريب:"مقبول"[التاريخ الكبير (2/ 382)، الجرح والتعديل (3/ 47)، الثقات (6/ 206)، التحفة اللطيفة (976)، التهذيب (1/ 419)، الكاشف (1/ 331)، التقريب (149)].

وخارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني: قال أحمد والدارقطني: "ضعيف"، وقال ابن معين في رواية الدوري:"ليس به بأس"، وفي رواية ابن طهمان:"ليس بشيء"، وقال ابن حبان في المشاهير:"من جلة أهل المدينة، كان يهم في الشيء بعد الشيء"، وقال الأزدي:"اختلفوا فيه، ولا بأس به، وحديثه مقبول، كثير المنكر، وهو إلى الصدق أقرب"، وقال الترمذي:"ثقة"، وصحح له، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له.

فهو: شيخ وسط، قال أبو حاتم:"شيخ، حديثه صالح"، وقال أبو داود:"شيخ"، وقال ابن عدي:"وهو عندي: لا بأس به وبرواياته"، وقال ابن حجر:"صدوق له أوهام"[التاريخ الكبير (3/ 204)، الجرح والتعديل (3/ 374)، الثقات (6/ 273)، مشاهير علماء الأمصار (1075)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 252/ 1187)، سؤالات ابن طهمان (35)، جامع الترمذي (3682 و 3681 و 3691)، صحيح ابن حبان (6881 و 6895)، طبقات ابن سعد، القسم المتمم (399)، الكامل (3/ 50)، ضعفاء الدارقطني (207)، الميزان (1/ 625)، تاريخ الإسلام (10/ 156)، المغني (1/ 200)، ضعفاء ابن الجوزي (1047)، التهذيب (512/ 1)، التقريب (172)، التحفة اللطيفة (1094)].

ولم يذكر في هذا الحديث: جبريل عليه السلام، ولعله من أوهام الرواة فيه، وتقصيرهم.

وفي الجملة فإن حديث جابر في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر المواقيت فيه: حديث صحيح؛ كما سبق تقريره.

• اعتراض وجوابه:

قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (2/ 466/ 465) عن حديث جابر هذا: "وهو أيضًا يجب أن يكون مرسلًا كذلك، إذ لم يذكر جابر من حدثه بذلك، وهو لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء، لما علم من أنه أنصاري، إنما صحب بالمدينة".

فتعقبه ابن دقيق العيد فقال في الإمام (4/ 38): "قد اشتهر أن مراسيل الصحابة رضي الله عنهم مقبولة، والجهالة بعينهم غير ضارة، ومن أبعد البعيد أن يكون جابر سمع ذلك من تابعي عن صحابي، وعلى هذا: فما قاله إرسال غير ضار"[وانظر: نصب الراية (1/ 223)، البدر المنير (3/ 167)].

***

قال أبو داود: وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم صلى بي المغرب -يعني: من الغد- وقتًا واحدًا".

• حديث صحيح؛ دون البداءة بالصبح.

حديث أبي هريرة في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم له طريقان:

ص: 388

الأول: يرويه الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل عليه السلام جاءكم بعلمكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجر، وصلى الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل.

ثم جاءه الغد، فصلى به الصبح حين أسفر قليلًا، ثم صلى به الظهر حين كان الظل مثله، ثم صلى العصر حين كان الظل مثليه، ثم صلى المغرب بوقت واحد حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل، ثم قال: الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم".

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 249 - 250/ 502)، وفي الكبرى (2/ 193 و 202/ 1505 و 1526)، والحاكم (1/ 194)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (150)، وأبو العباس السراج في مسنده (972)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1335)، والطحاوي (1/ 147)، والدارقطني (1/ 261)، والبيهقي (1/ 369)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 387) و (8/ 372).

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".

وقال ابن عبد البر: "هذا حديث مسند ثابت صحيح، ولا مطعن فيه لأحد من أهل العلم بالحديث".

قلت: إسناده حسن، ومحمد بن عمرو بن علقمة الليثي: صدوق له أوهام، وقال ابن حجر في التهذيب (3/ 663) نقلًا عن المزي قوله:"روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات"، فكيف يكون على شرط مسلم؟! وقد وهم محمد بن عمرو في البداءة بالصبح، فإن المحفوظ في حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم: البداءة بالظهر؛ كما في حديث جابر وابن عباس.

والفضل بن موسى السيناني: ثقة ثبت، وهو مروزي.

وخالفه في متنه: يحيى بن سعيد بن أبان الأموي، الكوفي نزيل بغداد [وهو: ليس به بأس]، فاختصره ولم يذكر جبريل.

قال أبو يعلى في مسنده (10/ 343/ 5938): حدثنا سعيد بن يحيى [الأموي]: حدثنا أبي: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فغلس بها، ثم صلى الغد، فأسفر بها قليلًا، ثم قال:"أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هاتين: أمس وصلاتي اليوم".

ورواه عن أبي يعلى: ابن حبان في صحيحه (4/ 361 و 363/ 1493 و 1495)، ورواه بنفس إسناد أبو يعلى: أبو العباس السراج في مسنده (973)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1336).

ص: 389

وقد وهم يحيى بن سعيد الأموي في قوله: "أين السائل. . . " إلخ، والمحفوظ ما رواه الفضل بن موسى السيناني في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم لبيان المواقيت.

وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن حديث محمد بن عمرو هذا فقال البخاري: "هو حديث حسن"[علل الترمذي الكبير (87)]، وهو كما قال، وقد صححه الحاكم، وابن عبد البر؛ كما تقدم، وهو صحيح بهذه المتابعة؛ دون البداءة بالصبح.

الطريق الثاني: يرويه أبو نعيم الفضل بن دكين: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، عن محمد بن عمار بن سعد: أنه سمع أبا هريرة يذكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم: "أن جبرائيل عليه السلام جاء فصلى به الصلاة وقتين وقتين إلا المغرب، جاءني فصلى بي الظهر حين كان الفيء مثل شراك نعلي، ثم جاءني فصلى بي العصر حين كان فيء مثلي، ثم جاءني المغرب فصلى بي ساعة غابت الشمس، ثم جاءني العشاء فصلى بي ساعة غاب الشفق، ثم جاءني الفجر فصلى بي ساعة برق الفجر.

ثم جاءني من الغد فصلى بي الظهر حين كان الفيء مثلي، ثم جاءني العصر فصلى بي حين كان الفيء مثلين، ثم جاءني المغرب فصلى بي ساعة غابت الشمس، لم يغيره عن وقته الأول، ثم جاءني العشاء فصلى بي حين ذهب ثلث الليل الأول، ثم أسفر بي في الفجر حتى لا أرى في السماء نجمًا، ثم قال: ما بين هذين وقتين".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 185)، والبزار في مسنده (15/ 283/ 8777)، والدارقطني (1/ 261)، والحاكم (1/ 194)، وعنه: البيهقي (1/ 369).

• وتابع أبا نعيم عليه:

عبد الله بن نافع الصائغ، فرواه عن عمر بن عبد الرحمن بن أسيد به.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 185)، عن الصائغ معلقًا. ووصله: أبو العباس السراج في مسنده (961)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1324).

زاد في رواية السراج في آخره: ثم قال: "هذه صلاة النبيين من قبلك يا محمد فالزم"، وهي زيادة شاذة.

تنبيه: وقع في مستدرك الحاكم في إسناد هذا الحديث: "عن محمد بن عباد بن جعفر المؤذن"، بدل:"محمد بن عمار بن سعد" ثم قال بعده: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ فإنهما لم يخرجا عن محمد بن عباد بن جعفر".

قال الحافظ ابن حجر متعقبًا إياه في إتحاف المهرة (15/ 584/ 19941): "ووهم فيه، فإنما هو عند أبي نعيم من طريق: محمد بن عمار بن سعد، وقوله: "إن الشيخين لم يخرجا لمحمد بن عباد" وهم منه؛ فقد أخرجا له".

قلت: هو عند البيهقي عن الحاكم نفسه، ولم ينسب محمدًا هذا، ثم قال البيهقي:"محمد هو ابن عمار بن سعد القرظ"، نبه عليه في الإتحاف.

والحديث من جميع طرقه وفي جميع المصادر: "عن محمد بن عمار بن سعد".

ص: 390

قال البزار: "ومحمد بن عمار بن سعد هذا: لا نعلم روى عنه إلا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد".

قلت: قد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين:"لا أعرفه"، قلت: لقلة ما يروي، وقال ابن حجر في التقريب:"مستور"[انظر: التاريخ الكبير (1/ 185)، الجرح والتعديل (8/ 42) و (6/ 389) و (8/ 15)، تاريخ ابن معين للدارمي (780)، الثقات (5/ 372)، الإكمال (1/ 63)، التهذيب (3/ 654)، التحفة اللطيفة (4027)، التقريب (555)].

وأما عمر بن عبد الرحمن بن أسيد: فقد روى عنه ثلاثة، ولم يوثَّق، فهو أحرى أن يكون في عداد المجاهيل [انظر: التاريخ الكبير (6/ 174)، الجرح والتعديل (6/ 121)، الإكمال (1/ 62)، أخبار المدينة لابن شبة (1240)].

قلت: فإسناده ضعيف، إلا أنها متابعة جيدة لحديث محمد بن عمرو، وبها يصح حديث أبي هريرة في إمامة جبريل.

***

قال أبو داود: وكذلك روي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، من حديث حسان بن عطية، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• حديث غريب.

وصله البيهقي في السنن الكبرى (1/ 369)، من طريق: عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخبرني محمد بن عقبة بن علقمة فيما كتب إليَّ: ثنا أبي: ثنا الأوزاعي: ثنا حسان بن عطية: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟

فصلى الظهر حين فاء الفيء، وصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى المغرب حين وجبت الشمس، وصلى العشاء حين غاب الشفق، وصلى الصبح حين بدأ أول الفجر.

ثم صلى الظهر اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، وصلى المغرب حين وجبت الشمس، وصلى العشاء في ثلث الليل، وصلى الفجر بعد ما أسفر، ثم قال:"إن جبريل أمني ليعلمكم أن ما بين هذين الوقتين وقت".

فإن كان محمد بن عقبة بن علقمة هو المتفرد بهذا الحديث عن أبيه: فهو حديث غريب.

فإن عقبة بن علقمة بن حديج المعافري البيروتي: ثقة، من أصحاب الأوزاعي، بلديه، لا يضره تفرده عنه.

والذين تكلموا فيه مثل العقيلي، وابن عدي إنما حملوا عليه لأجل أحاديثَ التبعةُ فيها على من روى عنه.

ص: 391

أما العقيلي فقال: "عقبة بن علقمة البيروتي، عن الأوزاعي، ولا يتابع عليه"، ثم أنكر عليه حديثين رواهما عن الأوزاعي، من طريق محمد بن عقبة، عن أبيه.

وأما ابن عدي فقال: "روى عن الأوزاعي ما لم يوافقه عليه أحد، من رواية ابنه محمد بن عقبة وغيره عنه"، ثم أنكر عليه ثلاثة أحاديث تفرد بها عقبة، عن الأوزاعي، الحمل فيها على من روى عنه، وهما: ابنه محمد، والحارث بن سليمان الرملي.

وقد وُفِّق ابن حبان حينما ذكر عقبة بن علقمة في الثقات، ثم قال:"يعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد بن عقبة عنه؛ لأن محمدًا كان يدخل عليه الحديث، ويجيب فيه".

فظهر بذلك أن الأحاديث التي أنكرت على عقبة إنما الحمل فيها على ابنه محمد بن عقبة، والذي كان يدخلها عليه فيجيب فيها، أو على الحارث بن سليمان الرملي، فقد كان يغرب على عقبة، وينفرد عنه بأحاديث لا يرويها غيره؛ بل قال ابن عدي:"وللحارث بن سليمان عن عقبة: أحاديث ليست هي بالمحفوظة"، فاعترف ابن عدي بأن التبعة فيها على الحارث وليست على عقبة [انظر: الكامل (5/ 281)، الجرح (3/ 76)، الثقات (8/ 183)، وقال:"يغرب"، اللسان (2/ 517)، الأفراد للدارقطني (2/ 95 و 463/ 838 و 1918) و (3/ 212 و 371 و 395/ 2454 و 2955 و 3036) و (5/ 242 و 266/ 5288 و 5383 - أطرافه)].

فإن قيل: محمد بن عقبة بن علقمة: قال فيه أبو حاتم وابنه: "صدوق"؟ فيقال: لعلهما لم يقفا على هذه الأحاديث التي أنكرت عيه من روايته عن أبيه [انظر: الجرح والتعديل (8/ 36)، تاريخ دمشق (54/ 222)، تاريخ الإسلام (19/ 304)، اللسان (7/ 350)].

ومما حملني على تبرئة عقبة بن علقمة من عهدة هذه الأحاديث التي أنكرت عليه: توثيق جماعة من الأئمة له مثل: أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر -شيخ الشام وناقدها-، والنسائي، وابن معين، وابن خراش، والحاكم، وغيرهم؛ بل قال فيه أبو حاتم:"هو أحب إليَّ من الوليد بن مزيد"، والوليد بن مزيد: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي [انظر: الجرح والتعديل (6/ 314)، الضعفاء الكبير (3/ 354)، الكامل (5/ 280)، الثقات (8/ 500)، تاريخ دمشق (40/ 503)، تاريخ الإسلام (14/ 260)، التهذيب (3/ 125)، الميزان (3/ 87)].

• وفي الباب:

1 -

عن أبي سعيد الخدري:

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبربل في الصلاة، فصلى الظهر حين زالت الشمس. . ." فذكر الحديث بنحو حديث الجماعة.

أخرجه أحمد (3/ 30)، والطحاوي (1/ 147)، والطبراني في الكبير (6/ 37/ 5443)، وابن عبد البر (3/ 363)، وابن دقيق العيد في الإمام (4/ 42).

ص: 392

وإسناده ضعيف مداره على ابن لهيعة وهو: ضعيف.

2 -

عن ابن عمر:

وله طريقان:

أ- يرويه الدارقطني في سننه (1/ 261 - 262) بإسناده إلى محمد بن إسحاق، عن عتبة بن مسلم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما فرضت الصلاة نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به الظهر. . .، وذكر الحديث بنحو حديث الجماعة.

لكن الإسناد إلى ابن إسحاق: لا يصح، فيه: الحسن بن فهد بن حماد: شيخ لأبي علي الصواف؛ لا يعرف، وأتى بخبر باطل، رواه عن يحيى بن عثمان الحربي، قاله الذهبي [الميزان (1/ 517)، اللسان (3/ 105)، تاريخ بغداد (7/ 402)].

ب- يرويه حميد بن الربيع: ثنا محبوب بن الجهم بن واقد مولى حذيفة بن اليمان: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل حين طلع الفجر، فقال: قم فصل، فصليت الفجر ركعتين، ثم أتاني حين زاغ النهار، فقال: قم فصل، فصليت الظهر أربع ركعات. . . " فذكر الحديث بعدد الركعات.

أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 41 - 42)، والدارقطني (1/ 259)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (322).

قال ابن حبان في محبوب: "يروي عن عبيد الله بن عمر الأشياء التي ليست من حديثه"، ثم قال:"ليس هذا الخبر من حديث عبيد الله بن عمر، ولا من حديث نافع، ولا من حديث ابن عمر، وهو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحيح لا شك فيه، بغير هذا اللفظ".

قلت: وهذا صريح في عدم صحة هذا الحديث عنده لا من حديث عبيد الله بن عمر، ولا من الطريق الأول.

وحميد بن الربيع هو: ابن حميد بن مالك بن سحيم، أبو الحسن اللخمي الخزاز الكوفي: مختلف فيه، منهم من حسن القول فيه، مثل: أحمد بن حنبل، والدارقطني، ومنهم من ضعفه، وهم الأكثر، مثل: ابن معين، قال:"كذاب خبيث، غير ثقة ولا مأمون"، والنسائي، قال:"ليس بشيء"، وابن عدي، قال:"يسرق الحديث ويرفع الموقوف"، والجرح المفسر مقدم على التعديل [انظر: تاريخ بغداد (8/ 162)، الميزان (1/ 611)، اللسان (3/ 297)].

وانظر في محبوب بن الجهم: الكامل (6/ 443)، سنن الدارقطني (3/ 316)، اللسان (6/ 465).

فلا يصح في هذا شيء عن ابن عمر.

3 -

عن أنس:

يرويه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء: ثنا محمد بن سعيد بن جدار: ثنا

ص: 393

جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حين زالت الشمس، وأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم، فقام جبرئيل أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقاموا الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بقراءة،. . . فذكر حديث المواقيت، يذكر فيه عدد الركعات، ومواضع الجهر والإسرار.

أخرجه الدارقطني (1/ 260)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (7/ 125 - 126/ 2555).

وهو حديث منكر، باطل من حديث أنس.

قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 341/ 1085): "ومحمد بن سعيد هذا: مجهول، ويرويه عنه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء؛ ولا تعرف أيضًا حاله"[وانظر: اللسان (2/ 13) و (7/ 161)].

قلت: وجرير بن حازم: ضعيف في قتادة، يروي عن قتادة، عن أنس أحاديث مناكير [التهذيب (1/ 295)].

والمعروف عن قتادة:

ما رواه عنه جماعة من أصحابه الثقات، مثل: سعيد بن أبي عروبة، وهمام، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي: رووه عن قتادة، عن الحسن به مرسلًا مطولًا، يذكر فيه عدد الركعات، ومواضع الجهر والإسرار.

أخرجه أبو داود في المراسيل (12)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (142)، والدارقطني (1/ 260)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 362)، وفي الدلائل (2/ 407)، وابن عبد البر (3/ 367).

قال عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 252): "والمرسل: أصح".

***

395 -

. . . بدر بن عثمان: حدثنا أبو بكر بن أبي موسى، عن أبي موسى: أن سائلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه شيئًا، حتى أمر بلالًا: فأقام الفجر حين انشق الفجر، فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه -أو: إن الرجل لا يعرف من إلى جنبه-، ثم أمر بلالًا فأقام الظهر حين زالت الشمس، حتى قال القائل: انتصف النهار -وهو أعلم-، ثم أمر بلالًا فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة، وأمر بلالًا فأقام المغرب حين غابت الشمس، وأمر بلالًا فأقام العشاء حين غاب الشفق.

فلما كان من الغد: صلى الفجر وانصرف، فقلنا: أطلعت الشمس؟ فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس -أو

ص: 394

قال: أمسى-، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال:"أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين".

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (614)، وأبو عوانة (1/ 313/ 1111)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 211/ 1371 و 1372)، والنسائي (1/ 260 - 261/ 523)، وأحمد (4/ 416)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 12 - 15)، وابن أبي شيبة (1/ 281/ 3221) و (7/ 315/ 36433)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (148)، والبزار (8/ 93 - 94/ 3094)، والروياني (520)، وأبو العباس السراج في مسنده (975)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1338 و 1339)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 326 و 332/ 945 و 950)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 148)، وفي أحكام القرآن (284)، والدارقطني (1/ 263 و 263 - 264 و 264)، وابن حزم (3/ 167)، والبيهقي في السنن (1/ 366 و 370 - 371 و 374)، وفي المعرفة (1/ 405 - 406/ 528 و 529)، وابن عبد البر (3/ 384 و 385)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 10/ 350)، وفي تفسيره (1/ 476)، وابن الجوزي في التحقيق (317).

وهذا لفظ عبد الله بن داود الخريبي، ورواه جماعة بألفاظ متقاربة، منهم: ابن نمير، وأبو نعيم، وأبو داود الحفري، ووكيع.

ولفظ ابن نمير عند مسلم -ومثله لفظ أبي نعيم عن أبي عوانة وأحمد وغيرهما-: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئًا. قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد بعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار -وهو كان أعلم منهم-، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق.

ثم أخَّر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس -أو: كادت-، ثم أخَّر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخَّر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخَّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخَّر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل، فقال:"الوقت بين هذين".

ولفظ أبي داود الحفري قريب منهما، وبنحوهم رواه وكيع إلا أنه قال:"فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق" في اليوم الثاني.

قال البغوي: "هذا حديث صحيح".

وقال البزار: "وحديث أبي موسى: لا نعلم رواه عن أبي بكر إلا بدر بن عثمان، وأكثر الأحاديث التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى المغرب في اليومين جميعًا لوقت

ص: 395

واحد [يعني: حديث إمامة جبريل، كما صح عن ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة] إلا حديث أبي موسى هذا، وحديث أبي هريرة الذي رواه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وحديث قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، فإن هؤلاء رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للمغرب وقتين".

قلت: وسيأتي أيضًا من حديث بريدة وجابر.

وقد حمل الأئمة ذلك على أن حديث قصة إمامة جبريل كان بمكة بعد فرض الصلاة، وأما قصة السؤال عن المواقيت فكانت بالمدينة، بعدها بزمان؛ وفيه زيادة علم فوجب الأخذ بها.

وقال البخاري: "وحديث أبي موسى: حسن"[علل الترمذي الكبير (85) -وفيه سقط أو إحالة-. سنن البيهقي (1/ 370 - 371)، الإمام (4/ 22)، البدر المنير (3/ 162)، وقال: "ورأيت في علل الترمذي عن البخاري أنه قال: حديث أبي موسى هذا: حديث حسن"].

***

قال أبو داود: روى سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في المغرب بنحو هذا، قال:"ثم صلى العشاء -قال بعضهم- إلى ثلث الليل -وقال بعضهم: إلى شطره-".

• حديث صحيح.

وصله أحمد في مسنده (3/ 351 - 352)، قال: حدثنا عبد الله بن الحارث: حدثني ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟ فقال: "صلِّ معي".

فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم صلى العشاء حين غيبوبة الشفق.

ثم صلى الصبح فأسفر، ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله، ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثليه، ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى العشاء -فقال بعضهم-: ثلث الليل -وقال بعضهم: شطره-.

ومن طريق عبد الله بن الحارث؛ أخرجه أيضًا: النسائي (251/ 1 - 252/ 504)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 147)، وفي أحكام القرآن (283)، والقطيعي في جزء الألف دينار (6)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 270/ 470)، والبيهقي (1/ 372 و 373).

ص: 396

وهذا إسناد حسن، لأجل ما في سليمان بن موسى الأشدق من كلام؛ وقد توبع عليه.

• ورواه ابن خزيمة (1/ 182/ 353)، من طريق: عمرو بن أبي سلمة: نا صدقة بن عبد الله الدمشقي، عن أبي وهب -وهو عبيد اللَّه بن عبيد الكلاعي-، عن سليمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة. . . فذكر الحديث بطوله في مواقيت الصلاة في اليومين والليلتين، وقال في الليلة الأولى: ثم أذَّن بلال العشاء حين ذهب بياض النهار، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة فصلى، وقال في الليلة الثانية: ثم أذَّن بلال العشاء حين ذهب بياض النهار، فأخَّرها النبي صلى الله عليه وسلم، فنمنا ثم نمنا مرارًا، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الناس قد صلوا ورقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة منذ انتظرتم الصلاة". . . ثم ذكر الحديث بطوله. هكذا رواه ابن خزيمة.

وهذا منكر بهذا اللفظ؛ فإن صدقة بن عبد الله السمين: ضعيف، له أحاديث مناكير لا يتابع عليها، وقد وهم في سياقه بهذا اللفظ، والمعروف ما رواه عبد الله بن الحارث، عن ثور بن يزيد، عن سليمان به. [انظر: التهذيب (2/ 206)].

• تابع سليمان بن موسى:

1 -

عبد الكريم بن أبي المخارق [ضعيف]:

روى الدارقطني (1/ 257 - 258)، بإسناد صحيح إلى عبد الكريم بن أبي المخارق، عن عطاء، عن جابر: أن رجلًا جاء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟ فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الوقتين: يومًا بهذا، ويومًا بهذا، ثم قال:"أين السائل عن الصلاة؟ ما بين هذين الوقتين".

2 -

المطعم بن المقدام [الصنعاني الشامي: ثقة]:

روى مروان بن محمد الطاطري [دمشقي، ثقة، إمام]، قال: نا رباح بن الوليد الذماري [شامي، ثقة]: ثنا المطعم بن مقدام [شامي، ثقة]، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح، يقول: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟ فلما دلكت الشمس أذن بلال للظهر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة فصلى، ثم أذَّن للعصر حين ظننا أن ظل الرجل أطول منه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة فصلى، ثم أذَّن للمغرب حين غابت الشمس، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة وصلى، ثم أذن للعشاء حين ذهب بياض النهار -وهو: الشفق-، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى، ثم أذن للفجر حين طلع الفجر، فأمره فأقام الصلاة فصلى.

ثم أذَّن بلال من الغد للظهر حين دلكت الشمس، فأخَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ظل كل شيء مثله، فأقام وصلى، ثم أذَّن للعصر، فأخرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى كان ظل كل شيء مثليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام وصلى، ثم أذَّن للمغرب حين غربت الشمس، فأخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد يغيب بياض النهار -وهو أول الشفق فيما يرى-، ثم أمره

ص: 397

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام الصلاة فصلى، ثم أذَّن للعشاء حين كاب الشفق فنمنا ثم قمنا مرارًا، ثم خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما أحد من الناس ينتظر هذه الصلاة غيركم [وفي رواية: إن الناس قد صلوا ثم ناموا]، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ولولا أن أشق على أمتي لأمرت بتأخير هذه الصلاة إلى نصف الليل، وأقرب من نصف الليل"، ثم أذَّن للفجر فأخرها حتى كادت الشمس أن تطلع [وفي رواية: حتى أسفر، ورأى الرائي نبله]، فأمره فأقام الصلاة فصلى، ثم قال:"الوقت فيما بين هذين الوقتين".

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 40/ 6787)، وفي مسند الشاميين (2/ 53/ 907)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 403).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المطعم بن المقدام إلا رباح بن الوليد، تفرد به: مروان بن محمد".

قلت: وهو ثقة، وإسناده إلى عطاء بن أبي رباح: إسناد شامي جيد.

3 -

الربيع بن حظيان -وقيل: ابن حيظان، وقيل غير ذلك-:

روى سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل [صدوق. التهذيب (2/ 102)]: نا عبد ربه بن ميمون [الأشعري، من أهل الشام، قال أبو زرعة الدمشقي: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 422)، وروى عنه جماعة من الثقات. انظر: الجرح والتعديل (6/ 44)، تاريخ دمشق (34/ 111)، تاريخ الإسلام (12/ 285)، إكمال الحسيني (499)، التعجيل (608)]: نا الربيع بن حظيان [في المطبوع: خطبان]، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بلال بصلاة الظهر حين زالت الشمس. . .، فذكر الحديث بمثل حديث المطعم بن المقدام، ذكر فيه: ثم أذَّن بلال بالعشاء -وهي العتمة- حين ذهب بياض النهار، وهو الشفق فيما يرى، ولم يذكر من المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم سوى قوله:"أين سائلي عن وقت الصلاة؟ " فقال: هذا أنا يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بين هدين الوقتين وقت الصلاة".

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 176 - 177)، مطولًا هكذا من طريق: عبد الله بن صالح بن جرير، وهو في عداد المجاهيل، روى عنه ثلاثة ولم يوثق، وذكر له ابن عساكر هذا الحديث في ترجمته مع حديث آخر وذكر فيمن روى عنه ثلاثة.

ثم أخرجه ابن عساكر في تاريخه مرة أخرى (33/ 258)، من طريق: إسماعيل بن محمد بن عبيد الله بن قيراط العذري الدمشقي، نعته الذهبي في السير (14/ 186) بقوله:"الشيخ العالم المحدث. . .، وكان صاحب رحلة ومعرفة"، وقد روى عنه جماعات من الثقات المشاهير الأئمة من أهل الشام وغيرها [وانظر: بغية الطلب في تاريخ حلب (4/ 1812)، تكملة الإكمال (4/ 286)، تاريخ الإسلام (22/ 110)]، وبهذه المتابعة تطمئن النفس إلى ثبوت الحديث عن ابن بنت شرحبيل، لكن يبقى الكلام على الربيع بن حظيان: فقد وثقه ابن حبان حين ذكره في الثقات (6/ 300)، وقال فيه:"مستقيم الحديث جدًّا"،

ص: 398

ومعلوم أن تصريح ابن حبان بتوثيق الراوي لا يقل عن توثيق غيره من الأئمة بل قال العلامة المعلمي في التنكيل (1/ 437): "بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم".

لكن سئل أبو زرعة الرازي عن الربيع هذا فقال: "منكر الحديث، حدث عن الزهري بحديث منكر، روى عنه عبد ربه بن ميمون"[سؤالات البرذعي (359)].

وهاتان القرينتان اللتان ذكرهما أبو زرعة الرازي في حكمه على الربيع هذا، تشير إلى أن حكمه على حديثه بالنكارة ليس حكمًا عامًّا مطلقًا على جميع حديثه، وإنما هو حكم خاص لأجل هذا الحديث المعين، والذي رواه عنه عبد ربه بن ميمون، ورواه الربيع عن الزهري فخالف فيه أصحاب الزهري، أو انفرد عنهم بما لا يتابع عليه، فهو إذًا حديث قد أخطأ فيه، والربيع هذا ليس من أصحاب الزهري، مع قلة روايته أيضًا، لذا حكم عليه أبو زرعة بهذا الحكم، واللَّه أعلم.

لكن يبدو أن ابن حبان قد سبر حديث الراوي واعتبره فوجده في غالبه: مستقيمًا، يوافق الثقات فيما يرويه، ولا ينفرد عنهم بما يوجب ضعفه، لذا صرح بقوله:"مستقيم الحديث جدًّا"، وإلا كان يكفيه أن يورده في عموم الثقات دون أن يتكلم عليه بشيء، كعادته في أغلب التراجم، أو يشير إلى شيء من أوهامه فيقول:"يخطئ" مثلًا، مشيرًا بذلك إلى أن الرجل ليس ثقة مطلقًا بل له أوهام وقع فيها.

ثم إن البخاري قد أورد الربيع هذا في تاريخه الكبير (3/ 278)، وكذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 459)، فلم يتكلما عليه بشيء من الجرح أو التعديل، مما يدل على أنهما لم يقفا على شيء من حديث الرجل مما يوجب توهينه وجرحه وإلا لما سكتا عنه، والله أعلم [وانظر: تاريخ الإسلام (9/ 130)، الميزان (2/ 39)، المغني (1/ 228)، اللسان (3/ 445)].

• والخلاصة: أن الربيع بن حظيان هذا يمكن أن يقال فيه: صدوق يخطئ، أو: صدوق له أوهام.

وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 309/ 1648 - أطرافه).

ثم قال: "غريب من حديث الربيع بن حظيان عن عطاء عنه [يعني: عن جابر]، تفرد به عبد ربه بن ميمون عن الربيع، ولم يروه عنه غير سليمان بن عبد الرحمن".

قلت: إسناده إلى عطاء: إسناد شامي جيد، ولم ينفرد الربيع بهذا الحديث، عن عطاء بن أبي رباح، بل توبع عليه كما ترى، فهي متابعة جيدة، والله أعلم.

فهذه طرق أربعة إلى عطاء بن أبي رباح، يشد بعضها بعضًا.

لكن رواه أيضًا: حجاج بن المنهال [بصري، ثقة فاضل، روى له الجماعة]، قال: ثنا همام [هو: ابن يحيى، البصري: ثقة ربما وهم، روى له الجماعة، وروايته عن عطاء بن أبي رباح في الصحيحين]، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح، قال: حدثني رجل منهم: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة؟ فأمره أن يشهد الصلاة معه، فصلى الصبح

ص: 399

فعجل، ثم صلى الظهر فعجل، ثم صلى العصر فعجل، ثم صلى المغرب فعجل، ثم صلى العشاء فعجل، ثم صلى الصلوات كلها من الغد فاخر، ثم قال للرجل:"ما بين صلاتي في هذي الوقتين: وقت كله".

أخرجه الطحاوي (1/ 147 - 148).

وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.

وهذا -والله أعلم- لا يُعل رواية سليمان بن موسى ومن تابعه، فالذي أبهمه همام في هذه الرواية، بينه غيره: الرجل المبهم الذي حدث عطاء بن أبي رباح هو جابر بن عبد الله، وصفة التعجيل والتأخير بينها أيضًا غيره.

وروايتهم عندي أولى بالصواب من رواية همام، فإن الوهم أبعد عن الجماعة من الواحد، وسليمان بن موسى معروف بالرواية عن عطاء بن أبي رباح، بل وروايته عنه في صحيح مسلم (1536)، وقد توبع على روايته متابعات قوية تجعل النفس تطمئن إلى ثبوت روايته وكونها محفوظة، والله أعلم.

• ورواه أيضًا: عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: بلغني أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة؟. . . فذكر الحديث بنحوه، وقدَّم وأخَّر.

أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 12).

وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي: ثقة، من أصحاب عطاء بن أبي رباح، إلا أنه يهم عليه في الشيء بعد الشيء، قال يحيى بن معين:"كان عبد الملك بن أبي سليمان: فيه شيء، مقطع يوصله، وموصل يقطعه"[الضعفاء الكبير (3/ 32)، وانظر: العلل ومعرفة الرجال (3/ 219/ 4949)، التهذيب (613/ 2)، الميزان (2/ 656)].

فهذا الحديث قد وصله جماعة من الثقات، وأرسله عبد الملك فوهم فيه، والله أعلم.

• وفي الجملة: فالحديث صحيح عن جابر في قصة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، وصلات المغرب في وقتين، والعمدة في متنه: ما رواه ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر به، بخلاف من رواه فجعل أذان بلال في أول الوقت.

فإن قيل: قد روى برد بن سنان، وعبد الكريم بن أبي المخارق، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر: قصة إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلاته المغرب في وقت واحد في اليومين؟

فيقال: قد صح هذا وهذا، وعطاء: حافظ؛ لا يستبعد كون الحديث كان عنده عن جابر بالوجهين جميعًا فحدث به مرة هكذا ومرة هكذا، رواه عنه في إمامة جبريل: برد بن سنان، وابن أبي المخارق.

ورواه عنه في قصة سؤال السائل: سليمان بن موسى، وابن أبي المخارق، والمطعم بن المقدام، والربيع بن حظيان، وتابعهم همام إلا أنه أبهم جابرًا؛ واختصره.

ص: 400

فإن قيل: الذين رووه عن عطاء بالوجه الثاني أكثر وأحفظ؟ فيقال: حديث جبريل مروي عن جابر من طريقين آخرين غير طريق عطاء، وهو محفوظ عنه، فلا داعي إذًا لتوهيم برد بن سنان، لا سيما وقد رواه ابن أبي المخارق، عن عطاء بالوجهين، بإسناد واحد صحيح إلى ابن أبي المخارق؛ عند الدارقطني.

وانظر: ما تقدم تحت الحديث السابق (394).

***

قال أبو داود: وكذلك روى ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• حديث صحيح.

1 -

رواه سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا سأله عن وقت الصلاة؟ فقال له:"صل معنا هذين" -يعني: اليومين-، فلما زالت الشمس أمر بلالًا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر.

فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها.

ثم قال: "أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال:"وقت صلاتكم بين ما رأيتم".

أخرجه مسلم (613/ 176)، وأبو عوانة (1/ 312/ 1108 و 1109)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 210/ 1369)، والترمذي (152)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(137)، والنسائي (1/ 258/ 519)، وابن ماجه (667)، وابن خزيمة (1/ 166/ 323)، وابن حبان (4/ 359 - 360 و 391/ 1492 و 1525)، وابن الجارود (151)، وأحمد (5/ 349)، والروياني (14)، وأبو العباس السراج في مسنده (974)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1337)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 148)، وفي أحكام القرآن (285)، والدارقطني (1/ 262)، والبيهقي (1/ 371)، وابن عبد البر (3/ 385)، وابن الجوزي في التحقيق (316).

رواه عن الثوري: إسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة]، وهذا لفظه عند مسلم بالبداءة بالظهر، وكذا هو عند أغلب من رواه من طريق الأزرق، ورواه أحمد عنه، وكذا الترمذي، وابن الجوزي من طريقه لكن بدأ عندهم بالفجر، ولعله أشبه.

ورواه عن الثوري أيضًا: مخلد بن يزيد [صدوق] بنحو لفظ إسحاق الأزرق لكن بدأ بالفجر، ولم يختلف عليه في ذلك [النسائي، أبو عوانة].

ص: 401

ورواه أيضًا: قبيصة، كما عند البيهقي لكن لم يسق لفظه.

ورواه عبد العزيز بن أبان أبو خالد القرشي [متروك، كذبه ابن معين، وابن نمير. التهذيب (2/ 581)]، قال: حدثنا سفيان به.

أخرجه أبو عوانة (1109)، متابعة، والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 16).

ثم قال العقيلي: "حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان؟ قال: لم أخرج عنه في المسند شيئًا، وقد أخرجت عنه على غير وجه الحديث، لما حدث بحديث المواقيت تركته".

وهذا النقل عن أحمد: هو في العلل ومعرفة الرجال (2/ 50/ 1519) و (3/ 298/ 5326)، ورواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 377)، وابن عدي في الكامل (5/ 288)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 444).

فلا يفهم من كلام الإمام أحمد هذا تضعيف حديث بريدة، وأنه منكر، وذلك لأن عبد العزيز بن أبان لما حدث عن الثوري بهذا الحديث تركه أحمد لأجل هذا الحديث.

ولكن السبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الحديث لم يكن عند عبد العزيز بن أبان، عن الثوري، بدليل قول ابن معين:"كذاب يدعي ما لم يسمع"، وسأله الدارمي قال:"من أين جاء ضعفه؟ فقال: كان يأخذ أحاديث الناس فيرويها"، وعبد العزيز بن أبان هذا يروي عن الثوري أحاديث بواطيل ليس لها أصل، كما قال ابن عدي وغيره [انظر: تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (569)، الضعفاء الكبير (3/ 17)، الكامل (5/ 288)، التهذيب (2/ 581)، الميزان (2/ 622)، وغيرها].

والحديث معروف عن الثوري، رواه عنه من أصحابه: إسحاق بن يوسف الأزرق، وقبيصة بن عقبة، ومخلد بن يزيد، فليس غريبًا من حديث الثوري، وإنما ادعاه أبو خالد القرشي ولم يسمعه من الثوري. والله أعلم.

2 -

ورواه شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن مواقيت الصلاة؟ فقال:"اشهد معنا الصلاة".

فأمر بلالًا فأذن بغلس، فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق.

ثم أمره بالغد فنور بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل -أو: بعضه. شك حرمي-، فلما أصبح قال:"أين السائل؟ ما بين ما رأيت وقت".

أخرجه مسلم (613/ 177)، وأبو عوانة (1/ 313/ 1110)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 210 - 211/ 1370)، وابن خزيمة (324)، والدارقطني (1/ 263)، وأبو نعيم في

ص: 402

معرفة الصحابة (1/ 434/ 1264)، والبيهقي في السنن (1/ 374)، وفي المعرفة (1/ 405/ 527).

هكذا بدأ بالفجر.

3 -

ورواه الجراح بن الضحاك، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة؟ فقال: "صل معنا هذين اليومين"،. . . فذكر الحديث بنحو رواية سفيان وشعبة في اليوم الأول، لكن خالف في اليوم الثاني، فقال: ثم أمره من الغد، فأذن للفجر حين طلع الفجر، ثم أمره حين أسفر فأقام فصلى، ثم أمره فأذن الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم أمره فأقام فصلى، ثم أمره حين صار ظل كل شيء مثليه فأذن للعصر، ثم أمره فأقام فصلى، ثم أمره فأذن للمغرب حين غربت الشمس، ثم أمره فأقام فصلى، ثم آخر العشاء إلى قريب من ثلث الليل، ثم قال:"ما بين هذين وقت".

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 216/ 1777)، قال: حدثنا أحمد [يعني: ابن علي بن إسماعيل الرازي]، قال: نا نوح بن أنس المقرئ، قال: نا علي بن أبي بكر، عن الجراح بن الضحاك به.

ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن الجراح إلا علي، تفرد به نوح".

قلت: علي بن أبي بكر، ونوح بن أنس الرازيان: صدوقان [انظر: التهذيب (3/ 145)، الجرح والتعديل (8/ 486)، الثقات (9/ 211)].

وشيخ الطبراني: قال الخطيب البغدادي: "ثقة"[تاريخ بغداد (4/ 307)].

وأما الجراح بن الضحاك فهو: صالح الحديث [التهذيب (1/ 292)، الكاشف]، وحديثه هذا شاذ لمخالفته في متنه كبار الحفاظ: الثوري، وشعبة، ولعله دخل له حديث في حديث، فإن الشق الثاني منه إنما يروى في قصة إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه جعل للمغرب في اليومين وقتًا واحدًا.

• وحديث بريدة هذا -من رواية سفيان وشعبة-: حديث صحيح؛ صححه مسلم، وأبو عوانة، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وحسنه البخاري.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب صحيح".

وقال في العلل (86): "قال [يعني: البخاري]: وحديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، في المواقيت: هو حديث حسن، ولم يعرفه إلا من حديث سفيان".

وقال ابن خزيمة بعد حديث بندار الذي يرويه عن حرمي، عن شعبة به، قال: "قال بندار: فذكرته لأبي داود، فقال: صاحب هذا الحديث ينبغي أن يكبر عليه، قال بندار: فمحوته من كتابي.

قال أبو بكر [ابن خزيمة]: ينبغي أن يكبر على أبي داود حيث غلط، وأن يضرب

ص: 403

بندار عشرة؛ حيث محا هذا الحديث الصحيح من كتابه؛ لأنه حديث صحيح؛ على ما رواه الثوري أيضًا عن علقمة، غلط أبو داود، وغير بندار، هذا حديث صحيح رواه الثوري أيضًا عن علقمة" [صحيح ابن خزيمة (1/ 167)، إتحاف المهرة (2/ 550)].

وقال البيهقي في السنن (1/ 378): "وهو حديث صحيح".

• وفي الباب أيضًا:

1 -

عن أبي هريرة:

يرويه محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس".

أخرجه الترمذي في الجامع (151)، وفي العلل الكبير (82)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (136)، وأحمد (2/ 232)، وابن أبي شيبة (1/ 281/ 3222) و (7/ 262/ 35900)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (149)، وابن أبي عاصم في الأوائل (60)، والبزار (16/ 125/ 9210)، وابن المنذر (2/ 336/ 959)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 149 و 150 و 156)، وفي أحكام القرآن (286)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 119)، والدارقطني (1/ 262)، وابن حزم (3/ 168)، والبيهقي (1/ 376)، وابن الجوزي في التحقيق (315).

هكذا رواه محمد بن فضيل -وهو: صدوق-، عن الأعمش.

وخالفه أصحاب الأعمش: زائدة بن قدامة [ثقة ثبت متقن]، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري [ثقة حافظ]، وأبو زبيد عبثر بن القاسم [ثقة]:

رووه عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان يقال: إن للصلاة أولًا وآخرًا.

وفي رواية: عن الأعمش، عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

أخرجه الترمذي في الجامع (151 م)، وفي العلل (83)، والعقيلي (4/ 119)، والدارقطني (1/ 262)، والبيهقي (1/ 376).

وهذا هو المحفوظ، وهم في إسناده ابن فضيل.

قال الترمذي في الجامع: "وسمعت محمدًا [يعني: البخاري] يقول: حديث الأعمش، عن مجاهد في المواقيت: أصح من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش. وحديث محمد بن فضيل: خطأ؛ أخطأ فيه محمد بن فضيل".

وقال في العلل: "سألت محمدًا، عن هذا الحديث؟ فقال: وهم محمد بن فضيل في حديثه، والصحيح: هو حديث الأعمش عن مجاهد".

ص: 404

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: "هذا الحديث؛ حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في المواقيت: خطأ، ليس له أصل"[التمهيد (3/ 388)].

وقال عباس الدوري: "سمعت يحيى يضعف حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

أحسب يحيى يريد: إن للصلاة أولًا وآخرًا، وقال: إنما يروى عن الأعمش، عن مجاهد" [تاريخ ابن معين (9/ 393/ 1903)].

وقال في موضع آخر: "سمعت يحيى يقول: حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان للصلاة أولًا وآخرًا" رواه الناس كلهم، عن الأعمش، عن مجاهد: مرسلًا" [تاريخ ابن معين (4/ 66/ 3175)].

نقل هذين النصين: البيهقي، وابن عبد البر، وزاد الأخير في النص الأخير:"ورواه محمد بن فضيل عن الأعمش فأخطأ فيه، وهو حديث ضعيف، ليس بشيء، إنما هو: الأعمش عن مجاهد: مرسل"[التمهيد (3/ 388)].

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: "هذا خطأ، وهم فيه ابن فضيل، يرويه أصحاب الأعمش: عن الأعمش، عن مجاهد، قوله"[العلل (1/ 101/ 273)].

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا محمد بن فضيل، ولم يتابع عليه، وإنما يرويه زائدة بن قدامة عن الأعمش عن مجاهد موقوفًا من قوله".

وقال العقيلي بعد حديث زائدة، عن الأعمش، عن مجاهد؛ قوله، قال: "وهذا

أولى"؛ يعني: من حديث ابن فضيل.

وقال الدارقطني بعد مسند ابن فضيل: "هذا لا يصح مسندًا، وهم في إسناده ابن فضيل، وغيره يرويه عن الأعمش، عن مجاهد: مرسلًا"، ثم أسند موقوف مجاهد من طريق زائدة، ثم قال:"وهو أصح من قول ابن فضيل، وقد تابع زائدة: عبثر بن القاسم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 388): "هذا الحديث عند جميع أهل الحديث: حديث منكر، وهو خطأ، لم يروه أحد عن الأعمش بهذا الإسناد إلا محمد بن فضيل، وقد أنكروه عليه"[وانظر: المعرفة للبيهقي (1/ 407)].

وحسم ابن عبد البر المسألة بحكاية إجماع أهل الحديث على إنكار هذا الحديث على ابن فضيل، وإجماع أهل الحديث: حجة، لا يجوز العدول عنه بحال؛ فها هم أئمة نقاد الحديث قد اتفقوا على أن ابن فضيل قد وهِم فيه، وهم: البخاري، وابن معين، وابن نمير، وأبو حاتم، والبزار، والعقيلي، والدارقطني، وابن عبد البر، غير من نقل كلام بعضهم وأقره عليه، مثل: الترمذي، والبيهقي، وغيرهم.

فلا وزن بعدئذ لقول من أتى بعدهم فرد إجماعهم بتأويل ضعيف، مثل ما قال ابن

ص: 405

القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 439/ 2613): "وعندي أنه لا بُعد في أن يكون عند الأعمش في هذا عن مجاهد، أو غيره مثل الحديث المرفوع، وإنما الشأن في رافعه، وهو محمد بن فضيل، وهو صدوق، من أهل العلم، وقد وثقه ابن معين"، وقال في موضع آخر (5/ 675):"وضعفه، وهو صحيح".

ومثل ما قال ابن الجوزي في التحقيق: "ابن فضيل: ثقة، فيجوز أن يكون الأعمش قد سمعه من مجاهد مرسلًا، وسمعه من أبي صالح مسندًا".

وانظر: التنقيح (1/ 251)، نصب الراية (1/ 230)، الإمام (4/ 29)، البدر المنير (3/ 160)، التلخيص (1/ 174).

قلت: نعم، محمد بن فضيل: قد وثقه جماعة وثبته بعضهم ورفع شأنه، وهو صدوق [انظر: التهذيب (3/ 676)]، وليس هو في الحفظ والضبط في مقام زائدة بن قدامة، أو أبي إسحاق الفزاري، أو عبثر بن القاسم؛ فكيف إذا اجتمعوا على مخالفته، فالجماعة أبعد عن الوهم من الواحد، وليس مع ابن فضيل قرائن تثبت حفظه لهذا الحديث، ولم يتابع عليه، حتى يقال بأن كلا الطريقين محفوظ، وأن للأعمش فيه شيخين، فتعدد الأسانيد محتمل من الأعمش، لكن إذا اختلف عليه ثقات أصحابه، والله أعلم.

2 -

عن أنس:

أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن وقت صلاة الفجر؟ فأمر بلالًا فأذن حين طلع الفجر، ثم أقام فصلى، فلما كان من الغد آخر حتى أسفر، ثم أمره أن يقيم فأقام فصلى، ثم دعا الرجل فقال:"أشهدت الصلاة أمس واليوم؟ " قال: نعم، قال:"ما بين هذا وهذا وقت".

أخرجه النسائي (2/ 11/ 642)، وأحمد (3/ 113 و 121 و 182 و 189)، وابن أبي شيبة (1/ 281/ 3225)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (77)، وأبو يعلى (6/ 428 و 3801/ 461 و 3862)، والسراج في مسنده (962 - 964 و 976)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1325 - 1327)، وابن المنذر (2/ 347/ 980) و (3/ 31/ 1182)، والبيهقي (1/ 377 - 378)، وابن عبد البر (4/ 332 و 333)، والضياء في المختارة (6/ 21 - 23/ 1973 - 1976).

من طرق عن حميد عن أنس به.

رواه عن حميد: جماعة كثيرة منهم: يزيد بن هارون، ومعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد، وحماد بن سلمة، وإسماعيل بن جعفر، وأنس بن عياض، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو خالد.

قال ابن حجر في الفتح (2/ 103): "وإسناده صحيح"، وهو كما قال.

3 -

عن مجمع بن جارية:

أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مواقيت الصلاة؟ فقدَّم ثم أخَّر، وقال:"بينهما وقت".

ص: 406

أخرجه الدارقطني (1/ 260 - 261)، والحاكم (1/ 193).

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".

قلت: ليس على شرط أيٍ منهما، وإسناده ضعيف، فإن عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري: شيخ للزهري، لا يُعرف.

***

396 -

. . . شعبة، عن قتادة: سمع أبا أيوب، عن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"وقَّت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقَّت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقَّت المغرب ما لم يسقط فور الشفق، ووقَّت العشاء إلى نصف الليل، ووقَّت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس".

• حديث صحيح.

في رواية ابن العبد: "ثور" بالثاء المثلثة بدل الفاء. وكذا هو بالثاء: "ثور" عند كل من أخرجه من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة به، وهو نفس طريق أبي داود، انفرد أبو داود بقوله:"فور"[انظر: صحيح مسلم. المستخرج (1365)، وتصحفت عنده إلى "نور" بالنون. البيهقي (1/ 367)].

أخرجه مسلم (612/ 172)، وأبو عوانة (1/ 299 و 310/ 1057 و 1098 و 1099)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 208 و 209/ 1364 - 1367)، والنسائي (1/ 260/ 522)، وابن خزيمة (1/ 182 - 183/ 354 و 355)، وأحمد (2/ 213)، والطيالسي (4/ 8/ 2363)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 9)، وابن أبي شيبة (1/ 282/ 3228 و 3229)، والبزار (6/ 404/ 2428)، وأبو العباس السراج في مسنده (971)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1334)، وابن المنذر (2/ 331/ 949)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 150)، وفي أحكام القرآن (1/ 171/ 287)، والطبراني في الأوسط (4/ 350/ 4403)، وفي مسند الشاميين (3/ 363/ 2472)، والبيهقي (1/ 366 و 367 و 371)، وابن عبد البر (3/ 386).

• وقد اختلف على شعبة في رفع ووقف هذا الحديث:

1 -

فرفعه: معاذ بن معاذ العنبري [ثقة متقن، وهو من أثبت أصحاب شعبة]، ومحمد بن يزيد الكلاعي الواسطي [ثقة ثبت عابد]، وإبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية [ليس به بأس. التاريخ الكبير (1/ 304)، الجرح والتعديل (2/ 113)، الثقات (6/ 13)، مشاهير علماء الأمصار (1437)، المعجم الصغير للطبراني (1/ 23/ 2)، المعجم الأوسط (4/ 348 - 354/ 4397 - 4415)، مسند الشاميين (3/ 359 - 374/ 2463 - 2492)، الكامل (2/ 162)، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (549)، الحلية (7/ 162)، تاريخ دمشق (7/ 17)، نصب الراية (3/ 339)، تاريخ الإسلام (9/ 425) و (14/ 41)]:

ص: 407

رواه ثلاثتهم، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

ووقفه: محمد بن جعفر، غندر [ثقة من أثبت أصحاب شعبة]، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي [ثقة]:

كلاهما، عن شعبة به موقوفًا على ابن عمرو.

3 -

ورواه أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي [ثقة]، وعبيد الله بن موسى [ثقة]، وعثمان بن عمر بن فارس العبدي [ثقة]، ومحمد بن الحسن الشيباني [الفقيه صاحب أبي حنيفة، ثقة]، ويحيى بن أبي بكير أبو زكريا الكرماني [كوفي الأصل، سكن بغداد: ثقة]: رواه خمستهم؛ عن شعبة به.

قالوا: قال شعبة: رفعه مرة، ولم يرفعه مرتين.

يعني: قتادة كما صرح بذلك في رواية الطيالسي الآتية.

وفي رواية يحيى بن أبي بكير [عند: أحمد، وابن المنذر] قال: "لم يرفعه مرتين، قال: وسألته الثالثة، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".

4 -

ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ، من أصحاب شعبة]، وعمرو بن مرزوق الباهلي [ثقة]:

كلاهما عن شعبة به، وقالا: قال شعبة: "أحيانًا يرفعه، وأحيانًا لا يرفعه"، زاد الطيالسي في رواية النسائي:"كان قتادة يرفعه. . ."، فتعين المبهم.

وهذه الرواية قد أبهم فيها عدد الأحايين، ورواية الجماعة المتقدمة تبين أنه رفعه مرة، ولم يرفعه مرتين، وأن عدم الرفع كان هو المتقدم، فلما سأل شعبة قتادة رفعه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فثبت الرفع.

وبهذا يتبين أن رواية غندر، وابن أبي عدي الموقوفة لا تعل رواية الرفع، وأن قتادة كان يقصر به أحيانًا فيوقفه، وهو عنده مرفوع، فلما استثبته شعبة أعلمه بأنه مرفوع، فدل على أن الوقف تقصير من قتادة نفسه، ولذلك فإن شعبة أحيانًا كان يجزم برفعه لا يذكر غيره، كلما في رواية أثبت الناس عنه: معاذ بن معاذ العنبري وغيره.

تنبيهان:

الأول: انفرد محمد بن يزيد الواسطي [وهو: ثقة ثبت]، فقال في روايته:"حمرة الشفق"، فخالف بذلك رواية الجماعة، عن شعبة (11)[وفيهم من أثبت أصحابه معاذ العنبري وغندر وغيرهما]، فقالوا في روايتهم:"ثور الشفق"، وهو المحفوظ، ورواية محمد بن بزيد الواسطي: شاذة.

قال ابن خزيمة: "فلو صحت هذه اللفظة في هذا الخبر؛ لكان في هذا الخبر بيان أن الشفق الحمرة، إلا أن هذه اللفظة تفرد بها محمد بن يزيد؛ إن كانت حفظت عنه، وإنما قال أصحاب شعبة في هذا الخبر: "ثور الشفق"، مكان ما قال محمد بن يزيد: "حمرة الشفق"".

ص: 408

الثاني: تصحفت لفظة "ثور" في هذا الحديث عند بعضهم إلى "نور" بالنون وهي تصحيف، والمعروف في هذا الحديث "ثور" بالثاء المثلثة.

قال القاضي عياض في المشارق (1/ 135): "وصحفه بعضهم: نور الشفق، بالنون، وهو خطأ وإن صح معناه".

وعلى حاشية إحدى نسخ سنن أبي داود: "قال العراقي: وصحفه بعضهم بالنون، ولو صحت الرواية به لكان له وجه. سيوطي"[حاشية سنن أبي داود ط عوامة (1/ 342)].

وثور الشفق: ثورانه وانتشاره. انظر: غريب الحديث لابن سلام (2/ 127)، معالم السنن (1/ 109)، المشارق (1/ 135)، تهذيب اللغة (15/ 81)، شرح النووي على مسلم (5/ 112)، المغني (1/ 231)، النهاية (1/ 229) و (3/ 478).

وتنبيه أخير: وقع في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة [عند البيهقي (1/ 371)]: "ووقت العصر ما لم يحضر المغرب" وهي شافة، والمحفوظ ما رواه جماعة الحفاظ من أصحاب شعبة:"ووقت العصر ما لم تصفر الشمس".

هذا ما يتعلق برواية شعبة، عن قتادة.

ورواه عن قتادة أيضًا جماعة منهم: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهمام بن يحيى، وحجاج بن حجاج الباهلي، وروايتهم في صحيح مسلم، وكذلك: سعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد.

1 -

أما رواية هشام:

فأخرجها مسلم (612/ 171)، وأبو عوانة (1/ 302 و 310/ 1067 و 1100)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 208/ 1363)، وابن خزيمة (1/ 169/ 326)، والبزار (6/ 404/ 2429)، والبيهقي (1/ 371).

من طريق معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتم الفجر فإنه وقَّت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقَّت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقَّت إلى تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقَّت إلى نصف الليل".

2 -

وأما رواية همام:

فأخرجها مسلم (612/ 173)، وأبو عوانة (1/ 291/ 1025)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 208 و 209/ 1364 و 1367)، وابن حبان (4/ 337/ 1473)، وأحمد (2/ 210 و 223)، والطيالسي (4/ 8/ 2363)، وابن المنذر (2/ 326/ 946)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 150)، وفي أحكام القرآن (1/ 171/ 288)، وابن حزم (3/ 166)، والبيهقي (1/ 365 و 366 و 374 و 378)، وابن الجوزي في التحقيق (318).

من طريق همام: حدثنا قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: أن

ص: 409

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقَّت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقَّت العصر ما لم نصفر الشمس، ووقَّت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقَّت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقَّت صلاة الصبح من طلوع الفجر، ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان".

3 -

وأما رواية حجاج:

فأخرجها مسلم (612/ 174)، وأبو عوانة (1/ 292 و 302 و 309 - 310/ 1026 و 1027 و 1065 و 1097)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 210/ 1368)، والبيهقي في السنن (1/ 365)، وفي المعرفة (1/ 406 - 407/ 530)، والمزي في التهذيب (21/ 411).

من طريق عمر بن عبد الله بن رزين: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات؟ فقال: "وقَّت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقَّت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء، ما لم بحضر العصر، ووقَّت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقَّت صلاة المغرب إذا غابت الشمس، ما لم يسقط الشفق، ووقَّت صلاة العشاء إلى نصف الليل".

قلت: قوله في هذا الحديث: "ويسقط قرنها الأول"؛ يعني: في آخر وقت العصر؛ غريب غريب، ولعل الحمل فيه على عمر بن عبد الله بن رزين: قال أبو نعيم الأصبهاني في الحلية (2/ 281): "قاضي نيسابور، ثبت ثقة"، لكن ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 438) وقال:"يروي عن سفيان بن حسين الغرائب"، ولعل هذا من غرائبه [انظر: كنى مسلم (2500)، فتح الباب (1798)، السير (9/ 430)، التهذيب (3/ 236)، التذييل على التهذيب (846)، الكاشف (2/ 64)، وقال:"ثقة نبيل"، التقريب (456)، وقال:"صدوق له غرائب"].

4 -

وأما رواية ابن أبي عروبة:

فأخرجها ابن خزيمة (1/ 183/ 355 م)، والبزار (6/ 403/ 2427).

كلاهما عن أبي موسى محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد -يعني: ابن أبي عروبة-، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إذا زالت الشمس عن بطن السماء فصلاة الظهر درك إلى أن يصلى العصر، ثم صلاة العصر والشمس بيضاء نقية فهي درك إلى أن يسقط قرن الشمس الأول، فإذا غابت الشمس فصلاة المغرب درك إلى أن يغيب الشفق، فإذا غاب الشفق فصلاة العشاء درك إلى نصف الليل، فإذا طلع الفجر فصلاة الصبح درك إلى أن يطلع قرن الشمس الأول. لفظ البزار، ولم يسق ابن خزيمة لفظه.

وهذا أيضًا غريب بهذا اللفظ والسياق، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة بعد الاختلاط [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 745)]، ومما يؤكد

ص: 410

أن ابن أبي عروبة قد حدث بهذا الحديث بعد اختلاطه مخالفته فيه لهشام الدستوائي، وشعبة، وهمام، وحجاج الباهلي، في رفع هذا الحديث، حيث رفعوه وأوقفه هو.

كذلك خالف الثلاثة الأول: هشامًا، وشعبة، وهمامًا في متنه، لا سيما في قوله في العصر:"إلى أن يسقط قرن الشمس الأول"، والمحفوظ في حديث قتادة [من رواية هؤلاء الحفاظ الثلاثة]:"ما لم تصفر الشمس".

5 -

وأما رواية معمر:

فيرويها عبد الرزاق في مصنفه (1/ 581/ 2215)، عن معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إذا زالت الشمس عن بطن السماء فصلاة الظهر دركًا حتى يحضر العصر، وصلاة العصر دركًا. . . حتى يذهب الشفق، فما بعد ذلك إفراط، وصلاة العشاء درك حتى نصف الليل، فما بعد ذلك إفراط، وصلاة الفجر درك حتى يطلع قرن الشمس، فما بعد ذلك فهو إفراط.

وهذا شاذ سندًا ومتنًا، معمر بن راشد في حديثه عن العراقيين -أهل الكوفة وأهل البصرة-: ضعف، وقد خالف في إسناده ومتنه: الحفاظ من أصحاب قتادة: هشام، وشعبة، وهمام، وغيرهم؛ والذين صحح حديثهم هذا الإمام مسلم فأورد في صحيحه: رواية هشام الدستوائي، ثم رواية شعبة، ثم رواية همام، ثم رواية حجاج الباهلي، وأعرض عن رواية ابن أبي عروبة ومعمر لما فيهما من الشذوذ، ثم أسند إلى يحيى بن أبي كثير قوله:"لا يستطاع العلم براحة الجسم"، قيل: فعل ذلك لأنه بعدما فرغ من ذكر طرق هذا الحديث وتتبعها أراد أن ينبه على أن ذلك لا يحصل لطالب العلم مع الراحة والدعة.

• وفي نهاية هذا الباب يحسن أن نلخص ما جاء فيه:

أولًا: قصة إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس في يومين لبيان المواقيت: صحت من حديث ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة.

• وخلاصة ما جاء فيها:

أن وقت الظهر: من زوال الشمس، إلى مصير ظل كل شيء مثله، سوى فيء الزوال.

ووقت العصر: من مصير ظل كل شيء مثله، إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه.

ووقت المغرب: إذا غربت الشمس وأفطر الصائم، وقتًا واحدًا لم يزل عنه في اليومين.

ووقت العشاء: من مغيب الشفق إلى ثلث الليل.

ووقت الفجر: من طلوع الفجر -حين يحرم الطعام والشراب على الصائم- إلى أن يسفر جدًّا.

ثانيًا: قصة سؤال السائل، عن المواقيت، ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها مفصلًا في يومين: صح من حديث أبي موسى، وبريدة، وجابر.

ص: 411

• وخلاصة ما جاء فيها:

أن وقت الفجر: من طلوع الفجر -والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا-، إلى طلوع الشمس -ففي حديث أبي موسى:"انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت"، وفي حديث جابر:"حتى كادت الشمس أن تطلع"، وفي رواية:"فأسفر"، وفي حديث بريدة:"فأسفر بها"، وفي رواية:"فنور بالصبح" يعني: أنه دخل فيها بعد الإسفار، وفرغ منها قبيل طلوع الشمس، والله أعلم.

ووقت الظهر: من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله.

كما في حديث جابر، وفي حديث أبي موسى:"ثم آخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس"؛ يعني: أنه أقام صلاة الظهر وشرع فيها قبل دخول وقت العصر ومصير ظل كل شيء مثله، بدليل قوله في حديث بريدة:"فأبرد بالظهر".

ففي هذه الأحاديث، وفي حديث ابن عمرو:"وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر": دليل على أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر، بل متى خرج وقت الظهر -بمصير ظل كل شيء مثله غير فيء الزوال- دخل وقت العصر، وإن دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر، ويجاب عن حديث جابر وحديث جبريل، بأن معناه: فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، فلا اشتراك بينهما [نيل الأوطار (1/ 456)][أضواء البيان (1/ 299)].

ووقت العصر: من مصير ظل كل شيء مثله، كما في حديث جابر، وهو في معنى ما جاء في حديث أبي موسى وبريدة: أنه أقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة.

ويمتد إلى اصفرار الشمس، ولا يعارض هذا حديث جابر:"حين كان فيء الإنسان مثليه"، ولا حديث بريدة:"ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة"؛ لأن معناه: أنه شرع في الصلاة والحال هذه، ولم ينصرف منها إلا وقد اصفرت الشمس، أو قال القائل: قد احمرت الشمس.

ووقت المغرب: إذا غابت الشمس؛ إلى سقوط الشفق، وفي حديث جابر:"حتى كاد يغيب ببياض النهار"؛ يعني به: الحمرة، لا بياض الأفق.

ووقت العشاء: من مغيب الشفق، حين يذهب بياض النهار كما في حديث جابر؛ يعني به: الحمرة، إلى ثلث الليل، وفي رواية لحديث جابر: نصف الليل.

ولا تعارض بين هاتين الواقعتين: قصة إمامة جبريل، وقصة سؤال السائل؛ لما فيهما من الاختلاف في المواقيت لا سيما في وقت المغرب، ففي حديث إمامة جبريل: أنه صلاها في اليومين في وقت واحد لم يزل عنه حين غابت الشمس، وفي قصة سؤال السائل: صلاها في وقتين.

ص: 412