الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فإن عجزت عن التراب أجزأك التيمم بضرب الأرض الطاهرة كيف ما كانت، وإن لم يكن فيها غبار؛ لقول الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء.
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، ونائبه: الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى، وعضوية الشيخ عبد الله بن غديان حفظه الله تعالى.
***
123 - باب الجنب يتيمم
332 -
خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجْدان، عن أبي ذر، قال: اجتمعت غُنَيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا ذر! أُبْدُ فيها" فبدوت إلى الرَّبَذة، فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أبو ذر" فسكتُّ، فقال:"ثكلتك أمُّك أبا ذر، لأمِّك الويل! " فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعُسٍّ فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترتُ بالراحلة، واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلًا، فقال:"الصعيد الطيب وَضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمِسَّه جلدك، فإن ذلك خير".
قال مسدد [شيخ أبي داود]: غُنَيمة من الصدقة، وحديث عمرو أتم.
• حديث حسن.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 317)، والترمذي (124)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(104 و 105)، والنسائي (1/ 171/ 322)، وابن خزيمة (4/ 32/ 2292)، وابن حبان (4/ 135 - 140/ 1311 و 1312 و 1313)، والحاكم (1/ 176 - 177)، وأحمد (5/ 155 و 180)، وعبد الرزاق (1/ 238/ 913)، والبزار (9/ 387/ 3973)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 257/ 175)، والطحاوي في أحكام القرآن (120 - 122)، ويونس بن حبيب في زوائده على مسند الطيالسي (1/ 486/390 م)، والمحاملي في الأمالي (81)، وابن الأعرابي في المعجم (729)، والدارقطني في السنن (1/ 186 و 187)، وفي الأفراد (5/ 52/ 4646 - أطرافه)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 7 و 8 و 179 و 183 و 212 و 220)، وفي المعرفة (1/ 297/ 336)، وفي الخلافيات (2/ 437 و 455 و 510/ 782 و 802 و 803 و 849)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 863 و 874 و 875 و 876 و 877 و 878)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 51 و 239/ 29 و 238).
قال الترمذي: "وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر.
وقد روى هذا الحديث: أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، ولم يسمه.
وهذا حديث حسن صحيح".
واحتج به أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم، وقال:"هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، إذ لم نجد لعمرو بن بجدان راويًا غير أبي قلابة الجرمي، وهذا مما شرطت فيه، وثبت أنهما قد خرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين".
وقال الجوزقاني وابن الملقن: "حديث صحيح"[الأباطيل (1/ 508)، البدر المنير (2/ 656)].
قلت: هذا الحديث قد رواه عن خالد الحذاء به هكذا: خالد بن عبد الله الواسطى، ويزيد بن زريع، ولم يختلف عليهما في إسناده، وكلاهما: ثقة ثبت متقن.
ورواه سفيان الثوري واختلف عليه في إسناده، وسنذكر هذا الاختلاف بعد حديث أيوب السختياني.
***
333 -
أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، قال: دخلت في الإسلام فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر، فقال أبو ذر: إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبغنم، فقال لي:"اشرب من ألبانها"، -قال حماد [يعني: ابن سلمة راوي الحديث عن أيوب، عند أبي داود]: وأشك في "أبوالها" هذا قول حماد- فقال أبو ذر: فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي؛ فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه، وهو في ظل المسجد، فقال:"أبو ذر؟ " فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال:"وما أهلكك؟ " قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي؛ فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور! فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض، ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري، فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك".
قال أبو داود: رواه حماد بن زيد عن أيوب، لم يذكر:"أبوالها".
قال أبو داود: هذا ليس بصحيح، وليس في "أبوالها" إلا حديث أنس، تفرد به أهل البصرة.
• حديث حسن.
وفي سؤالات أبي عبيد الآجري (439)، قال:"سمعت أبا داود يقول: حماد بن سلمة وهم فيه، زاد: "وأبوالها".
قال أبو عبيد: رأيت هذا الكلام عندي عن أبي داود عقب حديث عمرو بن بجدان في التيمم".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 317)، وأحمد (5/ 146 و 155)، والطيالسي (1/ 389/ 486)، وعبد الرزاق (1/ 236 - 237/ 912)، وابن أبي شيبة (1/ 144/ 1661)، وإسماعيل القاضي في جزء فيه من أحاديث الإمام أيوب السختياني (46)، والدارقطني (1/ 187)، والبيهقي (1/ 179 و 217)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 313)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 865 - 872 و 877 و 878)، وابن الجوزي في التحقيق (263).
وانظر: علل الدارقطني (6/ 1113/254).
• واختلف نبه على أيوب السختياني:
1 -
فرواه حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وإسماعيل ابن علية، وسفيان الثوري -واختلف عليه-، وسعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وجرير بن حازم، وعبيد الله بن عمرو، ووهيب بن خالد (10):
كلهم: عن أيوب السختياني، عن رجل [قال معمر وابن أبي عروبة: من بني قشير. وقال جرير: عن رجل، ولم ينسبه، وقال بقية أصحاب أيوب: رجل من بني عامر]، قال: رأيت أبا ذر. . . فذكر الحديث، منهم من رواه مطولًا، ومنهم من اختصره.
• تنبيهات على هذه الرواية:
أ- وقع في رواية حماد بن زيد: عند إسماعيل القاضي: "وأمرني أن أشرب من أبوالها وألبانها"، قال حماد: ثم إن أيوب كان يقول: "ألبانها"، ولا يذكر:"أبوالها".
وهذا يدل على أن الوهم ليس من حماد بن سلمة، ولكن أيوب السختياني حدث بهذا الحرف أولًا ثم تركه لما شك فيه، وقد رواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد -قرنهما-، وفيه:"وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها"، ثم سكت أيوب عند "أبوالها"؛ يعني: أنه لما شك في هذا الحرف سكت عنده أولًا، ثم بعد ذلك ترك التحديث به، لذا لم يقع هذا الحرف "أبوالها"، ولا:"ألبانها" في رواية غير الحمادين.
ب- كلام أبي داود صحيح في شذوذ هذه اللفظة: "أبوالها"، حيث شك فيها أيوب ثم تركها، ولم تأت في رواية بقية أصحابه، وإنما تثبت هذه اللفظة -أعني: الشرب من
أبوال الإبل- من حديث أنس المتفق عليه [البخاري (233)، وانظر: أطرافه فيه. مسلم (1671)] قال: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها.
ج- وقع في رواية معمر وابن أبي عروبة: فتصيبني الجنابة [فلا أجد الماء] فأتيمم.
قلت: ذكر التيمم هنا شاذ، لم يروه الحفاظ من أصحاب أيوب، مثل: حماد بن زيد، وإسماعيل ابن علية، وهما: أثبت أصحاب أيوب، بل وقع في رواية الحمادين عند الطيالسي، وحماد بن سلمة عند أبي داود وغيره: فأصلي بغير طهور.
د- اتفق الحفاظ من أصحاب أيوب على أنه: رجل من بني عامر، وشذ معمر وابن أبي عروبة فقالا: رجل من بني قشير، على أنه يمكن الجمع بينهما لأن قشير بطن من بني عامر، فيقال: من بني قشير، وهو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من بني عامر، قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لجامع الترمذي (1/ 215):"وهذا الرجل هو الأول نفسه؛ لأن بني قشير من بني عامر، كما في الاشتقاق لابن دريد (ص 181) وهو عمرو بن بجدان نفسه".
وانظر: طبقات ابن سعد (1/ 58)، والأنساب (4/ 114 و 501)، وكذا اللباب: العامري والقشيري.
2 -
وخالفهم: موسى بن خلف العمي، فرواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمه أبي المهلب، عن أبي ذر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا ذرا إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك".
أخرجه الدارقطني (1/ 187)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (2/ 873).
وهذا وهم ظاهر؛ موسى بن خلف العمي: ليس بالقوي، والراوي عنه: ابنه خلف بن موسى بن خلف: وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"[التهذيب (1/ 549) و (4/ 174)].
قال الدارقطني في العلل (6/ 254): "ولم يتابع على هذا القول".
3 -
وأرسله ابن عيينة:
فرواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أعزب في أهلي فلا أجد الماء، فأصيب أهلي، وتصيبني الجنابة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذر] الصعيد الطيب طهور؛ وإن لم تجد الماء عشر سنين، فإذا وجدته فأمسه بشرتك".
أخرجه الخطيب في المدرج (2/ 873).
ورواية الجماعة هي الصواب.
4 -
واختلف على سفيان الثوري في حديث أيوب، وخالد الحذاء:
أ- فرواه مخلد بن يزيد، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أيوب السختياني، وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أبا
ذر الصعيد الطيب وَضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشره، فإن ذلك خير".
أخرجه النسائي (1/ 171/ 322)، وابن حبان (4/ 140/ 1313)، والدارقطني في السنن (1/ 186 - 187)، وفي الأفراد (5/ 52/ 4646 - أطرافه)، والبيهقي (1/ 212)، والخطيب في المدرج (2/ 863)، والجوزقاني في الأباطيل (1/ 508/ 318).
قلت: ومخلد بن يزيد القرشي الحراني: صدوق له أوهام؛ وهذا الحديث من جملة أوهامه، ومما وهم فيه على الثوري.
قال الدارقطني في العلل (6/ 253): "وأحسبه حمل حديث أيوب على حديث خالد؛ لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة، عن رجل لم يسمه، عن أبي ذر".
وقال في الأفراد: "تفرد به مخلد بن يزيد، عن الثوري، عن أيوب، وخالد الحذاء، عن أبي قلابة عنه"؛ يعني: عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر.
وقال البيهقي: "تفرد به مخلد هكذا، وغيره يرويه عن الثوري، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن رجل، عن أبي ذر، وعن خالد، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، كما رواه سائر الناس".
وقال الخطيب: "كذا روى هذا الحديث: مخلد بن يزيد الحراني، عن سفيان الثوري، عن أيوب السختياني، وخالد الحذاء، وساقه سياقة واحدة.
وأيوب إنما كان يرويه عن أبي قلابة، عن رجل، عن أبي ذر.
وأما خالد الحذاء فكان يرويه عن أبي قلابة ويسمى الرجل، وهو عمرو بن بجدان.
فحملت رواية أيوب على رواية خالد في حديث مخلد بن يزيد هذا".
ب- وممن وهم فيه على الثوري أيضًا:
قبيصة بن عقبة رواه، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن محجن أو: محجن [وفي رواية: أو: محجل، وفي ثالثة: عن محجل، أو: أبي محجن، وفي رابعة: عن محجن، أو: أبي محجن]، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
أخرجه البخاري في التاريخ (6/ 317)، والبزار (9/ 389/ 3974)، والدارقطني (1/ 187)، والخطيب في المدرج (2/ 875 و 876).
قال البخاري: "وقال بعضهم: ابن محجن؛ وهو وهم".
وقال ابن معين: "أخطأ في عمرو بن محجن، إنما هو: عمرو بن بجدان"[المدرج].
وقال الخطيب: "ولم يتابع قبيصة على شيء من هذين القولين".
وقال أبو زرعة الرازي: "هذا خطأ، أخطأ فيه قبيصة، إنما هو: أبو قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم"[علل ابن أبي حاتم (1)].
وقبيصة وإن كان ثقة؛ إلا أنه يُضعَّف في الثوري.
ج- وممن رواه مرة على الوهم ومرة على الصواب:
أبو أحمد الزبيري؛ رواه عن سفيان، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أبى ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه؛ لم يدخل بينهما أحدًا.
أخرجه المحاملي في الأمالي (82)، والخطيب في المدرج (2/ 874).
• والمحفوظ في هذين الإسنادين عن الثوري:
د- ما رواه وكيع بن الجراح، والحسين بن حفص الأصبهاني، ومحمد بن يوسف الفريابي، والقاسم بن يزيد الجرمي، وأبو داود الحفري، وقبيصة بن عقبة، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي:
سبعتهم: عن سفيان الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل [من بني عامر]،
عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . نحوه.
أخرجه الخطيب في المدرج (2/ 865 - 867)، وذكره الدارقطني في العلل (6/ 254).
هـ- وما رواه أبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق بن همام:
كلاهما: عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. . .
أخرجه الترمذي (124)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه (104 و 105)، وأحمد (5/ 180)، وعبد الرزاق (1/ 238/ 913)، وابن المنذر (1/ 257/ 175)، والخطيب في المدرج (2/ 874 و 875)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 51 و 239/ 59 و 238).
و- وممن روى الحديث عن الثوري بالإسنادين جميعًا: عن أيوب السختياني، وخالد الحذاء، فضبط الإسنادين، وبيَّن وجه الخلاف فيه، وفضل قول أيوب من قول خالد، وبيَّن عوار رواية مخلد بن يزيد، وقبيصة بن عقبة، وأبي أحمد الزبيري:
عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وإبراهيم بن خالد الصنعاني المؤذن، ومحمد بن شرحبيل بن جعشم:
رواه ثلاثتهم: عن سفيان الثوري، عن أيوب السختياني، وخالد الحذاء، عن أبي قلابة: ذكره خالد عن عمرو بن بجدان.
وذكره أيوب عن رجل.
عن أبي ذر: أن أبا ذر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجنب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بماء فاغتسل، ثم قال له:"إن الصعيد الطيب وَضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، وإذا وجد الماء فليمسه بشرته؛ فإن ذلك هو خير".
أخرجه أحمد (5/ 155)، وابن الأعرابي في المعجم (729)، والخطيب في المدرج (2/ 877 و 878).
قال الدارقطني في العلل (6/ 253): "ورواه عبد الرزاق، عن الثوري عنهما فضبطه وبيَّن قول كل واحد منهما من صاحبه، وأتى بالصواب.
وتابعه على ذلك: إبراهيم بن خالد، عن الثوري، عن أيوب، وخالد، بيَّن قول كل واحد على الصواب".
• وحاصل ما تقدم:
أن هذا الحديث يرويه أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرويه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعليه فالرجل الذي أبهمه أيوب، عرفه وحفظه خالد الحذاء، وهو ثقة حافظ يعتمد على حفظه، وتقبل زيادته -أعني: تسميته للمبهم-؛ لذا قال الإمام الدارقطني في العلل (6/ 255): "والقول: قول خالد الحذاء".
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 457): "عن رجل من بني عامر؛ وهو عمرو بن بجدان، وليس له راو غير أبي قلابة، وهو مقبول عند أكثرهم؛ لأن أبا قلابة ثقة، وإن كان بخلاف شرط الشيخين في خروجه عن حد الجهالة بأن يروي عنه اثنان، والله أعلم".
وقال المنذري: "هذا الرجل من بني عامر هو عمرو بن بجدان"[مختصر السنن (1/ 207)].
والحديث -كما تقدم-: صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والجوزقاني، واحتج به أبو داود والنسائي.
ونقل الحافظ في الفتح (1/ 354) تصحيحه عن الدارقطني أيضًا، وزاد في التلخيص (1/ 270 - 271):"وصححه أيضًا أبو حاتم".
وخالف هؤلاء الأئمة: ابن القطان الفاسي فقال في بيان الوهم والإيهام (3/ 328): "وهو حديث ضعيف لا شك فيه".
واحتج على تضعيفه بأمرين:
الأول: حال عمرو بن بجدان؛ لتفرد أبي قلابة بالرواية عنه، ووصفه له بجهالة الحال، فقال:"وذلك لأنه لا يعرف لعمرو بن بجدان هذا حالٌ، وإنما روى عنه أبو قلابة".
والثاني: الاختلاف على أبي قلابة في شيخه حيث سماه خالد الحذاء، وأبهمه أيوب، ثم الاختلاف على أيوب في إسناده، فأورد الاختلاف الذي ساقه الدارقطني في علله وسننه، واعتبره اختلافًا قادحًا في الحديث، من جهة الاضطراب، والحق أنه ليس بقادح، ولا يعد مثل هذا اضطرابًا، بل يحكم فيه للأحفظ والأكثر، وتقبل زيادة الثقة الحافظ المتقن، كما فعل الدارقطني، وقدم قول الحذاء على غيره، وقد سبق بيان ذلك، وقد أحسن ابن دقيق العيد في الرد على ابن القطان لإعلاله الحديث بهذا الاختلاف.
انظر: الإمام (3/ 166 - 167).
وأما عمرو بن بجدان، وتضعيف الحديث من جهته؛ فيحسن فيه نقل كلام ابن دقيق العيد في رده على ابن القطان فقد أجاد؛ إذ يقول:"فمن العجب كونه لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث! فأي فرق بين أن يقول: هو ثقة، أو يصحح حديثًا انفرد به، وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله، وهو تصحيح الترمذي رحمه الله، وإن كان لم يرو قول الترمذي: "صحيح" فله عذر، لكن هذه اللفظة ثابتة فيما أورده شيخنا رحمه الله"؛ يعني بشيخه: الإمام المنذري، فيما نقله في مختصر السنن (1/ 206) عن الترمذي، ولعل سبب تشغيب ابن القطان هذا هو أن عبد الحق الإشبيلي في أحكامه الوسطى (1/ 220) نقل عن الترمذي قوله:"هذا حديث حسن"، فقال ابن القطان:"فهو عنده غير صحيح؛ ولم يبين لم لا يصح؟ ".
لكن كما قال ابن دقيق العيد؛ فإن لفظة: "صحيح" ثابتة عن الترمذي.
وعلى هذا فإن الذين صححوا هذا الحديث أو احتجوا به يكونون بذلك قد وثقوا عمرو بن بجدان توثيقًا ضمنيًا، وهم: الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وأبو داود، والنسائي، وكذا الدارقطني، وأبو حاتم، وهذا فضلًا عمن وثقه صراحة كالعجلي وابن حبان.
ثم إنه مما يرفع من حال عمرو بن بجدان: أن الراوي عنه هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي؛ وهو: بصري تابعي ثقة، كثير الحديث، ولا شك أن مثل هذا مما يرفع من حال المنفرد عنه، لدخوله في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، فهو تعديل ضمني لعموم التابعين.
كذلك قصة عمرو بن بجدان مع أبي ذر، فقد روى إسماعيل ابن علية، ومعمر، وابن أبي عروبة، عن أيوب عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، [كذا قال ابن علية، وقال معمر وابن أبي عروبة: من بني قشير] قال [واللفظ لابن علية]: كنت كافرًا فهداني الله للإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك [في نفسي]، وقد أنعت إليَّ أبو ذر، فحججت فدخلت مسجد قباء فعرفته بالنعت، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطن، فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي فسلمت عليه، فلم يرد عليّ حتى صلى صلاة أتمها وأحسنها وأطولها، فلما فرغ رد عليّ، فقلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذاك، قلت: كنت كافرًا فهداني الله للإسلام، وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي؟ قال: هل تعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة. . . وذكر الحديث. [المدرج (2/ 870)].
وسياق هذه القصة مما يبين شيئًا من حال عمرو بن بجدان وقلة روايته.
ثم بعد ذلك فإن حديثه هذا ليس فيه ما ينكر، فهو موافق لما رواه الثقات في التيمم؛
مثل حديث عمار وفيه: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، وحديث عمران بن حصين:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك"، وفي آخره:"خذ هذا فأفرغه عليك".
وعمرو بن بجدان: قليل الرواية، وليس له من الحديث سوى هذا الحديث في التيمم، وحديث آخر يرويه أبو قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي زيد الأنصاري [عمرو بن أخطب]، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار، فوجد ريح قتار، فقال:"من هذا الذي ذبح" فخرج إليه رجل منا، فقال: أنا يا رسول الله، ذبحت قبل أن أصلي لأطعم أهلي وجيراني، فأمره أن يعيد، فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو؛ ما عندي إلا جذع أو حمل من الضأن، قال:"اذبحها، ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك".
أخرجه الترمذي في العلل الكبير (449)، وابن ماجه (3154)، وأحمد (5/ 77 و 340)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 200/ 2184)، والطبراني في الكبير (17/ 29 و 30/ 52 و 53).
وهذا الحديث -بغض النظر عن صحته من جهة الإسناد- فإنه متنه غير منكر؛ إذ هو في معنى حديث البراء بن عازب في الصحيحين [البخاري (951)، وانظر أطرافه. مسلم (1961)] في قصة خاله أبي بردة بن نيار، إلا ما كان من قوله:"ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك"، لما فيه من المعارضة، وقد تأول ذلك بعضهم. انظر: نصب الراية (4/ 217).
وعلى هذا فإن عمرو بن بجدان لم يرو منكرًا، ولم يضعَّف؛ وأكثر ما يقال فيه بأنه غير مشهور بالطلب، وهذا الذي يفسر قول أحمد فيه حين قال له ابنه عبد الله:"عمرو بن بجدان معروف؟ قال: لا؟ "[التهذيب (3/ 258)].
ومثل هذا مما يحتمل في التابعين، ممن لا يعلم فيه جرحة، ولا يعرف له حديث منكر.
فإن اقترن بذلك توثيق العجلي له حيث قال في ثقاته (1367): "بصري تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (5/ 171)، وصحح له حديثه هذا جماعة، مثل: الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وحُكي عن الدارقطني وأبي حاتم تصحيحه، واحتج به أبو داود والنسائي، ورواية أحد ثقات التابعين عنه [أبو قلابة]، وقصته مع أبي ذر، كل هذا مما يجعل النفس تطمئن إلى ثبوت حديثه هذا، والحكم عليه بالحسن.
فهو حديث حسن.
ولم أصححه لأجل حال عمرو بن بجدان، وعدم شهرته، والله أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
• وهذا الحديث مما وهم فيه بقية بن الوليد، أو سعيد بن بشير:
فقد روى بقية بن الوليد: نا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن رجاء بن عامر، أنه سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.
أخرجه الدارقطني (1/ 187)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (2/ 878).
قال الدارقطني: "كذا قال: رجاء بن عامر، والصواب: رجل من بني عامر، كما قال ابن علية عن أيوب".
وقال في العلل (6/ 254): "وإنما أراد أن يقول: عن رجل من بني عامر، وقال هشام الدستوائي، عن قتادة عن أبي قلابة، أن رجلًا من بني قشير، قال: يا نبي الله، ولم يذكر أبا ذر، وأرسله".
وقال الخطيب: "نرى أن قوله: رجاء بن عامر تصحيف، وصوابه: عن رجل من بني عامر. . .، والتصحيف عندنا من سعيد بن بشير، أو ممن دونه، والله أعلم".
قلت: يبدو لي أن التصحيف إنما هو من بقية بن الوليد؛ فقد رواه مرة أخرى على الصواب، فقال:"رجل من بني عامر".
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 2713/54).
ثم رواه مرة أخرى فوهم، وقال:"عن جابر بن غانم".
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 66/ 2743).
وقد ادعى ابن القطان الفاسي بعدما ضعَّف حديث عمرو بن بجدان عن أبي ذر [وهو: حديث حسن]، ادعى أن لهذا المعنى إسناد صحيح [بيان الوهم (3/ 328)]، ووعد بذكره في باب الأحاديث التي لم يصححها عبد الحق، ولها أسانيد صحاح، ثم وفى بموعوده، فقال في ذلك الباب (5/ 266/ 2464):"قال البزار: حدثنا مقدم بن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم المقدمي، قال: حدثني عمي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد وَضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق وليمسه بشرته؛ فإن ذلك خير".
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولم نسمعه إلا من مقدم، عن عمه، وكان مقدم: ثقة، معروف النسب. انتهى كلام البزار، فأقول بعده: إن القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم أبا محمد الهلالي الواسطي، يروي عن عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، روى عنه ابن أخيه مقدم بن محمد الواسطي، وأحمد بن حنبل، وأخرج له البخاري في التفسير، والتوحيد وغيرهما من جامعه معتمدًا ما يروي، فاعلم ذلك".
قلت: أخرجه من طريق مقدم: البزار (1/ 157/ 310 - كشف الأستار)، والطبراني في الأوسط (2/ 86 - 87/ 1333)، وفيه ذكر أبي ذر مع القصة.
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد إلا هشام، ولا عن هشام إلا القاسم، تفرد به مقدم".
وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: "يرويه هشام بن حسان، واختلف عنه: