المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الأذى يصيب النعل - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌باب في الأذى يصيب النعل

‌باب في الأذى يصيب النعل

385 -

. . . الأوزاعي، قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهور".

• حديث ضعيف.

أخرجه أبو داود هنا في سننه، وأخرجه في مسائله لأحمد (147).

وأخرجه الحاكم (1/ 166)، والبيهقي في السنن (2/ 430)، وفي الخلافيات (1/ 139/ 10)، والبغوي في شرح السُّنَّة (300).

• واختلف فيه على الأوزاعي:

1 -

فرواه الوليد بن مزيد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي، قدمه النسائي على الوليد بن مسلم في الأوزاعي، وقال: "لا يخطئ ولا يدلس"، التقريب (653)، شرح علل الترمذي (2/ 731)]، وأبو المغيرة [عبد القدوس بن الحجاج الخولاني: ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، وعمر بن عبد الواحد [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، وأيوب بن سويد [ضعيف. التهذيب (1/ 204)]:

أربعتهم: رووه عن الأوزاعي، قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري، حدث عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

2 -

ورواه الوليد بن مسلم [الدمشقي، ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، لكنه كان يدلس ويسوي، ولعل هذا من تسويته]، عن الأوزاعي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه ابن حبان (4/ 249/ 1403)، وابن المنذر (2/ 168/ 734).

ورواه بعضهم عن الوليد به بدون ذكر أبي سعيد في الإسناد.

ذكره الدارقطني في العلل (8/ 159/ 1479).

3 -

ورواه محمد بن كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

وهو الحديث الآتي:

***

386 -

. . . محمد بن كثير -يعني: الصنعاني-، عن الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال:"إذا وطيء الأذى بخفيه، فطهورهما التراب".

• حديث ضعيف.

أخرجه ابن حبان (4/ 250/ 1454)، والحاكم (1/ 166)، والبزار (15/ 131/ 8435)،

ص: 328

والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 652 - ط الصميعي)، وابن حزم في المحلى (1/ 93)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 430)، وفي المعرفة (2/ 252 - 253/ 1281)، وفي الخلافيات (1/ 137/ 8).

قلت: محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني: صاحب الأوزاعي إلا أنه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف في معمر خاصة [تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (236)].

• وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث، مع مخالفته فيه للحفاظ من أصحاب الأوزاعي:

1 -

فقد رواه أحمد بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن الهيثم البلدي [ثقة، أنكر عليه سماعه حديث الغار من الهيثم بن جميل فقط. ثقات ابن حبان (8/ 88)، الكامل (1/ 274)، سؤالات الحاكم (42)، تاريخ بغداد (6/ 206)، الميزان (1/ 73)، السير (13/ 411)، اللسان (1/ 382)]، والحسن بن الصباح البزار [صدوق]، ومحمد بن أحمد الأنطاكي [هو: ابن الوليد بن برد الأنطاكي، قال النسائي:"صالح"، وقال الدارقطني:"ثقة"، وقال الذهبي:"الإمام الثبت الرحال"، تاريخ بغداد (1/ 367)، الأنساب (1/ 221)، السير (13/ 311)، تاريخ الإسلام (20/ 425)]:

رواه أربعتهم [وهم ثقات]، عن محمد بن كثير الصنعاني به كما تقدم.

2 -

وخالفهم: أبو الأحوص محمد بن الهيثم [بن حماد بن واقد الثقفي مولاهم. البغدادي ثم العكبري قاضيها: ثقة حافظ. التقريب (571)]، والحسن بن عبد الله بن منصور الأنطاكي [المعروف بالبالسي، روى عنه جماعة من الحفاظ والمصنفين، مثل: ابن خزيمة والطحاوي، ولم يوثق. تاريخ دمشق (13/ 125)، بغية الطلب في تاريخ حلب (5/ 2452)، الأنساب (1/ 268)، معجم البلدان (1/ 329)، تاريخ الإسلام (19/ 107)، مغاني الأخيار (1/ 165)]، وفهد بن سليمان بن يحيى أبو محمد [قال ابن يونس:"وكان ثقة ثبتًا"، الجرح والتعديل (7/ 89)، وقال:"كتبت فوائده، ولم يقض لنا السماع منه"، تاريخ دمشق (48/ 460)، الأنساب (5/ 470)، تاريخ الإسلام (20/ 416)، مغاني الأخيار (2/ 830)]:

فرواه ثلاثتهم [وهم ثقات في الجملة]، عن محمد بن كثير الصنعاني المصيصي، عن الأوزاعي، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره بنحوه.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 148/ 292)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 127)[وانظر: إتحاف المهرة (14/ 659/ 18427) لتصحيح إسناد ابن خزيمة]، والطحاوي (1/ 51)، والبيهقي في المعرفة (2/ 252/ 1280)، وفي الخلافيات (1/ 138/ 9).

هكذا اضطرب محمد بن كثير الصنعاني المصيصي في إسناده: فمرة يذكر أبا سعيد

ص: 329

المقبري، ومرة يسقطه، ثم إنه خالف وانفرد، فذكر في الإسناد محمد بن عجلان بين الأوزاعي، وسعيد المقبري، وأصحاب الأوزاعي الثقات الحفاظ لا يذكرونه، والصنعاني هذا ليس بذلك الحافظ الذي تقبل زيادته، أو يقبل تعيينه لمبهم؛ في مثل هذا.

ولو كان الواسطة بين الأوزاعي، والمقبري مشهورًا بالصدق، والعدالة، مثل ابن عجلان، لصاح به الوليد بن مسلم ولم يدلسه، ولحفظه عنه ثقات أصحابه المتقنون، مثل: الوليد بن مزيد، وغيره.

ثم إن الحديث معروف عن ابن عجلان بإسناد آخر، ولفظ مختلف، موقوف على عائشة رضي الله عنها.

فقد روى عبد الرزاق في مصنفه (1/ 34/ 106)، عن ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد: أن امرأة سألت عائشة، عن المرأة تجر ذيلها إذا خرجت إلى المسجد، فتصيب المكان الذي ليس بطاهر؟ قالت: فإنها تمر على المكان الطاهر فيطهره.

قلت: وهذا هو المحفوظ، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، في ذلك، وأما رواية محمد بن كئير الصنعاني فشاذة مردودة.

قال البزار (15/ 132): "وهذا الحديث قد رواه غير الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن رجل، والحديث فلا يثبت".

إذا علمت ذلك علمت ما في قول ابن حبان والحاكم:

قال ابن حبان: "يجوز أن يكون الأوزاعي سمعه من ابن عجلان، عن سعيد، ثم سمعه من سعيد"[الإتحاف (15/ 471/ 19714)].

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا: صدوق، وقد حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان، ولم يخرجاه".

قلت: الوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، وأبو المغيرة، وعمر بن عبد الواحد: أحفظ، وأضبط، وأكثر من محمد بن كثير الصنعاني فإنه كثير الغلط؛ لا يعتمد على حفظه، والله أعلم.

قال العقيلي: "ولا يصح ابن عجلان فيه".

وقال البيهقي في الخلافيات بعد حديث الصنعاني بطريقيه: "وخالفه أصحاب الأوزاعي في إقامة إسناده،

[فأسنده من طريق الوليد بن مزيد عن الأوزاعي ثم قال:] وكذلك رواه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وعمر بن عبد الواحد، وهم أعرف بالأوزاعي من الصنعاني، فصار الحديث بذلك معلولًا

".

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 126) بعد ما أعله بالصنعاني، قال:"وهو: ضعيف، وأضعف ما هو في الأوزاعي"، ثم ذكر كلام أحمد وابن المديني فيه، ثم قال:"فعلى هذا لا ينبغي أن يظن بهذا الحديث أنه صحيح من هذا الطريق، فاعلم ذلك".

وانظر: الإمام (3/ 460)، البدر المنير (4/ 128).

ص: 330

وقال في البدر المنير (4/ 130): "وقال ابن عبد الحق فيما رده على المحلى: هذا حديث ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن كثير الصنعاني".

وقال النووي في المجموع (2/ 619): "رواه [أبو داود] من طرق كلها ضعيفة".

3 -

ورواه يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد: أخبرني أيضًا سعيد بن أبي سعيد، عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة، به مرفوعًا.

وهو الطريق الآتي:

***

387 -

. . . يحيى -يعني: ابن حمزة-، عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد: أخبرني أيضًا سعيد بن أبي سعيد، عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمعناه.

• حديث ضعيف.

ومن طريق أبو داود: أخرجه البيهقي في السنن (2/ 430).

وعلقه البيهقي في الخلافيات (1/ 142) بعدما أخرجه من طريق ابن سمعان، فقال:"هكذا روي عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد، عن سعيد"، ثم قال:"وهذا أيضًا لا يعارض ما روينا؛ فإن الطريق فيه ليس بواضح إلى سعيد، وهو مرسل؛ القعقاع لم يسمع من عائشة".

قلت: يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي، وإن كان ثقة، عالمًا بحديث مكحول، إلا أنه ليس من أصحاب الأوزاعي الملازمين له المقدمين فيه، مثل الوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، وأبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وعمر بن عبد الواحد، فحديثهم أولى بالصواب من حديث يحيى بن حمزة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن حديث القعقاع بن حكيم هذا إنما يعرف من حديث ابن سمعان؛ كما سيأتي.

ولعل العقيلي مال إلى هذا فقال: "ولعل الزبيدي [يعني: محمد بن الوليد] أخذه عن ابن سمعان".

• وأما حديث ابن سمعان؛ فقد اختلف عليه فيه:

1 -

فرواه عبد الرزاق، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، قال: أخبرني القعقاع بن حكيم، عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطأ في نعليه الأذى؟ قال: "التراب لهما طهور".

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 33/ 104).

2 -

ورواه ابن وهب، عن ابن سمعان، عن سعيد المقبري، عن القعقاع بن حكيم،

ص: 331

عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى؛ فإن التراب لهما طهور".

أخرجه البيهقي في الخلافيات (1/ 142/ 11).

وتقدم نقل كلامه فيه.

3 -

ورواه يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، عن سعيد المقبري، عن القعقاع بن حكيم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطأ بنعليه في الأذى؟ قال: "التراب لهما طهور".

أخرجه أبو يعلى في مسنده (8/ 283/ 4869)، وعنه: ابن عدي في الكامل (4/ 126)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 652 - ط الصميعي)، والطبراني في الأوسط (/ 3/ 148 2759)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 125).

وذكره الدارقطني في العلل (8/ 160/ 1479) و (5/ 79 ب- 180)(14/ 337/ 3682)، ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 334/ 46 5)، وانظر: الفوائد المنتقاة لأبي الحسن الحربي (54).

وكما ترى فإن الرواة عن ابن سمعان كلهم ثقات، وإنما هو اضطراب من ابن سمعان، فإنه: متروك، متهم بالكذب.

قال الدارقطني في الموضع الثاني: "مدار الحديث على ابن سمعان، وهو ضعيف".

ونقل ابن الملقن في البدر المنير (4/ 132) عنه قوله: "وهذا الحديث أشبه بالصواب من غيره من الطرق مع ضعفه".

وقال الدارقطني في الموضع الأول بعدما ذكر الاختلاف على الأوزاعي في حديث أبي هريرة، ثم أتبعه بحديث ابن سمعان [واقتصر على ذكر الرواية الثالثة عندنا]، قال:"وهو أشبهها بالصواب، وإن كان ابن سمعان متروكًا".

قلت: أما حديث ابن سمعان: فهو حديث مضطرب الإسناد، ساقط؛ وابن سمعان: متروك، متهم بالكذب.

وأما حديث الأوزاعي: فالمحفوظ فيه: هو ما رواه جماعة الحفاظ من أصحابه: الوليد بن مزيد، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وعمر بن عبد الواحد: عن الأوزاعي، قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري، حدث عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

وهذا إسناد ضعيف، لأجل انقطاعه بين الأوزاعي وسعيد المقبري، والجهل بحال الواسطة بينهما، وقد ضعفه ابن عبد البر، وأعله بالاضطراب، ولا يصح كما ترى [التمهيد (5/ 110)، الاستذكار (1/ 172)].

وأما كون الامام الدارقطني يذهب إلى ترجيح رواية ابن سمعان المتروك على رواية الإمام الحافظ الثبت أبي عمرو الأوزاعي، فذلك لكون رواية الأوزاعي فيها سلوك للجادة،

ص: 332

والحمل فيها على شيخ الأوزاعي المبهم، ولو كان ثقة لصاح به الأوزاعي وأصحابه لا سيما الوليد بن مسلم الذي سوى الحديث وأسقط الواسطة.

وأما إسناد ابن سمعان فليس طريقًا سهلًا مسلوكًا، والله أعلم.

ولو افترضنا صحة رواية يحيى بن حمزة، وأنها محفوظة عن الأوزاعي، ورجالها ثقات، فإنها ضعيفة أيضًا؛ لإرسالها، فإن القعقاع لم يسمع من عائشة، نص عليه البيهقي، كما تقدم، وانظر: تحفة التحصيل (267).

• والقعقاع يدخل بينه وبين عائشة واسطة:

1 -

فتارة يروي عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة: انظر: صحيح مسلم (629)، الموطأ (1/ 200 - 201/ 367)، سنن أبي داود (410)، سنن النسائي (1/ 236/ 472)، جامع الترمذي (2982)، مسند أحمد (6/ 73 و 178)، وغيرها.

2 -

وتارة يروي عن القاسم بن محمد، عن عائشة: انظر: مصنف ابن أبي شيبة (7/ 87/ 34403)، مسند إسحاق (2/ 414/ 970)، مستدرك الحاكم (4/ 105).

3 -

وتارة يروي عن جدته رمثة، عن عائشة: انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 175/ 7813)، مسند مسدد (650 - مطالب).

لكن الصواب: أن رواية يحيى بن حمزة هذه شاذة، كما تقدم بيانه.

• هذا وجه من الشذوذ.

• ووجه آخر من شذوذ رواية يحيى بن حمزة هذه إسنادًا ومتنًا: أن حديث الأوزاعي عن محمد بن الوليد الزبيدي يعرف بغير هذا الإسناد والمتن:

فقد روى أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، وبشر بن بكر [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، ولم يرو عن غيره، صدوق ربما أخطأ]، وعمرو بن أبي سلمة [دمشقي، صدوق له أوهام]، ومحمد بن كثير الصنعاني [صدوق كثير الغلط]، وشعيب بن إسحاق [بصري ثم دمشقي، ثقة]، وبقية بن الوليد [صدوق، مشهور بالتدليس](7):

رواه سبعتهم عن الأوزاعي: حدثني محمد بن الوليد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما أحدًا، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل فيهما".

أخرجه أبو داود (655)، وابن حبان (5/ 557/ 2182)، والحاكم (1/ 260)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 118/ 2502)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 652 - ط الصميعي)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 74 - 75/ 1828)، والبيهقي في السنن (2/ 432)، وفي الآداب (774)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 103).

قال العقيلي: "ولعل الزبيدي أخذه عن ابن سمعان".

ص: 333

قلت: يحتمل لو كان الحديث إنما يعرف بابن سمعان، كما هو الحال في الوجه الأول من الشذوذ.

لكن هذا الحديث مشهور عن سعيد المقبري، وهو حديث صحيح؛ كما قال الحاكم [قوله مذكور في الإتحاف (15/ 475/ 19722)، ساقط من المطبوع، وفي التلخيص: "على شرطهما"]، وصححه ابن حبان.

1 -

رواه ابن سمعان [متروك، متهم بالكذب]، عن سعيد المقبري، واختلف عليه:

فرواه مرة: عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

ومرة: عن سعيد، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 389/ 1519)، والعقيلي (2/ 651)، وابن عدي (4/ 126)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 574).

2 -

ورواه أبن أبي ذئب [محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، أبو الحارث المدني: ثقة، فقيه فاضل، من أثبت الناس في سعيد المقبري. التقريب (548)، شرح علل الترمذي (2/ 670)]، واختلف عليه:

أ- فرواه وكيع بن الجراح [كوفي، ثقة حافظ]، وعمار بن عبد الجبار [صدوق، وهو مروزي، وكان قد نزل بغداد مدة وحدث بها، ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى آخر عمره. التاريخ الكبير (7/ 30)، الجرح والتعديل (6/ 393)، الثقات (8/ 518)، سؤالات مسعود السجزي (58)، الإرشاد (3/ 897)، تاريخ بغداد (12/ 254)، تاريخ الإسلام (14/ 275) و (15/ 316)، الميزان (3/ 165)، اللسان (6/ 46)]:

كلاهما عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، قال: قلت لأبي هريرة: كيف أصنع بنعلي إذا صليت؟ قال: اجعلهما بين رجليك، ولا تؤذ بهما مسلمًا.

زاد عمار: أو البسهما، فلا بأس بذلك.

هكذا موقوفًا على أبي هريرة.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 182/ 7896)، والعقيلي (2/ 652).

ب- وخالفهما فرواه. مرفوعًا: شبابة [هو: ابن سوار المدائني، أصله من خراسان، خرج إلى مكة وأقام بها إلى أن مات. وهو ثقة حافظ، رمي بالإرجاء. التهذيب (2/ 148)، التقريب (265)]، قال: نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 182/ 7899)، والبزار (15/ 128/ 8432)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2846)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 119/ 2503)، والعقيلي (2/ 652).

ولعله كان عند ابن أبي ذئب على الوجهين فحدث بهما كما سمع، وإلا ففي حديث العراقيين عنه وهم كبير [انظر: التمييز للإمام مسلم ص (191)، شرح علل الترمذي (2/ 780)].

3 -

ورواه عياض بن عبد الله [هو: ابن عبد الرحمن بن معمر الفهري القرشي

ص: 334

المدني، نزيل مصر، ليس بالقوي، قال الساجي:"روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر"، وهذا من رواية ابن وهب عنه].

قال ابن وهب: أخبرنا عياض بن عبد الله القرشي وغيره، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فليلبس نعليه أو ليخلعهما بين رجليه، ولا يؤذ بهما غيره".

أخرجه ابن خزيمة (2/ 105/ 1009)، وابن حبان (5/ 558 و 562/ 2183 و 2187)، والحاكم (1/ 259).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

قلت: نعم، أخرج مسلم لعياض بن عبد الله الفهري هذا من رواية ابن وهب عنه، لكن في باب الشواهد والمتابعات، ولم يخرج له شيئًا في الأصول [انظر: صحيح مسلم (350) و (763/ 183) و (980)].

وقد وهم هنا عياض بن عبد الله بإسقاط أبا سعيد المقبري من الإسناد، والمحفوظ بإثباته، كما في رواية محمد بن الوليد الزبيدي، وابن أبي ذئب، ومال إلى ذلك الدارقطني في العلل (8/ 1469/150).

• والخلاصة: أن المحفوظ عن الأوزاعي عن الزبيدي: هو هذا الحديث:

عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما أحدًا، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل فيهما".

وهو حديث صحيح، مشهور، عن سعيد المقبري؛ وله طرق أخرى عن أبي هريرة، تأتي عند أبي داود برقم (654).

• تنبيهات:

الأول: وهم في متنه: إبراهيم بن الفضل المخزومي [متروك]، فرواه عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن [من] تمام صلاة أحدكم إذا لم تكن نعلاه في رجليه، فليجعلهما بين رجليه".

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 231)، وابن المقرئ في المعجم (224).

ذكره ابن عدي في جملة ما أنكره على إبراهيم بن الفضل هذا في أحاديث غير محفوظة، فهو حديث منكر بهذا السياق.

الثاني: وروى عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد [متروك]، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزم نعليك قدميك، فإن خلعتهما فاجعلهما ببن رجليك، ولا تجعلهما عن يمينك، ولا عن بمين صاحبك، ولا وراءك فتؤذي من خلفك".

أخرجه ابن ماجه (1432).

وإسناده واهٍ جدًّا، لأجل عبد الله بن سعيد؛ فإنه: متروك، ذاهب الحديث؛ ومتنه

ص: 335

منكر، لقوله:"الزم نعليك قدميك"، والمعروف في هذا عن سعيد المقبري: ما رواه عنه الزبيدي وغيره، كما تقدم.

الثالث: روى يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي [ضعيف، طعنوا في سماعه من الأوزاعي]، قال: حدثنا الأوزاعي، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما أحدًا، ليخلعهما بين رجليه".

أخرجه الطبراني في الصغير (2/ 61/ 783)، وفي حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (119).

وقال: "لم يروه عن الأوزاعي، عن الزبيدي، عن الزهري: إلا البابلتي، ورواه محمد بن كثير العتكاني [كذا، وإنما هو الصنعاني]، عن الأوزاعي، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة".

قلت: كلاهما خطأ؛ ورواية البابلتي: منكرة.

• وبعد هذه الجولة في حديث سعيد المقبري هذا، نرجع لحديث الباب:

فقد وقفت لحديث القعقاع على إسناد آخر، لكن لا يمنع وجوده من كون ابن سمعان هو المعروف به:

فقد روى خارجة، عن عبد الله بن الحسن، عن عطاء بن يسار، عن موسى بن عقبة، عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وطئ أحدكم بنعليه في الأذى، فإن التراب لهما طهور".

أخرجه ابن المنذر (2/ 168/ 735).

وهذا إسناد واهٍ جدًّا.

خارجة: هو ابن مصعب بن خارجة الضبعي، أبو الحجاج الخراساني السرخسي: متروك، كذبه ابن معين في رواية.

ولا أدري مَن عطاء بن يسار هذا المذكور، ولا أظنه عطاء بن يسار الهلالي مولى ميمونة، التابعي الكبير، من علماء التابعين، ومن الطبقة الثانية، روايته عن عائشة في صحيح مسلم (974)، فكيف ينزل في الإسناد درجتين فيجعل بينه وبينها رجلين، وكيف يروي عن موسى بن عقبة، وهو من الطبقة الخامسة، وبين وفاتيهما قرابة أربعين سنة، أعني أن عطاء مات قبل ابن عقبة بدهر طويل فكيف يروي عنه!!!.

• قال البيهقي في الخلافيات (1/ 144/ 12): "وروي هذا الحديث من وجه آخر غير معتمد

، عن ابن وهب، عن الحارث بن نبهان، عن رجل، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جاء أحدكم المسجد، فإن كان ليلًا فليدلك نعليه، وإن كان نهارًا فلينظر إلى أسفلها".

وانظر: المدونة (1/ 19).

ص: 336

• وروي من وجه آخر فيه بيان المبهم: فقد روى محمد بن عبدة بن حرب، قال: ثنا أبو كامل، قال: ثنا الحارث بن نبهان: ثنا يزيد بن عبد الله، عن أبي أيوب، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم المسجد نهارًا فلينظر في أسفل نعليه، وإذا جاء ليلًا فليدلكهما بالأرض قبل أن يدخل المسجد".

أخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي في فوائده المنتقاة عن الشيوخ العوالي (125)، قال: ثنا ابن عبدة به.

وإسناد الأخير هذا أوهى من الذي قبله، بل: هو باطل؛ فإن محمد بن عبدة بن حرب هذا: هو أحد المتروكين التالفين، رماه ابن عدي بالكذب، وقال:"كان يحدث من كتب الناس عن قوم لم يرهم"[سؤالات السهمي (44)، سؤالات السلمي (320)، الكامل (6/ 301)، تاريخ بغداد (2/ 379)، السير (14/ 408)، تاريخ الإسلام (23/ 467)، الأنساب (3/ 566)، الميزان (3/ 634)، اللسان (7/ 326)].

وفي كلا الإسنادين: الحارث بن نبهان: متروك، منكر الحديث، ومدار الحديث عليه، فهو حديث منكر.

• والحاصل: أن الحديث لا يصح، لا من حديث أبي هريرة، ولا من حديث عائشة، ولا من حديث أنس، ولا باجتماعها.

• وأجود ما في هذا الباب: حديث أبي سعيد الخدري، وهو حديث صحيح:

يرويه حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:"ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أناني فأخبرني أن فيهما قذرًا -أو قال: أذى-"، وقال: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى، فليمسحه، وليصل فيهما". لفظ موسى بن إسماعيل.

ولفظ يزيد بن هارون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال:"لم خلعتم نعالكم؟ " فقالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا، فقال:"إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه، ولينظر فيهما، فإن رأى فيهما خبثًا فليمسحه [وفي رواية: فليمسه] بالأرض، وليصل فيهما".

أخرجه أبو داود (650)، والدارمي (1/ 370/ 1378)، وابن خزيمة (2/ 107/ 1017)، وابن حبان (5/ 560/ 2185)، والحاكم (1/ 260)، وأحمد (3/ 20 و 92)، والطيالسي (3/ 612/ 2268)، وابن سعد في الطبقات (1/ 480)، وابن أبي شيبة (2/ 181 و 182/ 7890 و 7900)، وعبد بن حميد (880)، وأبو يعلى (2/ 381/ 11439) و (2/ 409/ 1194)، وابن المنذر (2/ 164/ 732)، والطحاوي (1/ 511)، وأبو إسحاق الحربي في

ص: 337

غريب الحديث (3/ 1052)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 402 و 402 - 403 و 431)، وفي المعرفة (2/ 1228/225 و 1229)، وابن حزم في المحلى (1/ 92)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 242)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 313)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 389/ 299).

رواه عن حماد بن سلمة بألفاظ متقاربة: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، ويزيد بن هارون، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وحجاج بن منهال، وسليمان بن حرب، وعفان بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة، وأبو النعمان محمد بن الفضل عارم، وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، وعبد الله بن المبارك (11).

وخالفهم فوهم: أبو داود الطيالسي، فقال:"فليخلعهما"، وهي لفظة شاذة، تفرد بها الطيالسي دون جماعة الحفاظ الذين رووا الحديث بلفظ المسح أو الإماطة.

• تابع حماد بن سلمة عليه:

حجاج بن حجاج الباهلي البصري الأحول [ثقة]، رواه عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري؛ أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خلع نعليه، خلعوا نعالهم، فلما انفتل قال لهم:"ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال:"أتاني آتِ فحدثني أن في نعلي أذى فخلعتهما، فإذا دخل أحدكم المسجد فلينظر، فإذا رأى في نعليه قذرًا، فليمسحهما بالأرض، ثم يصلي فيهما".

أخرجه ابن خزيمة (1/ 384/ 786)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 361).

تنبيه: زعم محقق صحيح ابن خزيمة أن الحجاج هو ابن فرافصة، وهو خطأ، وإنما هو حجاج بن حجاج الباهلي الأحول، نص عليه أبو حاتم في العلل (1/ 121)، والدارقطني في العلل (11/ 329).

وتابعهما: أبو عامر الخزاز صالح بن رستم [صدوق كثير الخطأ]، وعمران بن داور أبو العوام القطان [صدوق يهم].

ذكرهما الدارقطني في العلل (11/ 329).

فهؤلاء أربعة تتابعوا على هذا الإسناد.

• وخالفهم أيوب بن أبي تميمة السختياني [ثقة ثبت حجة] واختلف عليه:

أ- فرواه عباد بن كثير [هو الثقفي البصري: متروك، قال أحمد: "روى أحاديث كذب، لم يسمعها، وكان صالحًا"، التهذيب (2/ 280)]: أن أيوب السختياني أخبره، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، فخلع نعليه،

فذكره بنحوه وفي آخره زاد: "ثم ليصل فيهما إن بدا له، أو ليخلعهما".

أخرجه البزار (17/ 221/ 9884)، والطبراني في الأوسط (8/ 313/ 8735)، وابن عدي (4/ 335).

ص: 338

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة؛ إلا عباد بن كثير، وهو لين الحديث، ولا رواه عن عباد إلا يحيى بن أيوب".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث، عن أيوب، عن محمد؛ إلا عباد بن كثير، تفرد به: يحيى بن أيوب.

ورواه داود العطار، عن معمر، عن أيوب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.

ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن رجل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن عدي بعدما ذكر لعباد هذا جملة أحاديث هذا منها: "ولعباد بن كثير غير ما ذكرت من الحديث، ومقدار ما أمليت منه عامته مما لا يتابع عليه".

وقال الدارقطني في العلل (8/ 112): "ووهم فيه".

وقال أيضًا (11/ 329): "ومن قال فيه: عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: فقد وهم".

ب- ورواه داود بن عبد الرحمن العطار المكي [ثقة]، عن معمر، عن أيوب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه

فذكره بمعناه، وفى آخره:"فليحكه"، وقال:"خبثًا".

أخرجه الدارقطني في الأفراد (5/ 104/ 4821 - أطرافه)، والبيهقي (2/ 403).

ج- ورواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني، عن معمر، عن أيوب، عن رجل حدثه، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو يصلي

فذكره بنحوه، وقال:"قذرًا" وآخره: "فليدلكهما بالأرض".

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 388/ 1516).

وعبد الرزاق هو أروى الناس، عن معمر ومن أثبتهم فيه، وحديث معمر باليمن أصح منه خارجها، فلعل هذه الرواية أقرب إلى الصواب، والله أعلم.

لكن معمرًا ليس بالثبت في أيوب، ففي حديثه عن أهل العراق ضعف.

د- ورواه حماد بن زيد [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في أيوب السختياني]، عن أيوب، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم . . . هكذا مرسلًا.

ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 121).

وهذا هو المحفوظ عن أيوب مرسل.

وأيوب وإن كان ثقة حافظًا، إلا أن الرواية الموصولة هي الصواب؛ لأنه قد اتفق عليها ثقتان: حماد بن سلمة، وحجاج بن حجاج الباهلي الأحول، وتابعهما على الوصل: اثنان ممن خف ضبطهما: أبو عامر الخزاز، وعمران القطان.

قال أبو حاتم: "والمتصل أشبه؛ لأنه اتفق اثنان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم[العلل (1/ 121/ 330)].

وقال الدارقطني في العلل (8/ 112/ 1437) بعد أن ذكر بعض الاختلاف على

ص: 339

أيوب: "ورواه حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: وهو الصواب".

وقال أيضًا (11/ 329/ 2316): "والصحيح عن أيوب سمعه من أبي نعامة، ولم يحفظ إسناده فأرسله، والقول: قول من قال: عن أبي سعيد".

وبناء على ذلك فهو حديث صحيح.

صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

قلت: رجاله رجال مسلم، ولم يخرج شيئًا بهذا الإسناد؛ وهو صحيح.

وقال ابن رجب في الفتح (2/ 277): "وأجودها حديث أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد

".

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 389): "إسناد جيد".

وقال النووي في الخلاصة (1/ 319/ 928)، وفي المجموع (3/ 139):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".

وقال في المجموع (3/ 158): "حديث أبي سعيد: صحيح"، وكذا في (4/ 104).

• وقد رويت هذه القصة من:

1 -

حديث أنس:

يرويه عبد الله بن المثنى، قال: نا ثمامة، عن أنس بن مالك، قال: لم يخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة إلا مرة [واحدة]، فخلع القوم نعالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال:"إن جبريل عليه السلام أخبرني أن بهما قذرًا".

أخرجه الحاكم (1/ 139 - 140)، والضياء في المختارة (5/ 204/ 1831)، والبزار (13/ 503/ 7331)، والطبراني في الأوسط (4/ 311/ 4293)، والبيهقي (2/ 404).

قال الحاكم: "صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بعبد الله بن المثنى، ولم يخرجاه".

قلت: نعم هو على شرط البخاري، فقد احتج بهذا الإسناد، وأخرج به أحاديث [نظر: صحيح البخاري (94) وأطرافه، و (1010 و 3710) و (1448) وأطرافه، و (7155) و (6281)].

وقال الطبراني بعدما أخرج هذا الحديث وآخر قبله بنفس السند: "لم يرو هذين الحديثين، عن ثمامة إلا عبد الله بن المثنى الأنصاري".

وقال البيهقي: "روي عن أنس بن مالك بإسناد لا بأس به"، ثم أخرجه وقال:"تفرد به عبد الله بن المثنى".

قلت: عبد الله بن المثنى: متكلم فيه، وهو: صدوق كثير الغلط، وقد احتج البخاري

ص: 340

بما تفرد به عن عمه ثمامة عن أنس، كما هو الأمر هاهنا ولا تعلم له علة، فهو صحيح، اعتمادًا على تصرف البخاري، واحتجاجه بهذه السلسلة الدال على استقامة الأحاديث المروية بهذا السند، إلا ما كان معلولًا، قال الحافظ في هدي الساري (436) بعد أن ذكر أقوال المعدلين والمجرحين قال: "لم أر البخاري احتج به إلا من روايته عن عمه ثمامة، فعنده عنه أحاديث.

وأخرجه له من روايته عن ثابت عن أنس حديثًا توبع فيه عنده، وهو في فضائل القرآن.

وأخرج له أيضًا في اللباس: عن مسلم بن إبراهيم عنه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، في النهي عن القزع بمتابعة نافع، وغيره عن ابن عمر".

2 -

حديث ابن مسعود:

أ- يرويه زهير بن معاوية، قال: نا أبو حمزة، قال: نا إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه، فخلع من خلفه، فقال:"ما حملكم أن خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال:"إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا، فخلعتهما لذلك، فلا تخلعوا نعالكم".

أخرجه الحاكم (1/ 140)، وابن أبي شيبة في المسند (334)، والبزار (5/ 16/ 1570)، والطبراني في الأوسط (5/ 183/ 5017)، وفي الكبير (10/ 68/ 9972).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى من حديث إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله إلا من حديث أبي حمزة عنه".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي حمزة إلا زهير".

قلت: زهير: ثقة؛ وإنما آفته: أبو حمزة ميمون الأعور القصاب الكوفي الراعي: ضعيف، وهو في إبراهيم النخعي: ضعيف جدًّا، قال ابن عدي:"وأحاديثه التي يرويها خاصة عن إبراهيم مما لا يتابع عليها"[لكامل (6/ 413)، التهذيب (4/ 200)].

فهو منكر من حديث إبراهيم النخعي.

ب- ورواه محمد بن جابر [هو: ابن سيار بن طلق السحيمي الحنفي اليمامي: كان أعمى، يلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ثم ذهبت كتبه في آخر عمره وساء حفظه، وكان يلقن. التهذيب (3/ 527)]، عن أبي إسحاق، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه

فذكر الحديث بنحوه إلى قوله: "فأخبرني أن فيها قذرًا".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 152).

في ترجمة محمد بن جابر هذا ثم قال: "وهذا الحديث يرويه محمد بن جابر عن أبي إسحاق"؛ يعني: إنما يعرف به؛ بهذا الإسناد.

وقد أخطأ ابن جابر في هذا الإسناد فزاد فيه إبراهيم النخعي، وليس محفوظًا فيه، إنما يرويه أبو إسحاق السبيعي عن علقمة، ولم يسمعه منه.

ص: 341

فقد روى زهير بن معاوية [ثقة ثبت، إلا أن سماعه من أبي إسحاق بأخرة بعد التغير. التهذيب (1/ 641)]، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس -ولم يسمعه منه-: أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعري في منزله، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى: تقدم يا أبا عبد الرحمن، فإنك أقدم سنًّا وأعلم، قال: لا بل تقدم أنت، فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك، فأنت أحق، قال: فتقدم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلم، قال: ما أردت إلى خلعهما، أبالوادي المقدس أنت؟! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الخفين والنعلين.

أخرجه مطولًا ومختصرًا: ابن ماجه (1039)، وأحمد (1/ 461)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 181/ 7892)، وفي المسند (425)، والطحاوي (1/ 511)، وعباس الدوري في تاريخ ابن معين (3/ 350/ 1691)، والطبراني في الكبير (9/ 255/ 9262)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 398/364)، وتمام في الفوائد (1716).

ورواه الطيالسي في مسنده (395)، فوهم في إسناده حيث قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عمن حدثه عن عبد الله

الحديث، فلم يذكر علقمة.

ويظهر لي -والله أعلم- أن هذا الحديث مما أخطأ فيه أبو إسحاق السبيعي، وأخذه عنه زهير بعد ما تغير أبو إسحاق؛ ذلك لأن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [هو من أتقن أصحاب أبي إسحاق، قدمه بعضهم على الثوري وشعبة في أبي إسحاق، مع كونه متأخر السماع من جده، حتى إن شعبة قدمه على نفسه. انظر: التهذيب (1/ 133)، شرح علل الترمذي (2/ 712)]، رواه عن جده أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه فخلعهما، فخلع القوم نعالهم، فلما صلى قال:"أخبرني جبريل أن فيهما نتنًا فخلعتهما، فلا تفعلوا".

أخرجه ابن المنذر (2/ 164/ 733).

ثم رواه إسرائيل مرة أخرى، عن جده أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود: أن أبا موسى الأشعري أمَّهم فخلع نعليه، فقال له عبد الله: لم خلعت نعليك؟ أبالواد المقدس أنت؟!.

أخرجه عبد الرزاق عن إسرائيل (1/ 386/ 1507)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (9/ 255/ 9261).

وتابع إسرائيل عليه: شريك بن عبد الله النخعي [سيئ الحفظ، وهو أقدم سماعًا من إسرائيل]، فرواه عن أبي إسحاق به.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 181/ 7894).

لعل هذا هو الصواب:

قصة خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة بإسناد.

وقصة ابن مسعود مع أبي موسى الأشعري في خلع نعليه بإسناد آخر.

ص: 342

أما الإسناد الأول فرجاله ثقات، وهو منقطع، لم يسمعه أبو إسحاق من علقمة.

وأما الإسناد الثاني فهو إسناد صحيح، على شرط مسلم [انظر: صحيح مسلم (652 و 1606 و 2383 و 2721)].

3 -

حديث ابن عباس:

أ- يرويه صالح بن بيان [متروك. اللسان (4/ 281)]، قال: ثنا فرات بن السائب [متروك، منكر الحديث؛ خاصة عن ميمون بن مهران، واتهم. اللسان (6/ 322)]، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، قال: الصلاة في النعلين، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه، فخلعهما، فخلع الناس، فلما قضى الصلاة، قال:"لم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال:"إن جبربل رضي الله عنه أتاني فقال: إن فيهما دم حلمة"[والحلمة: القراد الكبير. النهاية (1/ 434)].

أخرجه الدارقطني (1/ 399)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (5/ أ)، والذهبي في السير (5/ 92).

قال الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف (321): "صالح وفرات: ضعيفان".

وقال الذهبي: "إسناده واهٍ، لضعف صالح وشيخه".

قلت: هو حديث منكر باطل.

ب- وله إسناد آخر: يرويه محمد بن عبيد الله [هو: العرزمي: متروك]، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره مثل حديث صالح بن بيان، لكن قال بدل: "إن جبريل

"، قال: "إني بللت فيهما" كذا.

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 392/ 12097).

وهذا مثل الذي قبله، لتفرد العرزمي به عن الحكم.

4 -

قال أبو داود بعد حديث أبي سعيد الخدري من طريق حماد بن سلمة (650)، قال: حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل-: حدثنا أبان: حدثنا قتادة: حدثني بكر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . بهذا، قال:"فيهما خبث"، قال في الموضعين:"خبث".

أخرجه أبو داود (651)، ومن طريقه: البيهقي في السنن الكبرى (2/ 431)، وفي المعرفة (2/ 225/ 1230).

قال البيهقي في المعرفة: "هذا مرسل".

ورواه معمر، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 388/ 1517).

وأبان أثبت في قتادة من معمر: وروايته أولى بالصواب؛ لما روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده [(1/ 263/ 142 - زوائده)، (3/ 610/ 384 - مطالب)]، قال: حدثنا الحسن بن قتيبة: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 343

في نعليه، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فقال:"لم خلعتم نعالكم؟ "، قالوا: خلعت فخلعنا، قال:"إن جبريل أخبرني أن فيها أذى، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد، فليقلب نعليه، فإن كان فيهما أذى فليمطه، وإلا فليصل فيهما".

قال البوصيري في إتحاف السادة المهرة (2/ 408/ 1350 - مختصره): "رواه الحارث بن أبي أسامة بسند ضعيف، لضعف الحسن بن قتيبة"، وهو كما قال، انظر: اللسان (3/ 106).

والعمدة على رواية أبي داود، وهو مرسل بإسناد صحيح.

• وأما فقه الحديث:

فقد دل حديث أبي سعيد الخدري على أن التراب مطهر لأسفل النعل، لكن بعض الأئمة تأول الحديث وحمله على ما يستقذر دون النجاسات:

قال البيهقي في المعرفة (2/ 225): "وكأن الشافعي في الجديد حمله على ما يستقذر من الطاهرات،

".

وقال أحمد في المسند (3/ 92): "لم يجئ في هذا الحديث بيان ما كان في النعل".

قلت: صح في بعض الروايات بلفظ "الخبث"، كما في رواية يزيد بن هارون، وتقدم ذكرها، والخبث: النجس.

وقد رد ابن القيم على من تأول الحديث على ما يستقذر من الطاهرات، فقال في إغاثة اللهفان (1/ 146): "وتأويل ذلك على ما يستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح لوجوه:

أحدهما: أن ذلك لا يسمى خبثًا.

الثاني: أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة فإنه لا يبطلها.

الثالث: أنه لا تخلع النعل لذلك في الصلاة، فإنه عمل لغير حاجة، فأقل أحواله الكراهة.

الرابع: أن الدارقطني روى في سننه في حديث الخلع من رواية ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما دم حلمة"، والحلم: كبار القرادُ.

قلت: تقدم بيان نكارته، وأنه حديث باطل، لا يصح الاستشهاد به.

ولأنه محل يتكرر ملاقاته للنجاسة غالبًا؛ فأجزأ مسحه بالجامد كمحل الاستجمار، بل أولى، فإن محل الاستجمار يلاقي النجاسة في اليوم مرتين أو ثلاثًا".

قلت: ومما يؤكد عدم حمل الحديث على ما يستقذر من الطاهرات ما ثبت من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه، حتى رُئي في وجهه فقام فحكه بيده، فقال:"إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه، -أو: إن ربه بينه وبين القبلة-، فلا يبزقن أحدكم قِبَل قبلته، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه"، ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال:"أو يفعل هكذا" [أخرجه

ص: 344

البخاري (405)، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (390)]، فكيف يجوِّز البصق تحت القدم في المسجد أو في الثوب، ثم يأتيه جبريل ليأمره بخلع نعليه؛ لأن فيهما ما هو في حكم البصاق والمخاط من الطاهرات.

• وقد استدل بحديث أبي سعيد هذا على:

1 -

الحث على صيانة المساجد من النجاسات والقاذورات.

2 -

وضع النعلين على يسار المصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا ليس على يساره أحد، فإن كان مأمومًا فلا يؤذ بهما أحدًا، وليجعلهما بين رجليه؛ كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

3 -

أن ما كان من باب التروك فيسقط بالجهل والنسيان، وما كان من باب المأمورات فلا يسقط بالجهل والنسيان.

4 -

أن من صلى وفي ثيابه نجاسة، أو على بدنه، أو في مكان صلاته، ناسيًا أو جاهلًا: صحت صلاته، ولا إعادة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على صلاته ولم يستأنف.

5 -

فيه دليل على عدم شرطية طهارة البدن والثوب والبقعة من النجاسة في الصلاة، وإنما غاية الأدلة فيه الوجوب فقط، إذ لو كانت شرطًا لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته التي صلاها وفي نعليه نجاسة، ولاستأنف الصلاة، إذ من المعلوم أنه إذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

6 -

جواز الفعل في الصلاة إذا كان لحاجة، وأن ذلك لا يبطلها.

7 -

استدل به بعضهم بقولهم: "خلعت فخلعنا"، على وجوب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أفعاله المطلقة المجردة عن القرائن الدالة على حكم ذلك الفعل، كما قال في مراقي السعود:

وكل ما الصفة فيه تجهلُ

فللوجوب في الأصح يجعلُ

أي: ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مجهول الصفة؛ أي: الحكم؛ فإنه يحمل على الوجوب، وقالوا: لو كان الفعل الذي لم يعلم حكمه لا يدل على الوجوب؛ لبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لا يلزم من خلع نعله أن يخلعوا، ولكنه أقرهم على خلع نعالهم، ولم ينكر عليهم، فدل ذلك على لزوم التأسي به في أفعاله المجردة عن القرائن.

قلت: في قوله صلى الله عليه وسلم: "لم خلعتم نعالكم؟ " ما يومئ بالإنكار عليهم، ثم علل لهم خلعه نعليه بأن فيهما خبثًا، والجمهور على أن الأفعال المجردة عن القرائن لا تدل على الوجوب بل غايتها الاستحباب، والله أعلم.

هذه بعض فوائد الحديث، وتتبعها يطول، الله أعلم.

***

ص: 345