الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصريحة المحكمة في الاكتفاء في بول الغلام الذي لم يطعم بالنضح دون الغسل، فردها بالقياس.
وانظر: فتح الباري (1/ 389)، شرح معاني الآثار (1/ 92)، التمهيد (4/ 85)، الاستذكار (1/ 356)، المدونة (1/ 24)، موطأ محمد بن الحسن الشيباني (40 و 41)، المجموع (2/ 541)، المغني (1/ 415)، مسائل الكوسج (37)، مسائل أبي داود (151)، وقال:"الغلام يرش ما لم يطعم، والجارية يغسل"، مسائل ابنه عبد الله (93)، الأوسط (2/ 142).
وانظر في تعليل الفرق بينهما: سنن ابن ماجه (525)، المعرفة (2/ 240)، مختصر الأحكام للطوسي (3/ 191)، المبدع
(1/ 245).
***
136 -
باب الأرض يصيبها البول
380 -
. . . سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن أعرابيًّا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: فصلى ركعتين، ثم قال: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد تحجرت واسعًا"، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلًا من ماء -أو قال: ذنوبًا من ماء-".
• حديث صحيح، دون كون الأعرابي قال هذا بعد فراغه من الصلاة، والمحفوظ أنه قاله في الصلاة.
أخرجه الترمذي (147)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (131 و 132)، والنسائي (3/ 14/ 1217)، وابن خزيمة (1/ 150/ 298)، وابن الجارود (141)، وأحمد (2/ 239)، والشافعي في الأم (2/ 110/ 108)، وفي المسند (20)، والحميدي (938)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 61)، وأبو يعلى (10/ 278/ 5876)، والدارقطني في العلل (7/ 1363/294)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 428)، وفي المعرفة (2/ 250/ 1277)، والبغوي في شرح السُّنَّة (291).
هكذا رواه سفيان بن عيينة عن الزهري، فقال:"عن سعيد بن المسيب"، وابن عيينة حافظ من أثبت أصحاب الزهري، وقد نما إلى علم ابن عيينة أن غيره يرويه عن الزهري، عن غير سعيد، فأحب أن يؤكد على سامعه أنه قد حفظه هكذا عن الزهري فقال في رواية:"حفظته من الزهري قال: أخبرني سعيد"، وقال في أخرى: "أحفظ ذلك من كلام الزهري
عن سعيد"، وقال في ثالثة: "حدثنا الزهري -كما أقول لك، لا تحتاج فيه إلى أحد-، قال: أخبرني سعيد بن المسيب".
وفي رواية محفوظة عن ابن عيينة قال في شأن الأعرابي: فصلى فلما فرغ قال [عند الترمذي، وأبي علي الطوسي، وابن الجارود] مما يدل على أن الأعرابي قال ذلك بعد فراغه من صلاته؛ وأنه صلى وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود.
وقد تابع ابن عيينة على قوله: "عن سعيد بن المسيب":
1 -
سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به، إلا أنه قال:"إن في دينكم يسر".
أخرجه ابن خزيمة (298).
وسفيان بن حسين: ثقة في غير الزهري، فإنه ليس بالقوي فيه.
2 -
صالح بن أبي الأخضر [ضعيف، كان يخدم الزهري، وكان عنده عن الزهري كتابان: أحدهما عرض، والآخر مناولة، فاختلطا جميعًا، وكان لا يعرف هذا من هذا.
تهذيب (2/ 188)]، واختلف عليه:
أ- فرواه النضر بن شميل [ثقة ثبت]، عن صالح، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة به.
ذكره الدارقطني في العلل (7/ 293).
ب- ورواه عبد الغفار بن عبيد الله الكريزي [قال أبو داود: "لا بأس به"، وروى عنه أبو حاتم، وابن وارة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "ربما خالف"، فهو كما قال أبو داود. وأما ما نقله الذهبي في كتبه عن البخاري أنه قال فيه: "ليس بقائم الحديث"، فلا أراه يثبت عن البخاري، فلم أجده في تواريخ البخاري الثلاثة، وحذفه ابن حجر فلم يذكره في اللسان مما يدل على عدم ثبوته عنده. التاريخ الكبير (6/ 122)، الجرح والتعديل (6/ 54)، الثقات (8/ 420)، سؤالات الآجري (305)، الميزان (2/ 640)، السير (10/ 437)، تاريخ الإسلام (9/ 428) و (15/ 270)، تالي تلخيص المتشابه (2/ 567)، اللسان (5/ 225)]، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الصلاة، فقال أعرابي: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما انصرف قال: "لقد تحجرت واسعًا،، يريد رحمة الله.
أخرجه الدارقطني في العلل (7/ 294).
ويبدو لي أن هذا الوهم إنما هو من صالح نفسه، والله أعلم.
• وكما ألمحت هنا فإن هذا الحديث قد اختلف فيه على الزهري:
1 -
فرواه سفيان بن عيينة، وسفيان بن حسين، وصالح بن أبي الأخضر -في رواية-:
ثلاثتهم عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به مرفوعًا، بقصة الدعاء، وقصة بول الأعرابي في المسجد.
2 -
ورواه محمد بن الوليد الزبيدي [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري، قدمه أبو حاتم في الزهري على معمر]، ويونس بن يزيد الأيلي [ثقة، ثبت في الزهري]، وشعيب بن أبي حمزة [ثقة، من أثبت أصحاب الزهري]، ومعمر بن راشد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري، واختلف عليه في هذا الحديث]، والنعمان بن راشد [صدوق، سيئ الحفظ](5):
رواه خمستهم: عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أبا هريرة أخبره: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء، أو سجلًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين"، هكذا بقصة البول فقط.
أخرجه البخاري (220/ 6128)، والنسائي (1/ 48 - 49/ 56) و (1/ 175/ 330)، وابن خزيمة (1/ 150/ 297)، وابن حبان (4/ 244 و 245/ 1399 و 1400)، وأحمد (2/ 282)، والبزار (14/ 355/ 8053)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 34 - 35/ 1755) و (4/ 210/ 3119)، وابن حزم في المحلى (4/ 247)، والبيهقي (2/ 428)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 331).
وأخرجه البزار (14/ 354/ 8051)، والدارقطني في العلل (7/ 295): من طريق النعمان بن راشد به بقصة الدعاء والبول معًا.
• واختلف فيه على معمر بن راشد:
أ- فرواه رباح بن زيد القرشي مولاهم، الصنعاني [ثقة فاضل]، عن معمر، عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد
…
فذكر قصة البول فقط.
أخرجه أحمد (2/ 282).
ب- ثم أخرجه أحمد (2/ 283) من نفس الطريق: عن رباح، عن معمر، عن الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي:"لقد تحجرت واسعًا"، يريد رحمة الله. هكذا بقصة الدعاء فقط.
ج- ورواه عبد الرزاق، عن معمر، واختلف عليه، بل قد اضطرب فيه:
فرواه إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أعرابيًّا بال في المسجد
…
، فذكر قصة الدعاء والبول، هكذا مرسلًا بدون ذكر أبي هريرة.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 1658/423).
ورواه محمد بن يحيى الذهلي، والحسن بن أبي الربيع، عن عبد الرزاق: ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن أعرابيًّا بال في المسجد
…
الحديث.
هكذا مرسلًا، لكن جعل سعيد بن المسيب بدل عبيد الله.
أخرجه الدارقطني في العلل (7/ 294 - 295).
ورواه أحمد بن منصور الرمادي [ثقة حافظ]: ثنا عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن الزهري، عن عبيد الله -أو: عن أبي سلمة-، عن أبي هريرة: أن أعرابيًّا بال في المسجد
…
الحديث. هكذا متصلًا، وشك هل هو عن عبيد لله أم عن أبي سلمة؟.
أخرجه الدارقطني في العلل (7/ 295).
قلت: وهذا اضطراب من عبد الرزاق، فلعله كان يحدث به من حفظه، أو بعد ما أضر.
والمحفوظ عن معمر ما رواه عنه رباح الصنعاني، عن عبيد الله بقصة البول، وعن أبي سلمة، بقصة الدعاء، مثل جماعة الحفاظ عن الزهري.
3 -
ورواه أيضًا: الزبيدي، ويونس، وشعيب، ومعمر:
أربعتهم عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي -وهو في الصلاة-: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي:"لقد حجرت واسعًا"، يريد: رحمة الله. هكذا بقصة الدعاء فقط.
أخرجه البخاري (6010)، وأبو داود (882)، والنسائي (3/ 14/ 1216)، وابن خزيمة (2/ 39/ 864)، وابن حبان (3/ 267/ 987)، وأحمد (2/ 283)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 174/ 3035)، وابن منده في التوحيد (2/ 52/ 194).
4 -
ورواه محمد بن أبي حفصة [صدوق يخطئ]، وصالح بن أبي الأخضر -في رواية-[ضعيف]:
كلاهما عن الزهري، عن سعيد، وأبي سلمة، عن أبي هريرة بقصة الدعاء والبول.
أخرجه البزار (14/ 150/ 7679)، وأبو بكر الشافعي في فوائده [الغيلانيات](713)، عن أبي سلمة وحده. والدارقطني في العلل (7/ 294)، وعلقه ابن عبد البر في التمهيد (1/ 331).
قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة".
وقال ابن عبد البر: "وكل ذلك صحيح؛ لأنه ممكن أن يكون الحديث عند ابن شهاب، عن عبيد الله، وسعيد، وأبي سلمة، فحدث به مرة عن هذا، ومرة عن هذا، وربما جمعهم، وهذا موجود لابن شهاب، معروف له، كثير جدًّا".
قلت: وهو كما قال، لا سيما وسفيان بن عيينة: ثقة حافظ من أثبت أصحاب
الزهري، وقد أكد لسامعيه حفظه للحديث هكذا: عن سعيد بن المسيب، وقد توبع عليه كما تقدم، وصححه الترمذي وابن خزيمة.
إلا أن ابن عيينة وهم في قوله: "فصلى، فلما فرغ قال"، والذي يدل على أن الأعرابي قال هذا بعد فراغه من الصلاة، وهو مخالف لرواية جماعة الحفاظ عن الزهري: الزبيدي، ويونس، وشعيب، ومعمر، حيث قالوا في روايتهم: فقال أعرابي وهو في الصلاة:
…
، وفيها: فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي:
…
، وهذا هو المحفوظ، ورواية ابن عيينة شاذة لاتحاد المخرج، وعدم إمكان القول بتعدد الواقعة، والله أعلم.
وانظر: طرح التثريب (2/ 125).
• وهذا الحديث باللفظ المحفوظ: مما استدل به العلماء على عدم بطلان صلاة من تكلم في صلاته عامدًا بكلام محرم، وهو جاهل بحرمة ذلك عليه، فإن هذا الأعرابي سأل الله تعالى أن لا يرحم أحدًا من خلقه إلا نفسه والنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الدعاء حرام لكن لما كان الأعرابي جاهلًا بتحريم ذلك، لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، واكتفى بتعليمه [نظر: مجموع الفتاوى (21/ 162)].
• وحديث أبي هريرة هذا؛ رواه أيضًا:
محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: دخل أعرابي المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: اللَّهُمَّ اغفر لي ولمحمد، ولا تغفر لأحد معنا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"لقد احتظرت واسعًا"، ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنما بني هذا البيت لذكر الله والصلاة، وإنه لا يبال فيه"، ثم دعا بسجل من ماء، فأفرغه عليه، قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه: فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليَّ -بأبي هو وأمي- فلم يسبَّ، ولم يؤنِّب، ولم يضرب.
أخرجه ابن ماجه (529)، وابن حبان (3/ 265/ 985) و (4/ 248/ 1402)، وأحمد (2/ 503)، وابن أبي شيبة (1/ 177/ 2032)، والبزار (14/ 301/ 7915)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (66)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 117).
وإسناده حسن.
وانظر فيمن وهم فيه: البزار (14/ 301/ 7916).
• وقد اتفق الشيخان على إخراج حديث قصة بول الأعرابي في المسجد من حديث أنس بن مالك، من طرق عنه:
1 -
حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوه، ولا تزرموه"، قال: فلما فرغ دعا بدلو من ماء، فصبه عليه.
أخرجه البخاري (6025)، ومسلم (284/ 98)، وأبو عوانة (1/ 183/ 570 و 571)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 343/ 652)، والنسائي (1/ 47 و 175/ 53 و 329)،
وابن ماجه (528)، وابن خزيمة (1/ 150/ 296)، وأحمد (3/ 226)، وعبد بن حميد (1381)، وأبو يعلى (6/ 3467/181)، والبيهقي (2/ 428)، وابن عبد البر (24/ 16)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 10/ 383).
2 -
إسحاق بن أبي طلحة: حدثني أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه، دعوه"، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن" أو: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلًا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه عليه.
أخرجه البخاري (219) مختصرًا، ومسلم (285) واللفظ له، وأبو عوانة (1/ 182/ 567 و 568 و 569)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 344/ 654)، وابن خزيمة (1/ 148/ 293)، وابن حبان (4/ 246/ 1401)، وأحمد (3/ 191)، والبزار (13/ 78/ 6426)، وابن المنذر (2/ 175/ 744)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 13)، وفي المشكل (12/ 532/ 5004)، والطبراني في الأوسط (5/ 162/ 4947)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (152 و 174)، وابن حزم في المحلى (1/ 101)، والبيهقي (2/ 412 و 413 و 428) و (10/ 103)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 2021/ 1674)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 6/ 379)، وابن الجوزي في التحقيق (27).
3 -
يحيى بن سعيد الأنصاري: أنه سمع أنس بن مالك يذكر: أن أعرابيًّا قام إلى ناحية في المسجد، فبال فيها، فصاح به الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوه"، فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذَنوب فصُبَّ على بوله.
أخرجه البخاري (221 و 221 م)، ومسلم (284/ 99) واللفظ له، وأبو عوانة (1/ 182/ 565 و 566)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 653/343)، والترمذي (147)، والنسائي (1/ 48/ 54 و 55)، والدارمي (1/ 205/ 740)، وأحمد (3/ 110 و 114 و 167)، وعبد الرزاق (1/ 424/ 1660)، والحميدي (1196)، والشافعي في الأم (2/ 111/ 109)، وفي المسند (20)، وابن أبي شيبة (1/ 176/ 2030)، والبزار (12/ 332/ 6201)، وأبو يعلى (6/ 328 و 329/ 3652 و 3654)، وابن المنذر (1/ 268/ 185 و 186) و (2/ 173 و 175/ 742 و 745)، والطحاوي (1/ 13)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (65)، والطبراني في الأوسط (6/ 66/ 5809)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 427)، وفي الصغرى (1/ 135/ 181)، وفي المعرفة (2/ 1 25/ 1278)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 14 و 15)، وفي الاستذكار (1/ 358 - 359).
هكذا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري: عبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وسليمان بن بلال، ويزيد بن هارون، وعبدة بن سليمان، وعبد العزيز بن محمد
الدراوردي، وجعفر بن عون، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن نمير، ويعلى بن عبيد، وعبيدة بن حميد، والقاسم بن معن، وأبو معاوية، وغيرهم.
• خالفهم: الإمام مالك، فرواه، عن يحيى بن سعيد أنه قال: دخل أعرابي المسجد، فكشف عن فرجه ليبول، فصاح به الناس، حتى علا به الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتركوه"، فتركوه، فبال، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصب على ذلك المكان.
هكذا أخرجه مالك في الموطأ (1/ 166/110) مرسلًا.
قال الدارقطني في" الأحاديث التي خولف فيها مالك"(75): "خالفه الثوري، وابن عيينة، ويحيى القطان، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوردي، ويحيى بن سعيد الأموي، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عبيد؛ فرووه عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب، ومالك لم يذكر أنسًا".
وقال ابن عبد البر في التمهيد: "هذا حديث مرسل في الموطأ عند جماعة الرواة، وقد روي مسندًا متصلًا عن يحيى بن سعيد، عن أنس من وجوه صحاح، وهو محفوظ ثابت من حديث أنس، ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وانظر: الكامل (1/ 365)، اللسان (2/ 246): فيمن وهم على مالك فيه.
• واختلف في متن هذا الحديث على سفيان بن عيينة:
فرواه جماعة الثقات من أصحابه؛ مثل: الشافعي، والحميدي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري، وغيرهم: عن ابن عيينة به هكذا.
وخالفهم: عبد الجبار بن العلاء العطار البصري نزيل مكة [لا بأس به]، فرواه عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبًا من ماء".
لم أره موصولًا، وإنما علقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 333/ 545)، وفي التحقيق (1/ 78) [وانظر: الإمام (1/ 271) و (3/ 455)، البدر المنير (1/ 527)، التلخيص (32)، نصب الراية (1/ 212) وغيرها].
قال ابن الجوزي: "قال الدارقطني: وهم عبد الجبار على ابن عيينة؛ لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد، فلم يذكر أحد منهم الحفر، وإنما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار عن طاوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احفروا مكانه"، مرسلًا، فاختلط على عبد الجبار المتنان".
قلت: هذه الرواية وهم بلا شك على ابن عيينة، وإنما تعرف هذه اللفظة عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، قال: بال أعرابي في المسجد، فأرادوا أن يضربوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"احفروا مكانه، واطرحوا عليه دلوًا من ماء، علموا ويسروا ولا تعسروا".
أخرجه عبد الرزاق (1/ 424/ 1659) عن ابن عيينة. والطحاوي (1/ 14) من طريق إبراهيم بن بشار: ثنا ابن عيينة به.
ورواها معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: بال أعرابي
…
فذكره.
أخرجه عبد الرزاق (1/ 425/ 1662).
وكلاهما من مراسيل طاووس، ورجالها ثقات.
• وفي الأمر بحفر المكان وإلقاء التراب: إسنادان آخران: أحدهما: مسند، والآخر: مرسل:
أما المسند فيرويه:
أبو بكر بن عياش: حدثنا سمعان بن مالك، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: جاء أعرابي فبال في المسجد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر، فصب عليه دلو من ماء، فقال الأعرابي: يا رسول الله! المرء يحب القوم ولما يعمل عملهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". وقال في رواية: عن سمعان المالكي.
وفي أخرى: نا المعلى المالكي، عن شقيق، عن عبد الله، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير، فقال: يا محمد! متى الساعة؟ فقال: "وما أعددت لها؟ قال: لا، والذي بعثك بالحق نبيًّا، ما أعددت لها من كبير صلاة ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: "فإنك مع من أحببت"، قال: فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد، فمر عليه الناس فأقاموه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه، عسى أن يكون من أهل الجنة"، فصبوا على بوله الماء.
أخرجه أبو يعلى (6/ 310 - 311/ 3626)، والطحاوي (1/ 14)، والبزار (5/ 161/ 1753)، والدارقطني (1/ 132)، وابن الجوزي في التحقيق (60).
قال الدارقطني بعد الرواية الأولى: "سمعان: مجهول".
وقال بعد الأخيرة: "المعلى: مجهول".
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 316): "سمعت أبا زرعة يقول: الحديث الذي رواه سمعان بن مالك، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي في المسجد، وما أمر بحفر موضع البول: إنه حديث منكر، وسمعان: ليس بالقوي".
وقال أبو زرعة في العلل لابن أبي حاتم (36): "هذا حديث ليس بقوي".
وقال ابن الجوزي في التحقيق (60): "قال أبو زرعة: هذا الحديث: منكر، وسمعان: ليس بالقوي، قلت: وأبو هشام الرفاعي: ضعيف، قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لا أصل لهذا الحديث".
قلت: توبع أبو هشام الرفاعي، تابعه: يحيى بن عبد الحميد الحماني، وأحمد بن عبد الله بن يونس؛ والبلية فيه من سمعان بن مالك.
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 251 - 252): "وسمعان بن مالك: مجهول، يروي عنه أبو بكر بن عياش، واختلف عليه، فقيل: المعلى بن سمعان، وقيل: سمعان بن مالك.
وقال أبو زرعة الرازي: هذا حديث ليس بقوي".
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 60): "وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبي زرعة: هو حديث منكر، وكذا قال أحمد، وقال أبو حاتم: لا أصل له"، كذا قال.
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 417): "وحديث سمعان: منكر، قاله الإمام، وقال: ما أعرف سمعان".
وقال البيهقي في السنن (2/ 428): "وقد روي ذلك [يعني: الحفر] في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: وليس بصحيح".
وقال الدارقطني في العلل (5/ 81): "وقال أبو هشام الرفاعي في لفظه: "فأمر بمكانه فاحتفر"، وليست بمحفوظ عن أبي بكر بن عياش، وقد رويت هذه الزيادة عن يحيى بن سعيد عن أنس".
قلت: أما الزيادة المروية من حديث يحيى بن سعيد عن أنس، فمنكرة، تقدم بيانها.
وأما أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي: فليس بالقوي، وتابعه: يحيى بن عبد الحميد الحماني: وهو حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث.
وخالفهما فلم يذكر فيه الحفر، فرواه باللفظ الثاني: أحمد بن عبد الله بن يونس: وهو ثقة حافظ: فلعل روايته أقرب إلى الصواب بدون ذكر الحفر فيه.
لكن الحديث منكر بكلا اللفظين، وآفته: سمعان بن مالك هذا؛ فإنه مجهول [قاله الدارقطني، وابن خراش والبيهقي]، لم يرو عنه سوى أبي بكر بن عياش، قال أبو زرعة:"ليس بالقوي"، وحديثه هذا منكر. [انظر: الإمام (1/ 271)، البدر المنير (1/ 527)، نصب الراية (1/ 212)، [اللسان (4/ 190)].
• فقد خالف فيه على ضعفه: الإمام الحافظ الثقة الثبت: سليمان بن مهران الأعمش فقد رواه عن أبي وائل عن عبد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحب قومًا ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب".
فلم يذكر فيه قصة البول والحفر.
أخرجه البخاري (6168 و 6169)، ومسلم (2640)، وأحمد (1/ 392)، والبزار (5/ 101/ 1679)، والهيثم بن كليب (2/ 68/ 575 - 577)، والقضاعي في مسند الشهاب (189).
وقد اختلف فيه على الأعمش، فرواه بعض أصحابه عنه به هكذا من حديث ابن
مسعود، ورواه بعضهم عنه به من حديث أبي موسى الأشعري، وكلاهما: صحيح.
وقد أخرجه الشيخان أيضًا من حديث أبي موسى [البخاري (6170)، ومسلم (2641)]، وانظر: علل ابن أبي حاتم (1862 و 2254 و 2632)، علل الدارقطني (5/ 94/ 740).
• واللفظ الثاني لا يعرف من حديث ابن مسعود، وإنما يعرف من حديث أنس بن مالك:
فقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه، وفي بعض ألفاظه؛ قال: بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد، فلقينا رجلًا عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟ " قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله! ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال:"فأنت مع من أحببت".
أخرجه البخاري في الصحيح (3688 و 6167 و 6171 و 7153)، وفي الأدب المفرد (352)، ومسلم (2639)، وأبو داود (5127)، والترمذي (2385)، وابن حبان (1/ 182/ 8) و (1/ 308/ 105) و (2/ 323 و 324/ 563 - 565) و (16/ 345/ 7348)، وأحمد (3/ 110 و 159 و 165 و 167 و 168 و 172 و 173 و 178 و 192 و 198 و 200 و 202 و 207 و 208 و 221 و 226 و 227 و 228 و 255 و 268 و 276 و 283 و 288)، وابن المبارك في الزهد (718)، وفي المسند (12)، وابن عيينة في جزئه (12)، ومعمر في الجامع (11/ 199/ 20317 - المصنف)، والطيالسي (2131)، والحميدي (1190)، وابن أبي شيبة (7/ 503/ 37561)، وهناد في الزهد (482)، وعلي بن حجر في حديث إسماعيل بن جعفر (88 و 388)، وعبد بن حميد (1265 و 1339 و 1366)، ومحمد بن يحيى الذهلي في الزهريات (2 - منتقى)، والبزار (12/ 326 و 340 و 363/ 6190 و 6220 و 6283 و 6284) و (13/ 198 و 253 و 421/ 6661 و 6772 و 7152) و (14/ 107/ 7601)، وأبو يعلى (5/ 270 و 372 و 373 و 401/ 2888 و 023 3 و 3024 و 3072) و (6/ 34 و 35 و 36 و 180 و 255 و 256 و 285 و 313 و 314/ 3277 و 3278 و 3280 و 3281 و 3465 و 3556 و 3557 و 3597 و 3631 و 3632) و (7/ 23/ 3920)، والروياني (1381)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1375)، والطحاوي في المشكل (1/ 414)، وابن البختري في الجزء الرابع من حديثه (89)، والمروزي في زيادات الزهد لابن المبارك (1019)، والطبراني في مسند الشاميين (2596 و 2985)، وفي المعجم الأوسط (410 و 8556)، وفي الصغير (1190)، وابن المظفر في حديث شعبة (50 و 51)، وابن المقرئ في المعجم (1163)، وغيرهم كثير.
• وأما الطريق المرسل: فيرويه:
***
381 -
. . . قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا جرير -يعني: ابن حازم-، قال: سمعت عبد الملك -يعني: ابن عمير-، يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن، قال: صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم، بهذه القصة، قال فيه: وقال
-يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماءً".
فال أبو داود: وهو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
• حديث مرسل.
هكذا رواه أبو داود هنا في السنن مختصرًا، ورواه في المراسيل (11) بنفس الإسناد، عن عبد الله بن معقل بن مقرن، قال: قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد، فاكتشف، فبال فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماءً".
قال أبو داود: "روي متصلًا، ولا يصح".
وأخرجه من طريق أبي داود: الدارقطني (1/ 132)، والبيهقي (2/ 428)، وابن الجوزي في التحقيق (59).
قال الدارقطني: "عبد الله بن معقل: تابعي، وهو مرسل".
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 251): "وهذا منقطع، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم".
ونقل في السنن كلام أبي داود في سننه.
ونقل ابن الجوزي كلام أبي داود في المراسيل، وكلام الدارقطني، وزاد:"وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 100): "وليس في خبر أبي هريرة، ولا في خبر متصل ذكر لحفر المكان، ولا لنقل التراب، فأما حديث عبد الله بن معقل بن مقرن
…
[فساقه ثم قال:] فإن أبا داود قد ذكره في هذا الباب، وضعفه، وقال: هو مرسل، وابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (241) بعد أن ذكر حديث أبي هريرة وحديث ابن معقل هذا: "إن الخلاف وقع في هذا من قبل الراوي، وحديث أبي هريرة أصح؛ لأنه حضر الأمر ورآه، وعبد الله بن معقل بن مقرن: ليس من الصحابة، ولا ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نجعل قوله مكافئًا لقول من حضر ورأى، وكان أبوه معقل بن مقرن أبو عمرة المزني يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأما عبد الله ابنه فلا نعلمه".
وضعفه أيضًا: البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 383)، والنووي في المجموع (2/ 544).
• قلت: فهذا كل ما روي في حفر مكان البول، وإلقاء التراب، ولا يصح منه شيء.
ولا يعارض بمراسيله المسندات الصحيحة المتفق عليها في حديث أبي هريرة وحديث أنس الدالة على الاكتفاء بصب الماء.
قال ابن دقيق العيد في الإحكام (1/ 122): "واستدل بالحديث أيضًا على أنه يكتفي بإفاضة الماء، ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك، خلافًا لمن قال به.
ووجه الاستدلال بذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب، وظاهر ذلك: الاكتفاء بصب الماء؛ فإنه لو وجب لأمر به، ولو أمر به لذكر.
وقد وردت في حديث آخر ذكر الأمر بنقل التراب من حديث سفيان بن عيينة، ولكنه تكلم فيه.
وأيضًا فلو كان نقل التراب واجبًا في التطهير لاكتفى به، فإن الأمر بصب الماء حينئذ يكون زيادة تكليف وتعب، من غير منفعة تعود إلى المقصود، وهو تطهير الأرض".
• وفي الباب أيضًا:
1 -
عن ابن عباس، وهو حديث غريب، تفرد به إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، وفيه قصة غريبة.
أخرجه أبو يعلى (4/ 431/ 2557)، والبزار (49 - زوائده)، والطبراني في الكبير (11/ 220 / 11552).
2 -
عن واثلة بن الأسقع، وهو حديث منكر، تفرد به عبيد الله بن أبي حميد الهذلي [منكر الحديث، يروي عن أبي المليح عجائب. التهذيب (8/ 3)]: أنبأنا أبو المليح الهذلي، عن واثلة به.
أخرجه ابن ماجه (530)، والطبراني في الكبير (22/ 77/ 192)، والدارقطني في الأفراد (4/ 339 - 340/ 4425 - أطرافه).
قال الدارقطني: "تفرد به عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح عنه".
وانظر: سؤالات البرذعي (379).
• وأما غريب هذه الأحاديث:
"تحجرت واسعًا"؛ أي: ضيقت ما وسعه الله، وخصصت به نفسك دون غيرك [النهاية (1/ 342)، وانظر: تهذيب اللغة (4/ 83)].
"السجل": الدلو الضخمة المملوءة ماءً، وهي أعظم ما يكون من الدلاء [لسان العرب (11/ 325)، وانظر: غريب الحديث لابن سلام (3/ 189)، النهاية (2/ 344)، الفائق (2/ 155)].
"الذَنوب": الدلو فيها ماء، وقيل: الدلو التي يكون الماء دون ملئها، أو قريب منه، وقيل: هي الدلو الملأى، وقيل: هي الدلو العظيمة، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب [لسان العرب (1/ 392)، وانظر: النهاية (2/ 171)].
"أهريقوا": وفي بعض الروايات "هريقوا"؛ بمعنى: أريقوا، أبدلت الهمزة هاءً، وهي أصح لغة من أهريقوا، وتكون الهاء فيها زائدة؛ وأصلها: أريقوا [انظر: تهذيب اللغة (5/ 258)، طرح التثريب (2/ 128)، النهاية (5/ 260)].
"لا تزرموه": أي: لا تقطعوا عليه بوله [مشارق الأنوار (1/ 315)، النهاية (2/ 301)، لسان العرب (12/ 263)].
"مه، مه" كلمة زجر، مكررة، بمعنى: اكفف، أصلها: ما هذا، ثم حذفت تخفيفًا [انظر: تاج العروس (36/ 505)، مشارق الأنوار (1/ 389)، تهذيب اللغة (5/ 250)].
"فشنه" يروي بالشين المعجمة، وبالسين المهملة، ومعناه: صبه، وفرق بعض العلماء بينهما، فقال: هو بالمهملة: الصب في سهولة، وبالمعجمة: التفريق في صبه [البدر المنير (1/ 530)، مشارق الأنوار (2/ 224 و 254)، لسان العرب (13/ 242)، النهاية (2/ 413 و 557)].
• وأما فقه حديث بول الأعرابي: ففيه جمل من فوائد العلم، منها غير ما تقدم ذكره في هذا البحث:
1 -
أن من أدب الدعاء: استيعاب الحاضرين إذا دعا بمجلس جماعة، فلا يخص نفسه بالدعاء دونهم، ولا يخص نفسه وبعضهم دون جميعهم.
2 -
المبادرة إلى إنكار المنكر، وتعليم الجاهل.
3 -
أن الجاهل بحكم التحريم إذا خفي عليه ذلك لكونه قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، لا يعزر على ذلك المحرم، ولا يقام عليه الحد إن كان المعصية فيها حد وهي حق لله تعالى؛ لأن هذا الأعرابي نشأ بالبادية، فلم يكن يعلم أن المساجد لا يجوز البول فيها، فلم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤنبه، ثم علمه الحكم، ونهاهم عن الوقوع به، وعن الصياح عليه.
4 -
الرفق في إنكار المنكر وتعليم الجاهل، مع استعمال الحلم والصبر معه؛ إذا لم يكن معاندًا أو مستخفًا، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فلم يغضب في هذا الموقف، بل هدأ أصحابه وأرشدهم بقوله:"إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"، وما ذلك إلا لجهل الأعرابي وحاجته إلى الرفق في التعليم.
5 -
فيه احتمال أخف المفسدتين منعًا للوقوع في أشدهما، ودفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما، وذلك بقوله:"دعوه، لا تزرموه" ففيه الأمر بتركه يتم بوله، وعدم قطع بوله عليه، فهما مصلحتان:
الأولى: أنه لو قُطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادةٍ أولى من إيقاع ضرر به.
الثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد بانتشار بوله وتفرقه فيها.
6 -
فيه نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع.
7 -
في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر" دليل على وجوب تنزيه المساجد عن البول، وسائر النجاسات، وفيه دليل على تنظيف المساجد، والاعتناء بها، وأنها إنما بنيت للعبادة: من صلاة، وذكر، وقراءة قرآن، ولم تبن لمزاولة أعمال الدنيا من بيع، وشراء، ونشد ضالة، ونحو ذلك، وأما الوضوء في المسجد:
فجائز؛ بل لا يكره عند جمهور العلماء، ما لم يؤذ [انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 418 و 419)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 41)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (31/ 209)، المغني (1/ 96)، المجموع (2/ 198)].
8 -
قال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 16 - 17): "وهذا الحديث: أصح حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماء، وهو ينفي التحديد في مقدار الماء الذي تلحقه النجاسة، ويقضي أن الماء طاهر مطهر لكل ما غلب عليه، فإن كان الماء غالبًا مستهلكًا للنجاسات، فهو مطهر لها، وهي غير مؤثرة فيه، وسواء في ذلك: قليل الماء وكثيره، هذا ما يوجبه هذا الحديث".
قلت: ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة، وورود النجاسة على الماء، بل العبرة بصفات الماء الثلاث الريح والطعم واللون، فهي القاضية بحصول التغير من عدمه، وهذه المسألة تم بحثها مفصلة عند حديث القلتين المتقدم برقم (63) فلتراجع.
9 -
فيه حجة على أبي حنيفة في اشتراطه في تطهير الأرض: حفر ما أصابته النجاسة، وأنها لا تطهر بصب الماء عليها، وتقدم الكلام عنها قريبًا.
10 -
فيه حجة أنه لا يشترط في طهارة الأرض بعد صب الماء عليها: نضوب الماء ولا جفاف الأرض؛ لأنه لو كان مجرد صب الماء عليها لا يطهرها إلا بشرط نضوب الماء؛ لأمرهم أن لا يجلسوا عليها ولا يمشوا عليها حتى يحصل هذا الشرط، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
11 -
فيه أن غسالة النجاسة طاهرة ما لم تتغير بالنجاسة فتنجس بها، أما إذا استهلكت النجاسة في الماء فزالت عينها، فالغسالة طاهرة.
12 -
ذكر بعضهم أن فيه حجة للجمهور على أن النجاسة لا يطهرها الجفوف بل الماء، خلافًا لأبي حنيفة، والصحيح أن النجاسة تطهر بالاستحالة، ولا يشترط الماء لإزالتها، كما سيأتي بحث هذه المسألة في الحديث الآتي، وأما حديث بول الأعرابي فإنه واقعة عين، وليس فيه أمرًا عامًّا بأن تزال كل نجاسة بالماء، بل قد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع، وأما هنا فالمراد تعجيل تطهير الأرض، لا أن النجاسة لا تزول بغير الماء، وانظر الحديث الآتي (382).
13 -
يستنبط من حديث أبي هريرة: صحة صلاة مدافع الأخبثين؛ لأن الظاهر من حال من يبول عقب الصلاة أنه كان يدافعه، ويحتمل أنه سبقه؛ والله أعلم.
14 -
أنه لا تحديد في مقدار الماء الذي يغسل به البول، خلافًا لمن قال: لبول كل رجل دلو، وإنما العبرة في ذلك بالتطهير، وزوال عين النجاسة.
15 -
ليس على المفضول أن يستأذن الفاضل في إنكار منكر ظاهر وقع بحضرته، فقد بادر الصحابة بالإنكار لما تقرر في نفوسهم من بشاعة ذلك الفعل، فبادروا لمنعه قبل أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.