المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٤

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌112 م- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

- ‌113 - باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر

- ‌1)].***114 -باب من قال: تغتسل بين الأيام

- ‌115 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

- ‌1).***116 -باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌117 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

- ‌118 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌119 - باب ما جاء في وقت النفساء

- ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

- ‌121 - باب التيمم

- ‌(111).***122 -باب التيمم في الحضر

- ‌123 - باب الجنب يتيمم

- ‌124 - باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم

- ‌125 - باب في المجروح [وفي نسخة: المجدور] يتيمم

- ‌126 - باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي، في الوقت

- ‌127 - باب في الغسل يوم الجمعة

- ‌1)].***128 -باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

- ‌129 - باب في الرجل يُسْلِم فيؤمر بالغسل

- ‌(12/ 88).***130 -باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

- ‌131 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

- ‌132 - باب الصلاة في شُعُر النساء

- ‌133 - باب في الرخصة في ذلك

- ‌134 - باب المني يصيب الثوب

- ‌(1/ 125).***135 -باب بول الصبي يصيب الثوب

- ‌(1/ 245).***136 -باب الأرض يصيبها البول

- ‌137 - باب في طهور الأرض إذا يبست

- ‌باب في الأذى يصيب الذيل

- ‌باب في الأذى يصيب النعل

- ‌138 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

- ‌139 - باب البصاق يصيب الثوب

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب في المواقيت

- ‌3 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

- ‌4 - باب في وقت صلاة الظهر

الفصل: ‌(19/ 239 - 240)].120 -باب الاغتسال من الحيض

ويُروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يومًا إذا لم تر الطهر.

ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي: ستين يومًا".

وفي مستخرج الطوسي (1/ 373) لم يقرن -في حكاية كلام الترمذي- الإمام الشافعي بسفيان الثوري وابن المبارك في القول بالأربعين، وإنما آخر ذكره فقرنه بعطاء فقال:"ويروى عن عطاء بن أبي رباح ستين يومًا، وهو قول الشافعي رحمة الله عليه".

وهذا هو المنقول عن الشافعي نقله عنه ابن نصر في اختلاف العلماء (38)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 251).

وقد حكى ابن المنذر القول الأول عن جماعة من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، ولا يثبت عنه؛ فإنه من رواية جابر الجعفي، وهو متروك يكذب، ويؤمن بالرجعة.

ثم قال: "وبه قال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل وإسحاق، وأبو عبيد، والنعمان، ويعقوب، ومحمد، قال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس، لم يختلفوا في أقصاه اختلافهم في الحيض".

وحكى القول الثالث: عن الشعبي، وبه قال: مالك، والشافعي، وأبو ثور، وذكر ابن القاسم أن مالكًا رجع عن هذا آخر ما لقيناه، فقال: يسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة فتجلس أبعد ذلك، ثم حكى أقوالًا أخرى.

انظر: اختلاف العلماء (37 - 38)، المدونة (1/ 53)، التمهيد (16/ 74)، فتح الباري لابن رجب (1/ 546 و 547)، وفصَّل فيه.

• والراجح عندي -والله أعلم-: قول مالك الأخير أنه لا حد له، وإنما يُرجع فيه إلى عادة النساء في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره، فلو قدر أن امرأة رأت الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين وانقطع فهو نفاس، لكن إن اتصل فهو دم فساد، وحينئذ فالحد أربعون فإنه منتهى الغالب؛ جاءت به الآثار" [مجموع الفتاوى ‌

(19/ 239 - 240)].

120 -

باب الاغتسال من الحيض

313 -

محمد -يعني: ابن إسحاق-، عن سليمان بن سحيم، عن أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار -قد سماها لي-، قالت: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فوالله لم يزل [وفي نسخة: لنزل] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، فأناخ، ونزلتُ عن حقيبة رحله، وإذا بها دمٌ مني، وكانت أولَ حيضةٍ حضتها، قالت: فتقبَّضتُ إلى الناقة واستحييتُ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي، ورأى الدم، قال:"ما لك؟ لعلك نفست؟ " قلت: نعم، قال:

ص: 41

"فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناءُ من ماءٍ فاطرحي فيه ملحًا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك".

قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، رضخ لنا من الفيء.

قالت: وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طَهورها ملحًا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت.

• حديث ضعيف.

أخرجه أحمد (6/ 380)، وابن هشام في السيرة (4/ 314)، والبيهقي (2/ 407)، والحطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 847)، وابن منده في أرداف النبي صلى الله عليه وسلم (81).

قال أحمد: حدثنا يعقوب: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار -وقد سماها لي-، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار، فقلنا: يا رسول الله! قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا -وهو يسير إلى خيبر-، فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا؟ فقال:"على بركة الله"، قالت: فخرجنا معه، وكنت جارية حديثة، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ. . .، فذكر الحديث مثله، وزاد بعد قوله:"ورضح لنا من الفيء"، قالت: وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها، وجعلها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبدًا، قالت: وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها. . . الحديث.

وفي هذه الرواية تصريح ابن إسحاق بالسماع من شيخه، فانتفت شبهة تدليسه، والراوي عنه: إبراهيم بن سعد: ثقة حجة من أحفظ الناس لحديث ابن إسحاق، وممن يميز سماعه.

لكن الحديث ضعيف، لأجل أمية بنت أبي الصلت: لم يرو عنها سوى سليمان بن سحيم، ولم توثق، فهي في عداد المجاهيل [التهذيب (4/ 665)، الميزان (4/ 604)، التقريب (760)، وقال: "لا يعرف حالها"].

وللحديث طريق أخرى واهية: رواها ابن سعد في الطبقات (8/ 293)، قال: حدثنا محمد بن عمر: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن أم علي بنت أبي الحكم، عن أمية بنت قيس أيي الصلت الغفارية، قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار. . . فذكر الحديث بنحو حديث إبراهيم بن سعد.

وأخرجه أيضًا الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 848)، من طريق الواقدي.

ص: 42

وهذا باطل موضوع؛ محمد بن عمر الواقدي: متروك، وابن أبي سبرة، متروك، منكر الحديث، وهو في عداد من يضع الحديث، قال أحمد:"ليس بشيء، كان يضع الحديث ويكذب"، ورماه بالوضع أيضًا: ابن عدي، وابن حبان، والحاكم [التهذيب (4/ 489)].

***

314 -

سلام بن سليم، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: دخلت أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من المحيض؟ قال: "تأخذ سِدرَها وماءها فتوضأ، ثم تغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماءُ أصولَ شعرها، ثم تفيض على جسدها، ثم تأخذ فِرْصَتها فتطهر بها".

قالت: يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ قالت عائشة: فعرفت الذي يكني عنه، فقلت لها: تتبعين بها آثار الدم.

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (332/ 61)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 378/ 742)، وابن أبي شيبة (1/ 78/ 864)، والطحاوي في أحكام القرآن (174)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 347/ 253)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 459/486).

وعند مسلم وغيره: دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

315 -

أبو عوانة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، أنها ذكرت نساء الأنصار، فأثنت عليهن، وقالت لهن معروفًا، وقالت: دخلت امرأة منهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكر معناه، إلا أنه قال:"فِرْصَة مُمَسَّكة".

قال مسدد: كان أبو عوانة يقول: "فِرْصَة"، وكان أبو الأحوص يقول:"قَرْصَة".

• حديث صحيح.

أخرج أبو داود طرفًا آخر منه -وهو قطعة من أول الحديث لم يذكرها هنا- في كتاب اللباس، برقم (4100): عن عائشة: أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن، وقالت لهن معروفًا، وقالت: لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجور -أو: حجوز، شك أبو كامل- فشققنهن، فاتخذنه خُمُرًا.

أخرجه أبو عوانة في صحيحه (1/ 266/ 926)، وأحمد بتمامه (6/ 188)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 131/ 677).

ص: 43

ولفظ أحمد: ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن، وقالت لهن معروفًا، وقالت: لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجز -أو: حجوز- مناطقهن، فشققنه، ثم اتخذن منه خُمُرًا، وأنها دخلت امرأة منهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أخبرني عن الطهور من المحيض؟ فقال: "نعم، لتأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فلتطهر ثم لتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها، ثم لتلزق [ولتلصق] بشؤون رأسها، ثم تدلكه فإن ذلك طهور، ثم تصب عليها من الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فلتطهر بها".

قالت: يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكني عن ذلك، فقالت عائشة: تتبع بها أثر الدم.

• وهذه القطعة التي في أول الحديث والتي أفردها أبو داود في كتاب اللباس، أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 684/ 1280)، من طريق الحسن بن مسلم بن يناق [ثقة من رجال الشيخين]، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: لما نزلت هذه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الآية [النور: 31]: أخذن أُزُرهن فشققنه من قبل الحواشي، فاختمرن بها.

ومن طريق الحسن: أخرجها البخاري في صحيحه (4759)، والنسائي في الكبرى (10/ 202/ 11299) وعندهما: فشققنها، والحاكم (2/ 397) و (4/ 194)، والبيهقي (2/ 234) و (7/ 88).

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" فوهم في استدراكه؛ إذ قد أخرجه البخاري.

وسيأتي من طريق الثوري، عن ابراهيم: قريبًا.

***

316 -

شعبة، عن إبراهيم -يعني: ابن مهاجر-، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم، بمعناه، قال:"فرصة ممسكة" فقالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله! تطهَّري بها"، واستتر بثوب، وزاد: وسألته عن الغسل من الجنابة؟ فقال: "تأخذين ماءك فتطهرين أحسن الطهور وأبلغه، ثم تصُبِّين على رأسك الماء، ثم تدلكين حتى يبلغ شؤون رأسك، ثم تُفيضين عليك الماء".

قال: وقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألْنَ عن الذين، وأن يتفقَّهن فيه.

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (332/ 61)، وأبو عوانة (1/ 264/ 920 و 921)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 377/ 741)، وابن ماجه (642)، وابن خزيمة (1/ 123/ 248)،

ص: 44

وأحمد (6/ 147 - 148)، وإسحاق (3/ 683)(1278)، وابن عدي (1/ 215)، والبيهقي (1/ 180)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 485 - 486/ 459)، وابن حجر في التغليق (2/ 94).

ولفظ مسلم: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، فنحسن الطهور، ثم نصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا، حتى نبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها".

فقالت أسماء: وكيف أتطهر بها؟ فقال: "سبحان الله! تطهرين بها"، فقالت عائشة -كأنها تخفي ذلك-: تتبعين أثر الدم.

وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: "تأخذ ماء فتطهر، فتحسن الطهور -أو: تبلغ الطهور-، ثم نصب على رأسها فتدلكه، حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء".

فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

وفي رواية قال: "سبحان الله! تطهري بها" واستتر.

هكذا وقع في رواية شعبة: "أن أسماء"، ولم تنسب، رواه عنه هكذا: معاذ بن معاذ العنبري، وخالد بن الحارث، ومحمد بن جعفر غندر، ووهب بن جرير [وهم من أثبت أصحاب شعبة].

• تنبيه: وقع في رواية معاذ العنبري عند البيهقي: "أن أسماء -تعني: بنت شكل-"، فلا أدري من الذي نسبها.

ورواه يوسف القاضي [هو يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم: قال الخطيب: "كان ثقة صالحًا عفيفًا، مهيبًا، سديد الأحكام"، السير (14/ 85)]، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر [هو: ابن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي: ثقة]: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة: أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الحيض؟. . . فذكر الحديث.

أخرجه الخطيب في المبهمات (29)، هكذا قال:"أسماء بنت يزيد"، من طريق ابن ماسي [ثقة ثبت. السير (16/ 252)]: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي به.

لكن خالفه فرواه مثل الجماعة، فقال:"أسماء" هكذا غير منسوبة: أبو عوانة الإسفراييني [ثقة حافظ إمام جليل. السير (14/ 417)، التذكرة (3/ 779)]، وحبيب بن الحسن [هو: ابن داود بن محمد بن عبد الله أبو القاسم القزاز: وثقه الخطيب، وأبو نعيم، وابن أبي الفوارس، وأبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات، وضعفه البرقاني بلا حجة. تاريخ بغداد (8/ 253)، طبقات الحنابلة (3/ 83)، الميزان (1/ 454)، اللسان (2/ 215)، المغني (1/ 232)]:

كلاهما عن يوسف القاضي: ثنا محمد بن أبي بكر: ثنا يحيى: ثنا شعبة به، ولم ينسبا أسماء في روايتهما. [عند أبي عوانة. المستخرج].

ص: 45

ورواية أبي عوانة وحبيب بن الحسن: أولى بالصواب، فهما أكثر عددًا، وروايتهما موافقة لرواية الجماعة عن شعبة.

وعلى هذا فلا يثبت من رواية شعبة أنه نسب أسماء هذه بأنها أسماء بنت يزيد، وإنما المحفوظ من رواية شعبة أنه لم ينسبها، كذا رواه عنه جماعة الحفاظ من أصحابه، وشذ ابن ماسي فنسبها من رواية يحيى بن سعيد القطان عن شعبة، والمحفوظ كالجماعة كما ذكرنا.

وعلى هذا فإن أسماء هذه هي: بنت شكل، كما وقع في رواية أبي الأحوص، وهو: ثقة ثبت متقن؛ تقبل زيادته، وهو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وذهب إليه ابن بشكوال في غوامضه، فقال:"المرأة المذكورة هي أسماء بنت شكل"، اعتمادًا منه على رواية أبي الأحوص، والتي أخرجها من طريق مسلم سالكًا مسلكه، وتبعه على ذلك جماعة.

وأما الخطيب فإنه اعتمد في مبهماته على هذه الرواية الشاذة عن شعبة، فقال:"هذه الأنصارية هي: أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل، وكان يقال لها: خطيبة النساء".

قلت: وفي هذا بيان فضل علم المتقدمين على المتأخرين.

قال ابن حجر في هدي الساري (271): "في مسلم أنها أسماء بنت شكل. . .، وادعى الدمياطي أنه تصحيف، وأن الصواب: السكن. . .، وأنها نسبت إلى جدها، وهي: أسماء بنت يزيد بن السكن، وبه جزم ابن الجوزي في التلقيح، وقبله الخطيب، وهو رد للأخبار الصحيحة بمجرد التوهم، وإلا فما المانع أن يكونا امرأتين وقد وقع في مصنف ابن أبي شيبة كما في مسلم فانتفى عنه الوهم، وبذلك جزم ابن طاهر وأبو موسى المدني وأبو علي الجياني، والله أعلم".

وانظر: فتح الباري (1/ 415)، شرح النووي لصحيح مسلم (4/ 16)، الإصابة (10803)، التغليق (2/ 95)، التلخيص (1/ 143)، فتح المغيث (3/ 303)، إيضاح الإشكال (179)، نيل الأوطار (1/ 381).

• هكذا روى هذا الحديث: أبو الأحوص، وأبو عوانة، وشعبة: عن إبراهيم بن المهاجر، وتابعهم:

1 -

سفيان الثوري، عن إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، أنها قالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين وأن يسألن عنه، ولما نزلت سورة النور شققن حواجز -أو: حجز- مناطقهن فاتخذنها خمرًا.

وجاءت فلانة فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق، كيف أغتسل من الحيض؟ قال:"لتأخذ إحداكن سدرتها وماءها، ثم لتطهر فلتحسن الطهور، ثم لتفض على رأسها، ولتلصق بشؤون رأسها، ثم لتفض على جسدها، ثم لتأخذ فرصة ممسكة -أو: قرصة، شك أبو بكر- فلتطهر بها" -يعني بالفرصة: المسك، وقال بعضهم: من الذريرة-.

ص: 46

قالت: كيف أتطهر بها؟ فاستحيى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم واستتر منها، وقال:"سبحان الله! تطهري بها"، قالت عائشة: فلحمت الذي قال، فأخذت بجيب درعها، فقلت: تتبعي بها آثار الدم.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 314 - 315/ 1208)، ومن طريقه: ابن المنذر (2/ 131/ 678).

2 -

إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت امرأة من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم عن الحائض إذا أرادت أن تغتسل من المحيض؟ قال: "خذي ماءك وسدرك، ثم اغتسلي فأنقي، ثم صبي على رأسك حتى تبلغي شؤون الرأس، ثم خذي فرصة ممسكة".

قالت: كيف أصنع؟ فسكت، ثم قالت: كيف أصنع؟ فسكت، فقالت عائشة: خذي فرصة ممسكة فتتبعي بها أثر الدم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فما أنكر عليها.

أخرجه الدارمي (1/ 219/ 773)، وابن الجارود (117).

3 -

قيس بن الربيع، عن إبراهيم بن المهاجر البجلي، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: أتت فلانة بنت فلان الأنصارية، فقالت: يا رسول الله! كيف الغسل من الجنابة؟ قال: "تبدأ إحداكن فتوضأ، فتبدأ بشق رأسها الأيمن، ثم الأيسر، حتى تنقي شؤون رأسها" ثم قال: "تدرون ما شؤون الرأس؟ " قالت: البشرة، قال:"صدقت، ثم تفيض على بقية جسدها".

قالت: يا رسول الله! وكيف الغسل من المحيض؟. . . فذكره بنحو ما تقدم، وزاد فيه:"ثم تبدأ بشق رأسها الأيمن، ثم الأيسر، حتى تنقي شؤون الرأس".

أخرجه الطيالسي (1/ 142/ 1667)، ومن طريقه: الخطيب في المبهمات ص (28).

وهذا الحديث صححه: الإمام مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن الجارود.

ورواه عن إبراهيم بن المهاجر البجلي أئمة وحفاظ: سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وإسرائيل، ولم يختلفوا عليه فيه اختلافًا يحكم به عليه بالاضطراب، وإنما هي زيادة ثقات.

إلا أن ابن حزم ضعف هذا الحديث، فقال:"وإبراهيم هذا ضعيف"[المحلى (2/ 33)، وانظر: (1/ 104)].

قلت: إبراهيم بن المهاجر البجلي: صدوق يهم، ليس بذاك الحافظ الذي تقبل زيادته، أو تفرده عن المشاهير على وجه الإطلاق وإنما بقرائن.

فلا ينبغي أن يقال في مثله: ضعيف، متابعة لابن معين [وهو من المتعنتين في الرجال]، بل إن جماعة من المتشددين في الرجال لم يضعفوه مطلقًا، بل لينوه، فقد قال فيه يحيى بن سعيد القطان، وأبو حاتم، والنسائي:"ليس بالقوي"، وللنسائي فيه قول آخر يرفع من حاله وينتقل به من أخف درجات التجريح إلى أدنى درجات التعديل فيقول: "ليس

ص: 47

به بأس"، واختلف فيه قول الإمام أحمد فمرة يوثقه، ومرة يلينه، فيقول: "ليس به بأس، هو كذا وكذا"؛ يعني: يلينه، وممن ضعفه وبين حجته: ابن حبان، فقال:"كثير الخطأ، تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات، ولا يعجبني الاحتجاج بما وافق الأثبات لكثرة ما يأتي من المقلوبات"، والدارقطني حيث قال:"حدث بأحاديث لا يتابع عليها"، وقد رفع من شأنه وقوى أمره جماعة من أئمة هذا الشأن، وردوا على من ضعفه مطلقًا، قال الإمام أحمد:"قال يحيى بن معين عند عبد الرحمن بن مهدي: السدي، وإبراهيم بن مهاجر: ضعيفان، فغضب ابن مهدي غضبًا شديدًا، وقال: سبحان الله! أيش ذا، وأنكر ما قال يحيى"، وفي رواية أخرى يرويها الفلاس؛ احتج ابن مهدي على ابن معين بقول سفيان الثوري، قال:"قال سفيان: كان السدي رجلًا من العرب، وكان إبراهيم بن مهاجر: لا بأس به"، وقال أبو داود:"صالح الحديث"، وقال ابن سعد:"ثقة"، وقال العجلي:"جائز الحديث"، وقال الساجي:"صدوق، اختلفوا فيه"، وقال ابن شاهين:"ليس به بأس"، فمثله لا يضعف مطلقًا بل هو وسط، صدوق، يهم ويخالف [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1560 و 1595 و 2511 و 2512 و 3581 و 4710 و 4013)، سؤالات ابن هانئ (2171)، سؤالات المروذي (85 و 86 و 97)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 344 و 425 و 538/ 1668 و 2074 و 2632)، تاريخ ابن معين للدارمي (144)، المعرفة والتاريخ (3/ 182)، التاريخ الكبير (1/ 328)، الجرح والتعديل (2/ 132)، طبقات ابن سعد (6/ 331)، الثقات (5/ 192)، المجروحين (1/ 102)، تاريخ أسماء الثقات (35)، ثقات العجلي (31)، جامع الترمذي (1874)، ضعفاء النسائي (7)، ضعفاء الدارقطني (20)، ضعفاء العقيلي (1/ 66)، الكامل (1/ 213)، سؤالات الحاكم (180)، الميزان (1/ 67)، من تكلم فيه وهو موثق (9)، المغني (1/ 49)، إكمال تهذيب الكمال (1/ 295)، التهذيب (1/ 88)، التقريب (64)، وقال:"صدوق لين الحفظ"، وغيرها].

وهذا الحديث قد توبع إبراهيم بن مهاجر على أصله: تابعه منصور بن عبد الرحمن الحجبي [ثقة، أخطأ ابن حزم في تضعيفه. التقريب (612)، المحلى (1/ 104)]، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل من حيضتها؟ قال: فذكرت أنه علمها كيف تغتسل، ثم تأخذ فرصة من مسك فتطهر بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "تطهري بها، سبحان الله! " واستتر [واستتر بثوبه]، قال: قالت عائشة: واجتذبتها إليَّ، وعرفت ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: تتبعي بها أثر الدم. لفظ مسلم.

وفي رواية للشيخين: "خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها".

أخرجه البخاري (314 و 315 و 7357)، ومسلم (332/ 60)، وأبو عوانة (1/ 265/ 923 - 925)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 377/ 739 و 740)، والنسائي (1/ 135 - 136 و 207 - 208/ 251 و 427)، وابن حبان (3/ 472/ 119) و (3/ 474 / 1200)، وأحمد (6/ 122)، وإسحاق (3/ 684/ 1279)، والشافعي في الأم (2/ 95/ 99)، وفي

ص: 48

المسند (19 - 20)، والحميدي (167)، وأبو يعلى (8/ 178 - 179/ 4733)، وابن حزم (1/ 103 و 104)، والبيهقي (1/ 183)، والخطيب في الموضح (2/ 467)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 346/ 252)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 458/484).

فإن قيل: منصور: ثقة؛ متفق على تخريج حديثه في الصحيح، لا تُعلم فيه جُرحة، وليس في روايته تلك الزيادات التي زادها إبراهيم بن مهاجر، وهو متكلم في حفظه، فينبغي أن يحكم على هذه الزيادات بالشذوذ أو النكارة.

فيقال: هناك قرائن تدل على صحة هذه الزيادات والتي جعلت الإمام مسلم يصحح حديثه هذا، ويدخله في صحاحه:

1 -

أن الإمام مسلم ينتقى من حديث الرجل ما تدل القرائن على أنه حفظه ولم يهم فيه.

2 -

أن سفيان الثوري روى عن إبراهيم البجلي هذا الحديث، وهو الذي قال فيه:"لا بأس به"، مما يدل على احتمال رواياته التي رواها عنه.

3 -

أن هذا الحديث رواه عن إبراهيم جماعة من الأئمة والحفاظ، مثل: الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وإسرائيل؛ مما يدل على عدم نكارة حديثه هذا.

4 -

أن كيفية الغسل من المحيض قد وردت من حديث منصور مجملة، ففي رواية لابن عيينة عن منصور -وهي في صحيح مسلم-، فذكرت أن علمها كيف تغتسل، ثم تأخذ فرصة، ولا مانع حينئذ أن يكون إبراهيم قد حفظ هذه الكيفية.

5 -

أن آية الحجاب من سورة النور قد تابعه عليها الحسن بن مسلم بن يناق، وهي في صحيح البخاري.

6 -

أن ما انفرد به إبراهيم مثل غسل المرأة من الجنابة ثابت من أحاديث آخر في حق الرجل، والنساء شقائق الرجال، فليس فيه ما ينكر من جهة المعنى؛ بل إن عائشة رضي الله عنها كانت تغتسل من الجنابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تذكر فرقًا بينهما في الغسل، وكانت تقول: لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاثة إفراغات [من حديث عبيد بن عمير عنها عند مسلم (331)]، وسألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الجنابة، ونقض ضفائرها فيه؟ فقال:"لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين"[مسلم (330)]، وهذا لا يمنع من ثبوت الدلك، والله أعلم.

قال الإمام الشافعي في الأم (2/ 95): "والحائض في الغسل كالجنب لا يختلفان، إلا أني أحب للحائض إذا اغتسلت من الحيض أن تأخذ شيئًا من مسك، فتتبع به آثار الدم، فإن لم يكن مسك، فطيب ما كان؛ اتباعًا للسُّنَّة، والتماسًا للطيب، فإن لم تفعل فالماء كافٍ مما سواه"، ثم احتج بحديث منصور.

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 347): "والفرصة: القطعة من الصوف أو القطن

ص: 49

وغيره، أخذت من فرصت الشيء؛ أي: قطعته، ويقال للحديدة التي تقطع بها الفضة: مفراص، ومعناه: فرصة هي مطيبة بمسك.

ويروى: "خذي فرصة ممسكة"؛ يعني: تأخذ قطعة من قطن أو صوف مطيبة بمسك، فتتبع بها أثر الدم، لقطع رائحة الأذى، فإن لم تجد مسكًا فطيبًا آخر.

وقال القتيبي: ممسكة؛ أي: محتملة، يقول: تحملينها معك تعالجين بها قبلك، تقول العرب: مسكت كذا، بمعنى: أمسكت، وتمسكت، وأنكر أن يكون المراد منه المسك؛ لأنهم لم يكونوا أهل وسع يجدون المسك، فعلى هذا المعنى قالوا: تكون الرواية: "فرصه من مَسك" بفتح الميم؛ أي: من جلد عليه صوف".

والقول الأول: هو الصحيح [غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 45)].

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 469): "هذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور".

ثم قال بعد أن ذكر قول ابن قتيبة والخطابي [أعلام الحديث (1/ 321)]: "والصحيح الذي عليه جمهور الأئمة العلماء بالحديث والفقه: أن غسل المحيض يستحب فيه استعمال: المسك، بخلاف غسل الجنابة، والنفاس كالحيض في ذلك، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد، وهما أعلم بالسُّنَّة واللغة، وبألفاظ الحديث ورواياته؛ من مثل: ابن قتيبة والخطابي، ومن حذا حذوهما ممن يفسر اللفظ بمحتملات اللغة البعيدة".

ثم نقل عن الإمام أحمد -من رواية حنبل- قوله: "يستحب للمرأة إذا هي خرجت من حيضها أن تمسك مع القطنة شيئًا من المسك ليقطع عنها رائحة الدم وزفرته، تتبع به مجاري الدم".

ثم قال: "وقال جعفر بن محمد: سألت أحمد عن غسل الحائض، فذهب إلى حديث إبراهيم بن المهاجر، عن صفية بنت شيبة، وقال: "تدلك شؤون رأسها".

ثم نقل عن الميموني قوله: "قرأت على ابن حنبل: أيجزئ الحائض الغسل بالماء؟ فأملى علي: إذا لم تجد إلا وحده اغتسلت به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ماءك وسدرتك"، وهو أكثر من غسل الجنابة، قلت: فإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدت؟ قال: أحب إليَّ أن تعود؛ لما قال"[الفتح (1/ 471 - 472)].

• وبناء على ما تقدم: فإن غسل الحيض والنفاس يفارق غسل الجنابة من وجوه:

الأول: أن غسل الحيض يستحب أن يكون بماء وسدر، بخلاف غسل الجنابة.

الثاني: أن غسل الحيض يستحب أن يستعمل فيه شيء من الطيب، يتتبع به أثر الدم.

الثالث: أن غسل الحيض يستحب فيه أن تدلك شؤون رأسها دلكًا شديدًا، بخلاف غسل الجنابة.

ولا فرق بينهما في تقديم الوضوء على الغسل، لحديث أبي الأحوص، ولا في عدم وجوب نقض الشعر إذا كان مضفورًا.

راجع في هذا ما تقدم تحت الحديث رقم (255)، وانظر: فتح الباري لابن رجب (1/ 471).

***

ص: 50