الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه الرواية الصادقة ليست من نسج الخيال، وإنما غالب فصولها وأحداثها من أخبار الوحي، ورواية ثقات المؤرخين في خلاصة غنية جداً من الأحداث والأحاديث الصحيحة والحسنة -إن شاء الله- التي هي نواة العلم الحقيقي وتاريخ الكون والبشر.
بعيداً عن خرافات العصر الحجري وما يسمى بعصر ما قبل التاريخ، ونظريات تحول الإنسان من قرد، ونظرية الانفجار العظيم وغيرها من الفلسفات والتخيلات الباطلة المليئة بالمتناقضات والظنون التي لا تغني من الحق شيئاً.
بعيداً عن ذلك كله؛ هناك مصدر للحق الذي يوافقه العقل السليم والفطرة السوية فتخبت له القلوب وتطمئن إليه النفوس. إنه نور الوحي السماوي الذي أوحاه رب الكون وجعله نوراً وهدىً للناس، فيه ذكر أصل الكون وتاريخه السابق واللاحق، وما كان وما سيكون، وفيه (قصة الحياة).
من خلق هذا الكون؟ وكيف بدأ؟ وما قصة أول إنسان؟ وهل كان عالماً أم جاهلاً؟ وما علاقته بالسماء وبالأرض وبتلك المخلوقات التي تغيب عن الأعين؟ ولماذا نحن على الأرض؟ وما قصة الأجيال التي عاشت قبلنا؟ والتي ستأتي بعدنا؟ وما الدين الحق؟ وما قصة الرسائل السماوية التي بُعث بها الأنبياء من رب العالمين؟ وكيف ستكون نهاية الحياة؟ وما مصير الكون؟.
ما أجمل أن تجد من الوحي إجابات صادقة وإرشاداً وهدياً ربّانياً لكل تلك التساؤلات! وقد قال خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، ومَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي".
ولا عجب أن يقول أبو ذر رضي الله عنه: "تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا". حتى قَالَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ لسَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ: "أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ". وقال عمرو بن أخطب رضي الله عنه: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا". وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ، فَأَرَاهُ، فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ".
ولما تفرقت تلك الروايات التي تحكي قصة الوجود والغاية من الخلق ونظام الحياة ونهاية الدنيا وتشعبت في الكتب؛ حرصت أن أجمع منها خلاصة غنية موجزة في سياق قصة تجمع أصول العلم الثابت وجوامع الحديث الصحيح وأهم أحداث التاريخ، لتحكي بنسق مترابط أبرز وأهم أحداث قصة الوجود والخلق والطريق في هذه الحياة وما فيه من تدافع الحق والباطل وأبرز أخبار الأمم وما سيكون إلى حياة الخلود.
وكان البدء بجمع خلاصة مختصرة من أهم جوامع الأحاديث النبوية لمطالعتها وفهمها وربط أطرافها وتسهيل مذاكرتها، فكان الأصل فيها أحاديث الأربعين النووية وما اتصل بشرحها من الروايات الصحيحة الواردة في كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب، ثم ما ارتبط بها من زيادات صحيحة وحسنة من مختلف كتب السنة وشروحها التي أمكن الاطلاع عليها، وفق تصحيح المحققين من أهل الحديث المتأخرين كالشيخ الألباني وغيره، مع الاستفادة الكبرى من خدمات برامج المكتبات الإلكترونية لكتب السنة.
ثم كان ترتيب هذه الروايات لتحكي قصة الحياة من بدء الخلق وصفة الخالق جل وعلا، وذكر خلق السموات والأرض وخلق أول البشر وما كان من عداوة الشيطان له، وهبوط آدم وإبليس إلى الأرض، وإرسال الرسل وقصصهم مع أقوامهم، وجمع ما صح من أحاديث قصص الأنبياء وما صح عن الصحابة في ذلك، ثم انتقاء الأظهر من روايات حفاظ المؤرخين وترجيحاتهم في الأحداث التاريخية المشتهرة التي لم ترد بأسانيد متصلة، وشمل ذلك ملخصاً لأهم أحداث السيرة النبوية الشريفة مع جمع أطراف بعض أهم أحداثها؛ كقصة الهجرة وصلح الحديبية، ثم ملخصاً موضوعياً من جوامع الكلم النبوي، وذكر أشراط الساعة، وأحداث يوم القيامة، وبها تكتمل قصة الحياة من الوجود إلى الخلود.
وقد ازدانت القصة بحواشٍ مليئة بالتوضيحات والفوائد والفرائد والملخصات من مهمات ما بينه أهل العلم رحمهم الله في جملة من الموضوعات؛ كذكر النجوم والأبراج والغاية من وجودها، وهيئة السموات والأرض والأفلاك، وحساب الزمان والسنين والفصول والمواسم والتأريخ الصحيح، ووقوع التحريف في دين اليهود والنصارى وكتبهم، وحال الناس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وإعجاز القرآن الكريم وجمعه، وتفرق الأمة، ونشوء علم الرجال وحفظ السُّنة بالإسناد، وتوضيحات مهمة في مسائل الرق في الإسلام، والحجاب والعفة وحفظ العرض والنسل، وفوائد في حفظ الصحة والتداوي والاسترقاء، وحال الصحابة في معالجة الفتنة التي وقعت بين المسلمين في آخر زمن الخلفاء الراشدين، وذكر تداعي الأمم الكافرة على المسلمين، وفضل مجتمعات المسلمين على غيرهم، ومسائل في أشراط الساعة وذكر الدجال وابن صياد، وخروج يأجوج ومأجوج، وغير ذلك من الإثراءات.
فتكونت خلاصة متناسقة مفيدة، كانت الغاية أن يسهل فهمها والربط بينها ومذاكرتها ومعاودة قراءتها والاستئناس بها بصورة خاصة، ليس للتأليف العلمي؛ وإنما لأنتفع بها وأنفع بها أولادي وأحببها لهم، بعيداً عن الإطالة والإحالة والإسناد والعزو والتخريج وذكر الخلافات؛ حيث كان القصد جمع الصحيح واختصار المهم من المطولات وتسهيل الربط بينها ومراجعتها في صورة محببة ميسرة.
ثم رغب إلي بعض الأحبة -ممن اطلع على هذا الكناش- بنشره لما فيه من مراعاة الانتقاء والتسلسل والربط والتسهيل والخلاصات، وإن كاد يخلو من الإحالات والتوثيقات؛ فلعل الله أن يفتح لقارئه باباً للتزود من العلم النافع ويسهل لقارئه فهم كثير مما جاء في القرآن والسنة والسيرة والتاريخ وواقعه المعاصر، ويكون بقراءته الممتعة في سياق قصة مترابطة قد مرَّ بفوائد جمة من كثير من الأحاديث وجوامع الكلم والأخبار الصحيحة والحسنة الجامعة والمجتمعة الأطراف في ترابط وترتيب مختصر مفيد، ولا شك أنه عمل يعتريه النقص والخطأ والزلل، فما كان فيه من الصواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي، وأستغفر الله وأتوب إليه، ولعل الله أن يسخّر له من يفيد منه، مع وافر الشكر والدعاء لمن نقلت من كتبهم أو مواقعهم أو أبحاثهم أو مقالاتهم وترجيحاتهم فهذا العلم والجهد من جهدهم، وإنما جمعت واخترت ولخصت مما أفادوا، فجزاهم الله عني وعن المسلمين خيراً، وبارك فيما كتبوه وعلّموه رحم اللهُ الأحياءَ منهم والأموات وغفر لهم ورفع دجاتهم.
وأسأله سبحانه المغفرة والقبول وأن ينفع بما جُمع وكُتب، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير ويعفو عن الخطأ والزلل ويرحمنا برحتمه الواسعة، إنه غفور رحيم.
وحرره:
عبدالإله بن عبدالله السعيدي -عفا الله عنه-
29 شعبان 1442 هـ