الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كسوف الشمس وصلاة وخطبة عظيمة
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مركباً في يوم شديد الحر، فانكسفت الشمس وكان ذلك اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَسْجِدِ وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ وبعث منادياً: أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصفهم وراءه وتقدم فكبر وجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة فيها فاقترأ قراءة طويلة حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوعاً طويلاً ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، وقام كما هو ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول ثم رفع رأسه، كلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد سجدتين فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى فقام قياما طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد وهو دون السجود الأول، ثم تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهى إلى النساء، فجعل ينفخ ويبكي ويقول: لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك. ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات ثم جلس ففرغ من صلاته وقد انجلت الشمس فقعد على المنبر فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى الصلاة، فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا، حتى ينجليا، حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ أَوْ يُحْدِثَ اللَّهُ أَمْرًا. ثم قال وهو ينادي بأعلى صوته محمرة عيناه: أيها الناس يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.
فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه فعرضت علي الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، فتناولت منها عنقوداً حين رأيتموني جعلت أتقدم، فقصرت يدي عنه، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ثم عرضت عليّ جهنم يحطم بعضها بعضاً، وذلك حين رأيتموني تأخرت، حتى لقد جعلت أتقيها مخافة أن يصيبني من لفحها، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟، قال: بكفرهن. قيل: يكفرن بالله؟، قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط. ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قُصْبَهُ
(1)
- وهو الذي سيب السوائب، ورأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً فهي إذا أقبلت تنهشها، وإذا أدبرت تنهشها. ورأيت فيها صاحب المحجن متكئاً على محجنه في النار، يقول: أنا سارق المحجن - وكان يسرق الحجيج بمحجنه، فإن فُطِن له؛ قال: لست أنا أسرقكم، إنما تعلق بمحجني. وإن غُفِل عنه ذهب به-، والذي سرق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع. ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال، يُؤتى أَحَدُكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟، فأما المؤمن فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا - ثلاث مرار - فيقال: قد كنا نعلم إنك لتؤمن به، فنم صالحاً، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فاستعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق. والذي نفسي بيده إن الموتى ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم كلها. قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.
(1)
يَجُرُّ قُصْبَهُ (أمعاءه) فِي النَّارِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَّرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ.