الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر بالتَّمَسُّكِ بالسُّنَّة والجَمَاعَة
لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، كُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَلَاةُ. وإنَّه من يَعِشْ مِنْكُم بعدي فَسَيرى اختلافاً كَثيراً، فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتي
(1)
وسُنَّةِ الخُلفاء الرَّاشدينَ المهديِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ
(2)
، خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً
(3)
ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ، أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً
(4)
، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ
(5)
، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ
(6)
، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ. أوصيكُمْ بتَقوى الله، والسَّمْعِ والطَّاعةِ، وإنْ تَأَمَّرَ عَليكُم عَبْدٌ، ولَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ
(7)
، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ. يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ
(8)
، فَمَنْ أَنْكَرَ، فَقَدْ بَرِئَ
(9)
، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ
(10)
، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ
(11)
. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟، قَالَ: لَا، مَا صَلَّوْا، ما أقاموا فيكم الصلاة، فَخَالِطُوهُمْ بِأَجْسَادِكُمْ وَزَايِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَاشْهَدُوا عَلَى الْمُحْسِنِ بِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَعَلَى الْمُسِيءِ بِأَنَّهُ مُسِيءٌ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وأَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ.
يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ
(12)
، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا، هُمْ رِجَالٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، إِنْ كَانَ للهِ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ
(13)
فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ،
(1)
السُنَّة هي: كل ما صدر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ مما يصلح أن يكون دليلاً لحكمٍ شرعي. والسُنَّة مع الكتاب (القرآن) في مرتبة واحدة من حيث الاعتبار والاحتجاج بهما على الأحكام الشرعية، مع أن الكتاب يمتاز عن السُنَّة بأن لفظه منزَّل من عند الله سبحانه، متعبَّدٌ بتلاوته، معجِزٌ للبشر أن يأتوا بمثله بخلافها. وقد روي عن عمران بن الحصين أنه كان جالساً ومعه أصحابه فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له: أدن فدنا، فقال:"أرأيت لو وُكِلتَ أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تَجِدُ فيه صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً والمغرب ثلاثاً تقرأ في اثنتين. أرأيت لو وُكِلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تَجد الطواف سبعاً، والطواف بالصفا والمروة؟، ثم قال: أي قوم خذوا عنَّا، فإنَّكم والله إن لا تفعلوا لتضُلُّن". وقد بَلَغَ من اقتداء الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم أنْ كانوا يفعلون ما يفعل، ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سبباً، أو يسألوه عن علَّته أو حكمته. وبلغ حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسه يوماً بعد يوم، ثم يأتي بعضهم لبعض بما تعلموه.
(2)
النواجذ: الأضراس. كناية عن شدة التمسك بالشيء.
(3)
قَالَ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ: ثُمَّ قَالَ لِي سَفِينَةُ رضي الله عنه: أَمْسِكْ عَلَيْكَ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرًا وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ سِتَّ سِنِينَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً.
(4)
جاء في الحديث: "أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ". قال الألباني: ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجَعْلِه وراثةً. والله أعلم.
(5)
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، ولا يزال الناس بخير ينصرون على من ناوأهم عليه، إلى اثني عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة وكلهم من قريش).
قيل: المراد بالاجتماع: انقيادهم لبيعته، وقداجتمع الناس على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ثم اجتمعوا على عبدالملك بن مروان، ثم أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد: عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك لما مات عمه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ. وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك، فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم.
(6)
قد ينطبق ذلك على خلافة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وعلى خلافة المهدي في آخر الزمان. ورَوَى أَحْمدُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» : قَالَ حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي صَحَابَتِهِ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -يَعْنِي عُمَرَ- بَعْدَ الْمِلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبَرِيَّةِ فَأَدْخَلَ كِتَابِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ.
(7)
يعني: يدعون لكم وتدعون لهم.
(8)
أي: تعرفون بعض أحوالهم وأقوالهم لموافقتها للشرع، وتنكرون بعضها لمخالفتها له، فمعنى (تعرفون): ترضون؛ لمقابلتها تنكرون.
(9)
أي: سلم من المداهنة والنفاق.
(10)
أي: من أنكر بقلبه، وكره بقلبه فقد سلم من مشاركتهم في الوزر.
(11)
أي: من رضي بقلبه بفعلهم، وتابعهم في العمل، فهو الذي شاركهم في العصيان.
(12)
يعني: ترى فيهم ما تعرفُه أنه من ديني، وترى فيهم ما تنكِرُ كونَهُ من ديني.
(13)
يعني: خليفة من الله. وليس خليفة عن الله؛ لأن الله حي شاهد لا يغيب.
وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ، وَاسْمَعْ وَأَطِعْ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَاهْرُبْ حَتَّى تَمُوتَ، فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ
(1)
خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ
(2)
، إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ إِذَا وُسِّدَ الَأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ. أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ؛ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ؛ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَأُولَئِكَ قَدْ هَلَكُوا وَأَهْلَكُوا. وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ؛ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ. بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ
(3)
، وَبَيْعَ الْحُكْمِ
(4)
، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ
(5)
، واسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ
(6)
، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْئًا
(7)
يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ
(8)
لَيْسَ بِأَفْقَهِهِمْ وَلا بِأَعْلَمِهِمْ مَا يُقَدِّمُونَهُ إِلا لِيُغَنِّيَهُمْ غِناءً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا، كِتَابُ اللهِ وَاحِدٌ، وَفِيكُمْ الْأَحْمَرُ وَفِيكُمْ الْأَبْيَضُ، وَفِيكُمْ الْأَسْوَدُ، اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ، تَعَلَّمُوهُ وَابْتَغُوا بِهِ اللهَ عز وجل مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأتِيَ زَمَانٌ يَتَعَلَّمُهُ نَاسٌ يُقَوِّمُونَهُ كَمَا يُقَوَّمُ السَّهْمُ، يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ، وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ، تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَسَلُوا اللهَ بِهِ الْجَنَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ بِهِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَتَعَلَّمُهُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ يُبَاهِي بِهِ، وَرَجُلٌ يَسْتَأكِلُ بِهِ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُهُ للهِ عز وجل.
(1)
أَيْ: بِأَصْلِهَا.
(2)
الإعلام الغربي يدعم الترويج لرؤوس أهل البدع والضلال من الزنادقة والغلاة من الشيعة والمتصوفة والمرجئة ويبرز أفعال الفرق المنحرفة كالخوارج وغيرهم من الضالين المنتسبين للإسلام بقصد تشويه دين الإسلام والصد عنه، ويدعمون الاستشراق والمستشرقين لدراسة الإسلام من أجل تشويهه وإبراز وتمجيد الشخصيات الضالة في تاريخ الإسلام، مثل: الحلاج، ورابعة والتوحيدي والجاحظ وابن عربي والخيّام وغيرهم.
والأئمة المضلون المنتسبين للإسلام هم أخطر على أمة الإسلام من المسيح الدجال. ولا يجوز تولية أهل البدع المضلين المناصب السيادية، وإنما يعاملون بين العقوبة والحذر، ولا يتركون مجتمعين فتقوى شوكتهم؛ بل يفرقون بين أهل الإسلام ويُعلَّمون الدين. ويجب التفريق في المعاملة بين المبتدع الساكت والمبتدع الداعي لبدعته.
(3)
السفيه: الصغير وناقص العقل، لما يحدث منهم من العنف والطيش.
(4)
بيع الحكم: بأخذ الرشوة في القضاء.
(5)
أي كثرة الجند بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم غالباً يكثر الظلم.
(6)
استخفافا بالدم: أي بحقه، وأن لا يقتص من القاتل.
(7)
أي جماعة أو فتياناً أحداثاً صغاراً، قيل لأن ذلك يكثر فيهم.
(8)
يعني يقدمونه لإمامتهم في الصلاة من أجل صوته وتلحينه ليطربهم، وفي رواية عن أبي ذر رضي الله عنه:"يقدمون الرجل يؤمهم".