الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرض والحساب
وإِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ
(1)
وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟، فَيَقُولُ: نَعَمْ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بيمينه، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} وهذا هو العرض، تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ، ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ. ومَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ. كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وإِنَّ اللهَ تبارك وتعالى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو اللهُ بِهِ رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ فِيكَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ الْقُرْآنَ فَكُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ لَهُ: بَلْ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: هُوَ عَالِمٌ، وَقَرَأتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟، قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ، وَمَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا، إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
(1)
الكنف: الستر. أَي يستره فَلَا يَفْضَحهُ.
وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. أُولَئِكَ الثَلَاثَةُ، أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1)
. وإِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ؟، وَأَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَوَلَدًا؟، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: أَيْ فُلُ أَلَمْ أَخْلُقْكَ؟ أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أَكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. وَيَلْقَاهُ الْآخَرُ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ أَلَمْ أَخْلُقْكَ؟ أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ. حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُنْكِرَ الْمُنْكَرَ إِذْ رَأَيْتَهُ؟، فَمَنْ لَقَّنَهُ اللهُ حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، رَجَوْتُكَ وَخِفْتُ مِنْ النَّاسِ. فَيَقُولُ: فَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِي، أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَقُولُ: آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَدَّقْتُ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ، فَيَقُولُ: فَهَا هُنَا إِذًا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ؟، فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ -وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يَغْضَبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ-، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لَأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ الْآدَمِيِّ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَعِظَامُهُ وَعَصَبُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ، وَبَعْدَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ إلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ.
(1)
قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّامِيَّ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا، وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ، اتَّقُوا النَّارَ، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. ومَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، ولَا يَسْتَرْعِي اللهُ تبارك وتعالى عَبْدًا رَعِيَّةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَقَامَ فِيهِمْ أَمْرَ اللهِ أَمْ أَضَاعَهُ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً، وإِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُهُ، مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُتِمَّهَا؛ زِيدَ عَلَيْهَا مِنْ سُبْحَاتِهِ حَتَّى تَتِمَّ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ نَافِلَةٌ وَإِنْ كَانَ انْتُقِصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عز وجل: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ لَهُ مَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، فَإِنْ صَلَحَتْ، فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ تَاجِراً يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَخُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ لَهُ اللهُ عز وجل: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ وَكَانَ لِي غُلَامٌ، فَكُنْتُ إِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي، فَغُفِرَ لَهُ. ومَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الظُّلْمُ ثَلَاثةٌ: فَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، فَالشِّرْكُ، قَالَ اللهُ:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ عز وجل وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَتْرُكُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. أَلَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وأَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ، كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ.
وأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ، وإِنَّ الْمَقْتُولَ يَجِيءُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأسُهُ فِي يَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنْ الْعَرْشِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ عَبْدَكَ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟، فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لِي، وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟، فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ، فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ. وحُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالَ: يَا فُلَانُ، هَذَا فُلَانٌ قَدْ خَانَكَ فِي أَهْلِكَ، فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ
(1)
. ومَنْ أَكَلَ بِمُسْلِمٍ أَكْلَةً، أَطْعَمَهُ اللهُ بِهَا أَكْلَةً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ اكْتَسَى بِمُسْلِمٍ ثَوْبًا، كَسَاهُ اللهُ ثَوْبًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَامَ بِمُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ أَقَامَهُ اللهُ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ومَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ؛ جُلِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ. والدَّيْنُ دَيْنَانِ، فمَنْ مَاتَ وهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ، فَأَنَا وَلِيُّهُ، ومَنْ مَاتَ ولَا يَنْوِي قَضَاءَهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ لَيْسَ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ ولَا دِرْهَمٌ. يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى اللَّطْمَةُ، الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ تَنْطَحُهَا وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ تَبِعَةً عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى، قَالَ اللهُ: كُونُوا تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} . ومَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ؛ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، فَاتِحًا فَاهُ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، فَيَقُولُ: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ، أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي خَبَأتَهُ. فَوَاللهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُطَوَّقُهُ فَيَتَقِيهِ بِيَدِهِ، فَيَلْقَمُهَا، فلَا يَزَالُ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ، ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِسَائِرِ جَسَدِهِ فَيَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ
(2)
لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي،
(1)
وفي الحديث:" .. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا ظَنُّكُمْ، تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا؟ ".
(2)
يعني من الْغُلُولَ.
فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ
(1)
فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ
(2)
فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. ومَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ، فَأحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. وأَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ، كَلَّفَهُ اللهُ عز وجل أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ثُمَّ يَحْمِلَ تُرَابَهَا إِلَى الْمَحْشَرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ. ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْصَبُ لَهُ بِغَدْرَتِهِ عِنْدَ اسْتِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. ومَا مِنْ رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَكَتَمَهُ إِلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ. والنَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَإِنَّهَا تُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ
(3)
. ويُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ يُسَاقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: بُولَسَ، فَتَعْلُوَهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ؛ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ. ومَنْ سَأَلَ النَّاسَ فِي غَيْرِ فَاقَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أَوْ عِيَالٍ لَا يُطِيقُهُمْ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِوَجْهٍ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ. تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟، فَيَقُومُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، ابْتُلِينَا فَصَبَرْنَا، وَولَّيْتَ الْأُمُورَ وَالسُّلْطَانَ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: صَدَقْتُمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَتَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ.
(1)
الْمُرَاد بِهَا الثِّيَاب تَضْطَرِب إِذَا حَرَّكَتْهَا الرِّيَاح.
(2)
(الصَّامِت): الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَقِيلَ: مَا لَا رُوح فِيهِ مِنْ أَصْنَاف الْمَال.
(3)
وفي رواية: وَدِرْعٌ مِنْ لَهَبِ النَّارِ.