الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاة موسى عليه السلام
وكَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأتِي النَّاسَ عِيَانًا، فَأُرْسِلَ إِلَى مُوسَى عليه السلام فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، فَلَطَمَهُ مُوسَى
(1)
عليه السلام فَفَقَأَ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، وَلَوْلَا كَرَامَتُهُ عَلَيْكَ، لَعَنُفْتُ بِهِ، فَرَدَّ اللهُ عز وجل عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ؛ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ غَطَّتْهَا يَدُكَ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً. فَقَالَ مُوسَى: فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟، قَالَ: الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ إِذًا.
فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ
(2)
. فَشَمَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ شَمَّةً، فَقَبَضَ رُوحَهُ. وقَبْرُهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَكَانَ مَلَكُ الموتِ بَعْدَ ذَلِكَ يَأتِي النَّاسَ فِي خِفْيَةٍ.
(1)
قيل: لأنه دخل عليه ولم يستأذن، ولم يعرفه كما لم يعرف إبراهيم ضيوفه من الملائكة، وقيل: لأنه لم يخيّره والأنبياء تخيّر.
وقال ابن حبان: وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرِيعَتِنَا أَنَّ مَنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوِ النَّاظِرِ إِلَى بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لا جُنَاحَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَلَا حَرَجٍ عَلَى مُرْتَكِبِهِ، لِلْأَخْبَارِ الْجَمَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ الَّتِي أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا: كَانَ جَائِزًا اتِّفَاقُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِشَرِيعَةِ مُوسَى، بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَمَّنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ مُوسَى هَذَا الْفِعْلِ مُبَاحًا لَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ.
وفي شرح السنة للبغوي (5/ 267): وَقَدْ كَانَ فِي طَبْعِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم حَمِيَّةٌ، وَحِدَّةٌ، عَلَى مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ وَكْزِهِ الْقِبْطِيَّ، وَإِلْقَائِهِ الأَلْوَاحَ، وَأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ.
(2)
أَيْ: قَدْر رَمْيَة حَجَر، والْحِكْمَة فِي أَنَّهُ لَمْ يَطْلُب دُخُولهَا لِيُعْمِيَ مَوْضِعَ قَبْره لِئَلَّا تَعْبُدهُ الْجُهَّال مِنْ مِلَّته، أو أَنْ يَكُون سِرّ ذَلِكَ أَنَّ الله لَمَّا مَنَعَ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ دُخُول بَيْت الْمَقْدِس وَتَرَكَهُمْ فِي التِّيه أَرْبَعِينَ سَنَة إِلَى أَنْ أَفْنَاهُمْ الْمَوْت فَلَمْ يَدْخُل الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ يُوشَع إِلَّا أَوْلَادهمْ، وَلَمْ يَدْخُلهَا مَعَهُ أَحَد مِمَّنْ اِمْتَنَعَ أَوَّلًا أَنْ يَدْخُلهَا، وَمَاتَ هَارُون ثُمَّ مُوسَى عليهما السلام قَبْل فَتْح الْأَرْض الْمُقَدَّسَة، فَكَأَنَّ مُوسَى لَمَّا لَمْ يَتَهَيَّأ لَهُ دُخُولهَا لِغَلَبَةِ الْجَبَّارِينَ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِن نَبْشُ قبرهِ بَعْد ذَلِكَ لِيُنْقَلَ إِلَيْهَا؛ طَلَبَ الْقُرْب مِنْهَا، لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْء يُعْطَى حُكْمه، والله أعلم.