الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخول أهل الجنة الجنة
آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟، فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ، لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ. ويَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَوَّلُ زُمْرَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، عَلَى مِسْحَةِ آدَمَ، وصُورَةِ يُوسُفَ، وَقَلَبِ أَيُّوبَ، مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً
(1)
، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَيَكُونُ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءً، آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَرَشْحُهُمْ
(2)
الْمِسْكُ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ
(3)
، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا، جُرْدٌ مُرْدٌ
(4)
، مُكَحَّلُونَ، بِيضٌ جِعَادٌ
(5)
، أَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يَرَى مُخَّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَالثِّيَابِ مِنْ الْحُسْنِ، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. ويَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ، {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} .
(1)
وفي الحديث: "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عز وجل". وفي رواية: " وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي عز وجل فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا ".
(2)
يعني رائحة عرقهم.
(3)
يعني: الْعُودُ الْهِنْدِيُّ الْجَيِّدُ الذي يُتَبَخَّر بِهِ.
(4)
الأجرد: هو الذي لا شعر على جسده. والأمرد: هو الذي لم يبلغ سن إنبات شعر لحيته، والمقصود هنا أن أهل الجنة ليس على وجوههم ولا على أجسادهم شعر، كشعر الرجلين والعانة والإبط، وغيره مما هو شعر زائد.
(5)
الجعد: هو ما فيه التواء في شعره وانقباض، لا كمفلفل السودان، وفيه جمال ودلالة على قوة البدن.
وإِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنْ الزِّحَامِ، وأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ وَتُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ وَإِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ إِلَى السُّلْطَانِ لَمْ تُقْضَ لَهُ، حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي صَدْرِهِ، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يَدْعُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْجَنَّةَ، فَتَأتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، فَيَقُولُ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَقُتِلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي؟، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. فيَأتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ وَيَسْتَفْتِحُونَ، فَيَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: أَوَقَدْ حُوسِبْتُمْ؟، فَيَقُولُونَ: بِأَيِّ شَيْءٍ نُحَاسَبُ؟، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَسْيَافُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى مِتْنَا عَلَى ذَلِكَ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيَقِيلُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ عَامًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا النَّاسُ، فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ: ائْتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَفَتَأمُرُنَا أَنْ نَأتِيَ هَؤُلَاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؟، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَتُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ، وَيُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً، فَتَأتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلَاءً كَانَ فِي الدُّنْيَا فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، وَلِكُلِّ أَهْلِ عَمَلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُدْعَوْنَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَلَاةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ. ويَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ. ومَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ، مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . بِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ، وأَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ مِسْكٍ. إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَنْفَجِرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عز وجل. وإِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ، سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ.
وإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى للهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. وإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ عز وجل: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ عز وجل: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ. نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ، وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ وَالدِّلَاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ، لَيْسَ فِيهَا عَجَمٌ. وَطُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا، تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةُ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، وَيَنْفَرِشُ أَعْلَاهَا، لَوْ ارْتَحَلْتَ جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ، مَا أَحَاطَتْ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا، وفِيهَا عِنَبٌ عِظَمُ الْعُنْقُودِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَلَا يَعْثُرُ، وإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادُ الْمُضَمَّرُ السَّرِيعُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا وَهِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ. وهم {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} فَإِنَّ اللهَ خَضَدَ شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةً مِثْلَ خِصْيَةِ التَّيْسِ الْمَلْبُودِ - يَعْنِي الْمَخْصِيَّ - فِيهَا سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ، مَا فِيهِ لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ. لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أو مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنْ الْجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وإِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ، ولَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرًا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا؛ لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ خَوَافِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَتْ أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ. ومَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ.
أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام وَفِي كَفِّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءٌ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟، قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ عز وجل لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا، وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، قُلْتُ: مَا لَنَا فِيهَا؟، قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ عز وجل فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ، أَعْطَاهُ اللهُ عز وجل أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسْمٍ، إِلَّا ذُخِرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ: يَوْمَ الْمَزِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، نَزَلَ تبارك وتعالى مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حَفَّ الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ وَهُوَ كَثِيبٌ أَبْيَضُ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عز وجل حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِهِ عز وجل وَهو يَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي، فَاسْأَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، فَيَقُولُ: رِضَايَ أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ، وَهِيَ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، مُطَّرِدَةٌ، فِيهَا أَنْهَارُهَا، مُتَدَلِّيَةٌ فِيهَا ثِمَارُهَا، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا، فَلَيْسُوا هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً، وَلِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى وَجْهِهِ عز وجل وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ. وإِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فِيهَا كُثْبَانُ الْمِسْكِ، فَإِذَا خَرَجُوا إِلَيْهَا هَبَّتِ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهَهُمْ وَثِيَابَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ مِسْكًا فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالشَّهْوَةِ، وَالْجِمَاعِ دَحْمًا دَحْمًا، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا، رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا، وإِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا وطُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ فلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وإِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:{إِنَّا أَنْشَأنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا} . ولَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ، لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ، فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمُرَ. والْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ، كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي.
وإِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فلَا يُمِتْنَهْ، نَحْنُ الْآمِنَاتُ فلَا يَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فلَا يَظْعَنَّ.
و تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، إِدَامُهُمْ بَالَامٌ
(1)
وَنُونٌ
(2)
يَأكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا. ولَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ، إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْرًا، فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللهَ هَدَانِي.
وإِنَّ فِي الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ. وإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ؛ يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟، فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مُخْلِيًا بِهِ؟، فَاللهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ، وَذَلِكَ آيَةٌ فِي خَلْقِهِ، فَوَاللهِ مَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
وإِنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟، فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟، فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.
(1)
ثَوْرٌ.
(2)
حوت.