الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعثة
إبراهيم عليه السلام
في العراق
و وُلِدَ إبراهيم عليه السلام بِبَابِلَ في العراق، ثم بعثه الله إلى الملك نمرود بن كنعان وقومه بالعراق، وكانوا يعبدون الأصنام والكواكب، فدعاهم وجادلهم بالبينات.
وابتدأ إبراهيم بدعوة أبيه آزر إلى توحيد الله متلطفاً معه حريصاً عليه، لكن أباه رفض تركه دينه الباطل
(1)
، وأراد إبراهيم أن يثبت لقومه أن الكواكب والأصنام لا تضر ولا تنفع ولا تصلح للعبادة، فاتخذ طريقة الاستدراج والتنزّل في مناظرتهم، فحِين أظلَمَ عليه اللَّيل رأى كوكبًا، فقال لقومه على وجه التنزُّلِ معهم لاستدراجهم: سأختار أن يكون هذا الكوكب ربِّي. فلَمَّا غاب ذلك الكوكَبُ قال إبراهيمُ عليه السلام: لا أحِبُّ المعبودَ المُتَغَيِّر المُسَخَّر، الذي يغيبُ وينصرِفُ عمَّن عَبَده، لأنَّه لا يُمكِن أنْ يكونَ مَن هذا حالُه هو القائِمَ بمصالح عبادِه، المدبِّرَ لشؤون العالَم، الذي بيده النَّفْعُ والضُّرُّ، وعليه فلا يَصْلُح أن يكون هذا الكوكب الذي اخترته إلهًا يستحِقُّ أن يُعبَدَ.
فلَمَّا رأى القَمَر في أوَّلِ طلوعه قال تنزُّلًا معهم لاستدراجهم: هذا ربِّي، فلمَّا غاب القمر قال إبراهيمُ: إن القمر أيضاً يغيب ولا يصلح للعبادة، ولَئِنْ لم يُوفِّقْني ربِّي لِلحَقِّ لأكونَنَّ من القومِ الضَّالِّينَ.
فلَمَّا رأى الشَّمْس في أوَّلِ طُلُوعها قال تنزُّلًا مع قومه: هذا الطَّالِعُ ربِّي، وهو أكبرُ من الكوكَبِ ومن القمرِ، فلَمَّا غابت الشَّمْس قال إبراهيم: يا قومِ إنِّي أبْرَأُ من كلِّ ما تعبدونَه مع اللهِ، إنِّي أخلَصْتُ العبادةَ لله الذي أبدَعَ خلق السَّمواتِ والأرضَ وما فيها من شمس وقمر وكواكب على غيرِ مثالٍ سابقٍ، مائلًا عن الشِّرْك، مستقيمًا على التَّوحيدِ، وما أنا مِن المشْركينَ مع الله تعالى غَيرَه.
وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، فلما حان يوم عيدهم أرادوه أن يخرج معهم، فقال لهم: إني مريض. وأراد في نفسه أن يختلي بالأصنام حين يخرجون ليحطمها.
(1)
عَنِ ابن عباس قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما مات؛ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ؛ فتبرأ منه.
ثم قام بتحطيم الأصنام في يوم عيد قومه وترك كبير الأصنام، فلما رجعوا ووجدوا أصنامهم محطمة أخذوا يبحثون عن الفاعل، فذكر بعضهم أن إبراهيم هو الذي كان يعيب الأصنام ولم يخرج معهم إلى العيد. فلما أحضروه وسألوه عما يتهم به من تحطيم الأصنام؛ جادلهم مُتَهَكِّمَاً أن كبير الأصنام هو الذي حطم بقية الأصنام، وطلب منهم سؤال الأصنام عن ذلك. فأدركوا ضعف أصنامهم وأنها لا تنطق، ولكنهم لما غلبتهم الحُجَّة؛ استكبروا وقالوا إنك تعلم أنها لا تنطق. فعاب عليهم عبادة ما لا ينطق ولا ينفع ولا يضر ولا يستطيع الدفاع حتى عن نفسه، وأنه لا يخاف من أصنامهم شيئاً ولا يخشى إلا الله. فأرادوا الانتقام لأصنامهم وتحريقه بالنار وشَرَعُوا يَجْمَعُونَ حَطَبًا مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْأَمَاكِنِ، فَمَكَثُوا مُدَّةً يَجْمَعُونَ لَهُ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ إِذَا مَرِضَتْ تَنْذِرُ لَئِنْ عُوفِيَتْ لَتَحْمِلَنَّ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى جَوْبَةٍ
(1)
عَظِيمَةٍ فَوَضَعُوا فِيهَا ذَلِكَ الْحَطَبَ، وَأَطْلَقُوا فِيهِ النَّارَ فَاضْطَرَمَتْ وَتَأَجَّجَتْ وَالْتَهَبَتْ، وَعَلَاهَا شَرَرٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ، ثُمَّ وَضَعُوا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي كِفَّةِ مَنْجَنِيقٍ صَنَعَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ يُقَالُ لَهُ هِيزَنُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَ الْمَجَانِيقَ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَخَذُوا يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ. ووُضِعَ الْخَلِيلُ عليه السلام فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَكْتُوفًا، ثُمَّ أَلْقَوْهُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ، وكَانَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ النَّارَ. وكَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ:{حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، وَصَارَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام فِي مِثْلِ الْجُونَةِ
(2)
حَوْلَهُ النَّارُ، وَهُوَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ. وكانت آية من آيات الله، فخرج منها سالماً.
ثم حصلت الْمُنَاظَرَةُ التي كَانَتْ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ النُّمْرُودِ -وهُوَ مَلِكُ بَابِلَ- يَوْمَ خَرَجَ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ يَكُنِ اجْتَمَعَ بِهِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ. وناظَرَ إبراهيمَ في وجود الله ورُبوبيَّته وأُلوهيَّته، وما حمَله على ذلك وجرَّأه عليه إلَّا المُلْكُ الذي أعطاه اللهُ له، فاستَكبَر وطغى، وأَنكَر وجودَ الله جلَّ وعلا،
(1)
وهي الفجوة بين البيوت، وهي أيضاً: المكان الفارغ المتسع.
(2)
الجونة: سليلة (سلة صغيرة) مستديرة مغشّاة بالجلد، يحفظ العطار فيها الطيب.
فأخبره إبراهيمُ عليه السلام أنَّ الله يُحيي ويُميت، مُستدِلًّا بذلك على وجود الربِّ تعالى وربوبيَّته وأحقِّيَّته وحده بالعبادة، فردَّ عليه المَلِك- عنادًا- أنَّه أيضًا يَملِك أن يَفعَل هذا الفِعلَ؛ فالإحياء باستبقاء مَن أراد قتْله، أو الإماتة بقتْل مَن أراد إماتته. فردَّ إبراهيم عليه السلام عليه أنَّ الله يأتي بالشَّمس كلَّ يوم من جِهة المشرِق، فإنْ كان إلهًا حقًّا، يُحيي ويُميت، فليَجْعلها تَطلُع من جِهة المغرِب، فحينها عَلِمَ ذلك المُحاجِجُ أنه عجَز وانقَطَع عن الإدلاء بحُجَّة، فتحيَّر واندهَش. وأُرْسِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَسَدَانِ مُجَوَّعَانِ، فَلَحَسَاهُ وَسَجَدَا لَهُ.
وآمن لإبراهيم من قومه لوط وهو ابن أخيه، ثم هاجر إبراهيم بزوجته سارة ابنة عمه هاران، وهاجر معهم لوط إلى أرض الشام. وحل العذاب بقوم إبراهيم (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) فهلك ملكهم النمرود وسُلبوا النعم التي كانوا فيها (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).