الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولادة رسول الله محمد ونشأته
وُلد محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، وهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ، بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ، بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ، بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ، بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نِزَارِ، بْنِ مَعَدِّ، بْنِ عَدْنَانَ.
وهو مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ والْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِه الْكُفْرَ، وَالْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِه، وَالْمُقَفِّي والْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ والنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وخاتم النبيين.
وقد ولد عليه الصلاة والسلام في مكة يوم الإثنين من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة (53 ق هـ - 571 م تقريباً) وحَبَسَ اللهُ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ عام مولده صلى الله عليه وسلم، ومات أبوه عبدالله وهو حمل
(1)
، وخُتِنَ يَوْمَ سَابِعِهِ عَلَى يَدِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ هَذِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ، وعَقَّ عَنْهُ بِكَبْشٍ، وجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً، وسَمَّاهُ مُحَمَّدًا
(2)
. وأرضعته أُمُّهُ آمِنَةُ، ثُمَّ أرْضَعَتْهُ ثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ أبي لهَبٍ
(3)
، ثم حليمة السعدية ورأت بركته عليها وعلى أهلها، حتَّى بَلَغَ صلى الله عليه وسلم سَنَتَيْنِ، فَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لا يَشِبُّهُ الغِلْمَانُ، وَلَمَّا بَلَغَ أرْبَعَ سِنِينَ كَانَ يَغْدُو مَعَ أَخِيهِ وأُخْتِهِ فِي الْبَهْمِ، ولَمَّا بَلَغَ صلى الله عليه وسلم سِتَّ سِنِينَ تُوُفِّيَتْ وَالِدَتُهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِالْأَبْوَاءَ، وهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ زِيَارَةٍ قَامَتْ بِهَا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم إلَي أَخْوَالِ جَدِّهِ عَبْدِالمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ. فكفله جده عبدالمطلب حتى كان عُمُرُ النَبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِ سِنِينَ، ثم مات عبدالمطلب وأَوْصَى عند موته وَلَدَهُ أبَا طَالِبٍ
(4)
بِكَفَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحِفْظِهِ، وحِيَاطَتِهِ؛
(1)
خَرَجَ عَبْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ إِلَى الشَّامِ في عِيرٍ فَفَرَغُوا مِنْ تِجَارَاتِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَمَرُّوا بالمَدِينَةِ وعَبْدُاللَّهِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ، فمكث عِنْدَ أخْوَالِ أبيه بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، فأقَامَ عِنْدَهُمْ مَرِيضًا شَهْرًا ثم تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وكَانَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمْلًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ابنَ شَهْرَيْنِ. وَجَمِيعُ مَا خَلَّفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَمْسَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَقِطْعَةَ غَنَمٍ، وَجَارِيَةً حَبَشِيَّةً اسْمُهَا:"بَرَكَةُ" وَهِيَ أُمُّ أَيْمَنَ رضي الله عنها.
(2)
وألهَمَهُمُ اللَّه عز وجل أن سمُّوه محمدًا؛ لما فيه من الصِّفات الحَمِيدة؛ ليَلْتَقِي الاسم والفعل، ويتطابَقَ الاسم والمُسَمَّى في الصُّورة والمعنى، كما قال حسَّان بن ثابت رضي الله عنه:
وشَقَّ لهُ مِنِ اسمِهِ لِيُجِلَّهُ
…
فذُو العرشِ مَحْمُودٌ وهذا محمدُ
(3)
فَكانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وعَمُّهُ حَمْزَةُ، وأبُو سَلَمَةَ إِخْوَةً مِنَ الرَّضَاعَةِ.
(4)
واسمُهُ عَبْدُمَنَافٍ.
وذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ وَالِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ، فكفله عمه أبو طالب
(1)
.
(1)
ويروى أنه أخذه في تجارة إلى الشام وهو صغير فرآه بحيرا الراهب وعرفه بأوصافه وإظلال الغمامة له وميل أغصان الشجرة لإظلاله حتى نظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه وقبّل موضعه، وصححها بعض المحققين وأنكرها الإمام الذهبي.
وَقَدِ اشْتَغَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صِبَاهُ بِرَعْي الغَنَمِ، وَرَعَاهَا لِبَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ
(1)
.
(1)
في جزيرة العرب -وهي أكبر جزيرة في العالم- ولد صلى الله عليه وسلم وبعث فيها وهاجر فيها وغزا فيها ومات فيها، لتكون إسلامية صرفة لا يجتمع فيها دينان ولا قبلتان ولا يجوز بناء الكنائس فيها ولا بيوتاً للنار، وفيها مركز الدنيا الذي هو مكة المكرمة وقبلة المسلمين، وفيها الحرمان اللذان لا يجوز تنفير الطير منها، ولا يعضد شوكهما، ولا يختلى خلاهما، وهما أسبق بيئة في العالم لحماية الحياة الفطرية، وسكانها هم أفصح الناس لساناً ومنطقاً، والقرآن الكريم نزل فيها وبلغة ساكنيها، وحدد الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب مدة بقاء المشركين فيها بثلاثة أيام فقط لكي يشتري منهم المسلمون حاجتهم، وهي موطن الأمم القوية مثل عاد وثمود وسبأ، وهي مهد اللغة العربية القديمة (السامية)، وهي موطن قريش أشرف قبائل الدنيا والتي هي الأولى بالخلافة مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ، فالْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وأهل الشورى من المسلمين يختارون الإمام العادل العالم المجتهد والخبير المستنبط للأمور ويبايعونه من طريق الشورى وتعقد البيعة ببيان ماله وما عليه، وأهل الشورى هم أهل الشوكة ورؤساء الجند وشيوخ القبائل وأشراف الناس، وإن تولى على المسلمين حاكم فله السمع والطاعة في المعروف، ولو لم يكن من قريش، ولو كان عبداً. وكان عند العرب في الجاهلية من الأخلاق ما هو أنبل من أخلاق أهل الحضارة الغربية اليوم، فكان عندهم الكرم والنصرة والشجاعة، ولم يكن عند مشركي العرب نكاح المحارم الذي يفعله المجوس ولا نظام الطبقات كما عند الهنود، ولا ادعاء أن المسيح ابن مريم خلق السموات والأرض كما يقول النصارى، ولم يكن عندهم زنا المرأة الحرة. واختار الله لأمة الإسلام أفضل الرسل وأفضل الكتب، وأفضل اللغات والمواقع الجغرافية، وأفضل الكنوز والثروات والألوان وأفضل المقاييس والمعايير.
يقول عن نفسه عليه الصلاة والسلام: إِنِّي عَبْدُ اللهِ، وَمَكْتُوبٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ:(خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) -وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ
(1)
فِي طِينَتِهِ-، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي فَلَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ. إِنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ
(2)
، وَاسْتُرْضِعْتُ فَكَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ
(3)
، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا
(4)
، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا
(5)
، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَتَانِي رَجُلانِ -عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ- بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟، فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ، فَغَسَلَ بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ، فَغَسَلَ بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ، فَذَرَّهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ، فَحَاصَهُ
(6)
، وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ
(7)
، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ.
ولما وقع حلف الفضول في ذِي الْقَعْدَةِ -وهو من الأشهر الحرُم- عام (33 ق هـ) تداعت إليه قبائل من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبدالعزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبدالله بن جُدْعان التيمي؛ لسنِّه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته،
(1)
يعني طريحاً ملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه.
(2)
قالَ ابنُ كَثِيرٍ: وتَخْصِيصُ الشَّامِ بِظُهُورِ نُورِهِ صلى الله عليه وسلم إشَارَةٌ إِلَى اسْتِقْرَارِ دِيِنِهِ وَثُبُوتِهِ بِبِلَادِ الشَّام، ولِهَذَا تَكُونُ الشَّامُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَعْقِلًا لِلْإِسْلَامِ وأهْلِهِ، وبِهَا يَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ عليه السلام.
(3)
وهي حليمة السعدية.
(4)
يعني خرج في رعاية الغنم.
(5)
طعاماً.
(6)
حاصه: خاطه. يعني يخيط الجرح.
(7)
خَاتَمُ النُّبُوَّةِ: هُوَ قِطْعَةِ لَحْمٍ نَاتِئَةٍ، عَلَيْهَا شَعْرٌ عِنْدَ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ صلى الله عليه وسلم، حَجْمُهَا قَدْرُ بَيْضَةِ الحَمَامَةِ.
وقد شهدَ هذا الحلفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة: "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت"
(1)
.
(1)
وروي أنه لَمَّا بَلَغَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عِشْرينَ سَنَةً، هَاجَتْ حَرْبُ الفِجَارِ وَشَهِدَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعض أَيّامِهِمْ، أَخْرَجَهُ أَعْمَامُهُ مَعَهُمْ، وَأنه قَالَ صلى الله عليه وسلم:"كُنْت أَنْبُلُ عَلَى أعمامي"، أى: أردّ عنهم، نَبْلَ عَدُوّهِمْ، إذَا رَمَوْهُمْ بِهَا. وكان حلف الفضول بعد الفجار، وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان، وكان حلف الفضول في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة.