الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخول أهل النار النار
وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي.
وتَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ تَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ؛ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ. ويُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً فَيُغْمَسُ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟، هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ، وَلَا قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ. {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}
(1)
، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ قَدْرَ مَا بَيْنَ شَفِيرِ النَّارِ وَقَعْرِهَا، كَصَخْرَةٍ زِنَتُهَا سَبْعُ خَلِفَاتٍ بِشُحُومِهِنَّ وَلُحُومِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ، تَهْوِي فِيمَا بَيْنَ شَفِيرِ النَّارِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ قَعْرَهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَوَاللهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَتَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ؟، هِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ. نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ، جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا. اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ؛ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ؛ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ. وإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ مُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ، لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ -وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ- وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ، كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَعْظَرِيٍّ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ.
(1)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} . قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ الْقَصْرَ، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} قَالَ: حِبَالُ السُّفُنِ، تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ.
وإِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَيَعْظُمُ لِلنَّارِ، حَتَّى يَكُونَ الضِّرْسُ مِنْ أَضْرَاسِهِ كَأُحُدٍ، مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ، وَغِلَظَ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا -بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ- وَضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، وَفِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ، لَاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ وَمَنْ فِيهِ، ولَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الْأَرْضِ لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ؟، وَلَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ؟، وإِنَّ فِي النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ، فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَإِنَّ فِي النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ، فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً. ويُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ. وإِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ. وأَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. وإنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَدْعُونَ مَالِكًا:{يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك} ، فَلَا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَقُولُ:{إنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ، ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ:{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ، فَلَا يُجِيبُهُمْ مِثْلَ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} ، ثُمَّ يَيْأَسْ الْقَوْمُ، فَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ، تُشْبِهُ أَصْواتُهُم أَصْوَاتَ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا شَهِيقٌ، وَآخِرُهُا زَفيرٌ.