الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزول سورة الفتح
قال سهل بن حنيف رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، ولقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته، والله ورسوله أعلم، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟، قال:" بلى "، فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟، قال:" بلى "، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟، أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا ابن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً". فرجع عمر متغيظاً، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟، قال: يا ابن الخطاب، إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبداً.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ليلاً فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء " فلم يجبني "، ثم سألته، " فلم يجبني "، ثم سألته " فلم يجبني ". فقلت لنفسي: ثكلتك أمك
(1)
يا ابن الخطاب؛ نزرت
(2)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، " كل ذلك لا يجيبك؟ "، قال عمر: فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل في قرآن.
قال أنس رضي الله عنه: "نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصراً عزيزاً} مرجعه من الحديبية وأصحابه يخالطهم الحزن والكآبة، قد حيل بينهم وبين مناسكهم، ونحروا الهدي بالحديبية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد نزلت علي آيتان، هما أحب إلي من الدنيا جميعاً، فلما تلاهما قال رجل: هنيئاً مريئاً يا رسول الله، قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟، فأنزل الله عز وجل الآية التي بعدها:{ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، ويكفر عنهم سيئاتهم، وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً} .
(1)
أي: فقدتك، وأصله الدعاء بالموت، ثم استعمل في التعجب.
(2)
أي: ألححت.
حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة في وسط الطريق، نزلت سورة الفتح
(1)
قال عمر: فما نشبت أن سمعت مناديا ينادي: يا عمر، أين عمر؟، قال: فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء. فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال:"يا ابن الخطاب، لقد أنزل علي هذه الليلة سورة، لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطاً مستقيماً، وينصرك الله نصراً عزيزاً}. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها. فقال عمر: يا رسول الله، أَوَ فتح هو؟، قال: " نعم ". فطابت نفسه ورجع.
وأنزل الله عز وجل فيها: {هم الذين كفروا، وصدوكم عن المسجد الحرام، والهدي معكوفاً أن يبلغ محله، ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم، أن تطئوهم، فتصيبكم منهم معرة
(2)
بغير علم، ليدخل الله في رحمته من يشاء، لو تزيلوا
(3)
لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، وحالوا بينهم وبين البيت.
(1)
فما فُتِح في الإسلام فَتْحٌ قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس، كلم بعضهم بعضاً، والتقوا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. وكان مقدمة الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجاً، وكانت الهدنة مفتاحاً لذلك، ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح، سميت فتحاً، فإن الفتح في اللغة: فتح المغلق، والصلح كان مغلقاً حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيماً للمسلمين، وفي الصورة الباطنة، عزاً لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم، اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة، وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة.
(2)
المعرة: الأمر القبيح المكروه، والأذى.
(3)
أي: لو تميزوا.