المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌السموات والأرض وإِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ - قصة الحياة

[عبد الإله بن عبد الله بن علي جابر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الله جل وعلا

- ‌بدء الخلق

- ‌السموات والأرض

- ‌النجوم والبروج

- ‌حساب الزمان والسنين

- ‌خلق الملائكة والجن والإنس

- ‌رحمة الله

- ‌قصة آدم عليه السلام

- ‌إخبار الله الملائكة بخلق البشر

- ‌سجود الملائكة لآدم واستكبار إبليس

- ‌خلق حواء وإسكانها الجنة مع آدم

- ‌إغواء الشيطان لآدم وزوجه

- ‌توبة آدم وحواء

- ‌هبوط آدم وحواء وإبليس إلى الأرض

- ‌وجود إبليس وذنوب البشر لحكمة

- ‌إكرام الله بني آدم وإنعامه عليهم

- ‌تحذير البشر من عدوهم الشيطان

- ‌وفاة آدم عليه السلام

- ‌ذرية آدم وتربص الشيطان بهم

- ‌نوح عليه السلام

- ‌ هود عليه السلام

- ‌ صالح عليه السلام

- ‌ إبراهيم عليه السلام

- ‌هجرة إبراهيم إلى الشام

- ‌قصة إبراهيم وسارة مع ملك مصر

- ‌رجوع الخليل من مصر إلى الشام

- ‌انتقال لوط إلى قرية سدوم

- ‌ولادة إسماعيل بمكة وقصة زمزم

- ‌إرسال لوط عليه السلام

- ‌مجيء إبراهيم إلى مكة لتفقد حال ابنه

- ‌إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة

- ‌قصة الذبيح إسماعيل ومناسك الحج

- ‌بشارة إبرهيم بإسحاق عليهما السلام

- ‌إهلاك قوم لوط في قرى سدوم

- ‌إرسال شعيب عليه السلام إلى أهل مدين

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌قصة ذي القرنين

- ‌فضائل خليل الله إبراهيم ووفاته

- ‌يعقوب (إسرائيل) عليه السلام

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌يوسف بن يعقوب عليه السلام

- ‌مكوث بني إسرائيل في مصر

- ‌اضطهاد بني إسرائيل من فرعون

- ‌موسى وهارون عليهما السلام

- ‌بعثة مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، صَفِيُّ اللهِ

- ‌تكذيب فرعون وقومه بالآيات المعجزات

- ‌إهلاك قارون

- ‌نصيحة مؤمن آل فرعون

- ‌إصرار فرعون على استئصال المؤمنين

- ‌خروج موسى ببني إسرائيل من مصر

- ‌هلاك فرعون وجنده

- ‌بنو إسرائيل بعد نجاتهم من فرعون

- ‌ذهاب موسى لميقات ربه

- ‌إنزال الله التوراة على موسى

- ‌قصة السامري والعجل

- ‌رجوع موسى إلى بني إسرائيل

- ‌قصة موسى مع الخضر عليهما السلام

- ‌حياء موسى وإيذاء بني إسرائيل له

- ‌قصة البقرة

- ‌رفض بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة

- ‌وفاة موسى عليه السلام

- ‌يوشع بن نون عليه السلام

- ‌كَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا

- ‌حِزْقِيلَ بن بُوذَى

- ‌إِلْيَاسُ عليه السلام

- ‌الْيَسَعُ عليه السلام

- ‌من الأنبياء والأقوام الذين أشير إليهم

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌قصة أصحاب السبت

- ‌قصة طالوت وجالوت

- ‌داود عليه السلام

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌يونس عليه السلام

- ‌قصة النبي شِعْيَا بْنُ أَمْصِيَا

- ‌الخراب الأول لبيت المقدس

- ‌قصة بختنصر مع دانيال عليه السلام

- ‌قصة عُزَيْر عليه السلام

- ‌اختلاف بني إسرائيل

- ‌تحريف اليهود التوراة

- ‌زكريا ويحيى وآل عمران

- ‌المسيح عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌نزول الإنجيل على المسيح ابن مريم

- ‌ميثاق الأنبياء بالإيمان بمحمد ونصرته

- ‌كفر اليهود بالمسيح ابن مريم عليه السلام

- ‌قتل يحيى بن زكريا عليه السلام

- ‌قصة رفع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء

- ‌زعم اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه

- ‌الخراب الثاني لبيت المقدس

- ‌شاؤول اليهودي (بولس) يحرف دين النصارى

- ‌إنجيل برنابا ينقض تحريفات بولس

- ‌تحريف الإنجيل واختلاف نُسَخه

- ‌بنو إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة

- ‌تحريف النصارى دينهم وتفرقهم

- ‌تغيير الملك قسطنطين دين النصارى

- ‌اضطهاد الآريوسيين الموحدين

- ‌قصة سبأ وسد مأرب

- ‌قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ

- ‌قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ بنجران

- ‌تسلط الأحباش النصارى على اليمن

- ‌قصة أصحاب الفيل

- ‌ولادة رسول الله محمد ونشأته

- ‌زواج النبي من خديجة بنت خويلد

- ‌وضع الحجر الأسود في مكانه

- ‌حال الأرض قبل بعثته عليه الصلاة والسلام

- ‌بعثة محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌إرسال النبي للناس كافة

- ‌نزول وحي القرآن عليه

- ‌من معجزاته وخصاله عليه الصلاة والسلام

- ‌الدَّعْوَةُ في مكة

- ‌الهجرة إلى الحبشة ومحاولة منعها

- ‌حصار الشِّعْب

- ‌وفاة أبي طالب وخديجة (عام الحزن)

- ‌اشتداد أذى قريش على رسول الله

- ‌خروجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف

- ‌العودة لمكة وبيعتا العقبة

- ‌انشقاق القمر

- ‌رحلة الإسراء والمعراج (1 ق هـ)

- ‌اتفاق مشركي قريش على قتل النبي

- ‌قصة الهجرة

- ‌السنة الأولى من الهجرة (1 هـ)

- ‌بناء مسجد قباء والمسجد النبوي

- ‌فرح أهل المدينة

- ‌دعوة يهود المدينة للإسلام

- ‌الدعاء للمدينة بالصحة

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌كتابة الصحيفة

- ‌قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌مشروعية الأذان

- ‌السنة الثانية من الهجرة

- ‌صيام عاشوراء

- ‌إعلان قريش الحرب على المدينة

- ‌بدء الغزوات

- ‌تحويل القبلة إلى الكعبة

- ‌فرض الصيام وزكاة الفطر

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌وفاة رقية بنت محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌إجلاء يهود بني قينقاع

- ‌غزوة السويق

- ‌السنة الثالثة من الهجرة

- ‌مقتل كعب بن الأشرف

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌السنة الرابعة من الهجرة

- ‌يوم الرجيع واستشهاد خبيب

- ‌حادثة بئر معونة

- ‌إجلاء يهود بني النضير

- ‌السنة الخامسة من الهجرة

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة المريسيع (بني المصطلق)

- ‌حادثة الإفك

- ‌غزوة الخندق (الأحزاب)

- ‌نزول آية الحجاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌السنة السادسة من الهجرة

- ‌غزوة ذِي قَرَد وقصة سلمة بن الأكوع

- ‌سرية الخبط (سِيف البحر)

- ‌خروج عمرو بن العاص إلى الحبشة

- ‌قصة صلح الحديبية

- ‌نزول سورة الفتح

- ‌قدوم المهاجرات من مكة

- ‌قصة أبي بصير

- ‌السنة السابعة من الهجرة

- ‌دعوة الملوك إلى الإسلام

- ‌دعوة ملك الحبشة وإسلامه

- ‌دعوة ملك الغساسنة في الشام

- ‌دعوة قيصر ملك الروم

- ‌دعوة كسرى ملك الفرس

- ‌دعوة المقوقَس ملك القبط في مصر

- ‌دعوة هَوْذة الحنفي ملك اليمامة بنجد

- ‌غزوة خيبر

- ‌تسميم اليهود طعام النبي في خيبر

- ‌عودة المهاجرين من الحبشة

- ‌تحريم المدينة والدعاء لأهلها بالبركة

- ‌غزوة ذات الرقاع جهة نجد

- ‌إرسال السرايا إلى عَجُز وفدك والميفعة وغطفان والغابة

- ‌عمرة القضاء

- ‌السنة الثامنة من الهجرة

- ‌وفاة زينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص

- ‌إرسال السرايا إلى بني الملوح وقضاعة وهوازن

- ‌غزوة مؤتة

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌فتح مكة وهدم الأصنام

- ‌غزوة حنين

- ‌تتبع الفارين في أوطاس ونخلة وثقيف

- ‌قسمة الغنائم في الجعرانة

- ‌الإحرام بالعمرة من الجعرانة

- ‌دعوة ملك البحرين (الأحساء)

- ‌دعوة ملك عُمان

- ‌السنة التاسعة من الهجرة (عام الوفود)

- ‌وفاة النجاشي أصحمة

- ‌غزوة تبوك

- ‌المرور بمساكن ثمود في الحِجْر

- ‌من الأحداث في تبوك

- ‌العودة ومحاولة المنافقين قتل النبي

- ‌قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا

- ‌وفاة أم كلثوم بنت محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌وفاة كبير المنافقين ابن سلول

- ‌قدوم الوفود ومنهم نصارى نجران

- ‌حج أبي بكر بالناس والبراءة من المشركين

- ‌السنة العاشرة من الهجرة

- ‌وفاة إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌كسوف الشمس وصلاة وخطبة عظيمة

- ‌حجة الوداع

- ‌اكتمال إبلاغ الدين

- ‌السنة الحادية عشر من الهجرة

- ‌وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من جوامع ما أخبر به النبي أصحابه

- ‌فطرة الإنسان

- ‌التحذير من الشرك والرياء

- ‌ركائز دين الإسلام ومعالمه

- ‌افتراق المسلمين في دينهم

- ‌لكل نبيّ حواريّون وسيَخْلُفُهُم مُبَدِّلون

- ‌الإسلام محفوظ بعلماء مجدِّدِين

- ‌الأمر بالتَّمَسُّكِ بالسُّنَّة والجَمَاعَة

- ‌التحذير من الابتداع في الدين

- ‌أهمية صلاح القلب والنيّة

- ‌عدل الله وغناه عن خلقه

- ‌حفت الجنة بالمكاره، والنار بالشهوات

- ‌الحساب على الأعمال

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌القضاء والقدر والأخذ بالأسباب

- ‌الإيمان تصديق وعمل وأخلاق

- ‌الزينة وحفظ العرض والنسل

- ‌خطر النفاق وسوء الأخلاق

- ‌الدّين: النَّصِيحَة

- ‌وجوب إنكار المنكرات

- ‌الحسنات يذهبن السيئات

- ‌أبواب الخير والصدقات

- ‌فضائل ذكر الله

- ‌آداب الطعام

- ‌التداوي وحفظ الصحة

- ‌علاج العين والاستشفاء بالرقى

- ‌أسباب إجابة الدعاء ومنعه

- ‌قتال الطائفة التاركة للصلاة أو الزكاة

- ‌الإخبار بالفتن التي ستقع للصحابة

- ‌ظهور الخوارج وقتالهم

- ‌تداعي الأمم الكافرة على المسلمين

- ‌دعوة الكفار وقتال المعتدين

- ‌بقاء طائفة منصورة من المجاهدين

- ‌أمور ستقع قبل قيام الساعة

- ‌خراب المدينة وأحداث آخر الزمان

- ‌ظهور مهدي من العِتْرَة

- ‌مصالحة الروم والغزو معهم وغدرهم

- ‌وقوع الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى في الْغُوطَة

- ‌فتح القسطنطينية

- ‌خروج الدجال يتبعه يهود وشياطين

- ‌نزول عيسى ابن مريم وقتله الدجال

- ‌انهزام اليهود وقتلهم

- ‌إفساد يأجوج ومأجوج ثم مقتلهم

- ‌مطر يغسل الأرض ويعيد بَرَكَتَها

- ‌الإسلام يعم الأرض في زمن المسيح

- ‌طلوع الشمس من مغربها

- ‌خروج الدابة

- ‌نار تخرج من عدن تحشر الناس للشام

- ‌ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين

- ‌اختفاء أثر الإسلام ورفع القرآن

- ‌تقوم الساعة على شرار الناس

- ‌نفخة الصعق

- ‌الحياة البرزخية في القبر

- ‌نزول ماء الحياة ونمو الأجساد

- ‌نفخة البعث

- ‌أول من تنشق عنه الأرض

- ‌دنو الشمس

- ‌انتظار فصل القضاء

- ‌إخراج بعث النار وهول الموقف

- ‌الحوض

- ‌الشفاعة في الخلاص من كرب المحشر

- ‌الميزان

- ‌العرض والحساب

- ‌الأرض والسماوات يوم القيامة

- ‌كل أمة تتبع ما كانت تعبد

- ‌دخول أهل النار النار

- ‌بقاء أمة التوحيد يقودهم ربهم إلى الجنة

- ‌إعطاء المؤمن نوره والمنافق قبل الصراط

- ‌المرور على الصراط

- ‌القنطرة بعد الصراط

- ‌دخول أهل الجنة الجنة

- ‌شفاعة النبي فيمن دخل النار مِن أمته

- ‌شفاعة المؤمنين في إخوانهم

- ‌يعتق الله من النار مَن كانت له ذرّة توحيد

- ‌ذبح الموت بين الجنة والنار

- ‌الخلود الأبدي

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌السموات والأرض وإِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ

‌السموات والأرض

وإِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

(1)

، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَوْمَ السَّابِعِ

(2)

، وَخَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ التِّقْن

(3)

يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ

(4)

يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ

(5)

.

وجعل اللهُ خلقه وإبداعه وإنعامه على المخلوقين وتربيتهم بنعمه آيات ودلائل على ربوبيته، فهو رب العالمين، تسبِّح له وتقدسه السماوات السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وتنزهه وتعظمه وتبجله وَتَكَبِّرُهُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ

(6)

.

(1)

جمهور العلماء على أنها أيام كأيامنا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليوم الواحد من الأيام الستة بألف سنة.

(2)

وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام وَفِي كَفِّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءٌ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟، قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ عز وجل لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا، وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، قُلْتُ: مَا لَنَا فِيهَا؟، قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ عز وجل فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ، أَعْطَاهُ اللهُ عز وجل أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسْمٍ، إِلَّا ذُخِرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ: يَوْمَ الْمَزِيدِ .. ". وقال عليه الصلاة والسلام: "أَضَلَّ اللَّهُ عز وجل عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ عز وجل بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ لَنَا تَبَعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ".

وَكَانَ الْيَهُودُ إنّمَا اخْتَارُوا السّبْتَ، لِأَنّهُمْ اعْتَقَدُوهُ الْيَوْمَ السّابِعَ، ثم زادوا لكفرهم أَنّ اللهَ اسْتَرَاحَ فِيهِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، لِأَنّ بَدْءَ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ الْأَحَدُ، وَآخِرَ الستة الأيام الّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا الْخَلْقَ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ النّصَارَى، فَاخْتَارُوا الْأَحَدَ، لِأَنّهُ أَوّلُ الْأَيّامِ فِي زَعْمِهِمْ، وَقَدْ شَهِدَ الرّسُولُ- صلى الله عليه وسلم لِلْفَرِيقَيْنِ بِإِضْلَالِ الْيَوْمِ، وَقَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:"إنّ اللهَ خَلَقَ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ"، فَبَيّنَ أَنّ أَوّلَ الْأَيّامِ الّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا الْخَلْقَ السّبْتَ، وَآخِرَ الْأَيّامِ السّتّةِ إذًا الْخَمِيسُ. والأسبوع عرف بإخبار الأنبياء أن الله خلق هذا العالم في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع.

(3)

وهو ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر الأرض. وعند مسلم: (وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ). ولا ينافيه لأن كلّاً منهما خُلق فيه. وبعضهم فسر المكروه بالشر، وبعضه مثّل للمكروه بالظلام والأمراض والسموم وكل ما يؤلم.

(4)

وفي رواية (النون) بدل النور، ومعناه: الحوت، ويحتمل أن يكون كلاهما خُلقا يوم الأربعاء، والله سبحانه أعلم.

(5)

رواه مسلم في صحيحه، والنسائي في التفسير في السنن الكبرى وأحمد في المسند ورواه غيرهم، وصححه الشوكاني والألباني، وقد تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار ليس مرفوعاً، وأعل بعضهم متنه حيث أشكل عليهم أن الله أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأن هذا الحديث يقتضي أن مدة تخليق الأرض وحدها سبعة أيام وأنه لم يذكر السماء. ويزيل هذا الإشكال بيان معنى الحديث، حيث ذكرت الأيام السبعة في الحديث، والأيام الستة في القرآن، والحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن ولا يخالفه. وإن لم ينص على خلق السماء؛ فقد أشار إليها بذكره في اليوم الخامس النور، وفي السادس الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما الأجرام السماوية. وخلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن لما ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، ولما ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت تتشكل بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن. ويرجع للفائدة إلى السلسلة الصحيحة للألباني (2/ 726) رقم "1833"، وبحث:(إزالة الشبهة عن حديث التربة) لعبدالقادر بن حبيب الله السندي، المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد 49 صفحة 29.

(6)

والله فوق عرشه، وعرش الله هو أعلى ما نعلمه من المخلوقات، وأعظمها، وسقفها، وهو كالقبة على العالم وله قوائم، وتحته الماء، والكرسي الذي هو بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، والكرسي محيط بالسموات والأرض وهن بالنسبة إليه كحلقة في فلاة، والعالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق جل وعلا في غاية الصغر. والكرسي - كما قال بعض السلف - أمام العرش كالمقدمة له أو تحته كالمرقاة له، والمرقاة: هو ما يُرقى عليه. ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "الكرسي موضع القدمين لله سبحانه وتعالى". وقال السدي: السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش. فيجب الإيمان بذلك على حقيقته كما يليق بالله جل جلاله. وذكر العلماء أن السماء على شكل كرة والسماوات بعضها على بعض كقشور البصلة، وأن الأرض كرة في المركز الوسط، تحيط بها السماء الدنيا من كل جانب، وشبهوا ذلك بالبيضة أو البصلة أو البطيخة. والسماء حقيقة مبنية بناء حقيقياً، لها كثافة وأبواب وسكان، وهي سبع سموات واحدة فوق الأخرى، وهذا الذي دل عليه القرآن، وليست كما يقول ملاحدة اليوم وغيرهم: إنها فضاء، فيسمون الفوق فضاءً، أي: ليس فيه شيء، ويزعمون أنه ليس فيه إلا هذه الكواكب، وأن الكواكب تسبح في الفضاء، وبعضها فوق بعض. وهؤلاء الملاحدة لا يستطيعون أن يصلوا إلى السماء، ولا قريباً منها، بل يقفون عند حدهم، فهم ضعفاء، والسماء بعيدة جداً. والأفلاك هي مدارات الشمس والقمر والنجوم والكواكب السيارة، وذكروا أنها كلها واقعة بين السماء الدنيا المبنية والأرض. والنجوم سابحة بين السماء والأرض، مسخرة بأمره سبحانه ومسيرة. وجاء في السنة ذكر المسافات بين الأرض والسماء، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِنْ هَذِهِ مِثْلُ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ}. وخمسمائة عام بمسير الإبل المعتاد تعادل تقريباً: (9) تسعة ملايين كم فقط، وعليها فتقدر المسافة الحقيقية بين سطح الأرض ونهاية السماء السابعة بـ (126) مليون كم فقط، والله أعلم. وفي سنن ابن ماجه: أن ما بين السماء والأرض مسيرة ثلاثة وسبعين سنة أو نحوها، وكذا بين كل سماء وسماء. قال الذهبي: "لا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلاً، ونيف وسبعون سنة على سير البريد لأنه يصح أن يقال بيننا أي بالشام وبين مصر عشرون يوماً باعتبار سير العادة وثلاثة أيام باعتبار سير البريد". والله جل وعلا أصعد رسوله إلى السماء السابعة في ليلة واحدة، وكذلك ثبت أنه إذا قبض العبد الصالح وخرجت فإن روحه يُصعد بها إلى السماء السابعة ثم تعود، وهذا كله يقع قبل أن يُدفن، أي: ما بين موته وتجهيزه والصلاة عليه ووضعه في قبره، فإذا وُضع في قبره أعيدت روحه إليه، وبعدها يوقف في القبر ويسأل.

وأما الخلاف بين الناس في مسألة ثبات الأرض في مركز الكون ونظرية دوران الأرض حول الشمس؛ فإن المثبتين لمركزية الأرض وثباتها في مكانها يقولون: إننا نجد أن الكتب السماوية خاطبت الناس بما عهدوه وأحسوه من سكون الأرض واستقرارها؛ فالشمس كما يراها الناس تدور حول الأرض، وتشرق وتغرب، وأسندت الأفعال في الحركة إلى الشمس، وقال يوشع بن نون عليه السلام للشمس:"أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئاً"، ونسب سليمان عليه السلام الحركة إلى الشمس مع كل ما أتاه الله من العلم والسلطان والملك العظيم. وكذلك ما جاء عن غيرهم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والإنسان كل يوم يشاهد بعينه الشمس تشرق من جهة المشرق، ثم تظل سائرة في فلك السماء حتى تغرب من جهة المغرب، لا يرتاب في ذلك أحدٌ باقٍ على فطرته، كما أنه يعلم يقيناً أن الأرض التي تحته ثابتة مستقرة، لا تنتقل من مكانها. وقد كان السؤال الرئيس في محاكمة جاليليو -الذي زعم حركة الأرض ودورانها حول الشمس تبعاً لكوبرنيك- هو:"لماذا تصر على وجوب حركة الأرض مع عدم وجود مشاهدة فلكية مباشرة تدل على ذلك؟ " فإنّ عدم رصد الانحراف النجمي - (إن حركة الأرض في مدار قطره المتوسط 56 مليون كيلومتر لابد أن يؤثر على موقع النجوم في السماء على الأقل مابين الصيف و الشتاء عندما تكون الأرض على طرفي المدار) - هو دليل نفي قاطع لدوران الأرض حول الشمس. وقد اكتشف ديفيد كينج أن كثيراً من النظريات المنسوبة لكوبرنيك هي للفلكي العربي ابن الشاطر (ت 777 هـ، 1375 م)، وقد عثر في بولونيا، موطن كوبرنيك (1473 - 1543 م) على مخطوطات عربية عام (1973 م)، وثبت أن كوبرنيك كان يأخذ عنها، ويدعي لنفسه ما يأخذ، وثبت منذ عام (1950 م) أن نظريات كوبرنيك في الفلك هي في أصلها مأخوذة عن ابن الشاطر الفلكي العربي المشهور، وادعاها كوبرنيك لنفسه.

كما أن دعوى أهل الهيئة أو الهندسة أو المنجمين: أن علمهم ثابت بالبراهين الهندسية؛ غير صحيح. إذ لو كان كذلك لما وقع الخلاف العظيم بينهم في تفاصيل علمهم وجمله. ومنهم من يرى أن الفصول الأربعة (الصيف والخريف والشتاء والربيع) تتشكَّل نتيجة حركة الشمس اللولبية بين مدار السرطان ومدار الجدي أثناء دوران الشمس حول الأرض. وقد جاء بعد كوبرنيك من رد على تهافته، وأقام الحجج العلمية عليه، مثل ركشيولي P. riccioli (1598 - 1671)، و شاينر p.scheiner (1575 - 1650)، وأنطوان ديوسينج Antoine deusing (1612 - 1666) الذي ألّف كتابه ليبرهن على أن الأرض في مركز الكون، وأن يلغي كل تعقيدات نظام بطليموس، من خلال براهينه الطويلة التي يستخلص منها أنه لا ضرورة لتحريك الأرض، ولا لجعل النجوم بهذه المسافات الشاسعة، وكتابه بعنوان: Devero Systemate mundi dissertatio mathematica (Amestrdam، 1643)

وأضاف بعض المعاصرين إشكالات عدة على أولئك الذين يزعمون ثبات الشمس ودوران الأرض حولها؛ منها: أنَّ أقصى سرعة لمركبة الفضاء 27،000 كيلومتر في الساعة، وأن معدل سرعة دوران الأرض المزعوم حول الشمس هو 100 ألف كيلومتر في الساعة، فكيف تعود المركبات الفضائية إلى الأرض بسهولة، وكيف لا تظهر صور الأرض على أنها مذنب سريع الحركة، وكيف تكون سماكة الغلاف الجوي متساوية ومتجانسة حيث يفترض أن تقل من جهة انطلاق الأرض السريع المزعوم وتزيد من الجهة الأخرى؟ ولو كانت جاذبية الشمس أقوى من جاذبية القمر، لظهرت تأثيرات جاذبية الشمس على الأرض، مثل المد والجزر؛ حيث إننا نلاحظ حدوث المد والجزر عندما يكون القمر عمودياً على الأرض، وليست الشمس. وتحدث بعضهم عن اتجاه حركة ظل القمر على الأرض -في ظاهرة كسوف الشمس- أنه يتجه إلى مشرق الأرض دلالة على تحرك الشمس ودورانها حول الأرض إلى جهة المغرب.

وذكروا أيضاً أن لاتباع الأهواء الوثنية وتعظيم الشمس والنار والشياطين أثر كبير في تجاهل الحس المشهود وتجاهل كل أولئك الفلكيين الذين يثبتون مركزية الأرض وينفون نظرية الدوران حول الشمس، ويشهد لذلك ما ينقله فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" صـ (313) فيقول:"فلكيو القرن السادس عشر الذين رفضوا فكرة كوبرنيك كانوا كثرةً، وبدلاً من ذكرهم لابد أن نحكم عليهم بالنسيان، وهذا لن يكون إلا العدل". كما ينقل فرديناند هوفر أيضاً في كتابه "تاريخ علم الفلك" صـ (110) أن أرسطو ينقل عن فيلولاوس قوله: "إن مكان الشرف لابد أن يحتله الأكثر رفعة، ولكون النار أكثر رفعة من الأرض؛ فإن الأرض تدور حول النار في حركة دائرية". وهو في ذلك يتبع الشيطان إبليس في القياس الفاسد حين أُمر بالسجود لآدم فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} .

وأشار بعضهم إلى أن الشيطان يكره الأرض وترابها التي خلق منها أدم عليه السلام، فوضع عرشه على الماء، وأراد أن يتشبه بالخالق سبحانه وتعالى فهو كالدجال بين أقرانه وأتباعه. وأنّ مما يؤكد اتصال أولئك القوم بالشياطين وثقتهم بهم والأخذ عنهم: ما يقوله بيير بورل (1620 - 1671 م) في كتابه "منطق جديد يثبت تعدد العوالم" صـ (56) يقول: "إذا كان هنالك مخلوق يعرف عين الحقيقة بالنسبة لتعدد العوالم ويمكنه الإجابة الكاملة على هذا السؤال: فإنهم الشياطين، ولكن كيف يمكننا الحصول على أقوالهم حول هذا الموضوع، إن ذلك من خلال وسائل الاتصال بهم، إنه أكيد فإن هذه pans، syluains والآلهة الأخرى التي كانت تظهر قديماً للناس كانوا شياطين محبوبين، وفي قصة الساحر fauste قال بأن الشياطين تتجول بين النجوم خلال ثمانية أيام وإنهم يصعدون 47 ألف lieues (المسافة تساوي 188000 كيلومتر) وإنهم يرون الأرض ومدنها من هذه المسافات الشاسعة

". (Discours nouveau prouvant la pluralité des mondes [Texte imprimé]: que les astres sont des terres habitées et la terre une estoile، qu'elle est hors du centre du monde dans le troisiesme ciel et se tourne devant le soleil qui est fixe، et autres choses très curieuses / par Pierre Borel . Genève: [s.n.]، 1657) .

فمن ذلك بينوا أن أولئك المبطلين يخالفون المحسوس ويخالفون الفطرة ويخالفون خطاب الكتب السماوية ويخالفون علماء فلكيين كثر، ويزعمون أن حركة الشمس والقمر والنجوم هي حركة ظاهرية فحسب وليست حقيقية، وكأن الناس يعيشون في توهمات فيما يرونه بأعينهم ويدركونه بحسهم. وأولئك يعظمون الشمس والنار والشياطين، ويريدون جعل الشمس مركزاً للكون، ويقولون بفضاء ليس له نهاية، وينفون علو الله على خلقه، وينفون وجود خالق خلق الإنسان بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته وأكرمه وعلمه وهداه النجدين. بل فوق ذلك كله يؤمن أولئك الوثنيون بخرافة نظرية صاحبهم داروين في التطور البشري المختلق، وهذا الانحرافات المغلوطة للأسف هي التي أصبحت تسوق لها الحضارة الغربية المادية، والله أعلم.

وأما عن شكل الأرض أهي مسطحة أم أنها على هيئة كرة؟:

فجمهور علماء المسلمين منذ القدم يقولون بـ (كرية الأرض) وأنها على شكل كرة وأن السماء محيطة بها على هيئة كرة أيضاً، والمعاصرون يقولون:(كروية) بدلاً من كلمة (كرية) المستخدمة عندالأقدمين. كما يصطلح المعاصرون بتسمية: (علماء الفلك) بدلاً من (أهل الهيئة) وأهل الهندسة والحساب والتنجيم كما يطلق عليهم الأقدمون.

وقد قال أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين [ت (438) هـ] في رسالة في إثبات الاستواء والفوقية [مطبوع ضمن الرسائل المنيرية](1/ 186): "فصل: في تقريب مسألة الفوقية من الأفهام بمعنى من علم الهيئة لمن عرفه: لا ريب أن أهل هذا العلم حكموا بما اقتضته الهندسة، وحكمها صحيح؛ لأنه ببرهان لا يكابر الحس فيه؛ بأن الأرض في جوف العالم العلوي، وأن كرة الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة، والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأن سفل العالم هو جوف كرة الأرض، وهو المركز، ونحن نقول: جوف الأرض السابعة، وهم لا يذكرون: السابعة، لأن الله تعالى أخبرنا عن ذلك، وهم لا يعرفون ذلك، وهذه القاعدة عندهم هي ضرورية لا يكابر الحس فيها: أن المركز هو جوف كرة الأرض، وهو منتهى السفل والتحت، وما دونه لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً، ويكون فوقاً، بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة لكان الخرق إلى جهة فوق، ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق، وبرهان ذلك أنا لو فرضا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب وامتد مسافراً، لمشى مسافراً على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه، وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته والسماء فوقه، فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض لا تحتها؛ لأن السماء فوق الأرض بالذات فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها".

وفي المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ص (1/ 130): "قَالَ أَبُو الوفاء بْن عقيل: ونقلت من كتاب الهندسة: ذكر علماء الهندسة أَن الأَرْض عَلَى هيئة الكرة عَلَى تدوير الفلك، موضعه فِي جوف الفلك كالمحة، فِي جوف البيضة، وإن النسيم يحيط بها كالبياض من البيضة حول المحة، وان الفلك يحيط بالنسيم كاحاطة القشرة البيضاء بالبياض المحيط بالمحة". وفيه ص (1/ 183) ذكر أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر أنهم: "أجمعوا عَلَى أَن الأَرْض بجميع أجرامها من البرد مثل الكرة، ويدل عَلَيْهِ أَن الشمس والقمر والكواكب لا يوحد طلوعها وغروبها عَلَى جميع من فِي نواحي الأَرْض فِي وقت واحد بَل عَلَى المشرق قبل المغرب، وكرة الأَرْض مثبتة فِي وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة يدل عَلَى ذَلِكَ أَن جرم كُل كوكب يرى فِي جميع نواحي السماء عَلَى قدر واحد، فيدل عَلَى ذَلِكَ أَن مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض من جميع الجهات بقدر واحد كاضطرار أَن تكون الأَرْض وسط السماء".

وقال المطهر بن طاهر المقدسي (المتوفى: نحو 355 هـ) في كتابه: البدء والتاريخ (2/ 23): "وعند أهل النجوم: الشمس لا تزال طالعة على قوم وغاربة على قوم لأنها دائرة على كرة الأرض دوراً مستقيماً".

وقال أبو الحسين بن المنادي: "لا خلاف بين العلماء أن السماءَ على الأرض مثل القبة، وأن العالمَ مثل الكرة، وأنها تدور بما فيه من الكواكب على قطبين ثابتين غير متحركين، أحدهما في ناحية الشمال، والآخر في ناحية الجنوب مطلعَ سهيل، وأن كرةَ الأرضِ مثبتةٌ وسط كرة السماء كالنقطة من الدائرة، والأرضُ على نَمَطٍ واحدٍ من جميع الجهات، والأفلاكُ تدورُ على محورين وقطبين ثابتين، ومَن كان مسكنه وسط الأرض عند استواء ساعات الليل والنهار رأى المحورين والقطبين، ومَن كان في بلاد الشمال يرى القطبَ الشمالي، ومَن كان في بلاد الجنوب يرى القطبَ الجنوبيَّ. وقال جالينوس: العالم شبه البيضة، والسماءُ موضعُ القشر، والهواء موضع البياض، والأرض موضع المُحّ".

وفي (نزهة الأمم في العجائب والحكم، ص: 10) قال هشام بن الحكم عن الأرض أنها: "وافقة على مدار واحد من كل جانب والفلك يحد بها من وجه، فلذلك لا تميل إلي ناحية من الفلك دور أخرى، لأن قوة الأجزاء متكافية وذلك كحجر المغناطيس في جذبه للحديد، فإن الفلك بالطبع مغناطيس الأرض فهو يجذبها، فهي واقفة في الوسط، وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدور الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط، كما إذا أوضعت تراباً في قارورة، وأدرتها بقوة فإن التراب يقوم في الوسط".

وقال الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ص 4/ 164):

"وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ الْأَرْضِ أَنَّهَا كُرَةٌ". واستدل بأدلة علمية وحجج عديدة منها أبرزها:

الْحُجَّةُ الأُولَى: أنه لو كان طُولُ الْأَرْضِ مُسْتَقِيمًا؛ لَصَارَ جَمِيعُ وَجْهِ الْأَرْضِ مُضِيئًا دُفْعَةً وَاحِدَةً عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَصَارَ جَمِيعُهُ مُظْلِمًا دُفْعَةً وَاحِدَةً عِنْدَ غَيْبَتِهَا.

والْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ ظِلُّ الْأَرْضِ مُسْتَدِيرٌ فَوَجَبَ كَوْنُ الْأَرْضِ مُسْتَدِيرَةً؛ لأَنَّ انْخِسَافَ الْقَمَرِ نَفْسُ ظِلِّ الْأَرْضِ عِنْدَ تَوَسُّطِ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ، وَانْخِسَافُ الْقَمَرِ مُسْتَدِيرٌ لِأَنَّا نُحِسُّ بِالْمِقْدَارِ الْمُنْخَسِفِ مِنْهُ مُسْتَدِيرًا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مُسْتَدِيرَةً.

والْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْأَرْضَ طَالِبَةٌ لِلْبُعْدِ مِنَ الْفَلَكِ، وَمَتَى كَانَ حَالُ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَذَلِكَ؛ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مُسْتَدِيرَةً .. وأَنَّ هَذِهِ التَّضَارِيسَ لَا تُخْرِجُ الْأَرْضَ عَنْ كَوْنِهَا كُرَةً، فلَوِ اتَّخَذْنَا كُرَةً مِنْ خَشَبٍ قُطْرُهَا ذِرَاعٌ مَثَلًا، ثُمَّ أَثْبَتْنَا فِيهَا أَشْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ جَارُوسَاتٍ أَوْ شُعَيْرَاتٍ، وَقَوَّرْنَا فِيهَا كَأَمْثَالِهَا فَإِنَّهَا لَا تُخْرِجُهَا عَنِ الْكُرَيَّةِ وَنِسْبَةُ الْجِبَالِ وَالْغَيَرَانِ إِلَى الْأَرْضِ دُونَ نِسْبَةِ تِلْكَ الثَّابِتَاتِ إِلَى الْكُرَةِ الصَّغِيرَةِ) انتهى باختصار وتصرف.

وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ذلك في الرسالة العرشية في مواضع عدة منها قوله: "وَقَدْ قَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ". وقال: "أَهْلُ الْهَيْئَةِ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ مَخْرُوقَةٌ إلَى نَاحِيَةِ أَرْجُلِنَا وَأُلْقِيَ فِي الْخَرْقِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَكَانَ يَنْتَهِي إلَى الْمَرْكَزِ، حَتَّى لَوْ أُلْقِيَ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَجَرٌ آخَرُ لَالْتَقَيَا جَمِيعًا فِي الْمَرْكَزِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ إنْسَانَيْنِ الْتَقَيَا فِي الْمَرْكَزِ بَدَلَ الْحَجَرَيْنِ لَالْتَقَتْ رِجْلَاهُمَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَحْتَ صَاحِبِهِ، بَلْ كِلَاهُمَا فَوْقَ الْمَرْكَزِ، وَكِلَاهُمَا تَحْتَ الْفَلَكِ، كَالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ رَجُلًا بِالْمَشْرِقِ فِي السَّمَاءِ أَوْ الْأَرْضِ وَرَجُلًا بِالْمَغْرِبِ فِي السَّمَاءِ أَوْ الْأَرْضِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَحْتَ الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَأْسُهُ أَوْ رِجْلَاهُ أَوْ بَطْنُهُ أَوْ ظَهْرُهُ أَوْ جَانِبُهُ مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ أَوْ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، وَإِذَا كَانَ مَطْلُوبَ أَحَدِهِمَا مَا فَوْقَ الْفَلَكِ لَمْ يَطْلُبْهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الْعُلْيَا، لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْ جِهَةِ رِجْلَيْهِ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ". وقال: "وَاسْتِدَارَةُ الْأَفْلَاكِ كَمَا أَنَّهُ قَوْل أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُنَادَى، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ". وقال: "أَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ الْمَوْضُوعَ لِلْأَنَامِ فَوْقَ نِصْفِ الْأَرْضِ الْكُرِّيِّ". وقال: "فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِاتِّفَاقِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا أَنَّ الأفلاك مستديرة كرية الشَّكْلِ، وَأَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا هِيَ جِهَةُ الْمُحِيطِ، وَهِيَ الْمُحَدَّبُ، وَأَنَّ الْجِهَةَ السُّفْلَى هُوَ الْمَرْكَزُ، وَلَيْسَ لِلْأَفْلَاكِ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فَقَطْ." وقال: "أَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ لِلْأَنَامِ، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ وَالنَّبَاتُ، وَالْجِبَالُ وَالْأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ. فَأَمَّا النَّاحِيَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْأَرْضِ فَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَمَا يَتْبَعُهُمْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ أَحَدًا لَكَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ تَحْتَ مَنْ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا مَنْ فِي هَذِهِ تَحْتَ مَنْ فِي هَذِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُحِيطَةٌ بِالْمَرْكَزِ، وَلَيْسَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْفَلَكِ تَحْتَ الْآخَرِ، وَلَا الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ تَحْتَ الْجَنُوبِيِّ، وَلَا بِالْعَكْسِ".

وكذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) في سورة الأنبياء، وأيضاً في سورة يس:(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). فذكر صاحب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (18/ 98): "أن الجمع في قوله: {يَسْبَحُونَ} لأن الضمير عائد على الشمس والقمر مع الليل والنهار، وذلك لأن الليل والنهار يسبحان أيضًا؛ لأن الليل ظل الأرض، وهو يدور على محيط كرة الأرض، على حسب دوران الأرض، وكذلك النهار يدور أيضًا؛ لأنه يخلف الليل في المحيط".

وقال الشيخ عطية محمد سالم في (تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ص 2/ 61): تنبيه: كان من الممكن أن نقدم هذه النتيجة من أول الأمر ما دامت متفقة في النهاية مع قول علماء الهيئة (الفلك)، ولا نطيل النقول من هنا وهناك، ولكن قد سقنا ذلك كله لغرض أعم من هذا كله، وقضية أشمل وهي من جهتين:

أولاهما: أن علماء المسلمين مدركون ما قال به علماء الهيئة، ولكن لا من طريق النقل أو دلالة خاصة على هذه الجزئية من القرآن، ولكن عن طريق النظر، والاستدلال، إذ علماء المسلمين لم يجهلوا هذه النظرية، ولم تخف عليهم هذه الحقيقة.

ثانيتهما: مع علمهم بهذه الحقيقة وإدراكهم لهذه النظرية، لم يعز واحد منهم دلالتها لنصوص الكتاب أو السنة.

وبناء عليه نقول: إذا لم تكن النصوص صريحة في نظرية من النظريات الحديثة، لا ينبغي أن نقحمها في مباحثها نفياً أو إثباتاً، وإنما نتطلب العلم من طريقه، فعلوم الهيئة من النظر الاستدلال، وعلوم الطب من التجارب والاستقراء، وهكذا يبقى القرآن مصاناً عن مجال الجدل في نظرية قابلة للثبوت والنفي، أو التغيير والتبديل، كما لا ينبغي لمن لم يعلم حقيقة أمر في فنه أن يبادر بإنكارها ما لم تكن مصادمة لنص صريح. وعليه أن يتثبت أولاً وقد نبهنا سابقاً على مثل ذلك في قصة نبي الله سليمان مع بلقيس والهدهد حينما جاءه، فقال:{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} وقصَّ عليه خبرها مع قومها، فلم يبادر عليه السلام بالإنكار. لكون الآتي بالخبر هدهداً، ولم يكن عنده علم به ولم يسارع أيضاً بتصديقه، لأنه ليس لديه مستند عليه، بل أخذ في طريق التثبت بواسطة الطريق الذي جاءه الخبر به قال:{سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، وأرسله بالكتاب إليهم، فإذا كان هذا من نبي الله سليمان ولديه وسائل وإمكانيات كما تعلم. فغيره من باب أولى. تنبيه آخر: إذا كان علماء الإسلام يثبتون كروية الأرض، فماذا يقولون في قوله تعالى:{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} ـ إلى قوله ـ {وَإِلَى الاٌّرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . وجوابهم كجوابهم على قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ لشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ، أي في نظر العين، لأن الشمس تغرب عن أمة، وتستمر في الأفق على أمة أخرى، حتى تأتي مطلعها من الشرق في صبيحة اليوم الثاني، ويكون بسط الأرض وتمهيدها، نظراً لكل إقليم وجزء منها لسعتها وعظم جرمها. وهذا لا يتنافى مع حقيقة شكلها، فقد نرى الجبل الشاهق، وإذا تسلقناه ووصلنا قمته وجدنا سطحاً مستوياً، ووجدنا أمة بكامل لوازمها، وقد لا يعلم بعض من فيه عن بقية العالم، وهكذا، والله تعالى أعلم).

وقد كان للمسلمين السبق في اختراع الخرائط كخرائط الإدريسي للأرض، بل وإبداع الخرائط الدقيقة كخرائط الريس بيري العثماني التي أذهلت علماء الحضارة الغربية في دقتها حيث رسم خارطتين مرسومتين بتسعة ألوان علي جلد الغزال للشواطئ الغربية لإفريقيا، والشواطئ الشرقية للأمريكيتين والحدود الشمالية لليابسة في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) وأظهرت بوضوح أماكن لم يكتشفها الإنسان في ذلك الزمان، ورسم جبال القارة القطبية الجنوبية و وديانها، في حين لم تتوصل المراكز الجغرافية المعاصرة إلي رسمها إلا بعد عام 1952 م بعد أن تسلحت بأحدث تقنيات المسح الزلزالي، ومما زاد الغرب حيرة أن الصور التي التقطتها المركبات الفضائية للقارة القطبية الجنوبية جاءت مطابقة لخرائط الريس بيري، والشيء نفسه للحدود الشرقية في القارتين الأمريكيتين، مما سبب إحراجاً لعلماء التأريخ وعلماء الجغرافيا الغربيين وأثبت لهم أن المسلمين وصلوا منذ القدم لأقصى أنحاء الأرض و لأمريكا قبلهم. ولذلك يرفض الغرب الاعتراف بأن من رسم هذه الخرائط المذهلة هو السيد بيري (بيري رئيس) لأن اعترافهم بها يعني أن المسلمين كانوا يجولون في السواحل الأمريكية قبل مولد كولومبس، وأنهم كانوا يبرحون في جميع المحيطات بين القطبين. ولكونها تحوي بعض الملاحظات والكتابات التاريخية التي يعلم منها أن السواحل الشرقية لقارة أمريكا كانت مسجلة ضمن الممتلكات العثمانية تحت اسم "أنتيليا" منذ عام 1465 م، أي قبل كولومبس بـ 27 عامًا، وأن تشابه اسم جزر الأنتيل الحالية مع اسم أنتيليا يشير إلى أن هذا الاسم مأخوذ من اللغة المحلية لشعب هذه المنطقة آنذاك. وهذا الاعتراف يجرد الغرب من كثير من الاكتشافات الجغرافية التي يفخرون بها. ولكون هذه الخرائط تدل على التفوق العلمي آنذاك لكونها شديدة الدقة حتى ادعى بعض الغربيين أنها من رسم كائنات فضائية. وهي موجودة في مكتبةٍ بقصر الباب العالي في إسطنبول بتركيا.

ص: 12