الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم الألوهية في الشريعة الإسلامية
من المشكلات التي تواجه العقل- مفهوم الإله وتصوره - فقد اصطدم العقل بهذه المشكلة اصطداما كبيرا، ووقف منها موقف الحائر التائه الذي ضل الطريق وغرق في مجاهل الصحراء.
إن الاستدلال على وجود الله أمر لا يعجز أي عقل أن يصل إليه، وأن يبلغ مرحلة اليقين منه إذ تقوم في مواجهة العقل دلالات واضحة، وشواهد ناطقة تحدث عن وجود الله، وتشهد بجلالته، وعظمته وقدرته ولكن العقل لا يرضى إلا أن يشهد الذات وأن يتعرف عنها ومن أجلهذا أشرف على منطقة الخطر، وصار يتيه ويدور هنا وهناك بلا جدوى
…
ماذا في القرآن عن ذات الله؟ الذات الإلهية في القرآن ليست ذاتا مبهمة أو مجهولة كما أنها ليست محدودة مجسدة
…
هي ذات لا كالذوات التي يراها الحس أو يتخيلها الوهم، لأنها لو وقعت في دائرة الخيال- مهما امتد واتسع؟ كانت بهذا المعنى محددة مقيدة وذات الله مع أنها فوف أن تدرك، وفوق أن تحد- قد وصفت في القرآن بصفات كثيرة، كالإرادة والعلم، والقدرة وغيرها، وهي صفات كاملة الكمال المطلق
…
ومع هذا فلا تضاف هذه الصفات إلا لذاتاالله. جاء في القرآن الكريم كثير من الآيات كقوله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ففي هذه الآيات تعريف بذات الله وأنها تخلق وتعلم وكقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (سورة البقرة 184). فالله سبحانه وتعالى مريد، وبإرادته تتعلق مصائر الأمور وكقوله تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (سورة الرعد 10). في هذه الآيات يعلم، فهو عالم، وهو حكيم، كل شيء عنده بمقدار
…
وقوله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (سورة الشورى 17). فالله لطيف وقوي
وعزيز وكقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (سورة المجادلة 1). وذات الإله ذات تسمع كل شيء
…
وترى كل شيء {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة آل عمران 66). وإن أكثر فواصل القرآن تنتهي غالبا بصفة من صفات الله تعالى، أو بالمزاوجة بين صفتين من صفاته فمن النوع الأول قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} . ومن النوع الثاني وهو الأعم الأغلب قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} .
{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ (خبيرا) بَصِيرًا} . وكلما ذكرت ذات الله ذكرت معها هذه الصفات، وأكثر من هذا فقد جات في القرآن الكريم آيات تذكر للذات عينا وأيد وأعينا
…
قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (سورة طه 39). وقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (سورة الفتح 10). وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (سورة المائدة 66). وقوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} (سورة هود 67).
كذلك وردت في السنة المطهرة أحاديث تذهب هذا المذهب. كقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "خلق آدم على صورة الرحمن" وقوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة قدمه فيها فتقول قط، قط. وعزتك فيزوى بعضها إلى بعض"(1) وقوله: "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء"(2)
…
(1) حديث صحيح. كما رواه الشيخان والترمذي- عن أنس-
(2)
ورد بغير هذا اللفظ- صحيح- رواه أحمد في مسنده، وابن ماجة. والحاكم- عن النواس-
فهذه الآيات وتلك الأحاديث وأمثالها لا يمكن أن يقرأها قارئ، أو يستمع إليها مستمع، دون أن تتحرك في ذهنه صور لهذه الصفات التي يوصف بها الله
…
وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم- يتلون كتاب الله، ويسمعون إلى آيات الكتاب وأحديث الرسول فما وقفوا موقف تساؤل أو حيرة أمام صفة من صفات الله، ولا وقع في تفكيرهم أن الذات المقدسة شيء، وأن الصفات شيء، أو أنهما وجهان لحقيقة واحدة، أو غير هذا مما دار حوله الجدل واشتد فيه الخصام بين جماعات المسلمين بعد أن مضى عهد الراشدين، ودخلت في الإسلام مذاهب وآراء وفلسفات مع الذين دخلوا في دين الله.
يقول المقريزي: "إعلم أن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الناس جميعا وصف لهم ربهم سبحانه بما وصف به نفسه الكريم في كتابه العزيز الذي نزل به على قلبه صلى الله عليه وسلم الروح الأمين، وبما أوحى إليه ربه تعالى، فلم يسأله صلى الله عليه وسلم أحد من العرب قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن أمر الصلاة والزكاة، والصيام والحج وغير ذلك مما فيه أمر ونهي، كما سألوه صلى الله عليه وسلم عن أحوال القيامة والجنة والنار
…
ولو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في أحكام الحلال والحرام وفي الترغيب والترهيب، وأحوال القيامة، والملاحم والفتن، ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث ومجامعها ومسانيدها وجوامعها.
ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي، ووقف على الآثار السلفية، علم أنه لم يرو قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة- رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم- أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب- سبحانه وتعالى نفسه الكريمة في القرآن الكريم، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بل كلهم فهموا معنى ذلك،
وسكتوا عن الكلام في الصفات. نعم
…
ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل
…
وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية، من العلم، والقدرة، والحياه، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة والعظمة، وساقوا الكلام سوقا واحدا وهكذا أثبتوا- رضي الله عنهم ما أطلقه الله سبحانه وتعالى على نفسه الكريمة من الوجه، واليد، ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا .. ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت
…
ولم يكن عند واحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى وعلى إثبات نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم سوى كتاب الله، ولا عرف أحد منهم شيئا من الطريق الكلامية ولا مذهب الفلسفة إنتهى خطط المقريزي.
وهكذا مضى عهد الصحابة والتابعين- رضوان الله عليهم- دون أن يجد أحد منهم في صدره ثائرة شك فيما ورد في القرآن والسنة من الصفات، وصف الله- سبحانه- بها ذاته
…
بل صح فهمهم لتلك الصفات على الوجه الذي ينزه الله تعالى عن صفات المخلوقين، ويجعل لذاته الكمال المطلق ولهذا وقع إجماعهم- دون قصد- على أن يسألوا رسول الله عنها، وهم الذين لم يدعوا أمرا يتصل بأي شأن من شئون الدين، لم ينكشف لهم في جلاء، إلا سألوا الرسول عنه
…
فكيف يكون سكوتهم هذا السكوت الإجماعي عن هذا الأمر العظيم الذي هو أصل العقيدة وصميمها؟ وهذا لا يصح لنا أن نسأل: كل ما ذكر عن ذاته وصفاته في كتاب الله. وفي حديث الرسول- من الوضوح والجلاء- بحيث لا يحتاج إلى سؤال أبدا؟ ونستطيع أن نقول في الإجابة على ذلك: نعم، فإن مفهوم الألوهية حين يعرف الإنسان الطريق إليه، وحين يتلقاه بقلبه، ويستقبله بفطرته لواضح أشد الوضوح .. إذ هو الكمال المطلق، الذي سمح للإنسان أن ينطلق إلى ما لا نهاية له في السمو والإرتفاع بمقام الذات
…
وكلما انتهى إلى غاية مد بصره إلى غيرها وهكذا أبدا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الشورى). وفي هذا المفهوم عاش الصحابة والتابعون- رضوان الله عليهم- لا يسألون: ما الله؟ وما عينه؟ وما قدرته؟ وما علمه؟
فلقد هدوا بفطرتهم أن لا جواب لهذه الأسئلة إلا ما يجده المرء في قلبه، وفي كيانه كله، من تقديس الله وجلاله، ونسبة الكمال المطلق كله إليه!
ولقد هدوا بفطرتهم أيضا إلى أن العقل لا يستطيع أن يدرك كنه صفة من هذه الصفات، ولا أن يمسك بها على أية صورة، فإن أي صورة لن تكون هي أبدا ما دام الكمال المطلق هو صفتها.
إذا كانت فطرة الإنسان على الصحة والسلامة لا تتجه أبدا إلى الجدل السقيم الذي لا يلد شيئا نافعا، ولا يثمر ثمرا طيبا.
وبهذه الفطرة السليمة إستقبل العرب الإسلام، وكانت تعاليم الإسلام كلها في العقيدة، وفي الشريعة جميعا ومن هنا ندرك السر الذي أمسك به العرب- صحابة وغير صحابة- عن أن يسألوا عن ذات الله وأن يبحثوا في صفاته، لأن ذلك أمر فوق أن يوجد له جواب، أو أن يحيط به عقل
…
ومن هنا ندرك السر الذي أمسك بالعرب- مسلمين وغير مسلمين- أن يواجهوا في القرآن وأن تقع منهم محاكاة له .. لأن محاولة كهذه المحاولة عبث وسفه لا يرضاها عاقل، ولا يتجه إليها خصوصا إذا كان القرآن في مستوى يستحيل على بشر أن يطاوله
…
وأن الإيمان الذي يقوم على هذا الإحساس بالعجز المطلق عن إدراك حقيقة الذات المقدسة هو الإيمان الراسخ الذي لا يتأتر بتيارات الفكر وتقلبات التفكير، إنه إيمان مستقر في الأعماق، حيث لا أمواج ولا تيارات ..
* معنى الحمد:
ومن الصفات التي اتصف بها الله سبحانه وتعالى الحمد، والحمد هو الثناء باللسان، وبالفعل هو تعظيم المنعم على إحسانه إلى عباده وهو الشكر.
وأهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين فإن في قلوبهم من محبة الله ما لا يماثلها فيها غيرها، ولهذا كان الرب محمودا حمدا مطلقا على كل ما فعله، حمدا خاصا به فهذا حمد الشكر، أما حمد الفعل فهو خلق السماوات والأرض وما بينهما، والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة، فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا بحب المحمود، ولهذا كانت العبادة مشتملة على تحميده وتوحيده وأفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله، الله سبحانه وتعالى له الملك المطلق، وحقيقة الملك إنما يتم بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة، قال تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة آل عمران 26 - 27).
وقال: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (سورة الرحمن 27). يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويكشف غما، وينصر مظلوما ويأخذ ظالما ويفك عانيا ويغني فقيرا ويجبر كسيرا، ويشفي مريضا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويعطي سائلا، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس يرفع أقواما ويضع آخرين، يسوق المقادير التي قدرها إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصى كتابه وجرى به قلمه، ونفذ فيه حكمه، وسبق له علمه، فهو المتصرف في الملك كله وحده تصرف مالك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارض فيه معارض، فتصرفه في الملك دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، والرحمة، فلا يخرج تصرفه عن ذلك.
الملك والحمد في حف الله تعالى متلازمان، فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده، فهو محمود في ملكه، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته، فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به حمد شكر وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك.
فتبارك الله يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمات عقب قوله {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأعراف 53). يجب على المؤمن أن يعرف الطريق الموصلة إلى الله عز وجل وهي شريعته المنتظمة لأمره ونهيه، ثم تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم، فأعرف الناس بالله عز وجل أتبعهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه، قال تعالى:{يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (سورة غافر). وقال تعالى أيضا: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (سورة الشورة 50). ولا روح إلا فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نور إلا في الإستضاءة به، وسماه الله شفاء قال تعالى:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (سورة فصلت 43).
إن عبادة الله تبنى على قاعدتين أساسيتين: هما حب لله كامل، وذل تام له. ومنشأ هذين الأصلين هي النعمة الكبرى التي امتن الله بها على عباده، وهي بعثة سيدنا صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة العظيمة الخالدة الخاتمة لجميع الرسالات السماوية
…
وإذا بنى المسلم سلوكه على محبة الله تعالى، وخضوع تام له، لم يظفر به الشيطان إلا على غرة وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل، ويتداركه برحمته. وإنما تستقيم له محبة الله باستقامة قلبه وجوارحه، والاستقامة تكون بسببين: إحداهما أن تتقدم محبة الله على جميع محاب الدنيا، وإذا تعارض حب الله مع حب غيره، فيجب أن يسبق حب الله على غيره، وما أسهل هذا بالكلام والإدعاء وما أصعبه بالفعل!، ونحن نتكلم عن محبة الله دائما، فإذا تعارضت مع مصالحنا الدنيوية وشهواتنا وأهوائنا قدمناها على محبة الله، وهذا هو الواقع في المسلمين الحاضرين إلا القليل الذين يقدمون محبة الله وقليل ما هم، فإن محبة الله لم تكن متمكنة
من النفوس ولا هي مؤثرة عليها وسنة الله فيمن هذا شأنه أن ينزع الله من قلبه محبته، وينقص عليه محبة شهواته ولا ينال منها شيئا إلا بتنكيد وتنقيص جزاء له على إيثار هواه على الله سبحانه وتعالى، وقد قضى الله قضاء لا يرد ولا يدفع أن من أحب شيئا سوى الله عذب به، وأن من خاف غير الله سلط عليه، وأن من اشتغل بغير الله كان شؤما عليه، ومن آثر غير الله لم يبارك له فيه، ومن أرضى غيره بسخط الله أسخط عليه.
واستقامة القلب تكون بتعظيم أمر الله ونهيه، فإن الله ذم من لا يعظمه، ولا يعظم شريعته قال تعالى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (سورة نوح 13). أي ما لم لا تخافون عظمة الله تعالى
…
والمؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي أرسل بها رسوله إلى الناس كافة، ومقتضاها الإنقياد لطاعته، وطاعة أوامره عندئذ يكون صاحب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصديق، وصحة العقيدة والبراءة من النفاق. ويجب على المسلم أن يعلم أن تفاضل الأعمال عند الله تكون بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص وتوابعها، وهذا العمل هو الذي يكفر السيآت تكفيرا كاملا
…