الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بالإيمان
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله حرم الله تعالى جسمه على النار"(1) أخرجه الترمذي. وبقيت الأركان الأخرى فهي من الإيمان أيضا، وأنها لا تقوم إلا بالشهادتين، والشهادتان بالنسبة إلى الاسلام كالروح بالنسبة إلى الجسد .. فشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله هي حياة كل جزء من أجزاء الإسلام، والشهادتان لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، والمسلم عندما يقول: لا إله إلا الله، فكأنه قال: لا مطمئن إلا إليه، ولا مستجار إلا به، ولا محبوب ولا معبود، ولا مالك ولا مطاع ولا معظم، ولا معتصم به ولا سيد ولا حاكم إلا الله، ولا يقوم الإنسان بلوازم لا إله إلا الله إلا إذا آمن برسوله الكريم، وتعرف بواسطته على الطريق الذي يريد أن يسلكه ليحقق بذلك التوحيد والطاعة لله، ولهذا كان الإيمان بالرسول شرط في الإيمان بالله لأنه الدال على الطريق الموصل إليه، إذ لا يقوم أحد بحق الله إلا إذا عرف رسوله، ولهذا حكم بكفر من لم يؤمن بالرسول بعد أن أقام الحجة عليهم برسالته، فقال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (سورة النساء). لا إله إلا الله يصدر عنها منهج الحياة، والمجتمع الإسلامي يقوم على العبودية لله وحده في جميع أموره وشؤونه
…
الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وإن هذه الثلاثة داخلة في مسمى الإيمان المطلق، فالإيمان المطلق يدخل جميع الدين، ظاهره وباطنه أصوله وفروعه، فلا يستحق اسم الإيمان المطلق إلا من جمع ذلك كله، ولم ينقص منه شيئا، ولما كانت الأعمال والأقوال داخلة في مسمى الإيمان كان قابلا للزيادة والنقصان فهو يزيد بالطاعة،
(1) أخرجه أحمد في مسنده- مسلم- الترميذي- عن عبادة- صحيح-
وينقص بالمعصية كما هو صريح القرآن قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (سورة فاطر). الإيمان والإسلام الشرعيان متلازمان في الوجود، فلا يوجد أحدهما بدون الآخر كلما وجد إيمان صحيح معتد به وجد معه الإسلام وكذلك العكس، ولهذا قد يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر وأما إذا ذكرا معا مقترنين: أريد بالإيمان التصديق والإعتقاد، وأريد بالإسلام الإنقياد الظاهري من الإقرار باللسان وعمل بالجوارح، ولكن هذا بالنسبة إلى مطلق الإيمان
…
أما الايمان وحده فهو أخص من الإسلام، وقد يوجد إسلام بدون إيمان كما في قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (سورة الحجرات).
فأخبر بإسلامهم مع نفي الإيمان عنهم
…
روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسم: "الإيمان بضع وسبعون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله" رواه الترمذي.
الإيمان بالله عز وجل هو المبدأ الوحيد الذي أخذ به المؤمنون في الشرق والغرب، وفي القديم والحديث بل هو الغاية الوحيدة التي خلق من أجلها الناس قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (سورة الذاريات).
الإيمان بالله هو التصديق بالحقيقة الكبرى التي لا تحول ولا تزول، والإعتراف بوجود الله بواسطة مخلوقاته الكثيرة البديعة الشكل العجيبة الصنع
…
الإيمان بالله هو شعور الإنسان المخلوق بمنزلته المحدودة أمام رب عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض وكل شيء في هذا الوجود
…
الإيمان بالله هو القوة الباعثة على العمل الصالح، القوة التي توجه الإنسان فيما يأتي ويدع في جميع شؤون الحياة كلها
…
الإيمان هو مبدأ عام لا يفرق بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون، ولا بين وطن ووطن هو هداية من الله إلى الخلق أجمعين، هو قوة روحية، ودعوة إلى قوة مادية، هو نظام كامل يقدم للإنسانية فكرة شاملة عن الكون والحياة، ويجعل العنصر الأخلاقي هو الغاية في بناء الحياة الإجتماعية، ويكون المسلم متشبعا بالعقل والروح لتنبعث الحياة من داخل النفس.
هذا هو الإيمان، ولكن بعض المسلمين فهموا أن الإيمان ألفاظ جوفاء، يظنون أن الإيمان هو الإذعان السلبي الذي لا يكلف صاحبه عملا، ولا يبعث في قلبه خشية، ولا يؤثر في خلقه تهذيبا، ولا يدعوه إلى مشاركة في بر أو معاملة في إصلاح، أو عمل خير، ويحرص صاحب هذا الإيمان على أداء صور العبادات المفروضة، والتظاهر بأهل التقوى والصلاح
…
يحسب هؤلاء المسلمون أن هذا الإيمان مقبول عند الله موصول إلى النجاة من عذاب الله، والسعادة في الدار الأخرى وهم يتلون كتاب الله، ويعرفون ما وصف الله به عباده المؤمنين في كثير من الآيات.
القرآن يعرف المؤمنين مستيقنين غير مرتابين، يعرفهم مجاهدين صابرين، ويعرفهم أصحاب رأي وأهل غيرة على المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعرفهم متحابين لم يفسد قلوبهم الغل، ولم تفرقهم الأهواء، ويعرفهم أقوياء بالحق يجاهدون في سبيل الله، ولا يخشون لومة لائم، ويعرفهم خاشعي القلوب غير مستكبرين على أوامر الله، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، ويعرفهم حراصا على إقامة الصلاة وعلى توطيد صلتهم بربهم، وعلى تحصين كرائم أموالهم بإيتاء الزكاة، ويعرفهم بأوصاف الخير والبر التي لا صلاح إلا بها ولا استقامة إلا عليها أولئك هم المؤمنون حقا في نظر القرآن، وأولئك هم المفلحون
…
السعادة في الإتصال بين الإنسان وخالقه، وليست السعادة في المال كما يعتقد كثير من الناس، ولا في الجاه والمنصب، ولا في الأبناء، هذه الأشياء عارضة تزول لا محالة، فسعادة المؤمن في طاعة ربه لأن الله معه على الدوام، لأن المؤمن يترقب دائما رحمة الله، فبهذا الإيمان يعالج المسلم مشاكله بالحكمة والصبر، يقول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} الإيمان بالله هو رأس مال المسلم الحقيقي، وهو شفاء وعزاء للقلوب المحرومة من متاع الحياة الدنيا لأن المؤمن لا ينظر نظرة رغبة إلى من يفوقه في المال، أو في الجاه، بل ينظر إلى ما عند الله من الرحمة والمغفرة، قال تعالى:{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وقال أيضا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الذين يكون سعيهم نيل رحمة لا توهن نفوسهم أية خيبة أمل، أو أية مصيبة تداهمهم، فالقوة الروحية تدخل إلى نفوسهم العزاء مما يقاسونه من آلام ومتاعب، أما الذين يغفلون عن رحمة الله فيقعون في مواطن الخطر، وما أصدق ما وصف به القرآن فقال تعالى:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} .