الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكاليف الشرعية العامة:
منها العينية والكفائية
كيف يكون الإنسان مؤمنا؟ وما هو العمل الذي يتطلبه منه الإسلام؟
إنما العمل الذي يتطلبه الاسلام من الكلف هو إيجاد الشخصية الإسلامية التي تتمثل في العقيدة والاخلاق والسلوك، ثم إيجاد المجتمع الاسلامي الذي يلتزمه المسلم فكرا وعملا، ثم إيجاد الدولة التي تطبق الاسلام شريعة ومنهاجا ودستورا، وتحمله دعوة هادئة لإقامة الحق والعدل في العالم ..
إن هذا العمل وما يتقيد به المسلم من أوامر الدين وما يتصل به ويتفرع عنه وما يتطلبه هو واجب إسلامي شرعا لا يسقط عنه حتى تقوم السلطة التي تتولى القيام بهذه المسئولية بحيث ترعى شئون المسلمين ..
وإذا كانت السلطة غير موجودة، فإن كل تقصير من العاملين بالاسلام هم في شرع الله آثمون لا يرفع عنهم الإثم إلا المبادرة السريعة للنهوض بتكاليف العمل للإسلام، ومما يؤكد وجوب العمل أنه تكليفي شرعي وليس عملا تطوعيا كون وجوبه يقينيا ..
العمل للإسلام واجب لأنه مناط التكليف للناس جميعا، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (سورة البقرة)، والسنة المطهرة تزخر بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث كثيرة تحض على الدعوة الى الحق ومكافحة الباطل ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ..
العمل للإسلام واجب شرعا لأن تعطيل شرع الله في الأرض وهيمنة النظم والتشريعات الوضعية على المجتمعات البشرية تجعل قانون الإسلام غير صالح للحكم وذلك عكس للحقائق تماما، ولهذا يفرض الاسلام على المسلمين العمل بشريعة الله العادلة لإقامة مجتمع إسلامي، لتستأنف الحياة الاسلامية على قوانين الله التي أنزلت من السماء لتبين للناس عقائدهم وعبادتهم وأخلاقم ونظمهم، ولا يقبل الله إلا حكم الاسلام بدليل قوله عز وجل:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، (سورة النساء) فتحقيق الحكم الإسلامي في المجتمع واجب بذاته، فيصير العمل به واجبا بدليل القاعدة الأصولية:"ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب".
الدول الاسلامية المعاصرة لم تحكم مجتمعاتها بكتاب الله ولا بسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنما تحكمها بالنظم الوضعية الأجنبية، وواجب المسلمين أن يتركوا هذد النظم، ويرجعوا إلى حكم الاسلام العادل لأنه فرض عين على كل مسلم ومسلمة حتى يعود للإسلام القيادة والقوامة.
العمل بالاسلام واجب لمواجهة تحديات العصر، ومؤامرة أعداء الاسلام، ووقف التيارات الإلحادية، ومواجهة المادية العاتية، وزحف الايديولوجيات من كل جانب حتى أصبحت تهدد الوجود الاسلامي بالاستئصال، والزوال. فنظرة واحدة فاحصة إلى الأوضاع التي تعيشها الأمة الاسلامية سواء في الشرق أو الغرب - تؤكد ضرورة قيام مجابهة إسلامية. والقيام بهذا العمل تكليفي شرعي لا يجوز السكوت أو القعود عنه، أو التهاون فيه. فهناك أقطار إسلامية تشكو من سيطرة غير المسلمين عليها، وهناك أجزاء من العالم الإسلامي تشكو من تسلط أحزاب إلحادية عليها.
وفضلا عن هذا وذاك فإن العالم الإسلامي يعيش في حالة ضياع وفوضى، فوضى سياسية، فوضى إجتماعية فوضى إقتصادية لا ترابط بين أجزائه، يعيش تدهورا مريعا في الأخلاق والقيم، وكذلك في الأفكار والمعتقدات. إن مسؤولية العمل بالاسلام من حيث هي واجب تكليفي
شرعي، ولو كانت مسؤولية فردية شأنها شأن كل الواجبات التي يترتب عليها الثواب كما يترتب على تركها العقاب {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (سورة المدثر).
الإسلام يشرك الناس جميعا. في عملية البناء والتعمير بناء الحياة على الحق وإعمارها بالخير، الإسلام جعل كل إنسان مسؤولا عن البذل والعطاء في حدود إمكانيته وطاقته ما دام المسلم بالغا قادرا عاقلا مما يجعل المجتمع خلية حية نابضة، وإذا كان العمل بالإسلام واجبا فرديا، فهو أيضا واجب جماعي، وهذا غير قابل للجدل والمناقشة.
إن تكاليف العمل بالإسلام أكبر من أن يتصدى لها إنسان بمفرده، فيجب أن يقضى على الإنحراف والإلحاد، وإقامة الاسلام مكانهما، وهذا يتطلب من التكليف الجهد والإمكانيات ما يعجز عن القيام به فرد، بل لا يقوى على النهوض به مع المكابدة والمعانات إلا بتنظيم حركي يكون في مستوى المواجهة وعيا وتنظيها. وقدرة.
إن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة الجاهلية وإقامة مجتمع إسلامي، واستئناف الحياة الإسلامية لدليل شرعي على وجوب الجماعة، وهذا ما ينطق به واقع السيرة النبوية في جميع المراحل، وعلى وجه كل صعيد فالتحديات التي تعترض سبيل الإسلام هي غالبا من سكان المعمورة، والقوة التي تتربص به فهي كثيرة وهذا ما يفرض على المسلمين أينما كانوا تنظيم صفوفهم وتوحيدها، فإذا كانت نياتههم صادقة فالنصر حليفهم لا محالة.
إن العقيدة الإسلامية لا تكاد تمس قلب الإنسان مسا صحيحا حتى تحدث فيه إنقلابا في المشاعر، وفي الحياة، وعلاقة الأفراد والجماعات على المساوات المطلقة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.
والعقيدة الإسلامية تقوم على العدالة لا تطيق البغي من أحد، ولا ترضى بالبغي على أحد، ولا يكاد يحس بها المسلم حتى يندفع في سبيلها
بكل ما يملك من قوة فما يطيق صبرا ولا سكوتا إلى أن يتم له تحقيق ما اشتملت عليه ذلك تأويل أن الاسلام عقيدة ثورية.
الذين يؤمنون بالله حق الإيمان هم الذين يجاهدون في الله حق جهاده لتكون كلمة الله العليا، وكلمة الله لا تتحقق إلى أن يرفع البغي عن هذه الأرض فيصبح الناس سواسية كأسنان المشط.
الإسلام يهاجم الظلم والظالمين دائما من أي كان، وفي كل مكان وزمان. بخلاف المباديء الوضعية لا تستطيع أن تكافح المظالم بجميع أنواعها كما يكافحها الإسلام، أو تقف بجانب المظلوم كما يقف الإسلام، ولا يمكن لهذه المباديء الوضعية أن تصرخ في وجوه الطغاة والمتجبرين كما يصرخ الاسلام.
إن الإسلام في صميمه حركة تحريرية تبدأ في ضمير الفرد وتنتهي في محيط الجماعة، ولا يدخل الإسلام قلب أحد ثم يدعه مستسلما خاضعا لسلطان الأرض. فإذا رأيت المظالم تقع، وإذا سمعت المظلومين يصرخون، ثم لم تجد المسلمين حاضرين لدفع الظلم وتحطيم الظالم فلك أن تشك مباشرة في وجودهم، لا يمكن أن تحمل القلوب الإسلام عقيدة، ثم ترضى بالظلم نظاما ينبغي أن يكون إسلام أو لا إسلام.
الإسلام كفاح لا يهدأ، وجهاد لا ينقطع، واستشهاد في سبيل الحق والعدل والمساواة، أو لا إسلام فهو مهمهة بالأدعية، وطقطقة بالمسابيح، وتمتمة بالتعاويذ، واتكال على أن تمطر السماء على الأرض صلاحا وحرية وعدلا، وما كان الله لينصر قوما لا ينصرون أنفسهم
…
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي اختاره الله لعباده بقوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (سورة آل عمران) هذا الدين المختار وقد بدأ بالتوحيد، وانتهى به، والتوحيد هو التسليم المطلق لله، والتفويض التام له سبحانه وتعالى.
والاسلام شريعة يمزج بين الدين والدنيا، وبين المسجد والدولة، فهو دين ودولة، وعبادة وقيادة. إذا أراد المسلمون أن يحققوا الخير للناس، وأن يمكنوا للدين في الأرض، فعليهم أن يسيروا على المحجة البيضاء التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، إيمان بالله وعمل بالاسلام متواصل، ومحبة لله ولرسوله دائمة، وإخاء بين المسلمين متين، دون تفريط أو افراط، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة يوسف).
السؤال المطروح أمام المسلمين جميعا: هل يقف المسلمون مكتوفي الأيدي حتى يصل مجتمعهم إلى عهد الجاهلية فيهدر دينهم وتذهب قيمهم وأخلاقهم أدراج الرياح؟ وقد جرفهم تيار الفساد والإلحاد وظهرت جماعة منهم تحمل العداء السافر لهذا الدين الرباني ..
يجب على كل مسلم مكلف سواء كان مسئولا أو عاملا بسيطا جاهلا كان أم مثقفا أن يتحمل مسئوليته التي سيحاسب عنها يوم القيامة، فالحاكم مسئول عن هذا الدين، والوزير مسئول والمدير راع، والرجل راع، والمرأة راعية، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن هذا الدين الحنيف، وكل واحد من أفراد الأمة المسلمة سيتحمل مسئوليته أمام الله والتاريخ، فالله سبحانه وتعالى سيسأل الجميع عن هذا الدين القويم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
…
إن الله لا يحب أي شريعة إلا شريعة الاسلام، فشريعة الله تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والشرائع الأخرى بعكس ذلك، وهذا ما يقوله الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه "كيف بكم إذا فسد شبابكم وطغى نساؤكم، وتركتم جهادكم؟ قالوا: أو كل ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: بلى والله، وأشد منه سيكون. كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفا والمعروف منكرا؟ قالوا: أو كل ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: بلى والله، وأشد منه سيكون، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ "(صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا كله موجود في المسلمين المعاصرين ..
قال عليه الصلاة والسلام: لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها، وترد عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها قالوا يا رسول الله وما الإستخفاف بحقها قال صلى الله عليه وسلم يظهر العمل بمعاصي الله فلا ينكر ولا يغير.
وقال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي (1).
إذا وما العمل- أيها المسلمون- ليس هناك ملجأ أو نجاة، أو نصر أو حياة إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله. دوروا أيها المسلمون حيث دار الاسلام.
المؤمن الحقيقي لا يبطره النصر إذا انتصر ولا تقنطه الهزيمة إذا انهزم، إن الهزيمة والنصر يستفيد كل منهما وكلاهما يدخلان الجنة. ان انتصر المسلمون فالفضل لله وحده، وإن انهزموا بحثوا عما قصروا فيه من طاعة الله أو مخالفته ولا تكون الهزيمة للمسلمين إلا إذا فرطوا في شيء مما أمرهم الله به، أو عطلوا حدا من حدوده، ولم يتوبوا، ألم تضق الأرض بالمسلمين بما رحبت في غزوة حنين وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظنوا أن النصر إنما هو في جانب الكثرة، وأعجبوا بكثرتهم فلم تغن عنهم من الله شيئا لولا أن تداركهم ألله برحمته الواسعة، وكذلك زلزلوا في غزوة أحد لأنهم خالفوا - بنية طيبة وقصد سليم- أوامو رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهدوا ولكن لا اجتهاد مع النص، ولهذا أدبهم الله تأديبا أدركوا بعده قيمة مخالفة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ووقفوا على عواقب ذلك الخلاف
…
رسم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثلاثة مشاعر انطبعت عليها قلوبهم، وبهذه المشاعر الثلاثة ظلت راية الإسلام مرفوعة: المشعر الأول هو أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم هو الحق، وما عداه هو الباطل، وأن رسالته أكمل الرسالات، ومنهجه أفضل المناهج، ونظام شريعته أحسن النظم فهي التي تحقق السعادة للناس أجمعين، المشعر الثاني: إن المسلمين ما داموا أهل حق وما داموا حملة رسالة النور، وما دام بينهم هدى السماء لإرشاد الناس فيهدونهم
(1) من خطبة الوداع عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه (رواه مسلم).
إلى الخير وإلى سواء السبيل فلا بد أن ينالوا سعادة الدارين .. المشعر الثالث: ما دام المسلمون مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه فإن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم يؤيدهم بروح منه إذا تخلى عنهم الناس، ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصر وهو معهم أينما كانوا وإذا لم يكن معهم جند الأرض فينزل عليهم المدد من السماء.
ولما أخذت هذه المشاعر الإيمانية بقلوبهم إعتزوا وانتصروا في كل ميدان ولما ضعفت في نفوس المسلمين أصواتهم واهتز يقينهم فضعفوا عن مقاومة أعدائهم
…
" (1).
(1) للتوسع راجع رسالة التعاليم.