الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بكتب الله المنزلة
الإيمان بكتب الله هو التصديق الجازم بأن لله كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله، وهي من كلامه حقيقة، وأنها نور، وهدى، وأن ما تقتضيه حق وصدق، ولا يعلم عددها إلا الله ويجب الإيمان بها جملة إلا ما سمي منها، وهي التوراة والإنجيل، والزبور، والقرآن، وصحف إبراهيم وموسى. قال تعالى:{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} . وقال: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} وقال-: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (سورة النجم) وقال: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (سورة الأعلى). فيجب الإيمان بها على التفصيل، والبقية إجمالا.
فهذه الكتب المنزلة من عند الله على أنبيائه ورسله يلتقى فيها النبي بقومه، وهي مجال الدعوة، ومركز الثقل فيها، وفي هذا المجال يشتد الصراع، وتحتدم الخصومات وتجتمع قوى الشر وجنود الباطل لتخفت صوت الحق، ولتطفيء نور الله {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة الصف).
وفي سبيل الدعوة إلى الله، والتعريف به إحتمل أنيياء الله ورسله الكرام من أشد ما عرف الناس من ألوان الأذى أن يهنوا أو يضعفوا أو يستذلوا. إنها رسالة لا يقوم لها، ولا يستقل بحملها إلا أولوا العزم الموصولون بأسباب السماء، والموصوفون برعاية الله وتأييده. ولهذا لم يكن رسل الله إلا الصفوة المختارة من عباده. قد اصطفاهم اله لهذه الرسالة وأعدهم لهذا الأمر العطيم، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومع هذا فإن الرسل بشر تظهر عليهم أعراض البشرية، وتتجلى فيهم خصائصها: الجسدية، والنفسية، والروحية. فهم يألمون كما يألم الناس، ويضيقون، ويحزنون، ويفرحون، ويغضبون، ويحلمون، ولكنهم في جميع الأحوال التي تتقلب بالناس- هم على أكمل الكمال الذي تتسع له
البشرية، وتحتمله. نقول هذا لنفهم منه أن لكل رسول، كما لكل إنسان- سعيه وجهده في محاسبة نفسه، وفي مغالبة ضعفه البشري، وأنه بقدر ما يعمل وبقدر ما يتحمل، تكون منزلته عند الله ودرجته بين رسله وأنبيائه كما يقول سبحاته:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} ونفهم من هذا أيضا أن الرسل مطالبون بأن يجاهدوا، وأن يعملوا، وأن يستقلوا بحمل العبء الملقى عليهم، وألا يدخل التواكل على مهمتهم، بحسب أن الله هو صاحب الدعوة، وهو الذي يتولى! كلا فإنهم مكلفون بأن يواجهوا بأنفسهم هذه المهمة التي ندبتهم لها السماء، وأن يقوموا عليها قيام الراعي القوي الحذر الذي يسوق قطيعه إلى مواطن الكلاء، وموارد الرعي الذي لا يغمض عينه عن الذئاب المتربصة بالقطيع، ولو شاء الله أن تحمل عن الرسل والأنبياء أعباء ما حملوا، وأن يطوع لهم كل شيء- لكانوا مجرد أدوات، ولم يكن لهم فضل مجاهدة، ولا ثمرة جهاد ..
ولكن هكذا اقتضت حكمة الله أن يحمل الرسل تبعة مهمتهم العظيمة، وأن يبذلوا لها من الجهد، وأن يتحملوا في سبيلها من الأذى على قدر نبلها، وشرف غايتها فإن العظائم كفؤها العظماء
…
ونفهم من هذا كذلك أن أصحاب الرسالات من القادة والزعاء مطالبون بما لم يطالب به غيرهم من الناس من حمل الأعباء، وتلقي الصدمات بالقدر الذي تضم رسالاتهم من الخير والحق ....