الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنزيه الله جل جلاله
إنه ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر، وأنه لا يماثل الأجسام، لا في التقدير، ولا في قبول الانقسام وأنه ليس بجوهر.
ولا تحله الجواهر ولا بعرض، ولا تحله الأعراض، بل لا يماثل موجودا، ولا يماثله موجود، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء وانه لا يحده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون والسماوات.
وأنه استوى على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء، بل هو رفيع الدرجات عن العرش، كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام وأنه لا يحل في شيء، ولا يحل فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان. كما تقدس عن أن يحده زمان. بل كان قبل أن يخلق الزمان والمكان. وهو الآن على ما عليه كان. وانه بائن من خلقه بصفاته، وليس في ذاته سواه، ولا في سواه ذاته ..
وأنه مقدس عن التغيير والانتقال، لا تحله الحوادث ولا تعترضه العوارض، بل لا يزال في نعوت جلاله منزها عن الزوال، وفي صفة كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال
…
وانه في ذاته معلوم الوجود بالعقول، مرئي الذات بالابصار، نعمة منه ولطفا بالابرار في دار القرار، وإتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم.
القدرة: وأنه حي قادر، جبار قهار، لا يعتريه قصور ولا عجز، ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعارضه فناء ولا موت، وأنه ذو الملك
والملكوت، والعزة والجبروت، له السلطان والقهر، والخلق والأمر، السماوات مطويات بيمينه، والخلائق مقهورون في قبضته.
وأنه المتفرد بالخلق والاختراع، المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا يشذ عن قبضته مقدور، ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور، ولا تحصى مقدوراته، ولا تتتاهى معلوماته.
العلم: وأنه عالم بجميع المعلومات. محيط علمه بما يجري في تخوم الأرضين إلى أعلى السماوات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويدرك حركة الذر في جوف الهواء، ويعلم السر وأخفى، ويطلع على هواجس الضمائر، وحركات الخواطر وخفيات السرائر يعلم بعلم قديم أزلي، لم يزل موصوفا في آزال الآزال لا بعلم متجرد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال
…
الإرادة: وأنه مريد للكائنات، مدبر للحادثات، لا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير، صغير أو كبير، خير أو شر، نفع أو ضر، عرفان أو نكر، فوز أو خسر، زيادة أو نقص، طاعة أو عصيان، كفر أو إيمان، إلا بقضائه وتقديره، وحكمه ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناضر، ولا فلتة خاطر، بل هو المبديء المعيد، الفعال لما يريد، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ولا مهرب لعبد من معصيته، إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة على طاعته إلا بمحبته وإرادته، لو اجتمع الإنس والجن، والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا عنه.
وأن إرادته قائمة بذاته، في جملة صفاته، لم يزل كذلك موصوفا بها، مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها، فوجدت في أوقاتها، كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر، بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبديل ولا تغيير، دبر الأمور لا بترتيب أفكار وتربص زمان، فلذلك لم يشغله شأن عن شأن:
السمع والبصر: وأنه تعالى سميع بصير، يسمع ويرى، ولا يعزب عن مسموعه مسموع وإن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق، لا يحجب سمعه بعد، ولم لا يدفع رؤيته ظلام، يرى من غير حدقة وأجفان، ويسمع من غير أصمخة وآذان، كما يعلم بغير قلب، ويبطش بغير جارحة، ويخلق بغير آلة، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات، الخلق.
الكلام: وأنه متكلم آمر ناه، واعد متوعد، بكلام أزلي قديم قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، فليس من انسلال الهواء، أو أصطكاك أجرام، ولا حرف منقطع باطباق شفة أو تحريك لسان.
وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، كتبه المنزلة على رسله، وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب بالمصاحف مخطوط في القلوب، وأنه مع ذلك قديم، قائم بذات الله تعالى. لا يقبل الانفصال والفراق بالانتقال، في القلوب والأوراق، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى من غير جوهر ولا عرض، ومن كانت له هذه الصفات كان حيا عالما، قادرا، مريدا، سميعا، بصيرا، متكلما، بالحياة والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والكلام لا بمجرد الذات
…
الأفعال: وإنه لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله، وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها، وأتمها وأعدلها، وأنه حكيم في أفعاله، عادل في أقضيته ولا يقاس عدله بعدل العباد، إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره، ولا يتصور الظلم من الله تعالى، فإنه لا يصادف لغيره ملك حتى يكون تصرفه فيه ظلما
…
فكل ما سواه من إنس وجن، وشيطان وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات، وجوهر وعرض، ومدرك ومحسوس، حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا وأنشأه بعد أن لم يكن شيئا، إذ كان في الأزل موجودا
وحده، ولم يكن معه غيره، فأحدث الخلق بعده إظهارا لقدرته وتحقيقا لما سبق من إرادته، وحق في الأزل من كلمته، لا لافتقاره إليه وحاجته.
وأنه تعالى متفضل بالخلق والإختراع والتكليف، لا عن وجوب، ومتطاول بالإنعام والإصلاح، لا عن لزوم وله الفضل والإحسان، والنعمة والامتنان، إذ كان قادرا على أن يصب على عباده أنواع العذاب، ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب، ولو فعل ذلك لكان منه عدلا، ولم يكن قبيحا ولا ظلما.
وأنه يثيب عباده على الطاعات، بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم، إذ لا يجب عليه فعل، ولا يتصور منه ظلم، ولا يجب لأحد عليه حق
…
وحقه في الطاعات واجب على الخلق بإيجابه على لسان أنبيائه، لا بمجرد العقل، ولكنه يبعث الرسل، وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فبلغوا أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فوجب على الخلق تصديقهم بما جاءوا به.