الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهفان لمن مليء بذلك؟ ة فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرر استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} . فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيط بالمخلوقات قدر وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات. فلذلك وسعت رحمته كل شيء، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده موضوع على العرش: إن رحمتي تغلب غضيي" وفي لفظ "فهو موضوع عنده على العرش".
فتأمل خصائص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم.
وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم ونحوها: أخص باسم الملك وخصه بيوم الدين، وهو الجزاء بالعدل لتفرده بالحكم فيه وحده، ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة ولأنه الغاية، وأيام الدنيا مراحل إليه.
ارتباط الخلق بالأسماء الثلاثة
تأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة وهي: " الله، الرب، الرحمن" كيف نشأ عنها الخلق، والأمر، والثواب، والعقاب؟ وكيف جمعت الخلق وفرقتهم؟ فلها الجمع والفرق.
فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات. فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصيغة الربوبية، وافترقوا بصفة
الالهية، فألهه وحده السعداء، وأقروا له طوعا لأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل، والرجاء، والخوف. والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس وصاروا فريقين:
- فريقا مشركين في السعير.
- وفريقا موحدين في الجنة.
فالالهية هي التي فرقتهم، كما أن الربوبية هي التي جمعتهم فالدين والشرع. والأمر والنهي، مظهره وقيمامه: من صفة الالهية. والخلق والايجاء والتدبير والفعل: من صفة الربوبيه. والجزاء بالثوات والعقاب، والجنة والنار من صفة الملك وهو ملك يوم الدين. فأمرهم بالهيته، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم، وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله، وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى
…
وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده فالتالية منهم له، والربوبية منه لهم. والرحمة سبب وأصل بينه وبين عباده. بها أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وأسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة
…
واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مطابق لقوله {رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته.