الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن صالحا عليه السلام يذكر قومه بقدرة الله الذي يدعوهم إليه، أنشأهم من الأرض، واستعمرهم فيها
…
والعقل الذي يستطيع أن يتصور خلق الإنسان من تراب، ويرتب مراحل عملية الخلق ترتيبا منطقيا واقعيا بحيث يرى أن النطفة التي هي بذرة خلق الإنسان، إنما هي الغذاء الذي يتحول في الجسم إلى دم، ثم إلى نطفة، وأن هذا الغذاء من النبات، وأن النبات هو أجنة الأرض حملته في بطنها، وغذته بعصارتها- العقل الذي يستطيع أن يدرك هذا، أو بعض هذا، هو غير العقل الذي كان عليه قوم هود أو قوم نوح.
ولهذا لم تحمل دعود هود معجزة إستدلالية تنبيء عن قدرة الله، وإنما حملت هلاكا وتدميرا، بعد أن انتهى دور النصح، والوعد، ومن قبلها كانت كذلك دعوة نوح، لم تصحبها معجزة إستدلالية بينما حملت دعوة صالح معجزة استدلالية، ويرى فيها أولوا الرشد إشارة إلى الله، وطريقا إليه، وتلك المعجزة هي الناقة التي اقترحوا على صالح أن يخرجها لهم من صخرة معروفة عندهم وأن تكون عشراء تمخض وأعطوا العهد لصالح أنهم يؤمنون بإلهه الذي يدعوهم إليه إذا جاءهم بما طلبوا به، وقد استجاب الله لدعوة صالح، فخرجت الناقة من الصخرة التي أشاروا إليها، وجنينها يتحرك في أحشائها، وقد آمن بعضهم لهذه المعجزة، ولم يؤمن أكثرهم، وتآمروا على الناقة فقتلوها، وهنا حل بهم العذاب الذي أوعدهم به:{فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}
…
دعوة شعيب عليه السلام
…
ونلاحظ هنا أن دعوة شعيب عليه السلام لم تقف عند حدود الدعوات الثلاثة السابقة، وهي مجرد الدعوة إلى الله، بل إنها شملت الأمر بعبادة الله، ثم تجاوزته إلى بعض أحكام الشرع، وذلك بمخاطمة الضمير الإنساني ودعوته إلى رعاية حقوق الناس ومعاملاتهم بالعدل
…
والضمير إنما يأخذ مكانه في كيان الإنسان حين يرشد ويكتمل وعيه أما في مرحلة الطفولة والصبى فلا مكان للضمير فيها
…
إننا مع قوم شعيب إزاء إنسانية كادت تستكمل حظها من العقل والإدراك، فهم لهذا أهل لكي تخاطب فيهم ضمائرهم وأن يطلب إليهم إقامة حياة إجتماعية يؤدي فيها الفرد حقوق الآخرين لكي يؤدوا له حقه وقد كان القوم معاصرين لقوم لوط عليه السلام وهلاك هؤلاء الأمم الذين عصوا رسلهم، فبعضهم هلك بالطوفان، وبعضهم أرسل عليهم الصواعق، وبعضهم بالريح العاصفة المدمرة، وبعضهم بالصيحة {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} وهذا العذاب الأليم الذي أصاب الذين ظلموا أنفسهم لم يذهبوا هباء وإنما خلفوا وراءهم عبرة ماثلة وموعظة بالغة لمن كان من غيرهم- في أيامهم، ولمن أتى من الجماعات من بعدهم. إن طوفان نوح وعواصف هود ورجفة صالح- وقد هلك بها من هلك- قد كانت عبرة وعظة انتفع بها كثير، واهتدى بها كثير، ولا تزال إلى اليوم درسا نافعا وعظة ماثلة لكل من أراد العبرة والموعظة.
ولا نذهب بعيدا، فقد كانت كل زاجرة من تلك الزواجر مثلا يسوقه