الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بالملائكة
من شروط الإيمان بالملائكة، وهم عالم لطيف غيبي غير محسوس ليس لهم وجود جسماني يدرك بالحواس وهم من عالم ما وراء الطبيعة التي لا يعلم حقيقتها إلا الله
…
خلق الله الملائكة من نور، كما خلق آدم من طين، وكما خلق الجآن من نار، وطبيعة الملائكة الطاعة التامة لله، والخضوع لجبروته، والقيام بأومره، وهم يتصرفون في شؤون العالم بإرادة الله ومشيئته وهو سبحانه يدبر بهم ملكة، وهم لا يقدرون على شيء من تلقاء أنفسهم
…
عملهم في عالم الطبيعة، وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنهم موكلون بالمخلوقات، وأنه سبحانه وتعالى وكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالجبال ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها ثم وكل بالإنسان ملائكة لحفظه، وملائكة تحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها، وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالجنة وغراسها وعمل الأنهار فيها ملائكة، فالملائكة أعظم جند الله فكل حركة في السماوات والأرض من حركات الأفلاك والنجوم، والشمس والقمر والرياح، والسحاب والنبات، والحيوان، فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بهذه الخلوقات قال تعالى:{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} .
فسرت المرسلات بالملائكة وهو قول أبي هريرة رضي الله عنه، وابن عباس في رواية مقاتل وجماعة، وفسرت بالرياح وهو قول ابن مسعود وإحدى الروايتين عن ابن عباس وقول قتادة، وفسرت بالسحاب، وهو قول الحسن. وفسرت بالأنبياء، وهو رواية عطاء عن ابن عباس. الله سبحانه يرسل الملائكة ويرسل الأنبياء، ويرسل الرياح ويرسل السحاب فيسوقه حيث يشاء، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، فإرساله واقع في ذلك كله
…
{وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} قال في تفسير هذه الآية، الحسن، ومجاهد وقتادة هي الرياح تأتي بالمطر، وقال مقاتل هي الملائكة تنشر كتب بني آدم وصحائف أعمالهم، وقال مسروق وعطاء عن ابن عباس هي الملائكة تنشر أجنختها في الجو عند صعودها ونزولها وقيل تنشر أوامر الله في الأرض وفي السماء.
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} أكثر المفسرين في تفسير هذه الآية على أنها الملائكة التي تنزع أرواح بني آدم من أجسامهم، والنزع هو إجتذاب الشيء بقوة، والإغراق في النزع هو أن يجذبه إلى آخره.
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} ، أقسم سبحانه وتعالى بالملائكة الصافات للعبودية بين يديه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"ألا تصطفون كما تصطف الملائكة عند ربها؟ تتمون الصفوف الأولى وتراصون في الصف"(1) والزاجرات عن المعاصي، والتاليات الجامعات لكلمات الله تعالى.
ومنهم ملائكة الرحمة، وملائكة العذب، وملائكة قد وكلوا بحمل العرش، وملائكة بالصلاة والتسبيح والتقديس إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله. الملائكة الموكلون بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر، فإنهم موكلون بتخليقه ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه وعمله، وأجله، وشقاوته وسعادته، وملازمته في جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه في حياته، وقبض روحه عند وفاته: وعرضها على خالقه وفاطره، وهم الموكلون بعذابه ونعيمه في البرزخ، وبعد البعث، وهم الموكلون بعمل آلات النعيم والعذاب. وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه. وهم أولياؤه في الدنيا والآخرة، وهم الذين يورونه في منامه ما يخافه ليحذره،
(1) رواه مسلم عن جابر بن سمرة.
وما يحبه ليقوى قلبه ويزداد شكرا وهم الذين يعدونه بالخير، ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر ويحذرونه منه.
وهم الداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين يصلون عليه ما دام في طاعة ربه، ويصلون عليه ما دام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه، وعند موته ويوم بعثه، وهم الذين يزهدونه في الدنيا، ويرغبونه في الآخرة، وهم الذين يذكرونه إذا نسي، وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع، فهم رسل الله في خلقه وأمره وسفراؤه بينه وبين عباده، تتنزل بالأمر من عنده في أقطار العالم، وتصعد إليه بالأمر، قد أطت بهم السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم، أو راكع، أو ساجد، ويدخل البيت المعمور كل يوم منهم سبعون ألف ملك لا يعودون آخر الدهر ..
والملك يشعر بأنه ملك منفذ لأمر غيره، فليس من الأمر شيء بل الأمر كله لله الواحد القهار قال تعالى:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . ومنهم الصافون، ومنهم المسبحون، ليس منهم إلا من له مقام معلوم لا يتخطاه، وهو على عمل قد أمر به لا يقصر عنه ولا يتعداه، وأعلاهم الذين عنده سبحانه {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} ..
ورؤساؤهم الأملأك الثلاث: جبريل، وميكائيل، واسرافيل. روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة
القلوب والأرواح وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، واسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم.
وقالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: "من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة؟ فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر؟ قال جبريل. قالو!: ذلك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالنبات والمطر والرحمه"(1)؟ فأنزل الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (سورة البقرة). إن الله سبحانه وتعالى وكل بالعلم العلوي والسفلي ملائكة فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، كما أضاف التوفي إليهم بقوله:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} وإليه تارة كقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} ، ولهذا كان الإيمان بالملائكة عليهم السلام أحد الأصول الخمس التي هي أركان الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
…
(1) رواه أحمد والترمذي. قال الترمذي حسن غريب.