الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحساب حق
هو وقف الله عباده قبل انصرافهم من المحشر على أعمالهم خيرا ان كانت أو شرا تفصيلا، وهو مختلف فيه اليسير والعسير، والسر والجهر، والتوبيخ، والفضل، والعدل، يستثنى من لا حساب عليهم، كالسبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وكالمبشرين بالجنة، وحساب الله تعالى الناس بأن يخلق في قلوبهم علوما ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعقاب، أو يقف عباده بين يديه، يؤتهم كتب أعمالهم، فيها سيئاتهم وحسناتهم، أو يكلم عباده في شأن أعمالهم، وكيفية ما لها من ثواب، وما عليها من العقاب، وتتسع قدرة الله تعالى لمحاسبتهم جميعا كما اتسعت لإجادهم، وتنظيم شؤونهم {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ " وقال حديث حسن صحيح. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نوقش الحساب عذب، فقلت: أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} قال: (إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك). (شرح عبد السلام والعقيدة).
فالله يحاسب عباده على أن يجازي على السيئة بسيئة مثلها المماثلة يحددها هو وحده. ويجازي على الحسنة بعشر أمثالها، وقد يجازي عليها بأكثر من ذلك لأن الناس يتفاوتون في إتقان أعمالهم، والإحسان فيه، كما يتفاوتون في الإخلاص لله تعالى في مثل الصلاة، والصيام، والحج، أما في الصدقة فهم مع تفاوتهم في الإخلاص يتفاوتون أيضا في تحري من يستحقها، فرب قرش يعطى لفقير أفضل عند الله من قرش يعطى لسائل
ورب قرش يعطى لأسرة بائسة أفضل عند الله تعالى من دينار يعطى جزافا، وفي هذا يقول الله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ، ويقول:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، ويقول:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} كل ذلك عدل من الله تعالى وحكمة وفضل ..
والأدلة قائمة على غفران الذنوب الصغائر لتارك الكبائر، والصغائر كالشتم والنظرة، والكبائر كالزنا والقذف إلى غير ذلك من الأعمال القبيحة، ومن شأن التاركين للكبائر أن تتغلب حسناتهم على سيئاتهم فتذهب بها:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
اتفقت الكتب السماوية والشرائع الإلهية على أن هناك يوما هو آخر أيام الدنيا، تساق فيه الخلائق، بعد خروجها من القبور سوقا، ويجمع الله فيه الموتى فلا يترك منهم فردا {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف) وكثيرا ما يخوفنا الله تعالى شدة ذلك اليوم ويحذرنا شره، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} يوم يحاسب فيه كل على ما قدم، ويجزي عليه الجزاء الأوفى، لا ينفع فيه مال صاحبه، ولا يدفع فيه ولد عن أبيه {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} هو يوم تنقطع فيه الصلات وتتفرق الجماعات إلا صلة أساسها الدين، وعروتها الإيمان
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} يشتد فيه بالخلائق الأمر، ويعظم بينهم الخوف، فلا يجرؤ نبي مرسل ولا ملك مقرب أن يشفع لأحد من خلقه، إلا من بعد أن يستأذن ربه في وساطته ويرضي عنه في شفاعته، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ولا تزال الناس كذلك حتى يفصل بين الخلائق، فإما إلى جنة أعدها الله للمتقين، وإما إلى نار أعدت للعصاة والمجرمين:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} .
فيجب الإيمان بالصحف جمع صحيفة، والمراد الكتب التي تدون فيها أعمال الإنسان، قال تعالى:{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} وقال:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} .
وكذلك يجب الإيمان بالوزن والميزان، الوزن هو تعرف مقدار الشيئ حسا أو معنى، كما يزن القاضي العادل مقدار حجم الخصوم ليتعرف قويها من ضعيفها، ومنها سمى العلماء علم المنطق ميزانا للأن به توزن الحجج والبراهين، قال تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ويقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ..