الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الإسلامية
إذا اختص الله سبحانه وتعالى نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه بأن يكون خاتم الأنبياء وأن رسالته مختتم الرسالات، فإن أعباء الرسالة التي حملها كانت أضعاف ما حمل الرسل من قبله لأنها رسالة تقف موقف التجمع والشرح والتحديد للرسالات كلها، ولأنها تواجه الحياة كلها، وتشرع للإنسانية كلها وتتسع لحاضر الزمان ومستقبله جميعا مهمة نبيلة، ورسالة كريمة، ولكنها محملة بأعباء ثقال تنوء الجبال بحملها إنها تمس الصميم من حياة كل إنسان. تمس عقيدته، وتمس ضميره ووجدانه، وتحمل قوى الهدم لأربابها وآلهته. وليس أعز على الإنسان من معتقده أيا كان مكانه من الضلال أو الهدى حتى يتخلى المرء عن حياته ولا يتخلى عن عقيدته.
وحين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء الرسالة، واحتمل فيها ما احتمل من أذى- كان أول ما افتتح به رسالته، هو الدعوة إلى الله. حتى إذا آمن الناس به، وأقروا بوحدانيته جاء دور التشريع الذي ينظم حياة الإنسان الروحية والمادية ويحدد صلته بخالقه، وصلته بالمجتمع الإنساني الذي يعيش فيه
…
وقد اتخذت شريعة الإسلام أعدل الطرق، وأوضحها، وأكثرها فعالية في الوصول إلى الغاية التي قصدت إليها من الدعوة إلى الله، والتعرف إليه، فلم تشأ هذه الحقيقة أن تغرق الناس في لجج من الجدل الفلسفي، وفي تصورات من المنطق السقيم الذي لا يلد إلا خيالات وأوهاما، ولا ينتهي إلا إلى ظنون يضرب بعضها وجه بعض!
ولكن شريعة الإسلام غير هذا أنها جاءت إلى الناس كما هم. إنهم بشر لهم حدود لا يتجاوزونها، ولعقولهم مدى لا تتعداه، والبشر هم غالبة الناس وليسوا فلاسفة
…
من أجل هذا لم تفتح شريعة الإسلام بابا للجدل في الله، ولم تستمع إلى الذين يدعونها إلى الخصومة في الله. بل قطعت عليهم الطريق، وفوتت عليهم ما يقصدون من صرف الدعوة عن غايتها
الجادة، في كشف الضلالة عن العقول، والعماية عن القلوب إلى مماحكات سقيمة، وجدل مريض
…
وليس هذا شأن الإسلام وحده، وإنما هو سبيل الشرائع السماوية كلها منهج واحد وطريق واحد لأنه أعدل منهج وأقوم طريق لا جدال في الله، ولا بحث في ذاته! ولكن استدلال على الله، ونظرة إلى هذا الوجود الذي يصافح حواسنا، ويأخذ بمجامع عقولنا وقلوبنا، نظرة تمتليء بها القلوب خشية واخباتا لمن خلق فسوى وقدر فهدى
…
ذلك هو منهج الدعوات الإسلامية في كل أمة، وعلى لسان كل نبي {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} .
والذي ينظر في هذا المنهج السماوي في الدعوة إلى الله يجد بين يديه دلائل الإعجاز التي تعنو لها الوجوه، وتخضع لها أعناق المعانذين والمكابرين.
فإن تدبير هذا المنهج وتدرجه مع التطور العقلي الإنساني ومسايرته لملكات الفكر الإنساني. عصرا بعد عصر ينطق بشهادتين:
الشهادة الأولى: أن هذا التدبير لا يكون إلا من حكيم خبير يعلم من الناس ما لا يعلمون ذلك هو الله رب العالمين.
الشهادة الثانية: صدق هذا القرآن الذي نأخذ عنه ذلك المنهجع الصادق المعجز لأنه كلام الله، وأن النبي المبعوث به صادق موصول بأسباب السماء يتلقى رسالته عن الله، ويحمل إلى الناس شريعته
…
والقرآن الكريم لا يهتم بالتوقيت الزمني لدعوات الأنبياء الذين ذكروا في الكتاب، لأن هذا التحديد ليس له أثر في الواقعة التي يذكرها القرآن، ولهذا المعنى لم تشر آيات الكتاب إلى أماكن الدعوة. إذ أن مرمى الواقعة لا يراد بها إلا عرض مشهد من مشاهد الصراع بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل، والزمان والمكان قضية تتجدد على مر الأزمنة، وتقع في كل مكان، فلا أثر للزمان أو المكان في موقع الدعوة أو العبرة منها
…
وهنا يبدو وجه الحكمة في إطلاق وقائع الدعوة من ظروف الزمان والمكان في هذا الصراع بين الحق والباطل حيث تظل هذه الوقائع ملء الأزمنة، وملء الأمكنة وبهذا لن تكون غريبة في أي زمان ومكان، إنها للناس جميعا، ولأجيال الناس جميعا، فحيث كان صراع بين حق وباطل كانت وقائع القصص القرآني دستورا محكما يحتكم ويتأسى به.
ونلاحظ أيضا مع إطلاق وقائع الدعوات السماوية من قيود الزمن والمكان، فإن الترتيب الزمني بين هذه الدعوات قد نال شيئا من اهتمام القرآن به، فهناك أكثر من وجه يمكن أن يستدل منه على مكان كل دعوة من سابقتها أو لاحقتها في الزمن. ومن هذا دعوة هود عليه السلام يجيء على لسانه، وهو يخاطب قومه:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (سورة الأعراف). كما يجيء على لسان صالح عليه السلام مخاطبا قومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} (سورة هود). وكذلك يذكر القرآن مدين في قوله تعالى: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} فيفهم من هذا أن دعوة شعيب كانت بعد دعوة صالح لأن صالحا كان رسولا إلى ثمود، وأن شعيبا كان رسول مدين وإني اتبع هذا الترتيب في المنهج الذي وضعته السماء لدعوة الحق، وفتح عقول الناس وقلوبهم لها
…
كانت دعوة الأنبياء تدعو إلى الله مباشرة دون أن تلفت العقول إلى الاستدلال عليه من النظر في ملكوت السماوات والأرض، وتكاد الدعوة تكون دائرة بين كلمتين:(أعبدوا الله) من غير أن يدعي العقل إلى البحث عن الله، والإستدلال بالنظر في ظاهر الوجود.
ولهذا كانت دعوة الرسل تحتاج إلى قوة قاهرة، قوة لا تخاطب العقل: وإنما تجابه الحس، فتبهر الأبصار وتصم الأذان، وترعد الفرائص، إنها المهلكات التي يخوف بها الرسل أقوامهم إن هم أبوا الاستجابة لدعوة الرسل والايمان بالله ..
ونذكر بعض الدعوات السماوية التي كانت قبل الإسلام.