الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بالغيب
الإيمان بالغيب هو الدعامة الثانية من دعائم العقيدة الإسلامية، والإيمان بالغيب هو الدعامة في كل دين، لأن وراء هذا العالم المادي عالم آخر غيره، فمن لم يؤمن به فقد جحده، ولا يمكن أن يكون إيمان بالله من غير إيمان بالغيب، ولذلك يقول الله في أوصاف المؤمنين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} . الغيب ما خرج عن متناول الحواس، وإدراك العقل، والإيمان بما يجيء من عالم الغيب، لا معتبر له إلا إذا كان مسند إلى جهة لا يتطرق إليها الكذب، وإلا كان التصديق بما يخبر به العرافون والكهنة وغيرهم ممن يدعون علم الغيب، إيمانا، وهو ليس من الإيمان في شيء، وإنما المراد بالإيمان هنا ما يخبر به رسل الله وأنبياؤه أقوامهم من أمر الآخرة التي لا علم للناس بها.
فأول صفة من صفات المتقين هي الإيمان بالغيب التي يخبر بها الرسل عليهم السلام حيث تلقوا الأخبار عن تلك الغيبيات وحيا من الله، وهم الأمناء على ما أوحى إليهم من ربهم
…
فلا إيمان لمن لا يؤمن بالله، ولا إيمان لمن لا يؤمن برسل الله، ولا إيمان لمن لا يؤمن بما يحمل رسل الله من رسالات وما يبلغون من أوامر ونواهي، وما يبلغون من أخبار، وملاك التقوى هو الإيمان، فلا تقوى لمن لا إيمان له، فإذا جاء الإيمان على تلك الصورة، كان داعية لأن يقيم الإنسان على طريق التقوى، وأن يؤهله لتلك الصفات التي وصف الله سبحانه بها المتقين، الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، إيمانا مفصلا، وبما أنزل على رسل الله من قبله إيمانا مجملا، ثم ينتهي بهم ذلك الإيمان إلى الإيمان باليوم الآخرة، والإيمان بالملائكة وهي الأرواح المطهرة، والإيمان بكل المخلوقات المغيبة عن حسنا، والإيمان بأن هذه الحياة الدنيا هي الحياة الفانية، وما بعدها
هي الحياة الباقية، وهي الأخرى، وأن الإيمان بالحياة الأخرى هو لب الدين، يجازي فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته ..
وأن الإيمان بالغيب والنشور والحساب والعقاب والثواب من شأنه أن يعلو بالإنسان من مرتبة الحيوان ولا يجعل حياته عقيمة لا تنتج، ويدفع عنه التشاؤم النفسي، فهي إن لم يسعد في الحاضرة رجا السعادة في الآخرة، والمؤمن يتربى فيه الوجدان والإحساس بالتبعية إذا آمن بالآخرة
…
ولقد كان العبيد والفقراء يقاومون السادة والأغنياء ويرضون بالعذاب ولا يبالونه لأنهم مؤمنون بما عنده في اليوم الآخر، فالإيمان باليوم الآخر ذخيرة إنسانية ومن حرمها فقد حرم خير زاد يعلو به الإنسان، ويقاوم أحداث الزمان.
ولا يقبل إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبرت عنه السنة بعد الموت من سؤال منكر ونكير في القبر وهما ملكان مهيبان هائلان يقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد، فيسألانه عن التوحيد، والرسالة ويقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وهما فتانا القبر، وسؤالهما أول فتنة القبر. وأن يؤمن بعذاب القبر، وأنه حق، وحكمه عدل، على الجسم والروح على ما يشاء
…
ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى سواء كانت كبيرة أو صغيرة مثل مثاقيل الذر، والخردل، تحقيقا لتمام العدل، وتطرح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور، فيثقل بها الميزان، على قدر درجاتها عند الله، بفضل الله تعالى، وتطرح صحائف السيئات في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى
…
وأن يؤمن بالصراط فهو حق، وهو جسر ممدود على متن جهنم، أحد من السيف، وأدق من الشعرة، تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله تعالى، فيهوي يهم إلى النار، وتثبت عليه أقدام المؤمنين، فيساقون إلى دار القرار
…
وأن يؤمن بالحوض المورود حوض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا عرضه مسيرة شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل حوله أباريق عددها عدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر، ويؤمن بيوم الحساب، وتفاوت الحق فيه، إلى مناقش في الحساب، وإلى مسامح فيه، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب، وهم المقربون
…
فيسأل من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين، ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمين عن الأعمال
…
ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد قضاء ما عليهم فيها، حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى، ويؤمن بشفاعة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء، ثم سائر المؤمنين كل على حسب جاهه ومنزلته، وشفاعة هؤلاء جميعا لا تكون إلا بإذن الله، فهي ليست شفاعة قدرة من العباد بل هي شفاعة تكريم الله لبعض الأتقياء ومن بقي من المؤمنين لم يكن له شفيع أخرج بفضل الله تعالى، ولا يخلد في النار مؤمن، بل يخرج منها من كان في قلبه ذرة من الإيمان
…
وأن يعتقد فضل الصحابة وترتيبهم، وأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم كما أثنى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين، فكل ذلك وردت به السنة، وشهدت به الآثار، فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به، كان من أهل الحق وعصابة السنة، وفارق رهط الضلال والبدعة
…