المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله - كتاب التوحيد المسمى التخلي عن التقليد والتحلي بالأصل المفيد

[عمر العرباوي]

فهرس الكتاب

- ‌أهدي هذا الكتاب

- ‌دعاء الاستفتاح

- ‌كتب للمؤلف

- ‌نصائح أقدمها إلى الشباب المسلم

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالتوحيد

- ‌إعراض المسلمين عن القرآن

- ‌التكاليف الشرعية العامة:منها العينية والكفائية

- ‌بماذا يكون إيمان المكلف؟وما هي الوسائل التي يستعملها ليكون مؤمنا

- ‌لا تكليف إلا بشرط العقل

- ‌من ثمرة العقل معرفة الله الضرورية والمكتسبة

- ‌البحث عن معرفة الله سبحانه وتعالى

- ‌ أقسام التوحيد

- ‌مفهوم الألوهية في الشريعة الإسلامية

- ‌التوحيد نوعان

- ‌باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما

- ‌الذبائح لغير الله

- ‌من الشرك النذر لغير الله

- ‌الإستعاذة بغير الله شرك

- ‌الاستعاذة بالله من شر ما خلق

- ‌من الشرك أن يستغيث المكلف بغير الله أو يدعو غيره

- ‌العقيدة الإسلامية

- ‌بعض معالم التوحيد في العقيدة

- ‌علاقة الله بالإنسان

- ‌التعريف باسم الجلالة

- ‌ارتباط الخلق بالأسماء الثلاثة

- ‌تنزيه الله جل جلاله

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌الإيمان بالرسل أجمعين

- ‌النبوة رحمة

- ‌الرسالة المحمدية

- ‌البعثة المحمدية على صاحبهاأفضل الصلاة وأزكى التسليم

- ‌محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌التعريف بالإيمان

- ‌الصبر من الإيمان:

- ‌الطريق إلى الله هو العلم

- ‌المؤمن يتصف بالعزة:

- ‌الإيمان بالملائكة

- ‌الإيمان بكتب الله المنزلة

- ‌الرسالة الإسلامية

- ‌دعوة نوح عليه السلام

- ‌دعوة هود عليه السلام

- ‌دعوة صالح عليه السلام

- ‌دعوة شعيب عليه السلام

- ‌دعوة إبراهيم عليه السلام

- ‌دعوة موسى عليه السلام

- ‌أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله

- ‌الإيمان باليوم الآخر

- ‌البعث

- ‌أدلة البعث:

- ‌النفخات الثلاث:

- ‌كل شيء هالك إلا وجهه:

- ‌إختلاف الناس عند البعث:

- ‌الحساب حق

- ‌الصراط:

- ‌العرش والكرسي:

- ‌الحوض:

- ‌الشفاعة

- ‌رأي الأستاذ محمد عبده في الشفاعة

- ‌الركن السادس الإيمان بالقدر

- ‌مشيئة الله:

- ‌خلاصة في القدر والمشيئة

- ‌حكمة الإيمان بالقدر:

- ‌حرية الإنسان:

- ‌تقرير الإسلام حرية الإرادة:

- ‌مشيئة الرب، ومشيئة العبد:

- ‌الهداية والإضلال:

- ‌خاتمة القضاء والقدر

- ‌الأقدار:

- ‌القضاء:

- ‌الإنسان والأقدار

- ‌امتحان:

- ‌لا تتم مصالح إلا بمدافعة الأقدار

- ‌أمر الله:

- ‌إرادة الله:

- ‌دفع اعتراض

- ‌التوفيق والخذلان:

- ‌كلمة جامعة:

- ‌إصلاح المجتمعات الإسلامية الحالية من الإنحراف والفساد عن طريق الدين

- ‌بيان جملة من أنواع الشرك

- ‌مقام المراقبة

- ‌ذكر الله واطمئنان القلوب به

- ‌المصادر

- ‌الفهرست

الفصل: ‌أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله

‌أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله

الرساله المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية، لقد انتهى الدور التلقيني بعد أن أشرف العقل بنفسه على دلائل كثيرة تشير إلى وجود الله.

فالله في واقع الحياة- في هذه المرحلة الأخيرة من رسالات السماء- ليس، ذاتا مجهولة أو منكرة في عقول الكثرة الغالبة من الناس، فقد كان لدعوات الرسل المتتابعة، ولمواقف الراشدين والعالمين من أتباعها آثار كبيرة في كشف الطريق إلى الله، والتعريف به، كما كان للزمن وتطور العقل الإنساني، نحو الكمال أثره القوي كذلك في هذا الأمر.

لقد جاء الإسلام والعرب يعرفون في لغتهم كلمة الله ويتعاملون بها في حياتهم على أنها قوة ممسكة بالوجود وقائمة على كل شيء، وأنها تعلم ما يخفي الناس وما يعلنون، يقول زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي واحد أصحاب المعلقات:

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم

ليخفى ومهما يكتم الله يعلم

يؤخره فيوضع في كتاب فيذخر

ليوم الحساب أو يعجل فينتقم

فقد كان العرب في جاهليتهم يعتقدون في الحياة بعد الموت، وفي الجزاء وفي الجنة والنار، يقول الشهرستاني عن عرب الجاهلية:(ومن العرب من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر، وينتظر النبوة، ومن هؤلاء زيد بن عمرو ابن نفيل كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول "أيها الناس، هلموا إلي، فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري"، ومنهم قس بن ساعدة الإيادي وكان يقول: "هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى وإليه المآب غدا"، ومنهم عامر بن الظرب العدواني، وكان يقول: "إني ما رأيت شيئا قط خلق نفسه، ولا رأيت موضوعا إلا مصنوعا، ولا جائيا إلا ذاهبا، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء").

فالرسالة المحمدية تواجه إنسانية فيها وعي، ولها إدراك، وعندها إستعداد للبحث عن الله، والتشوق إليه من خلال هذا الوجود الذي يعيش

ص: 175

فيه الناس، وإذن فلن تكون الدعوة إلى الله دعوة تلقائية لإن مواجهة العقل المدرك المستعد للبحث والنظر- إلى مواجهته بالأمر الواقع والحكم الملزم، فيه تعسف وإعنات لا تلقاه مثل هذه العقول إلا بالتمرد والعناد

وحين ننظر قي دعوة الإسلام نجدها قد مرت في مراحل إنتقلت بالناس من حال إلى حال

وفي المرحلة الأولى من مراحل الدعوة نجد أن أول ما افتتح به الوحي رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هو قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة العلق) .. هذه الآيات كانت عنوان الموضوع الذي تدور حوله الدعوة في مراحلها الأولى: الخالق وما خلق، وذكر الخالق وما خلق هنا هو تحديد للموضوع الذي من أجله كان توجيه النظر إلى المخلوقات، والوقوف على ما في صورها وألوانها وأشكالها من عجائب وأسرار، فإنذا استبانت لعين الناظر المتأمل تنبهه إلى الخالق الذي خلق ..

ويكاد العهد المكي كله من تاريخ الرسالة - يقوم على أداء هذا الدور، والعمل على التعريف بالله من طريق الإقناع، بالنظر والتفكر في آيات الله

ولقد جاء القرآن الكريم في هذا الباب، بما لم يكن لدعوة من الدعوات السماوية أو غير السماوية أن تجيء بمثله، وبما لم تنفذ إليه من قلوب الناس وعقولهم أجهزة الدعايات العصرية التي تبشر بالمذاهب السياسية أو الإقتصادية، والتي تحشد لها كل قوى الدعاية من ملايين الأنفس، وملايين الأموال تعمل جميعا في كل ميدان يصل إلى الناس من الإذاعات والكتب والصحف، كل أولئك لم يكن شيئا إلى جانب المنهج الذي اتبعه الإسلام في دعوته إلى الله، وإذ كان منهجا قائما على الحق، وداعيا إليه عن طريق النظر، والإستدلال والإقناع

وما يشوق العقل الإنساني ويوقظ وجدانه أكثر من نظرة واعية إلى

ص: 176

صامت وناطق في الوجود، فيبدو الوجود كله في مسرح نظره، ومسبح خاطره، ومجلى تفكيره يقلبه كيف يشاء، ويأخذ منه ما يريد ..

إقرأ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} (سورة السجدة). وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (سورة الرعد).

واقرأ قوله جل شأنه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (سورة عبس).

فتلك دعوات يستحضر بها العقل هذه الظواهر التي تتبدل بها الطبيعة حالا بعد حال، وتلبس فيها أثوابا بعد أثواب، وهي تجيء وتذهب بين يدي الإنسان دون أن يلتفت إليها كثير من الناس، أو يقفوا عندها، فإذا جاءهم من يدعوهم إليها، ويلفتهم نحوها، أحسوا بها، وعجبوا منها كأنما يرونها لأول مرة.

وقد ذهب القرآن الكريم في هذا كل مذهب، وجاء إلى العقل من كل أفق يثيره، ويحدد صور الوجود في نظره

ومن تدبر القرآن في هذا، استعراض مظاهر قدرة الله وعظمته،

ص: 177

وحكمته وتدبيره فيما يبدو عليه هذا النظام الكوني من روعة ودقة وإحكام

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة فصلت). {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} (سورة الشورى){لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة غافر).

ومن الأساليب التي نهجها القرآن في الإلفات إلى عظمة الله وقدرته - أسلوب الاستفهام التقريري الذي يتحدث عن خلق من خلق الله، أو عن آية من آياته، ونعمة من نعمه. وفي هذا الأسلوب يجد القاريء نفسه أمام سؤال ليس له إلا جواب واحد هو الإقرار بالله. فإن استجاب للحق أقر به وإلا أفحم ووجم وخرس ..

{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (سورة النمل).

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (سورة الملك) .. فهذه قضايا يطالب الخصم فيها بإقامة الدليل على بطلانها إن كان في إمكانه أن يفعل، وإلا فقد لزمه الإيمان بالله ..

{قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (سورة البقرة)

ص: 178

هذا أسلوب القرآن قد جاء بألوان من ضروب الإعجاز الذي خرست له الألسنة، وتضاءلت أمامه العقول وتصاغرت بين يديه الأفهام

أما أسلوب الملاحدة الذين يدعون وجود قدرة غير قدرة الله، فيقولون أن الطبيعة هي الخالقة لهذا الكون والمدبرة له، فإنهم مطالبون أن يقيموا الدليل على دعواهم الباطلة. كيف تخلق الطبيعة؟ هل من خالق غير الله؟

سأل أحد الملحدين تلميذا فقال: أقم لي دليلا واحدا على وجود الله. وأنا أومن لك به. فأجاب التلميذ: وأنت أقم لي دليلا واحدا على عدم وجوده، وأنا أكفر به؟ فبهت الذي كفر

ص: 179