الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبوة رحمة
النبوة رحمة راحمة حيث كانت، وخير غدق حيث أصابت لأنها تحمل كلمة السماء إلى الناس محملة برحمة الله إلى عباده، موقرة بالخير لمن اتصل بها، وفتح قلبه لها
…
فما بزغ في الناس نبي من أنبياء الله أو رسول من رسله إلا والناس منه في معرض الرحمة، وفي عارض ممطر بالرفد والخير العميم.
فبين يدي كل نبي نور يضيء دنيا الناس، ويكشف لهم معالم الطريق إلى الخير والحق. وعلى لسان كل كلمات ربانية ترسم للناس مناهج العمل لغايات الخير والسعادة يقول الله سبحانه {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (سورة الحديد).
ويقول سبحانه {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ، ويقول تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ، فأنبياء الله ورسله هم حجة الله على عباده أنهم يحملون إلى الناس أطواق النجاة حين تضطرب بهم سفينة الحياة وحين تنطمس أمامهم معالم الطريق إلى شطآن الأمن والسلامة، فمن استجاب لهم، وتناول ما في أيديهم من أضواء الحق وأطواق النجاة سلم ونجا وكان من الفائزين برحمة الله ورضوانه ومن أبى واستكبر أن يمد يده إلى هذا الحبل الممدود لنجاته واستنقاذه من الهلاك المطل عليه فلا يلومن إلا نفسه؟ ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، إن أنبياء الله ورسله هم رحمة خالصة، لا أجر عليها، ولا من معها إنها من الله وإلى عباد الله {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} فما حملت دعوة نبي، أو رسالة رسول شيئا من شأنه أن يضيق به الناس، أو يشقوا به، أنها دعوة تحمل إلى الناس الحياة لأموات القلوب والهدى لضلالات العقول كما يحمل الغيث الحياة لصنوف الأحياء. وأما من شأنه أن يكون في الأحياء {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِنْهَا
…
} نعم قد يضيق بعض المنحرفين والمتسلطين بدعوات الأنبياء لان انحرافهم لا يستقيم معها، ولأن تسلطهم لا يحيا في ظلها، اذ هي دعوة من شأنها أن تقيم العوج، وتقضي على التسلط، وتقيم بين الناس موازين المساواة والعدل.
ومن أجل هذا كان الذين يعادون الأنبياء، ويصدون الناس عنهم هم دائما أصحاب السلطان، وأرباب الجاه والغنى، إذ يحسبون في هذا الذي تحمله الدعوة النبوية إلى الناس من عدل وإخاء تضييعا لما معهم من سلطان وجاه، وذهابا لما بين أيدهم من مال وحطام .. أو هو على أقل تقدير ازعاج لما هم فيه من حال رضوا بها واطمأنوا إليها.
ولو عقل هؤلاء لعرفوا أن النبي لا ينزع سلطانهم ليضعه في يده، ولا يأخذ مالهم ليضيفه إلى نفسه، فما جاءت رسل الله لطلب جاه أو سلطان، وما عملوا على جمع المال، ولا تشييد القصور، والاستكثار من الحشم والخدم، أن دعوة النبي وجهاده وكفاحه من أجل الناس، ولحساب الحق والعدل وليس له من شيء إلا ما تفضل الله به عليه من منزلة كريمة عنده، وثوأب طيب لا حمل من عبء الدعوة ولا لقي في سبيلها من عنت وأذى ان أجرى إلا على الله
…
ولو عقل هؤلاء الذين يعادون الأنبياء لعرفوا أن دعوتهم هي دعوة الحق والإحسان والعدل والبر، وأنها لا تتعرض للسلطان العادل، ولا تقف في وجه الغني إذا كان يؤدي حق الله، وحق السائل المحروم.
ومن كمال حكمة الله سبحانه وتعالى أن لا يخلق الخلق ويتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولهذا نزه نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه.
وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة، ويقول ما أنزل الله على بشر من شيء فإنه ما عرف الله حق معرفته، ولا عظمه حق عظمته، ولا قدره حق قدره بل نسبه إلى ما لا يليق به، ويأباه حمده ومجده
…
كون الله سبحانه وتعالى إلها، فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا، ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله وكونه ربا، فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم وجزاء محسنهم بإحسانه،
ومسيئهم بإساءته، هذه حقيقة الربوبية وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة.
وكون الله رحمانا رحيما، فإن كمال رحمته: أن يعرف عباده نفسه وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه، ويباعدهم منه ويثبتهم على طاعته، ويجزيهم بالحسنى، وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة، فكانت رحمته مقتضية لها ولله سبحانه وتعالى ملك، والملك يقتضي التصرف بالقول كما أن الملك يقتضي التصرف بالفعل، فالملك هو المتصرف بأمره وقوله، فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء، والله له الملك فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل وتصرفه نوعان: تصرفه بكلماته الكونية {كُنْ فَيَكُونُ} وتصرف بكلماته الدينية، ولهذا أرسل رسله إلى الناس ليعرفوهم ربوبيته وملائكته والايمان بهم لأنهم رسل الله في خلقه
…
وهناك يوم الدين، وهو يوم الجزاء الذي يدين الله فيه العباد بأعمالهم خيرا وشرا، وهذا لا يكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة وقيام الحجة التي بسببها يدان المطيع والعاصي
…
وأن الله سبحانه لا يعبد إلا بما يحبه ويرضاه، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله، فانكار رسله أنكارا لكونه معبودا، وأنه هاد إلى صراط مستقيم وهو معرفة الحق والعمل به، وهو الطريق الوحيد الموصل إلى طاعة الله، ولا يعلم ذلك إلا من جهة الرسل.
والله سبحانه وتعالى منعم على أهل الهداية، فإن انعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم، وجعلهم قابلين للرسالة مستجيبين لدعوته، وبذلك ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه.
انقسام خلقه إلى منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالين فإن هذا الانقسام ضروري بحسب معرفتهم للحق والعمل به: إلى عالم به عامل بموجبه وهم أهل النعمة، وعالم به معاند له، وهم أهل الغضب، وجاهل به، وهم أهل الضالين، وهذا الانقسام إنما نشأ بعد الرسل فلولا الرسل لكانت أمة واحدة، فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة، وهذا الانقسام ضروري بحسب الواقع فالرسالة ضرورية ..