الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
. شُرُوط صِحَة الصَّلَاة جمع شَرط وَهُوَ لُغَة الْعَلامَة، وَعرفا مَا يلْزم عَن عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وَلَا عَدمه لذاته. وَلَيْسَت مِنْهَا بل تجب لَهَا قبلهَا وتستمر فِيهَا. قَالَ المنقح: لَا النِّيَّة فتكفي مقارنتها وَهُوَ الْأَفْضَل. وَهِي سِتَّة وعدها فِي الْمُنْتَهى والإقناع وَغَيرهمَا تِسْعَة فَقَالَ: إِسْلَام، وعقل، وتمييز، وَهَذِه شُرُوط لكل عبَادَة غير الْحَج فَإِنَّهُ يَصح لمن لم يُمَيّز وَيحرم عَنهُ وليه فَمَتَى أخل بِشَرْط مِنْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَو نَاسِيا أَو جَاهِلا. أَحدهَا طَهَارَة الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر مَعَ الْقُدْرَة لحَدِيث (لايقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور) . وَتَقَدَّمت أَي تقدم ذكرهَا.
وَالثَّانِي دُخُول الْوَقْت أَي وَقت الصَّلَاة، وَتجب بِدُخُول أول وَقتهَا فِي حق من هُوَ من أهل وُجُوبهَا وجوبا موسعا، بِمَعْنى أَنَّهَا ثبتَتْ فِي ذمَّته بِفِعْلِهَا إِذا قدر. والصلوات الْخمس فرض على كل مُسلم مُكَلّف بِالْكتاب وَالسّنة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة كَمَا تقدم فِي أول كتاب الصَّلَاة، فوقت الظّهْر وَهُوَ لُغَة الْوَقْت بعد الزَّوَال وَشرعا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا، مُشْتَقّ من الظُّهُور، لِأَن فعلهَا يكون ظَاهرا وسط النَّهَار وَهِي الأولى، وَتسَمى الهجير لفعلها وَقت الهاجرة من الزَّوَال وَهُوَ ابْتِدَاء طول الظل بعد تناهي قصره، وَلَكِن لَا يقصر فِي بعض بِلَاد خُرَاسَان لسير الشَّمْس نَاحيَة عَنْهَا، فصيفها كشتاء غَيرهَا فَيعْتَبر الْوَقْت بالزوال وَهُوَ ميلها للغروب حَتَّى يتساوى منتصب وفيئه أَي ظله سوى ظلّ الزَّوَال فَإِذا ضبط الظل الَّذِي زَالَت عَلَيْهِ الشَّمْس وَبَلغت الزِّيَادَة عَلَيْهِ قدر الشاخص فقد انْتهى وَقت الظّهْر، قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَالْأَفْضَل تَعْجِيلهَا إِلَّا مَعَ حر سَوَاء كَانَ الْبَلَد حارا أَو لَا، صلى فِي جمَاعَة أَو مُنْفَردا، فِي الْمَسْجِد أَو فِي بَيته حَتَّى ينكسر الْحر، لعُمُوم:(إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ، فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) مُتَّفق عَلَيْهِ. وفيحها غليانها وانتشار لهبها ووهجها. وَإِلَّا مَعَ غيم لمصل جمَاعَة فتؤخر لقرب وَقت الْعَصْر طلبا للسهولة غير جُمُعَة فيهمَا أَي الْحر والغيم فَيسنّ تَقْدِيمهَا مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الظّهْر الْوَقْت الْمُخْتَار للعصر وَهِي أَربع
رَكْعَات إِجْمَاعًا، وَهِي الْوُسْطَى. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَقطع بِهِ الْأَصْحَاب وَلَا أعلم عَنهُ وَلَا عَنْهُم فِيهَا خلافًا. انْتهى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) وَلمُسلم (شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)، وَعَن ابْن مَسْعُود وَسمرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله (الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر) قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَهُ أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَغَيرهم حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال إِن كَانَ، قطع بِهِ فِي الْمُنْتَهى وَغَيره، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه عَنهُ: إِلَى اصفرار الشَّمْس، اخْتَارَهُ الْمُوفق وَالْمجد وَجمع، وصححها فِي الشَّرْح وَابْن تَمِيم جزم بهَا فِي الْوَجِيز، قَالَ فِي الْفُرُوع وَهِي أظهر لما روى ابْن عمر أَن النَّبِي قَالَ (وَقت الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى ظلّ الزَّوَال. إِلَى حِين الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس مصدر غربت
الشَّمْس بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا. وَتَكون فِيهِ أَدَاء. وتعجيلها أفضل مُطلقًا. ويليه أَي يَلِي وَقت الضَّرُورَة للعصر وَقت الْمغرب وَأَصله وَقت الْغُرُوب أَو مَكَانَهُ أَو هُوَ نَفسه، ثمَّ صَار اسْما لصَلَاة ذَلِك الْوَقْت كناظره. وَهِي وتر النَّهَار. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعشاء قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وتسميتها بالمغرب أولى. وَهِي ثَلَاث رَكْعَات حضرا وسفرا. وَلها وقتان. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب. وَقت اخْتِيَار وَهُوَ إِلَى ظُهُور النَّجْم. قَالَ فِي النَّصِيحَة للآجري: من أخر حَتَّى يَبْدُو النَّجْم أَخطَأ. وَمَا بعده وَقت كراهه. وَقَالَ فِي الْمُبْدع: قد اسْتُفِيدَ من كَلَامهم أَن من الصَّلَوَات مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا وَقت وَاحِد كَظهر وَالْمغْرب وَالْفَجْر على الْمُخْتَار، وَمَا لَهُ ثَلَاثَة كالعصر وَالْعشَاء وَقت فَضِيلَة، وَجَوَاز، وضرورة، وَفِي كَلَام بَعضهم: لَهَا وَقت تَحْرِيم أَي يحرم التَّأْخِير إِلَيْهِ، وَهُوَ أَن يبْقى مَالا يسع الصَّلَاة. انْتهى. وَكَلَامه لَا يُنَافِي مَا تقدم عَن الْإِنْصَاف لِأَن قَوْله: للمغرب وقتان أَي وَقت فَضِيلَة وَجَوَاز، أَي وَمُرَاد صَاحب الْمُبْدع أَن لَهَا وقتا وَاحِدًا نفى وَقت الضَّرُورَة، فقد ذكره فِي شرح الْإِقْنَاع حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَحْمَر وتعجيلها أفضل، قَالَ فِي الْمُبْدع: إِجْمَاعًا إِلَّا لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَهِي لَيْلَة النَّحْر لمن قَصدهَا محرما إِن لم يوافها أَي يحصل فِيهَا وَقت الْغُرُوب، وَإِلَّا فِي جمع، إِن كَانَ أرْفق لمن يُبَاح لَهُ الْجمع
ويليه أَي يَلِي وَقت الْمغرب الْوَقْت الْمُخْتَار للعشاء بِكَسْر الْعين وَالْمدّ وَهُوَ أول الظلام، وَعرفا صَلَاة هَذَا الْوَقْت، وَيُقَال لَهَا: عشَاء الْآخِرَة. ويمتد وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى ثلث اللَّيْل الأول نَص عَلَيْهِ. وَهِي أَربع رَكْعَات إِجْمَاعًا. وَلَا يكره تَسْمِيَتهَا بالعتمة. وَيكرهُ النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا إِلَّا يَسِيرا أَو لشغل أَو مَعَ أهل أَو ضيف أَو فِي أَمر الْمُسلمين. والضرورة أَي وَقت الضَّرُورَة من ثلث اللَّيْل الأول إِلَى طُلُوع فجر ثَان وَهُوَ الْبيَاض الْمُعْتَرض بالمشرق وَلَا ظلمَة بعده، وَيُقَال لَهُ الْفجْر الصَّادِق، وَالْفَجْر الأول الَّذِي يُقَال لَهُ الْفجْر الْكَاذِب مستطيل بِلَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَزْرَق لَهُ شُعَاع ثمَّ يظلم، ولدقته يُسمى ذَنْب السرحان. وَهُوَ الذِّئْب. ويليه وَقت الضَّرُورَة للعشاء وَقت الْفجْر سمي بِهِ لانفجار الصُّبْح وَهُوَ ضوء النَّهَار إِذا انْشَقَّ عَنهُ اللَّيْل إِلَى الشروق أَي شروق الشَّمْس لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا:(وَقت الْفجْر مَا لم تطلع الشَّمْس) رَوَاهُ مُسلم. وَلَيْسَ لَهَا وَقت ضَرُورَة. وتعجيلها مُطلقًا أفضل. وَهِي رَكْعَتَانِ إِجْمَاعًا، حضرا وسفرا، وَتَأْخِير الْكل مَعَ أَمن فَوت الْوَقْت لمصلي كسوف ومعذور كحاقن وحاقب وتائق إِلَى نَحْو طَعَام أفضل. وَلَو أمره وَالِده بِالتَّأْخِيرِ ليُصَلِّي بِهِ أخر ليُصَلِّي بِهِ، وَظَاهره وجوبا لطاعة وَالِده وَإِن أَخّرهُ لغير ذَلِك لم يُؤَخر.
وَيجب التَّأْخِير لتعلم الْفَاتِحَة وَلذكر وَاجِب من بَاب مَالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ. وَتحصل فَضِيلَة التَّعْجِيل بالتأهب أول الْوَقْت، بِأَن يشْتَغل بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوهَا عِنْد دُخُول الْوَقْت. وَمن أَيَّام الدَّجَّال ثَلَاثَة أَيَّام طوال يَوْم كَسنة فَيصَلي فِيهِ صَلَاة سنة. قَالَه فِي الْإِقْنَاع. قَالَ فِي شَرحه: قلت وَكَذَا الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج. انْتهى. وَيَوْم كشهر فيصلى فِيهِ صَلَاة شهر. وَيَوْم كجمعة فيصلى فِيهِ صَلَاة جُمُعَة. وتدرك مَكْتُوبَة أَدَاء بتكبيرة إِحْرَام فِي وَقتهَا أَي الْمَكْتُوبَة، وَلَو جُمُعَة وَأدْركَ مِنْهَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ونواها ظهرا فِي وَقتهَا فقد أدْركهَا أَدَاء لَهَا فِي المكتوبات، كَمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَة لَكِن يحرم تَأْخِيرهَا أَي الصَّلَاة إِلَى وَقت لَا يَسعهَا. وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يتيقنه أَي دُخُول الْوَقْت أَو حَتَّى يغلب على ظَنّه دُخُوله أَي الْوَقْت إِن عجز عَن الْيَقِين، وَيُعِيد من صلى بِاجْتِهَاد إِن تبين لَهُ أَنه أَخطَأ الْوَقْت فصلى قبله لوقوعها نفلا وَبَقَاء فَرْضه عَلَيْهِ، فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ خطأ فَلَا إِعَادَة. وَيُعِيد أعمى عَاجز عَن معرفَة الْوَقْت عدم مُقَلدًا بِفَتْح اللَّام أَي من يقلده فِي دُخُول الْوَقْت حَتَّى لَو أصَاب لِأَن فَرْضه التَّقْلِيد وَلم يُوجد. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو قدر على الِاسْتِدْلَال للْوَقْت فَفعل لَا إِعَادَة عَلَيْهِ مَا لم يتَبَيَّن خطأه. وَيعْمل بِأَذَان ثِقَة عَارِف وَكَذَا إخْبَاره بِدُخُولِهِ عَن يَقِين لَا عَن ظن، بل يجْتَهد هُوَ حَيْثُ أمكنه فَإِن تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد عمل بقوله. ذكره ابْن تَمِيم وَغَيره.
وَإِذا دخل وَقت صَلَاة بِقدر تَكْبِيرَة ثمَّ طَرَأَ مَانع من الصَّلَاة كجنون وحيض ثمَّ زَالَ، قضيت، تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي أدْرك التَّكْبِيرَة من وَقتهَا فَقَط، وَلَا يلْزمه قَضَاء مَا بعْدهَا وَلَو جمع إِلَيْهَا. وَمن صَار أَهلا لوُجُوبهَا أَي الصَّلَاة كبلوغ صَغِير وعقل مَجْنُون وَنَحْوه، كزوال مَانع من نَحْو حيض وَكفر قبل خُرُوج وَقتهَا بتكبيرة لَزِمته وَمَا يجمع إِلَيْهَا قبلهَا إِن كَانَت تجمع، فَإِذا طَرَأَ ذَلِك قبل الْعَصْر قضى الظّهْر وَحدهَا، وَإِن كَانَ قبل الْمغرب قضى الظّهْر وَالْعصر. وَيجب فَوْرًا أَي على الْفَوْر قَضَاء فوائت جمع فَائِتَة مُرَتبا نَص عَلَيْهِ وَلَو كثرت إِلَّا إِذا حضر لصَلَاة عيد فيؤخر الْفَائِتَة حَتَّى ينْصَرف من مُصَلَّاهُ، لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ مَا لم يتَضَرَّر فِي بدنه أَو فِي مَاله أَو معيشته يحتاجها فَيسْقط الْفَوْر ويقضيها بِحَيْثُ لَا يتَضَرَّر أَو مَا لم ينس التَّرْتِيب بَين الْفَرَائِض حَال قَضَائهَا أَو بَين حَاضِرَة وفائتة حَتَّى فرغ من الْحَاضِرَة، أَي فَيسْقط عَنهُ التَّرْتِيب وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ أَو مالم يخْش بِصَلَاة الْفَائِتَة فَوت الصَّلَاة حَاضِرَة بِخُرُوج وَقتهَا أَو يخْش فَوت وَقت اخْتِيَارهَا أَي الْحَاضِرَة، فَيسْقط التَّرْتِيب أَيْضا لَا بِجَهْل وُجُوبه. وَيجوز التَّأْخِير لغَرَض صَحِيح كانتظار رفْقَة أَو جمَاعَة للصَّلَاة، وَلَا يَصح نفل مُطلقًا مِمَّن عَلَيْهِ فَائِتَة حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّأْخِير لشَيْء مِمَّا تقدم. وَإِن قلت الْفَوَائِت قضى سننها الرَّوَاتِب مَعهَا، وَإِن كثرت فَالْأولى تَركهَا إِلَّا سنة الْفجْر فيقضيها، وَإِن كثرت لتأكدها وحث الشَّارِع عَلَيْهَا، وَيَأْتِي فِي صَلَاة التَّطَوُّع فِي ذكر السّنَن الرَّاتِبَة.
وَيُخَير فِي الْوتر إِذا فَاتَ مَعَ الْفَرْض وَكثر وَإِلَّا قَضَاهُ اسْتِحْبَابا، وَلَا تسْقط الْفَائِتَة بِحَجّ وَلَا تَضْعِيف صَلَاة فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَلَا بِغَيْر ذَلِك. وَسن أَن يُصَلِّي الْفَائِتَة جمَاعَة إِن أمكن. وَإِن ذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي حَاضِرَة أتمهَا غير الإِمَام نفلا إِمَّا رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا مَا لم يضق الْوَقْت، ويقطعها الإِمَام نصا مَعَ سعته، وَاسْتثنى جمَاعَة الْجُمُعَة فَلَا يقطعهَا الإِمَام إِذا ذكر الْفَائِتَة فِي أَثْنَائِهَا. وَإِن ضَاقَ الْوَقْت بِأَن لم يَتَّسِع لسوى الْحَاضِرَة أتمهَا الإِمَام وَغَيره، وَإِن اتَّسع للفائتة ثمَّ الْحَاضِرَة فَقَط قطعهَا أَيْضا غير الإِمَام لعدم صِحَة النَّفْل إِذا، وَإِن ذكر الْفَائِتَة قبل إِحْرَامه بِالْجمعَةِ استناب فِيهَا وَقضى الْفَائِتَة، فَإِن أدْرك الْجُمُعَة مَعَ نَائِبه وَإِلَّا صلى الظّهْر. وَإِن نَام مُسَافر عَن الصَّلَاة حَتَّى خرج الْوَقْت سنّ لَهُ الِانْتِقَال من مَكَانَهُ ليقضي الصَّلَاة فِي غَيره. الثَّالِث من شُرُوط الصَّلَاة ستر الْعَوْرَة بِفَتْح السِّين مصدر ستر وبكسرها مَا يستر بِهِ. وَهِي سوءة الْإِنْسَان وكل مَا يستحيا مِنْهُ وَيجب ستر الْعَوْرَة حَتَّى خَارِجهَا أَي الصَّلَاة وَحَتَّى عَن نَفسه وَحَتَّى فِي خلْوَة وظلمة لَا من أَسْفَل أَي من جِهَة الرجلَيْن وَلَو تيَسّر النّظر إِلَيْهَا، بِمَا أَي بساتر لَا يصف الْبشرَة سوادها أَو بياضها، فَإِن وصف الحجم فَلَا بَأْس وَيَكْفِي فِي سترهَا وَلَو مَعَ وجود ثوب حشيش وورق شجر وَنَحْوهمَا كليف وَجلد. وَلَا يلْزمه ببارية وحصير وَنَحْوهمَا مِمَّا يضرّهُ وَلَا بحفيرة وطين وَمَاء كدر. وَلَا يَكْفِي سترهَا بِمَا يصف الْبشرَة. قَالَ فِي شرح
الْإِقْنَاع: قلت لَكِن إِن لم يجد غَيره وَجب لحَدِيث (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) انْتهى. وَيجوز كشفها لضَرُورَة كتداو وختان وَمَعْرِفَة بُلُوغ وثيوبة وولادة وعيب وَنَحْو ذَلِك. وعورة الرجل مُبْتَدأ أَي ذكر بَالغ وَلَو عبدا أَو ابْن عشر وَخُنْثَى مُشكل بلغ عشرا وعورة حرَّة مراهقة قاربت الْبلُوغ، وعورة مُمَيزَة تمّ لَهَا سبع سِنِين مَا بَين سرة وركبة وعورة أمة مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت مُدبرَة أَو مُكَاتبَة أَو أم ولد أَو مبعضة أَو مُعَلّقا عتقهَا على صفة مَا بَين سرة وركبة خبر، وَيسْتَحب استتارها كَالْحرَّةِ الْبَالِغَة احْتِيَاطًا. وَعلم مِمَّا سبق أَن السُّرَّة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة بل الْعَوْرَة مَا بَينهمَا وعورة ذكر وَخُنْثَى ابْن سبع سِنِين إِلَى عشر سِنِين الفرجان لِأَنَّهُ دون الْبَالِغ وكل الْحرَّة الْبَالِغَة عَورَة حَتَّى ظفرها وشعرها مُطلقًا إِلَّا وَجههَا فِي الصَّلَاة قَالَ جموع: وكفيها وَاخْتَارَهُ الْمجد وَجزم بِهِ فِي الْعُمْدَة وَالْوَجِيز. وَالْوَجْه والكفان عَورَة خَارِجهَا بِاعْتِبَار النّظر كَبَقِيَّة بدنهَا. وَشرط فِي فرض الرجل الْبَالِغ قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: ظَاهره وَلَو فرض كِفَايَة وَمثله الْخُنْثَى ستر جَمِيع أحد العاتقين بلباس وَلَو وصف الْبشرَة فَلَا يُجزئ نَحْو حَبل وَمن انْكَشَفَ بعض عَوْرَته وَهُوَ فِي الصَّلَاة وفحش الانكشاف إِن طَال الزَّمن وَلَو بِلَا قصد، أعَاد الصَّلَاة لَا إِن انْكَشَفَ يسير مِنْهَا لَا يفحش فِي النّظر بِلَا قصد وَلَو فِي زمن طَوِيل، وَلَا إِن انْكَشَفَ كثير مِنْهَا فِي زمن قصير.
فَلَو أطارت الرّيح وَنَحْوهَا سترته عَن عَوْرَته فَبَدَا مِنْهَا مَا لم يعف عَنهُ وَلَو كلهَا فَأَعَادَهُ سَرِيعا بِلَا عمل كثير لم تبطل. وَإِن كشف يَسِيرا مِنْهَا قصدا بطلت. أَو أَي وَمن صلى فِي نجس لعدم، وَيجب ذَلِك، أعَاد أَو صلى فِي غصب أَي مَغْصُوب عينا أَو مَنْفَعَة كَمَا لَو ادّعى أَنه اسْتَأْجر أَرضًا وَكَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ، وَمثله مَسْرُوق وَنَحْوه وَمَا ثمنه الْمعِين حرَام عَالما ذَاكِرًا أعَاد، أَو صلى فِي منسوج بِذَهَب أَو فضَّة أَو حَرِير كُله أَو غالبه حَيْثُ حرم ذَلِك بِأَن كَانَ على ذكر وَلم يكن الْحَرِير لحَاجَة وَفعله عَالما ذَاكِرًا أعَاد، سَوَاء كَانَ الْمَغْصُوب كُله أَو بعضه ثوبا أَو بقْعَة مشَاعا أَو معينا فِي مَحل الْعَوْرَة أَو غَيرهَا لِأَنَّهُ يتبع بعضه بَعْضًا فِي البيع، وَيَأْتِي بعضه فِي كتاب الْغَصْب أعَاد الصَّلَاة ، قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: أَو حج بِغَصب أَو بِمَال مَغْصُوب أَو على حَيَوَان مَغْصُوب عَالما ذكرا لم يَصح. انْتهى. وَإِن صلى على أَرض غَيره وَلَو مزروعة أَو على مصلاة بِلَا غصب وَلَا ضَرَر جَازَ. وَيصلى فِي حَرِير لعدم، وعريان مَعَ غصب وَلَا يُعِيد فيهمَا. وَلَو كَانَ ثَوْبَان نجسان صلى فِي أقلهما نَجَاسَة. وَلَا يُعِيد من حبس فِي مَحل نجس أَو غصب بِشَرْط أَن لَا يُمكنهُ الْخُرُوج مِنْهُ وَمن لم يجد إِلَّا مَا يستر عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه فَقَط ستر عَوْرَته وَصلى قَائِما. وَإِن كَانَت تَكْفِي عَوْرَته فَقَط أَو مَنْكِبه وعجزه فَقَط ستر مَنْكِبه وعجزه وَصلى جَالِسا اسْتِحْبَابا. فَإِن لم يكف جَمِيع الْعَوْرَة ستر الفرجين، فَإِن لم يكف إِلَّا أَحدهمَا خير، وَالْأولَى ستر الدبر، وَتصلي
العراة جمَاعَة وجوبا وإمامهم فِي وَسطهمْ أَي بَينهم وجوبا فَإِن تقدمهم بطلت. قَالَ فِي الْمُبْدع: فِي الْأَصَح إِلَّا فِي ظلمَة أَو كَانُوا عميانا فَيجوز تقدمه عَلَيْهِم وَلَا إِعَادَة. وَالرَّابِع من شُرُوط الصَّلَاة اجْتِنَاب نَجَاسَة وَهِي عين كميتة، أَو صفة كأثر بَوْل بِمحل طَاهِر منع الشَّرْع مِنْهَا بِلَا ضَرُورَة لَا لأَذى فِيهَا طبعا احْتِرَاز عَن السميات من النَّبَات، وَلَا لحق الله تَعَالَى، احْتِرَاز عَن صيد الْحرم، وَلَا لحق غَيره احْتِرَاز عَن مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَيحرم تنَاوله لحق مَالِكه غير مَعْفُو عَنْهَا أَي النَّجَاسَة فِي ثوب وبدن وبقعة مُتَعَلق باجتناب مَعَ الْقُدْرَة على اجتنابها فَمَتَى لاقاها بِبدنِهِ أَو ثَوْبه أَو حملهَا عَالما أَو جَاهِلا أَو نَاسِيا أَو حمل قَارُورَة فِيهَا نَجَاسَة أَو آجرة بَاطِنهَا نجس أَو بَيْضَة مذرة أَو فِيهَا فرخ ميت أَو عنقود من عِنَب حباته مستحلية خمرًا - قَادِرًا على اجتنابها لم تصح صلَاته. وَإِن مس ثَوْبه ثوبا نجسا لم يسْتَند إِلَيْهِ، أَو قَابل النَّجَاسَة رَاكِعا أَو سَاجِدا، أَو كَانَت بَين رجلَيْهِ من غير ملاقاة، أَو حمل حَيَوَانا طَاهِرا، أَو آدَمِيًّا مستجمرا، أَو سَقَطت عَلَيْهِ النَّجَاسَة فأزالها أَو زَالَت سَرِيعا بِحَيْثُ لم يطلّ الزَّمن فَصلَاته صَحِيحَة. وَإِن طين أَرضًا نَجِسَة أَو بسط عَلَيْهَا أَو على حَيَوَان نجس أَو على حَرِير شَيْئا طَاهِرا ضَعِيفا لَا خَفِيفا مهلهلا، أَو غسل وَجه آجر وَصلى عَلَيْهِ أَو على بِسَاط بَاطِنه فَقَط نجس أَو على علو سفله غصب أَو على سَرِير تَحْتَهُ نجس كرهت وَصحت
وَمن جبر عظمه كمن انْكَسَرَ سَاقه فجبره بِنَجس أَو جرح جرحا ف خاطه بِنَجس فجبر وَصَحَّ الْعظم وَالْجرْح وتضرر بقلعه من مرض أَو غَيره لم يجب قلعه كَمَا لَو خَافَ تلف عُضْو وَنَحْوه. وَإِن لم يخف ضَرَرا لزمَه إِزَالَته لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا من غير ضَرَر فَلَو صلى مَعَه لم تصح صلَاته، فَلَو مَاتَ من لزمَه إِزَالَته أزيل وجوبا، وَإِن غطاه اللَّحْم لم يتَيَمَّم لَهُ لتمكنه من غسل مَحل الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وَيتَيَمَّم وجوبا إِن لم يغطه أَي الْجَبْر وَنَحْوه اللَّحْم لعدم غسله بِالْمَاءِ. وَقَالَ فِي شرح الْإِقْنَاع: قلت وَيُشبه ذَلِك الوسم إِن غطاه اللَّحْم غسله وَإِلَّا تيَمّم لَهُ. انْتهى. وَيُبَاح دُخُول الْكَنَائِس وَالْبيع الَّتِي لَا صور لَهَا، وتباح الصَّلَاة فِيهَا إِذا كَانَت نظيفة. وَتكره الصَّلَاة فِيمَا فِيهِ صُورَة وَلَا تصح الصَّلَاة تعبدا بِلَا عذر من نَحْو حبس فِي مَقْبرَة بِتَثْلِيث الْبَاء مَعَ فتح الْمِيم وبكسرها مَعَ فتح الْبَاء قديمَة كَانَت أَو حَدِيثَة تقلبت أَو لَا. وَهِي مدفن الْمَوْتَى وَلَا تصح الصَّلَاة فِي خلاء بِالْمدِّ هُوَ مَا أعد لقَضَاء الْحَاجة وَلَو مَعَ طَهَارَته من النَّجَاسَة وَهُوَ لُغَة الْبُسْتَان ثمَّ أطلق على مَحل قَضَاء الْحَاجة فَيمْنَع من الصَّلَاة دَاخل بَابه، وَمَوْضِع الكنيف وَغَيره سَوَاء، لتناول الِاسْم لَهُ
وَلَا تصح الصَّلَاة فِي حمام فداخله وخارجه وأتونه كل مَا يغلق عَلَيْهِ الْبَاب وَيدخل مَعَه فِي البيع كَهُوَ. وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أعطان إبل جمع عطن بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا تقيم فِيهِ وتأوي إِلَيْهِ. وَلَا بَأْس فِي مَوَاضِع نُزُولهَا فِي سَيرهَا وَلَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تناخ فِيهَا لعلفها أَو وُرُودهَا المَاء. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي مجزرة وَهِي مَا أعد للذبح فِيهِ وَلَا فِي مزبلة وَهِي مرمى الزبالة وَلَو طَاهِرَة وَلَا فِي قَارِعَة الطَّرِيق أَي مَحل قرع الْأَقْدَام من الطَّرِيق سَوَاء كَانَ فِيهِ سالك أَو لَا، وَلَا بَأْس بطرِيق الأبيات القليلة وَلَا بِمَا على جادة الطَّرِيق يمنة ويسره وَلَا تصح الصَّلَاة أَيْضا فِي أسطحتها أَي هَذِه الْأَمَاكِن كلهَا. وَلَا فِي ساباطا على طَرِيق، لِأَن الْهَوَاء تَابع الْقَرار بِدَلِيل أَن الْجنب يمْنَع من اللّّبْث على سطح الْمَسْجِد، وَإِن من حلف لَا يدْخلهُ دَارا يَحْنَث بِدُخُول سطحها. وَلَا تصخ الصَّلَاة على سطح نهر، قَالَ ابْن عقيل: لِأَن المَاء لَا يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيره هُوَ كالطريق. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره: الْمُخْتَار الصِّحَّة. انْتهى. وَقد يفرق بَينه وَبَين السَّفِينَة بِأَنَّهَا مَظَنَّة الْحَاجة سوى صَلَاة جَنَازَة بمقبرة، وَسوى جُمُعَة وَعِيد وجنازة وَنَحْوهَا بطرِيق الضَّرُورَة، وَسوى غصب أَي مَوضِع مَغْصُوب نَص عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهُ إِذا صلاهَا الإِمَام فِي الْغَصْب وَامْتنع النَّاس من الصَّلَاة مَعَه فَاتَتْهُمْ، وَلذَلِك صحت خلف الْخَوَارِج والمبتدعة، وَسوى صَلَاة على رَاحِلَة بطرِيق.
وَتَصِح الصَّلَاة فِي كل الْأَمَاكِن الْمُتَقَدّمَة لعذر كَمَا لَو حبس فِيهَا بِخِلَاف خوف فَوت الْوَقْت فِي ظَاهر كَلَامهم. وَتكره الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل وَلَو كمؤخر رَحل، وَلَو غيرت بِمَا يزِيل اسْمهَا كجعل حمام دَارا فصلى فِيهَا صحت. وكمقبرة مَسْجِد حدث بهَا فَلَا تصح الصَّلَاة فِيهَا سوى صَلَاة الْجِنَازَة أَو لعذر. قَالَ الْآمِدِيّ: لَا فرق بَين الْمَسْجِد الْقَدِيم وَالْمَسْجِد الحَدِيث. انْتهى. وَإِن حدثت الْقُبُور بعده حوله أَو فِي قبلته كرهت الصَّلَاة إِلَيْهَا بِلَا حَائِل. وَفِي الْهدى: لَو وضع الْقَبْر وَالْمَسْجِد مَعًا لم يجز، وَلم يَصح الْوَقْف وَلَا الصَّلَاة إِلَيْهَا. انْتهى ذكره فِي شرح الْمُنْتَهى. وَلَا تصح الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة وَلَا على ظهرهَا إِلَّا إِذا وقف على مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهَا، أَو صلى خَارِجهَا وَسجد فِيهَا، فَيصح فَرْضه. والحجز مِنْهَا وَقدره سِتَّة أَذْرع فَيصح التَّوَجُّه إِلَيْهِ والتنفل فِيهِ، وَأما الْفَرْض فكداخلها لَا يَصح إِلَّا إِذا وقف على منتهاه بِحَيْثُ لم يبْق وَرَاءه شَيْء مِنْهُ أَو وقف خَارجه وَسجد فِيهِ.
الْخَامِس من شُرُوط الصَّلَاة اسْتِقْبَال الْقبْلَة لقَوْله تَعَالَى: 19 ( {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} ) . وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِهِ أَي الِاسْتِقْبَال إِلَّا لعاجز عَنهُ كالتحام حَرْب وهرب من سيل أَو سبع أَو نَار، وكمريض عجز عَنهُ أَو عَمَّن يديره إِلَى الْقبْلَة، ومربوط ومصلوب لغير الْقبْلَة فَتَصِح صلَاته إِلَى غَيرهَا بِلَا إِعَادَة
وَلَا تصح الصَّلَاة بِدُونِ الِاسْتِقْبَال إِلَّا لمنتفل رَاكب وماش فِي سفر مُبَاح وَلَو قَصِيرا فَيصَلي لجِهَة سيره. وَيصِح نذر الصَّلَاة على الرَّاحِلَة. وَإِن ركب الْمُسَافِر النَّازِل أَي غير السائر وَهُوَ فِي نَافِلَة بطلت سَوَاء كَانَ ينتفل قَائِما أَو قَاعِدا، لِأَن حَالَته حَالَة إِقَامَة فَيكون ركُوبه فِيهَا بِمَنْزِلَة الْعَمَل الْكثير من الْمُقِيم لَا لصَلَاة الْمَاشِي فيتمها إِذا ركب. وَإِن نزل الْمُسَافِر الرَّاكِب فِي أثْنَاء نَافِلَة نزل مُسْتَقْبلا وأتمها نصا. وَيلْزم الرَّاكِب افْتِتَاح النَّافِلَة إِلَى الْقبْلَة بالدابة أَو بِنَفسِهِ إِن أمكنه ذَلِك بِلَا مشقة، وَكَذَا إِن أمكنه رُكُوع أَو سُجُود واستقبال على الرَّاحِلَة كراكب سفينة أَو محفة بِكَسْر الْمِيم وَنَحْوهَا أَو كَانَت رَاحِلَته واقفة، فَإِن لم يُمكن افتتاحها إِلَى الْقبْلَة كمن على بعير مقطور افتتحها إِلَى غَيرهَا، وَأَوْمَأَ بركوع وَسُجُود إِلَى جِهَة سيره طلبا للسهولة عَلَيْهِ، وَيكون سُجُوده أَخفض من رُكُوعه وجوبا إِن قدر، وَتلْزَمهُ الطُّمَأْنِينَة. وَتعْتَبر طَهَارَة مَحَله من نَحْو سرج وإكاف كَغَيْرِهِ لعدم الْمَشَقَّة فَإِن كَانَ المركوب نجس الْعين كبغل وحمار أَو أَصَابَت مَوضِع الرّكُوب مِنْهُ نَجَاسَة وفوقه حَائِل طَاهِر من برذعة وَنَحْوهَا صحت الصَّلَاة، وَإِن وطِئت دَابَّته نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَإِن وَطئهَا الْمَاشِي عمدا فَسدتْ صلَاته. وَفرض مصل قريب مِنْهَا أَي من الْكَعْبَة أَو من مَسْجده إِصَابَة عينهَا أَي الْكَعْبَة بِبدنِهِ كُله بِحَيْثُ لَا يخرج شَيْء مِنْهُ عَنْهَا وَلَا يضر علو وَلَا نزُول، إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ الْإِصَابَة بِحَائِل كجبل وَنَحْوه فَإِنَّهُ يجْتَهد.
وَفرض مصل بعيد عَنْهَا وَهُوَ من لم يقدر على المعاينة وَلَا على من يُخبرهُ عَن علم جِهَتهَا أَي الْكَعْبَة بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يضر انحراف يسير يمنة ويسرة لمن بعد عَنْهَا وَيعْمل وجوبا بِخَبَر مُسلم ثِقَة مُكَلّف عدل ظَاهرا وَبَاطنا بِيَقِين وَيعْمل وجوبا بمحاريب الْمُسلمين إِن علم أَنَّهَا لَهُم عُدُولًا كَانُوا أَو فساقا وَإِن اشتبهت الْقبْلَة فِي السّفر اجْتهد عَارِف بأداتها أَي الْقبْلَة جمع دَلِيل وَهُوَ لُغَة المرشد وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، وَاصْطِلَاحا مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري وَيحصل الْعلم المكتسب عقبه عَادَة. وَيسْتَحب تعلمهَا مَعَ أَدِلَّة الْوَقْت، وأثبتها القطب بِتَثْلِيث الْقَاف وَهُوَ نجم خَفِي شمَالي لَا يبرح من مَكَانَهُ دَائِما، وَقيل يَزُول قَلِيلا، يكون وَرَاء ظهر الْمصلى بِالشَّام وَمَا حاذاها وَحَوله أنجم كفراشة الرَّحَى أَو كالسمكة فِي أحد طرفيها الفرقدان وَفِي الطّرف الآخر الجدي، قَالُوا وَبَين ذَلِك أنجم صغَار منقوشة كنقوش الفراشة ثَلَاثَة من فَوق وَثَلَاثَة من تَحت تَدور هَذِه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرَّحَى حول سفودها فِي كل يَوْم وَلَيْلَة دورة نصفهَا بِاللَّيْلِ وَنِصْفهَا بِالنَّهَارِ فِي الزَّمن المعتدل، فَيكون الفرقدان عِنْد طُلُوع الشَّمْس فِي مَكَان الجدي عِنْد غُرُوبهَا. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) فِي شرح الْعُمْدَة: إِذا جعل الشَّامي القطب بَين أُذُنه الْيُسْرَى ونقرة الْقَفَا فقد اسْتقْبل مَا بَين الرُّكْن الشَّامي والميزاب. انْتهى. وَمن أدلتها الشَّمْس وَالرِّيح، قَالَ فِي الْإِقْنَاع وَشَرحه: وَالِاسْتِدْلَال بهَا حد فِي الصحارى، وَأما بَين الْجبَال والبنيان فَإِنَّهَا تَدور فتختلف
وَتبطل دلالتها، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بهَا ضَعِيف. انْتهى. وَمن أدلتها الْجبَال الْكِبَار فَكلهَا ممتدة عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَى يسرته، وَهَذِه دلَالَة قَوِيَّة تدْرك بالحس، لَكِن تضعف من وَجه آخر وَهُوَ أَن الْمُصَلِّي يشْتَبه عَلَيْهِ هَل يَجْعَل الْجَبَل الممتد خَلفه أَو قدامه، فَتحصل الدّلَالَة على جِهَتَيْنِ والاشتباه على جِهَتَيْنِ، هَذَا إِذا لم يعرف وَجه الْجَبَل فَإِن عرفه استقبله وَهُوَ مَا فِيهِ مصعده، فَإِن وُجُوه الْجبَال إِلَى الْقبْلَة. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَمن أدلتها الْأَنْهَار الْكِبَار غير المحدودة كدجلة وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا تجْرِي عَن يمنة الْمُصَلِّي إِلَيّ يسرته إِلَّا نَهرا بخراسان وَهُوَ المقلوب ونهرا بِالشَّام وَهُوَ العَاصِي يجريان عَن يسرة الْمُصَلِّي إِلَيّ يمنته قَالَ فِي الْإِقْنَاع: وَالِاسْتِدْلَال بالأنهار فرع عَن الِاسْتِدْلَال بالجبال، فَإِنَّهَا تجْرِي فِي الْخلال الَّتِي بَين الْجبَال ممتدة مَعَ امتدادها. وقلد غَيره بِالرَّفْع عطف على اجْتهد أَي يُقَلّد غير الْعَارِف بأدلة الْقبْلَة كالجاهل بهَا الْعَاجِز عَن تعلمهَا قبل خُرُوج الْوَقْت، وكالأعمى فَيجب عَلَيْهِمَا أَن يقلدا الأوثق عِنْدهمَا لِأَنَّهُ أقرب إِصَابَة فِي نظره وَلَا مشقة عَلَيْهِمَا فِي تَقْلِيده، وَإِن صلى الْعَارِف أَو غَيره بِلَا أَحدهمَا أَي بِأَن صلى الْعَارِف بِلَا اجْتِهَاد أَو الْجَاهِل وَنَحْوه بِلَا تَقْلِيد أَو الْبَصِير حضرا فَأَخْطَأَ أَو الْأَعْمَى بِلَا دَلِيل مَعَ الْقُدْرَة على ذَلِك قضى كل صلَاته مُطلقًا لِأَنَّهُ مفرط عَمَّا وَجب عَلَيْهِ.
السَّادِس من شُرُوط الصَّلَاة النِّيَّة وَهِي لُغَة الْقَصْد وَشرعا عزم الْقلب على فعل الشَّيْء. وَيُزَاد فِي عبَادَة: تقربا إِلَى الله تَعَالَى. وَلَا يضر سبق لِسَانه بِغَيْر مَا نوى كَمَا لَو أَرَادَ أَن يَقُول: أُصَلِّي الظّهْر، مثلا فَقَالَ أُصَلِّي الْعَصْر. أَو: أَصوم غَدا. أَو نَحوه. وَلَا شكّ فِي النِّيَّة أَو فِي فرض بعد فرَاغ كل عبَادَة. ومحلها الْقلب وَلَا تسْقط بِحَال. وشروطها الْإِسْلَام وَالْعقل والتمييز، وزمنها أول الْعِبَادَة أَو قبيلها بِيَسِير فَيجب تعْيين صَلَاة مُعينَة فرضا كَانَت أَو نفلا، فينوي كَون الصَّلَاة ظهرا أَو عصرا أَو نذرا إِن كَانَت كَذَلِك أَو تراويح أَو وترا أَو راتبة لتمتاز عَن غَيرهَا لَا قَضَاء فِي فَائِتَة وَلَا أَدَاء فِي حَاضِرَة وَلَا فَرِيضَة فِي فرض وَسن مقارنتها لتكبيرة إِحْرَام فتقارب الْعِبَادَة وخروجا من خلاف من أوجبه كالآجرى وَغَيره. وَيجب اسْتِصْحَاب حكمهَا إِلَى آخر الصَّلَاة بِأَن لَا يَنْوِي قطعهَا. وَيسن اسْتِصْحَاب ذكرهَا، لَو ذهل عَنْهَا أَو غربت عَنهُ فِي أثْنَاء الصَّلَاة لم تبطل، لِأَن التَّحَرُّز من هَذَا غير مُمكن وَقِيَاسًا على الصَّوْم وَغَيره، وَلَا يضر تَقْدِيمهَا النِّيَّة عَلَيْهَا أَي على التَّكْبِيرَة للْإِحْرَام فَإِن تقدّمت عَلَيْهَا بِزَمن يسير بعد دُخُول الْوَقْت فِي أَدَاء أَو راتبة وَلم يفسخها وَلم يرْتَد صحت صلَاته.
وَمن أحرم بِفَرْض فِي وقته المتسع ثمَّ قلبه نفلا صَحَّ سَوَاء كَانَ صلى الْأَكْثَر مِنْهَا أَو الْأَقَل، وَسَوَاء كَانَ لفرض صَحِيح كمن أحرم مُنْفَردا ثمَّ أُقِيمَت الْجَمَاعَة أَو لغير غَرَض صَحِيح. وَإِن انْتقل الْمُصَلِّي من فرض إِلَى آخر بَطل فَرْضه وَصَارَ نفلا إِن اسْتمرّ وَلم ينْو الثَّانِي من أول تَكْبِيرَة إِحْرَام، فَإِن نَوَاه صَحَّ. وَمن أَتَى بِمَا يفْسد الْفَرْض فَقَط كمن ترك الْقيام بِلَا عذر انْقَلب نفلا لِأَنَّهُ قطع نِيَّة الصَّلَاة فَتَصِير نفلا وَشرط نِيَّة إِمَامَة لإِمَام وَنِيَّة ائتمام لمأموم فينوي إِمَام الْإِمَامَة، ومأموم الِاقْتِدَاء، فَلَو نوى أَحدهمَا دون صَاحبه أَو نوى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه إِمَام الآخر أَو مأمومه لم تصح لَهما ولمؤتم انْفِرَاد لعذر يُبِيح ترك الْجَمَاعَة كتطويل إِمَام وَمرض وَغَلَبَة نُعَاس وَخَوف على أَهله أَو مَاله أَو فَوت رفْقَة وَنَحْوه، وَيقْرَأ مَأْمُوم فَارق فِي قيام أَو يكمل، وَبعدهَا لَهُ الرُّكُوع فِي الْحَال فَإِن ظن مَأْمُوم فِي صَلَاة سر أَن إِمَامه قَرَأَ لم يقْرَأ أَي لم تلْزمهُ الْقِرَاءَة، وَإِن فَارقه فِي ثَانِيَة جُمُعَة أتم جُمُعَة وَتبطل صلَاته أَي الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة إِمَامه لارتباطها بهَا سَوَاء كَانَ بطلَان صَلَاة الإِمَام لعذر أَو لغيره، فَلَا اسْتِخْلَاف إِن سبقه الْحَدث لَا عَكسه أَي لَا تبطل صَلَاة إِمَام بِبُطْلَان صَلَاة مَأْمُوم إِن نوى إِمَام الإنفراد قَالَ فِي الْمُنْتَهى وَشَرحه: ويتمها الإِمَام مُنْفَردا إِن لم يكن مَعَه غير من بطلت صلَاته.