الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي صفة الْحَج وَصفَة الْعمرَة وَمَا يتَعَلَّق وَمَا يتَعَلَّق بذلك. يسن لمتمتع حل فِي عمرته ولمحل بِمَكَّة أَو قربهَا الْإِحْرَام بِالْحَجِّ يَوْم الروية وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة الْحجَّة، إِلَّا لمتمتع لم يجد الْهدى فَيُسْتَحَب أَن يحرم يَوْم السَّابِع ليَكُون آخر الثَّلَاثَة الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَيسن الْمبيت بمنى بِأَن يخرج إِلَيْهَا قبل الزَّوَال فَيصَلي بهَا الظّهْر مَعَ الإِمَام ويبيت بهَا إِلَى أَن يُصَلِّي الْفجْر، فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار من منى فَأَقَامَ بنمرة ندبا، وَهُوَ جبل بِعَرَفَة عَلَيْهِ عَلَامَات الْحرم على يَمِينك إِذا خرجت من مأزمي عَرَفَة تُرِيدُ الْوُقُوف حَتَّى تَزُول الشَّمْس، فَحِينَئِذٍ يسْتَحبّ للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يخْطب خطْبَة وَاحِدَة قَصِيرَة يفتتحها بِالتَّكْبِيرِ يعلمهُمْ فِيهَا الْوُقُوف وَوَقته وَالدَّفْع من عَرَفَات وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وَغير ذَلِك، ثمَّ سَار إِلَى عَرَفَة وَكلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة فَإِنَّهُ لَا يجزىء الْوُقُوف بِهِ، وحد عَرَفَة من الْجَبَل المشرف على عَرَفَة إِلَى الْجبَال الْمُقَابلَة إِلَى مَا يَلِي حَوَائِط بني عَامر، وَجمع عطف على سَار فِيهَا أَي فِي عَرَفَة
من جَازَ لَهُ الْجمع كالمسافر سفر قصر بَين الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا اسْتِحْبَابا إِمَامًا كَانَ أَو غَيره بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ، وَإِن لم يُؤذن فَلَا كَرَاهَة وَالْأَذَان أولى ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَأكْثر عطف أَيْضا فِيهَا من الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار والتضرع وَإِظْهَار الضعْف والافتقار ويلح فِي الدُّعَاء وَلَا يستبطىء الْإِجَابَة، ويجتنب السجع، ويكرر كل دُعَاء ثَلَاثًا، وَأكْثر فِيهَا الدُّعَاء مِمَّا ورد وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت، بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير. اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا وَفِي بَصرِي نورا وَفِي سَمْعِي نورا وَيسر لي أَمْرِي. وَيَدْعُو بِمَا أحب وَوقت الْوُقُوف من طُلُوع فجر يَوْم عَرَفَة وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره وَحكى إِجْمَاعًا من الزَّوَال يَوْم عَرَفَة ذكره فِي الْإِقْنَاع إِلَى طُلُوع فجر يَوْم النَّحْر، فَمن حصل بِعَرَفَة فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو لَحْظَة وَلَو مارا بهَا أَو نَائِما أَو جَاهِلا أَنَّهَا عَرَفَة وَهُوَ من أهل الْوُقُوف صَحَّ حجه لَا إِن كَانَ مَجْنُونا أَو مغمى عَلَيْهِ أَو سَكرَان لعدم عقله إِلَّا أَن يفيقوا وهم بهَا قبل خُرُوج وَقت الْوُقُوف أَو بعد الدّفع مِنْهَا إِن عَادوا ووقفوا بهَا فِي الْوَقْت. وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة فَاتَهُ الْحَج وَيَأْتِي وَيصِح وقُوف الْحَائِض إِجْمَاعًا.
وَيجب أَن يجمع فِي الْوُقُوف بَين اللَّيْل وَالنَّهَار من وقف نَهَارا، فَإِن دفع قبل الْغُرُوب فَعَلَيهِ دم إِن لم يعد قبل خُرُوج الْوَقْت إِلَيْهَا، وَإِن وافاها فَوقف بهَا لَيْلًا فَلَا دم عَلَيْهِ. وَإِن خَافَ فَوت وَقت الْوُقُوف صلى صَلَاة خَائِف إِن رجا إدراكا ثمَّ يدْفع بعد الْغُرُوب من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة بسكينة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا مَعَ تَخْفيف الْكَاف أَي طمأنينة، وَتقدم فِي صفة الصَّلَاة، ويلبي فِي الطَّرِيق وَيذكر الله تَعَالَى وَيجمع فِيهَا أَي مُزْدَلِفَة بَين العشاءين أَي الْمغرب وَالْعشَاء تَأْخِيرا اسْتِحْبَابا من يُبَاح لَهُ الْجمع، يُؤذن للأولى، هَذَا ظَاهر كَلَام الْأَكْثَرين وَاخْتَارَ الخرقى بِلَا أَذَان ذكره فِي شرح الْإِقْنَاع، وَيُقِيم لكل صَلَاة ويبيت بهَا أَي مُزْدَلِفَة حَتَّى يصبح وَيُصلي الْفجْر. وَلَيْسَ لَهُ الدّفع مِنْهَا قبل نصف اللَّيْل فَإِن فعل فَعَلَيهِ دم إِن لم يعد قبل طُلُوع الْفجْر وَلَو جَاهِلا أَو نَاسِيا، وَيُبَاح بعد نصفه، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا سقاة أَو رُعَاة فَيُبَاح لَهُم الدّفع قبل نصفه للْحَاجة إِلَيْهِم وَالْمَشَقَّة عَلَيْهِم، فَإِذا صلى الصُّبْح أول وَقتهَا أَتَى الْمشعر الْحَرَام سمي بذلك لِأَنَّهُ من عَلَامَات الْحَج فرقيه أَي الْمشعر الْحَرَام إِن أمكنه وَإِلَّا يُمكنهُ وقف عِنْده وَحمد الله تَعَالَى وَهَلل وَكبر ودعا وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا وقفتنا فِي وأريتنا إِيَّاه فوقفنا لذكرك كَمَا هديتنا. واغفر لنا وارحمنا كَمَا وعدتنا بِقَوْلِك وقولك الْحق وَقَرَأَ: 19 ( {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} ) الْآيَتَيْنِ 19 ( {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هدَاكُمْ، وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله أَن الله غَفُور رَحِيم} ) .
وَلَا يزَال يَدْعُو حَتَّى يسفر جدا، وَلَا بَأْس بِتَقْدِيم الضعفة وَالنِّسَاء ثمَّ يدْفع قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى منى وَعَلِيهِ السكينَة، فَإِذا بلغ محسرا وَاد بَين مُزْدَلِفَة وَمنى أسْرع رمية أَي قدر رمية حجر رَاكِبًا كَانَ أَو مَاشِيا حَال كَونه ملبيا إِلَى أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي آخر الجمرات مِمَّا يَلِي منى وأولها مِمَّا يَلِي مَكَّة وَأخذ حَصى الْجمار من طَرِيقه قبل أَن يصل منى، وَمن حَيْثُ أَخذه جَازَ، وَيكرهُ من منى وَمن سَائِر الْحرم وَيَأْخُذ سبعين حَصَاة أكبر من الحمص وَدون البندق كحصى الْخذف بِالْخَاءِ والذال المعجمتين أَي الرَّمْي بِنَحْوِ حَصَاة أَو نواة بَين السبابتين يخذف بهَا، فَإِذا وصل إِلَى منى وَحده من وَادي محسر إِلَى جَمْرَة الْعقبَة وليسا من منى فَيَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة وَحدهَا بِسبع حَصَيَات وَاحِدَة بعد أُخْرَى وجوبا، وَإِن رَمَاهَا دفْعَة وَاحِدَة لم تُجزئه إِلَّا عَن وَاحِدَة ويؤدب نصا، قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ انْتهى. وَيشْتَرط الرَّمْي فَلَا يَكْفِي الْوَضع فِي المرمى، وَعلم الْحُصُول بِالرَّمْي فَلَا يَكْفِي ظَنّه، فَلَو رمى حَصَاة فاختطفها طَائِر أَو هبت بهَا الرّيح قبل وُقُوعهَا بالمرمى لم تُجزئه. وَوَقته من نصف لَيْلَة النَّحْر، وَندب بعد الشروق، فَإِن غربت الشَّمْس فَمن غَد بعد الزَّوَال، يرفع يمناه مَعَ كل حَصَاة حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَيكبر مَعَ كل حَصَاة وَيَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ثمَّ ينْحَر ويحلق جَمِيع رَأسه وجوبا أَو يقصر فِي جَمِيع شعره أَي شعر رَأسه نَص لَا من كل شَعْرَة بِعَينهَا، وَالْمَرْأَة تقصر من شعرهَا قدر أُنْمُلَة فَأَقل ثمَّ قد حل لَهُ كل شَيْء من طيب وَغَيره إِلَّا النِّسَاء نصا وطئا ومباشرة وَنَحْوهمَا،
وَيحصل التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة: رمي وَحلق وَطواف، والتحلل الثَّانِي يحصل بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة مَعَ السَّعْي من متمتع مُطلقًا وَمن مُفْرد وقارن إِن لم يسعيا مَعَ إتيانهما بِطواف لِأَنَّهُ ركن ثمَّ يفِيض إِلَى مَكَّة فيطوف مُفْرد وقارن لم يدخلاها قبل للقدوم نصا برمل واضطباع ثمَّ للزيارة، ومتمتع الْقدوم بِلَا رمل وَلَا اضطباع، ثمَّ يطوف طواف الزِّيَارَة نصا الَّذِي هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج كَمَا يَأْتِي، وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة وَطواف الصَّدْر أَيْضا، وشروط صِحَّته ثَلَاثَة عشر: الْإِسْلَام، وَالْعقل، وَالنِّيَّة، وَستر الْعَوْرَة، وطهارة الْحَدث لَا لطفل دون التَّمْيِيز -، وطهارة الْخبث، وتكميل السَّبع، وَجعل الْبَيْت عَن يسَاره، وَالطّواف بِجَمِيعِهِ بألا يطوف على جِدَار الْحجر وَلَا على شاذروان الْكَعْبَة، وَأَن يطوف مَاشِيا مَعَ الْقُدْرَة، وَأَن يوالي بَينه، وَألا يخرج من الْمَسْجِد بل يطوف دَاخله، وَأَن يَبْتَدِئ من الْحجر الْأسود. ثمَّ يسْعَى سعي الْحَج الَّذِي هُوَ ركن أَيْضا إِن لم يكن سعى قبل، وشروطه ثَمَانِيَة: النِّيَّة، وَالْإِسْلَام: وَالْعقل، والموالاة، وَالْمَشْي مَعَ الْقُدْرَة، وَكَونه بعد طواف لَو مسنونا كطواف الْقدوم، وتكميل السَّبع واستيعاب مَا بَين الصَّفَا والمروة، وَقد حل لَهُ كل شَيْء حَتَّى النِّسَاء،
وَيسن أَن يشرب من مَاء زَمْزَم لما أحب لحَدِيث (مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ويتضلع من زَاد فِي التَّبْصِرَة: ويرش على بدنه وثوبه وَيَدْعُو بِمَا ورد وَهُوَ: باسم الله، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لنا علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وريا بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد الْيَاء وكرضا وشبعا بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء وَكسرهَا وسكونها مصدر شبع وشفاء من كل دَاء، واغسل بِهِ قلبِي واملأه من خشيتك زَاد بَعضهم: وحكمتك. وَهَذَا الدُّعَاء شَامِل لخيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ثمَّ رَجَعَ من أَفَاضَ إِلَى مَكَّة بعد الطّواف وَالسَّعْي فيبيت بمنى وجوبا ثَلَاث لَيَال وَيَرْمِي الْجمار الثَّلَاث بهَا فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق بعد الزَّوَال وجوبا وَقبل الصَّلَاة اسْتِحْبَابا، وَآخر وَقت الرَّمْي كل يَوْم إِلَى الْمغرب وَإِن أخر رمي يَوْم وَلَو يَوْم النَّحْر إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق أَجْزَأَ أَدَاء، وَيجب ترتيبه بِالنِّيَّةِ، وَفِي تَأْخِيره عَن أَيَّام التَّشْرِيق دم وَفِي ترك حَصَاة مَا فِي شَعْرَة، وَفِي حصاتين مَا فِي شعرتين، وَفِي أَكثر من ذَلِك دم وَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ إِن لم يخرج قبل الْغُرُوب أَي غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت بمنى وَلَزِمَه الرَّمْي من الْغَد بعد الزَّوَال، وَيسْقط رمي الْيَوْم الثَّالِث عَن متعجل نصا، ويدفن حصاه، وَزَاد بَعضهم: فِي المرمى،
وَفِي منسك ابْن الباعوني: وَيَرْمِي بِهن كَفِعْلِهِ فِي اللواتي قبلهن وَطواف الْوَدَاع وَاجِب يَفْعَله وجوبا كل من أَرَادَ الْخُرُوج فَإِن خرج قبل الْوَدَاع رَجَعَ إِلَيْهِ وجوبا بِلَا إِحْرَام إِن لم يبعد عَنْهَا، فَإِن شقّ أَو بعد مَسَافَة قصر فَأكْثر فَعَلَيهِ دم بِلَا رُجُوع. وَلَا وداع على حَائِض ونفساء إِلَّا أَن تطهر قبل مُفَارقَة البينان ثمَّ يقف فِي الْمُلْتَزم وَهُوَ أَرْبَعَة أَذْرع بَين الرُّكْن الَّذِي بِهِ الْحجر الْأسود وَالْبَاب مُلْصقًا بِهِ جَمِيع بدنه دَاعيا بِمَا ورد وَهُوَ: اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتك، وَأَنا عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك، حَملتنِي على مَا سخرت لي من خلقك، وسيرتني فِي بلادك، حتي بلغتني بنعمتك إِلَى بَيْتك، وأعنتني على أَدَاء نسكي، فَإِن كنت رضيت عني فازدد عني رضَا وَإِلَّا فَمن الْوَجْه فِيهِ ضم الْمِيم وَتَشْديد النُّون على أَنه صِيغَة أَمر من يمن مَقْصُودا بِهِ الدُّعَاء. وَيجوز كسرهَا وَفتح النُّون على أَنه حرف جر ابْتِدَاء الْغَايَة الْآن أَي هَذَا الْوَقْت الْحَاضِر وَجمعه آونة كزمان وأزمنة، قبل أَن تنأى عَن بَيْتك دَاري، فَهَذَا وَقت انصرافي إِن أَذِنت لي، غير مستبدل
بك وَلَا ببيتك وَلَا رَاغِب عَنْك وَلَا عَن بَيْتك. اللَّهُمَّ فأصحبني الْعَافِيَة فِي بدني وَالصِّحَّة فِي جسمي والعصمة فِي ديني، وَأحسن منقلبي، وارزقني طَاعَتك مَا أبقيتني، وَأجْمع لي بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّك على كل شَيْء قدير. وَيَدْعُو بِمَا أحب (وَيُصلي على النَّبِي. وَيَأْتِي الْحطيم نصا وَهُوَ تَحت الْمِيزَاب فيدعو ثمَّ يشرب من مَاء زَمْزَم. قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : ويستلم الْحجر ويقبله، وَتَدْعُو الْحَائِض وَالنُّفَسَاء على بَاب الْمَسْجِد الْحَرَام ندبا بذلك وَسن زِيَارَة قبر النَّبِي وزاده شرفا وكرما، وَسن زِيَارَة قَبْرِي صَاحِبيهِ رضي الله عنهما، فَيَأْتِي قبر النَّبِي فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، كَانَ ابْن عمر رضي الله عنه لَا يزِيد على ذَلِك، فَإِن زَاد فَحسن، وَلَا يرفع صَوته، وَلَا يتمسح وَلَا يمس قبر النَّبِي وَلَا حَائِطه وَلَا يلصق بِهِ صَدره، وَلَا يقبله. أَي يكره ذَلِك لما فِيهِ من إساءة الْأَدَب والابتداع، وَيحرم الطّواف بِغَيْر الْبَيْت الْعَتِيق اتِّفَاقًا قَالَه الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) وَقَالَ: اتَّفقُوا على أَنه لَا يقبله وَلَا يتمسح بِهِ فَإِنَّهُ من الشّرك وَلَا يغفره الله وَلَو كَانَ أَصْغَر. وَقَالَ ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ: يكره قصد الْقُبُور لدعاء، فعلى هَذَا لَا يترخص من سَافر لَهُ.
قَالَ الشَّيْخ 16 (تَقِيّ الدّين) : يكره وُقُوفه عِنْدهَا، انْتهى. وتستحب الصَّلَاة بمسجده وَهِي بِأَلف صَلَاة، وَفِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف، وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَة. وحسنات الْحرم كَصَلَاة، لما روى عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا من حج مَكَّة مَاشِيا حَتَّى يرجع إِلَى مَكَّة كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم. قيل لَهُ: وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: بِكُل حَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة وتعظم السَّيِّئَات فِيهِ، وَكَذَا كل مَكَان فَاضل. وَلَعَلَّ فِي هَذَا إِيمَاء إِلَى أَن تعظيمها فِي الكيف لَا فِي الْكمّ، وَهُوَ كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رحمه الله. وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُنْتَهى تبعا للْقَاضِي وَغَيره أَن التضاعف فِي الْكمّ كَمَا هُوَ ظَاهر نَص الإِمَام أَحْمد. وَسن أَن يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ.
وَصفَة الْعمرَة أَن يحرم بهَا من بِالْحرم من مكي وَغَيره من أدنى أَي أقرب الْحل إِلَى مَكَّة، وَالْأَفْضَل من التَّنْعِيم ثمَّ الْجِعِرَّانَة ثمَّ الْحُدَيْبِيَة ثمَّ مَا بعد. وَحرم إِحْرَامه بهَا من الْحرم، وَيصِح وَعَلِيهِ دم. وَيحرم غَيره أَي غير من بِالْحرم من دويرة أَهله إِن كَانَ دويرة
أَهله دون الْمِيقَات، وَإِلَّا أَي وَإِن لم تكن دون مِيقَات بل كَانَت أبعد مِنْهُ أَو بِهِ ف يجب أَن يحرم مِنْهُ أَي الْمِيقَات ثمَّ يطوف وَيسْعَى لعمرته ويحلق أَو يقصر وَلَا يحل قبل ذَلِك فَهُوَ نسك فِيهَا كَالْحَجِّ. وَلَا بَأْس أَن يعْتَمر فِي السّنة مرَارًا وَيكرهُ الْإِكْثَار مِنْهَا والموالاة بَينهَا نصا. قَالَ فِي الْفُرُوع: بِاتِّفَاق السّلف. وَقَالَ الإِمَام 16 (أَحْمد) : إِن شَاءَ كل شهر. وَقَالَ: لَا بُد أَن يحلق وَيقصر وَفِي عشرَة أَيَّام يُمكنهُ واستحبه جمَاعَة، وَهِي فِي غير أشهر الْحَج أفضل نصا وَفِي رَمَضَان أفضل وَيسْتَحب تكرارها فِيهِ لِأَنَّهَا تعدل حجَّة. وَتسَمى الْعمرَة حجا أَصْغَر لمشاركتها لِلْحَجِّ فِي الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق أَو التَّقْصِير، وانفراده بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة وَغَيره مِمَّا تقدم.
فَائِدَة قَالَ أنس رضي الله عنه: حج النَّبِي حجَّة وَاحِدَة، وَاعْتمر أَربع عمرات: وَاحِدَة فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة الْحُدَيْبِيَة، وَعمرَة مَعَ حجَّته، وَعمرَة الْجِعِرَّانَة إِذْ قسم غَنَائِم حنين، مُتَّفق عَلَيْهِ.