الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي الِاعْتِكَاف. وَهُوَ لُغَة لُزُوم الشَّيْء والاقبال عَلَيْهِ، يُقَال عكف بِفَتْح الْكَاف يعكف بضَمهَا وَكسرهَا، وَشرعا لُزُوم مَسْجِد لطاعة الله تَعَالَى على صفة مَخْصُوصَة من مُسلم عَاقل لَا غسل عَلَيْهِ، وَلَو مُمَيّز وَأقله سَاعَة من ليل أَو نَهَار أَي مَا يُسمى بِهِ معتكفا، وَالِاعْتِكَاف سنة كل وَقت، قَالَ صَاحب الْمُنْتَهى فِي شَرحه: إِجْمَاعًا، إِلَّا أَن ينذره فَيجب على صفة مَا نذر، وَلَا يخْتَص بِزَمَان، وآكده برمضان، وآكده الْعشْر الْأَخير مِنْهُ، وَإِن علق نذر واعتكاف أَو غَيره من التطوعات بِشَرْط فَلهُ شَرطه فَلَا يلْزم حَتَّى يُوجد شَرطه، كَأَن يَقُول: لله عَليّ أَن أعتكف شهر رَمَضَان إِن كنت مُقيما أَو معافى وَنَحْوه، وَيصِح بِلَا صَوْم بِلَا نِيَّة، فَإِن كَانَ فرضا لزمَه نِيَّة الْفَرِيضَة ليتميز الْمَنْذُور عَن التَّطَوُّع،
وَلَا يَصح الِاعْتِكَاف مِمَّن أَي رجل تلْزمهُ الْجَمَاعَة إِلَّا بِمَسْجِد تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَة وَلَو من معتكفين إِن أَتَى عَلَيْهِ أَي الْمُعْتَكف صَلَاة زمن اعْتِكَافه. وَإِن لم تلْزمهُ الْجَمَاعَة كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْد وَنَحْوهمَا صَحَّ اعْتِكَافه بِكُل مَسْجِد، وظهره ورحبته المحوطة وَعَلَيْهَا بَاب نصا، ومنارته الَّتِي هِيَ أَو بَابهَا فِيهِ مِنْهُ. وَالْأَفْضَل لرجل تخَلّل اعْتِكَافه جُمُعَة أَن يعْتَكف فِي جَامع، وَيتَعَيَّن إِن عين. وَلمن لَا جُمُعَة عَلَيْهِ كامرأة ومسافر أَن يعْتَكف بِغَيْرِهِ من الْمَسَاجِد، وَيبْطل بِخُرُوجِهِ إِلَى الْجُمُعَة إِن لم يشْتَرط لِأَن لَهُ مِنْهُ بدا. وَشرط لَهُ أَي الِاعْتِكَاف طَهَارَة مِمَّا يُوجب غسلا من نَحْو جَنَابَة أَو حيض، وَإِن نَذره أَي الِاعْتِكَاف أَو نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد غير الْمَسْجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله فِي غَيره، وَإِن نَذره أَو الصَّلَاة فِي أَحدهمَا أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَلهُ فعله أَي النّذر فِيهِ أَي الْمَسْجِد الَّذِي نذر أَن يعْتَكف أَو يُصَلِّي فِيهِ، وَله فعله فِي الْمَسْجِد الْأَفْضَل مِنْهُ، وأفضلها أَي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَسْجِد مَكَّة ثمَّ مَسْجِد النَّبِي على الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ الْمَسْجِد ثمَّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى. وَإِن عين الْأَفْضَل مِنْهَا لم يُجزئهُ فِيمَا دونه. وَمن نذر شهرا مُطلقًا تَابع، وَمن نذر يَوْمَيْنِ أَو لَيْلَتَيْنِ فَأكْثر مُتَابعَة لزمَه مَا بَين ذَلِك من ليل أَو نَهَار وَلَا يخرج من اعْتكف اعتكافا منذورا مُتَتَابِعًا إِلَّا لما لابد لَهُ مِنْهُ كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يَأْتِيهِ بِهِ نصا. وكقيء بغته وَغسل مُتَنَجّس بحتاجه وَبَوْل وغائط وطهارة وَاجِبَة، وَلَو وضُوءًا قبل دُخُول
وَقت الصَّلَاة، وَله الْمَشْي على عَادَته من غير عجلة، وَله قصد بَيته إِن لم يجد مَكَانا يَلِيق بِهِ لَا ضَرَر عَلَيْهِ وَلَا مِنْهُ. وَيلْزمهُ قصد أقرب منزليه. وَإِن بذل لَهُ صديقه أَو غَيره منزله الْقَرِيب لقَضَاء حَاجته لم يلْزمه، وَله غسل يَده بِمَسْجِد فِي إِنَاء من وسخ وَزفر وَنَحْوهمَا ليفرغ خَارج الْمَسْجِد، وَلَا يجوز أَن يخرج لغسلهما، وَلَا يجوز لَهُ وَلَا لغيره بَوْل وَلَا فصد وَلَا حجامة بِإِنَاء فِيهِ وَفِي هوائه، وَيجوز الْخُرُوج للْجُمُعَة إِن كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ أَو شَرط الْخُرُوج إِلَيْهَا، والتبكير إِلَيْهَا نصا، وَلَا يلْزمه سلوك الطَّرِيق الْأَقْرَب. وَلَا يعود الْمُعْتَكف مَرِيضا وَلَا يشْهد جَنَازَة إِلَّا بِشَرْط مَا لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ كإطفاء حريق وإنفاذ غريق ونفير مُتَعَيّن وَشَهَادَة تحملا وَأَدَاء وَمرض وجنازة تعين خُرُوجه إِلَيْهَا وَنَحْوه فَيجوز الْخُرُوج حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يجوز لَهُ قطع الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع إِذن فَمَا أوجبه على نَفسه أولى لَا شَرط الْخُرُوج إِلَى التِّجَارَة، والتكسب بالصنعة وَنَحْوهَا كالخروج لما شَاءَ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ. وَإِن قَالَ: مَتى مَرضت أَو عرض لي عَارض خرجت فَلهُ شَرطه وَوَطْء الْفرج يُفْسِدهُ أَي الِاعْتِكَاف وَلَو نَاسِيا نصا وَكَذَا أَي كَالْوَطْءِ فِي الْفرج إِنْزَال بِمُبَاشَرَة دونه يُفْسِدهُ وَتحرم عَلَيْهِ الْمُبَاشرَة بِشَهْوَة، وَإِن سكر وَلَو لَيْلًا أَو ارْتَدَّ تطل اعْتِكَافه. وَلَا كَفَّارَة للْوَطْء فِي الِاعْتِكَاف الْمسنون لعدم النَّص وَالْقِيَاس لَا يَقْتَضِيهِ.
وَيلْزم لإفساده أَي الِاعْتِكَاف الْمَنْذُور كَفَّارَة يَمِين. وَسن اشْتِغَاله أَي الْمُعْتَكف بِالْقربِ أَي كل مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة وَالذكر وَنَحْوهَا وَسن لَهُ أَيْضا اجْتِنَاب مَالا يعنيه بِفَتْح أَوله أَي يهمه من جِدَال ومراء وَكَثْرَة كَلَام وَغَيره لِأَنَّهُ مَكْرُوه فِي غير الِاعْتِكَاف فَفِيهِ أولى. وَلَيْسَ الصمت من شَرِيعَة الْإِسْلَام، قَالَ ابْن عقيل: يكره الصمت إِلَى اللَّيْل، وَقَالَ الْمُوفق وَالْمجد: ظَاهر الْأَخْبَار تَحْرِيمه، وَجزم بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الاختيارات: وَالتَّحْقِيق فِي الصمت أَنه إِن طَال حَتَّى تضمن ترك الملام الْوَاجِب صَار حرا، كَمَا قَالَ الصّديق، وَكَذَا إِن تقيد بِالصَّمْتِ عَن الْكَلَام الْمُسْتَحبّ، وَالْكَلَام الْمحرم يجب الصمت عَنهُ، وفضول الْكَلَام يَنْبَغِي الصمت عَنهُ، وَإِن نَذره لم يَفِ بِهِ. وَيحرم جعل الْقُرْآن بَدَلا عَن الْكَلَام. وَيَنْبَغِي لمن قصد الْمَسْجِد أَن يَنْوِي الِاعْتِكَاف مُدَّة لبثه فِيهِ لاسيما إِن كَانَ صَائِما، وَلَا بَأْس أَن يتنظف وَيكرهُ لَهُ الطّيب.