الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(فصل)
فِي بَيَان إِخْرَاج الزَّكَاة وَمن تصرف إِلَيْهِ الزَّكَاة وَصدقَة التَّطَوُّع. وَيجب إِخْرَاج زَكَاة على الْفَوْر مَعَ إِمْكَانه أَي الْإِخْرَاج، وَلَا يجوز تَأْخِيرهَا عَن وَقت الْوُجُوب كنذر مُطلق وَكَفَّارَة إِلَّا أَن يخَاف ضَرَرا كرجوع ساع أَو خوف على نَفسه أَو مَاله وَنَحْوه، أَو كَانَ فَقِيرا مُحْتَاجا إِلَى زَكَاته تختل كِفَايَته ومعيشته بإخراجها نَص عَلَيْهِ، وَتُؤْخَذ مِنْهُ عِنْد يسَاره لما مضى، قَالَ فِي الْإِقْنَاع أَو أَخّرهَا ليعطيها لمن حَاجته أَشد من غَيره أَو قريب أَو جَار لتعذر إخْرَاجهَا من النّصاب لغيبة المَال، وَلَو قدر على الْإِخْرَاج من غَيره. فَلَو جحد وُجُوبهَا جهلا بِهِ وَمثله يجهله كقريب عهد بِالْإِسْلَامِ أَو نشوئه ببادية بعيدَة عرف ذَلِك وَنهى عَن المعاودة، فَإِن أصر وَكَانَ عَالما بِوُجُوبِهَا كفر إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ مكذب الله وَرَسُول الله وَإِجْمَاع الْأمة. وَلَو أخرجهَا جاحدا، وَأخذت مِنْهُ إِن كَانَت وَجَبت استتيب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا فَإِن لم يتب قتل كفرا وجوبا. وَمن منعهَا بخلا وتهاونا أخذت مِنْهُ وعزره إِمَام عدل فِيهَا أَو عَامل
زَكَاة مَا لم يكن جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك. وَإِن غيب مَاله أَو كتمه وَأمكن أَخذهَا أخذت من غير زِيَادَة. وَإِن لم يكن يُمكن استتيب ثَلَاثَة أَيَّام وجوبا فَإِن تَابَ وَأخرج كف عَنهُ وَإِلَّا قتل حدا لَا كفرا وَأخذت من تركته وَيخرج ولي صَغِير وَولي مَجْنُون فِي مَال عَنْهُمَا نَص عَلَيْهِ. وَشرط لَهُ الْإِخْرَاج نِيَّة من مُكَلّف إِلَّا أَن تُؤْخَذ قهرا أَو يغيب مَاله أَو يتَعَذَّر الْوُصُول إِلَى الْمَالِك بِحَبْس أَو أسر فيأخذها السَّاعِي فتجزىء طَاهِرا. وَبَاطنا فِي الْأَخِيرَة، وَفِي الْأَوليين ظَاهرا فَقَط. وَالْأولَى قرن النِّيَّة بِالدفع. وَله تَقْدِيمهَا بِزَمن يسير كَصَلَاة فينوي الزَّكَاة أَو الصَّدَقَة الْوَاجِبَة أَو صَدَقَة المَال لَا صَدَقَة مُطلقَة وَلَو تصدق بِجَمِيعِ مَاله. وَلَا تجب نِيَّة فرض. وَلَو وكل رب المَال فِي إخْرَاجهَا مُسلما ثِقَة نصا أَجْزَأت نِيَّة الْمُوكل مَعَ قرب الْإِخْرَاج، وَإِلَّا نوى الْوَكِيل أَيْضا. وَالْأَفْضَل جعل زَكَاة كل مَال فِي فُقَرَاء بَلَده. وَحرم نقلهَا أَي الزَّكَاة سَوَاء كَانَ لرحم أَو لشدَّة حَاجَة أَو ثغر أَو غَيره إِلَى مَسَافَة قصر إِن وجد أَهلهَا فِي بلد المَال، فَإِن خَالف وَفعل أَجْزَأت. وَله نقل كَفَّارَة وَنذر وَصدقَة نقل وَوَصِيَّة مُطلقَة إِلَى مَسَافَة قصر فَإِن كَانَ الْمُزَكي فِي بلد وَكَانَ مَاله فِي بلد آخر أَو فِي أَكثر أخرج زَكَاة المَال فِي بلد المَال وَأخرج فطرته وفطرة لَزِمته فِي بلد نَفسه أَي الْمُزَكي.
وَيجوز تَعْجِيلهَا أَي الزَّكَاة لحولين فَقَط بعد كَمَال النّصاب لَا مِنْهُ للحولين، وَتَركه أفضل وَلَا تدفع الزَّكَاة إِلَّا إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فَلَا يجوز صرفهَا إِلَى غَيرهم من الْأَصْنَاف كبناء الْمَسَاجِد والقناطر وتكفين الْمَوْتَى وسد البثوق ووقف الْمَصَاحِف وَنَحْوهَا لقَوْله تَعَالَى 19 ((إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء)) الْآيَة وهم الْأَصْنَاف الثَّمَانِية: الْفُقَرَاء جمع فَقير وَهُوَ من لَا يجد شَيْئا أَلْبَتَّة أَو يَجدونَ نصف كِفَايَة، وَالثَّانِي الْمَسَاكِين جمع مِسْكين وَهُوَ من يجد مُعظم الْكِفَايَة أَو نصفهَا، وَإِن تفرغ قَادر على التكسب للْعلم الشَّرْعِيّ لَا لعبادة وَتعذر الْجمع أعْطى، وَالثَّالِث الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا أَي الزَّكَاة، جمع عَامل كجاب وَكَاتب وقاسم وحافظ، وَشرط كَون الْعَامِل مُكَلّفا مُسلما أَمينا كَافِيا من غير ذَوي الْقُرْبَى وَلَو غَنِيا أَو قِنَا، وَالرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم جمع مؤلف وَهُوَ السَّيِّد المطاع فِي عشريته مِمَّن يُرْجَى إِسْلَامه أَو يخْشَى شَره بعطيته قُوَّة إيمَانه أَو إِسْلَام نَظِيره أَو جبايتها مِمَّن لَا يُعْطِيهَا، وَيُعْطى مَا يحصل بِهِ التَّأْلِيف. وَالْخَامِس فِي الرّقاب وهم المكاتبون الْمُسلمُونَ الَّذين لَا يَجدونَ وَفَاء دين وَلَو مَعَ قدرتهم على التكسب، وَالسَّادِس الغارمون جمع غَارِم وَهُوَ ضَرْبَان، الأول من تدين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَو تحمل إتلافا أَو نهبا من غَيره وَلَو غَنِيا وَلم يدْفع من مَاله،
وَالثَّانِي إِذا تدين لشراء نَفسه من كفار أَو تدين لنَفسِهِ فِي مُبَاح، أَو محرم وَتَابَ عَنهُ وأعسر فيعطي وَفَاء دينه، وَلَا يقْضِي مِنْهَا دين على ميت، وَالسَّابِع فِي سَبِيل الله وَهُوَ الْغَازِي فَيعْطى وَلَو غَنِيا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لغزوه، ويجزىء لحج فرض فَقير وعمرته، وَالثَّامِن ابْن السَّبِيل وَهُوَ الْغَرِيب الْمُنْقَطع بِغَيْر بَلَده فِي سفر مُبَاح أَو محرم وَتَابَ مِنْهُ لَا فِي مَكْرُوه وتنزهه، وَيُعْطى وَلَو وجد من يقْرضهُ مَا يبلغهُ بَلَده أَو مُنْتَهى قَصده وَعوده، وَمن أُبِيح لَهُ أَخذ الشَّيْء أُبِيح لَهُ سُؤَاله. وَيجب قبُول مَال أَتَى بِلَا مَسْأَلَة وَلَا استشراف نفس، وَيجوز الِاقْتِصَار فِي إيتَاء الزَّكَاة على إِنْسَان وَاحِد من صنف وَهُوَ قَول عمر وَحُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَلَو غَرِيمه أَو مكَاتبه مَا لم تكن حِيلَة، قَالَ القَاضِي: معنى الْحِيلَة أَن يُعْطِيهِ بِشَرْط أَن يردهَا عَلَيْهِ من دينه لِأَن من شَرطهَا تَمْلِيكًا صَحِيحا. فَإِذا شَرط الرُّجُوع لم يُوجد وَإِن رد الْغَرِيم من نَفسه مَا قَبضه وَفَاء عَن دينه من غير شَرط وَلَا مواطأة جَازَ، ذكره فِي الْإِقْنَاع، وَمن فِيهِ سببان أَخذ بهما كفقير غَارِم أَو ابْن سَبِيل وَالْأَفْضَل تعميمهم أَي أهل الزَّكَاة والتسوية بَينهم، وَتسن الزَّكَاة أَي دَفعهَا إِلَى من لَا تلْزمهُ مُؤْنَته من أَقَاربه كذوي رَحمَه من نَحْو أَخ أَو ابْن عَم على قدر حَاجَة فيزيد ذَا الْحَاجة
بِقدر حَاجته لحَدِيث (صدقتك على ذِي الْقَرَابَة صَدَقَة وصلَة) وَيبدأ بأقرب فأقرب، وَلَا تدفع الزَّكَاة لبني هَاشم وهم سلالته، فَدخل آل عَبَّاس بن عبد الْمطلب وَآل عَليّ وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل حَارِث بن عبد الْمطلب وَآل أبي لَهب، فَلَا يُعْطون من الزَّكَاة سَوَاء أعْطوا من الْخمس أَو لَا مَا لم يَكُونُوا غزَاة أَو مؤلفة أَو غارمين لإِصْلَاح ذَات الْبَين. وَلَا تدفع الزَّكَاة أَيْضا ل مواليهم أَي موَالِي بني هَاشم، ويجزىء دَفعهَا لموَالِي مواليهم وهم عتقاؤهم وَلَا تدفع الزَّكَاة لأصل أَي آبَاء الْمُزَكي وأمهاته وَإِن علوا وَلَا لفرع أَي لأولاده وَإِن سلفوا، وَالْوَارِث وَغَيره سَوَاء نصا إِلَّا أَن يَكُونُوا عمالا أَو مؤلفة أَو غارمين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَو غزَاة، وَلَا تدفع أَيْضا إِلَى عبد كَامِل الرّقّ غير الْعَامِل وَالْمكَاتب وَلَا إِلَى كَافِر غير الْمُؤلف حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر إِجْمَاعًا فَإِن دَفعهَا أَي الزَّكَاة لمن ظَنّه أَهلا لَهَا فَتبين أَنه لم يكن من أَهلهَا كَعبد وَكَافِر وهاشمي ووارث لم تُجزئه، أَو بِالْعَكْسِ بِأَن دَفعهَا لمن ظَنّه غير أهل فَبَان أَهلا لم تُجزئه، إِلَّا إِن دَفعهَا لَغَنِيّ ظَنّه فَقِيرا فَتبين أَنه غَنِي فَإِنَّهَا تجزىء.
وَصدقَة التَّطَوُّع بالفاضل عَن كِفَايَته وَعَن كِفَايَة من يمونه سنة كل وَقت لَا سِيمَا سرا وَكَونهَا فِي رَمَضَان أفضل وَكَونهَا فِي زمن فَاضل كالعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَكَونهَا فِي مَكَان فَاضل كالحرمين أفضل وَكَونهَا فِي وَقت حَاجَة كمجاعة أفضل لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وإطعام فِي يَوْم ذِي مسبغة)) وَكَذَا على جَار لقَوْله تَعَالَى: 19 ((وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى وَالْجَار الْجنب)) وَحَدِيث (مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه) وعَلى ذِي رحم فَهِيَ صَدَقَة وصلَة وَلَا سِيمَا مَعَ الْعَدَاوَة، وَمن تصدق بِمَا ينقص مُؤنَة تلْزمهُ أَو أضرّ بِنَفسِهِ أَو غريمة أَثم بذلك، وَكره لمن لَا يصبر أَو لَا عَادَة (لَهُ) على الضّيق أَن ينقص نَفسه عَن الْكِفَايَة التَّامَّة. الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَة وَيبْطل الثَّوَاب.