الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكون خاليا عن نحو مصلحة شرعية، حتى يخرج ذلك اللعب عن دائرة اللهو والباطل.
وفي هذا إشارة إلى أصل عظيم من أصول تمدن الأمة، وهو أن تجعل الألعاب مشحونة بتربيات تمكن القلوب من حب الدين والوطن، وترتوي بمكارم الأخلاق حتى يكون الإنسان في مباشرة تلك الألعاب ومشاهدتها يتنزل عليه المثل المشهور «يسرّ حسوا في ارتغاء» «1» وهذا الذي لمح له البخاري هنا، يؤخذ من قوله عليه السلام: كل لهو ابن آدم باطل، إلا في ثلاث: تأديب الفرس، والرمي بالقوس، وملاعبة الزوجة. ولله در الصديقة حيث جمعت بين حديث الجاريتين وحديث الحبشة، فإن غناء بعاث يحرك الحماسة القلبية، ولعب الحبشة يعلم سرعة الحركات البدنية. والأمران هما ملاك التقدم في الحرب.
فإن قيل: التدريب الحربي هو تعليم العلوم، والتعليم جدّ لا لعب، فكيف سماه البخاري لعبا؟ فالجواب كما أشار إليه ابن حجر: أنه شبّه اللعب من حيث الصورة، فإنك ترى أحد المتناضلين يظهر أنه يقصد طعن صاحبه ولا يفعل ويتهدده ولو كان أباه أو ابنه اهـ.
ذكر من غنّى في وليمة النكاح
«في الصحيح «2» عن عائشة أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو» .
قلت: وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه الحاكم وابن حبان: أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: واضربوا عليه بالدف. قال الحافظ في الفتح: واستدل بقوله: واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكن إسناده ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن بذلك للنساء، فلا يلحق بهن الرجال؛ لعموم النهي عن التشبه بهن اهـ وحديث ابن حاطب المذكور قال عبد الحق في الأحكام: وغير الترمذي يقول:
صحيح. وخرج النسائي عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يتغنين فقلت: أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم؟ فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب، قد رخص لنا في اللهو عند العرس.
وترجم في الإصابة لثابت بن يزيد الأنصاري فذكر أن البارودي وأبا نعيم خرّجا من طريق شريك عن ابن إسحاق عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وثابت بن يزيد وأبي مسعود وعندهم جوار وأشياء فقلت: تفعلون هذا وأنتم من الصحابة قالوا رخّص لنا في اللهو عند العرس انظر ص 217.
وانظر ترجمة علي بن هبار الأسدي فيها أيضا. وترجم فيها أيضا لمعبد بن قيس فذكر
(1) ومعناه: يحسو اللبن وهو يظهر أنه يأخذ الرغوة فقط.
(2)
ج 6/ 140 كتاب النكاح.
أن ابن السكن خرج قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت، فقال: هل من لهو؟.
وترجم البخاري «1» في الصحيح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ثم خرج عن الربيّع بن معوذ بن عفراء قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني عليّ فجلس على فراشي فجعلت جويريات يضربن في الدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن:
وفينا نبيّ يعلم ما في غد.
فقال: دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين.
قال الحافظ في الفتح على قوله: جويريات لم أقف على أسمائهن، ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ: جاريتان تغنيان، فيحتمل أن تكون اثنتان هما المغنيتان، ومعهما من يتبعهما، أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء. وقال: قوله: ويندبن من الندبة، وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه، وتعديد محاسنه من الكرم والشجاعة ونحوها. وقال:
قوله: وقولي بالتي كنت تقولين فيه إشارة إلى جواز سماع المدح، والمرثية مما ليس فيه مبالغة، تفضي إلى الغلو.
وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بنساء من الأنصار في عرس لهن وهنّ يغنين:
وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد
…
وزوجك في البادي ويعلم ما في غد
فقال: لا يعلم ما في غد إلا الله. قال المهلب: في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح. وفيه إقبال الإمام إلى العرس، وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح، وفيه جواز مدح الرجل في وجهه، ما لم يخرج إلى ما ليس فيه.
وأغرب ابن التين فقال: إنما نهاها لأن مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو، فلما أدخلت الجد في اللهو منعها. كذا قال. وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه. وسياق القصة يدل على أنها لو استمرت على المراثي لم ينهها. وإنما أنكر عليها ما ذكر من الأطراء حيث أطلق علم الغيب عليه، وهو صفة تختص بالله كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65] وقوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف: 188] وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [الأعراف: 188] وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى له، لا أنه يستقل بعلم ذلك، كما قال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: 26، 27] .
(1) الحديث في البخاري ص 127 ج 6 باب النكاح.