الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفوس ساعة بعد ساعة، فإنها تصدأ كما يصدأ الحديث، ويروى عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير: حمّضوا أي إذا مللتم من الفقه والحديث وعلم القرآن، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب. ومنه قول أبي الدرداء:
إني لأستجم ببعض اللهو؛ ليكون لي عونا على الحق. وقال علي: القلب إذا أكره عمي، وهذا كله ما لم يكن دائما متصلا وأما أن يكون ذلك عادة الرجل حتى يعرف به ويتخذه ديدنا، ويضحك به الناس فهذا مذموم غير محمود.
وفيه من الفقه أيضا بسط المحدث والعالم، لما أجمل من علمه لمن حوله، وبيانه عليهم من تلقاء نفسه، كما فعل عليه السلام في هذا الحديث. وقد قال عليه السلام لعائشة: كنت لك كأبي زرع قالت ثم أنشأ يحدث الحديث، وقد روي في غير حديث ابتداؤه عليه السلام أصحابه المسائل جملا وتفصيلا. قاله عياض.
ولأهمية فوائد هذا الحديث وكثرة ما استنبط منه أفرده بالتصنيف إسماعيل بن أويس، من شيوخ البخاري في جزء مفرد، وثابت بن قاسم، والزبير بن بكار، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث، وأبو محمد بن قتيبة، وابن الأنباري، وإسحاق الكلاباذي، وأبو القاسم عبد الحليم بن حيان المصري، ثم الزمخشري في الفائق، ثم عياض وهو أجمعها وأوسعها وهو عندي في جزء وسط، والإمام الرافعي. وساقه برمته في تاريخ قزوين. ونقله عنه بنصه الحافظ السيوطي في تعليقه على الشمائل للترمذي، سماه الرافعي ذرة الضرع بحديث أم زرع، وربع الفرع في شرح حديث أم زرع للحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي، ولتاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المكلي المتوفي سنة 743 مطرب السمع في شرح حديث أم زرع، ثم العارف أبو الحسن ابن وفا المصري علي لسان القوم وأهل الإشارات، والشيخ مرتضى الزبيدي وغيرهم.
المضحكون والمضحكات في الزمن النبوي
دون ما سبق في القسم الأول منهم: نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد بعدها قال ابن الأثير في ترجمته من أسد الغابة: كان كثير المزاح يضحك النبي صلى الله عليه وسلم من مزاحه، وهو صاحب سويبط بن حرملة، وكان من حديثهما أن أبا بكر خرج إلى الشام ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكلاهما بدري. وكان سويبط على الزاد فجاءه نعيمان فقال: أطعمني فقال: لا حتى يجيء أبو بكر، وكان نعيمان رجلا مضحاكا فقال؛ لأغيظنك. فجاء إلى أناس جلبوا ظهرا فقال: ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها، وهو ذو لسان. ولعله يقول: أنا حر. فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا عليّ غلامي، فقالوا: بلى بل نبتاعه منك بعشر قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها. ثم قال: دونكم هو هذا، فجاء القوم فقالوا: قم قد اشتريناك. فقال سويبط: هو كذاب أنا رجل حر. فقالوا: قد أخبرنا خبرك، فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به، فجاء
أبو بكر فأخبر فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص، وأخذوه. فلما عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حولا هو وأصحابه.
وروى عباد بن مصعب من طريق ربيعة بن عثمان قال: أتى أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه. فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنها، قال فنحرها نعيمان، ثم خرج الأعرابي، فرأى راحلته فصاح واعقراه: يا محمد. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فعل هذا فقالوا: نعيمان، فاتبعه يسأل عنه فوجدوه في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مستخفيا، فأشار إليه رجل ورفع صوته ويقول: ما رأيته يا رسول الله، وأشار بإصبعه حيث هو. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: الذي دلوك عليّ يا رسول الله. هم الذين أمروني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه ويضحك وغرم ثمنها، وأخباره في المزاح مشهورة اهـ «1» .
وفي الاصابة قال الزبير بن بكار: وكان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: هذا أهديته لك. فإذا جاء صاحبه يطلب نعيمان بثمنه أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعط هذا ثمن متاعه. فيقول: أو لم تهده لي فيقول: والله إنه لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وأخرج الزبير قصة البعير بسياق آخر من طريق ربيعة بن عثمان قال: دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأناخ ناقته. فقال بعض الصحابة لنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ففعل. وخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال؛ من فعل هذا فقالوا نعيمان. فاتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد. فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو، فأخرجه فقال: له ما حملك على ما صنعت؟ فقال؛ الذين دلوك عليّ يا رسول الله. هم الذين أمروني بذلك، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ثم غرمها للأعرابي.
وقال الزبير: حدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب قال: لقي نعيمان أبا سيفان بن حرب فقال: له يا عدو الله أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بن عمرو فاعتذر إليه، فلما ولّى قيل لأبي سفيان: إن نعيمان هو الذي قال ذلك فعجب منه وقصته مع سويبط بن حرملة تقدمت، وقال بعد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن عمر بن سيرين:
إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلوا بماء، وكان نعيمان بن عمرو يقول لأهل الماء:
يكون كذا وكذا فيأتونه باللبن والطعام، فيرسله إلى أصحابه فبلغ أبا بكر خبره قال: أراني آكل من كهانه نعيمان منذ اليوم، واستقاء ما في بطنه.
(1) هنا استطرد المؤلف رحمه الله ما لا يتناسب مع العنوان فحذفت ستة أسطر تقريبا.
ومما جاء عن المضحكات في الزمن النبوي بالمدينة المنورة، ومكة المعظمة، وما رويناه في سنن أبي داود بسنده إلى الليث عن عمرة قالت: كانت امرأة مكية بطالة تضحك النساء، وكانت بالمدينة امرأة مثلها، فقدمت المكية المدينة فتعارفتا فدخلتا على عائشة، فتعجبت من اتفاقهما فقالت عائشة للمكية: عرفت هذه؟ قالت: لا ولكنا التقينا فتعارفنا، فضحكت عائشة وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف «1» .
وعن الزبير بن بكار في كتاب المزاح والفكاهة، من حديث ابن شهاب، عن عروة عن عائشة: أن امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهن، فلما هاجرن ووسع الله دخلت المدينة قالت عائشة: فدخلت عليّ فقلت: فلانة ما أقدمك؟ قالت: اليكن. قلت:
فأين نزلت؟ قالت: على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة، قالت: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فلانة المضحة عندكم قالت: عائشة نعم. قال: فعلى من نزلت؟ قالت: على فلانة المضحكة قال الحمد الله: إن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. انظر المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، وعروس الأفراح في معنى حديث:
الأرواح للمحدث الشمس محمد بن عقيلة المكي.
قلت: مما يصح إدراج ذكره هنا جحى المعروف، فإنه يعدّ من التابعين، ونوادره مدونة، وهي نهاية في الحلاوة، وفي القاموس: جحى كهدى لقب أبي الغصين بن ثابت، ونقل الشمس محمد بن الطيب الشركي في حواشيه على القاموس، ثم الحافظ مرتضى الزبيدي في تاج العروس، ثم الشيخ عبد الهادي الأبياري في نيل الأماني ثلاثتهم، عن المنهج المطهر للقلب والفؤاد للعارف الشعراني ما نصه: عبد الله جحى كما رأيته بخط الجلال السيوطي قال؛ وكانت أمه خادمة لأم أنس بن مالك، قال: وكان الغالب عليه السماحة وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته. قال الجلال: وغالب ما يذكر عنه من الحكايات المضحكة لا أصل له، قال في تاج العروس، عن شيخه الشرقي: وذكره غير واحد، ونسبوا له كرامات جمة وعلوما كثيرة اهـ انظر ص 68 من المجلد العاشر من التاج و 89 من نيل الأماني على مقدمة القسطلاني.
وقال العلامة السيد محمد كبريت المدني (في رحلته) : رأيت في بعض المجاميع عن جحا أنه كان فاضلا ماجنا، وقد عمل الناس على لسانه كثيرا من النكت والنوادر.
ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلف في ذلك، يشتمل على ألف ورقة. وفي كتاب نزهة الجليس أن الخواجة ناصر الدين الفزاري المكني بأبي القص، صاحب التفسير، المتوفي
(1) الحديث المذكور رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب 2 ج 4 ص 04- ومسلم وغيره.