الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا شيء سهل يسير جدا بالنسبة لما في هذه الترجمة عن موالي عبد الله بن الزبير وسيدهم.
باب فيمن مات من الصحابة فمات بموته تسعة أعشار العلم
في كتاب العلم من الأحياء؛ لما مات عمر بن الخطاب قال عبد الله بن مسعود: مات تسعة أعشار العلم، قال في الإتحاف: رواه صاحب القوت بلا سند. وأخرجه ابن أبي خيثمة في كتاب العلم، فقال: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عبد الله: إني لأحسب أنه مات تسعة أعشار العلم بموته. ولفظ أبي خيثمة إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم، قال في القوت فعرّف بالألف واللام، ثم فسره بالعلم بالله، وذلك لما قيل له: أتقول هذا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون؟ فقال: إني لست أعنى العلم الذي تذهبون إليه، إنما أعنى العلم بالله عز وجل اهـ منه ص 235 ج 1. ونحوه؛ نقل عن ابن مسعود النووي في ترجمة عمر، من تهذيب الأسماء واللغات.
باب في ذكر صحابي مات فقال فيه عمر مات سيد المسلمين
في تذكرة الحفاظ لدى ترجمة أبي بن كعب: أن عمر بن الخطاب كان يهابه، ويستفتيه، ولما مات قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين اهـ.
باب في ذكر الأغنياء من الصحابة ومن توسع منهم في الأمور الدنيوية
قال ابن سيد الناس في سيرته: لما تكلم على غزوة تبوك: أنفق عثمان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها اهـ وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألفي دينار فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارض عن عثمان. فإني راض عنه اهـ.
قال البرهان الحلبي في نور النبراس: وجهزهم بسبعمائة بعير وخمسين بعيرا، وبخمسين فرسا،. قاله ابن عبد البر. ثم قال عن أسد بن موسى: حدثني أبو هلال الراسبي قال: حدثنا قتادة قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا اهـ.
وفي جامع الترمذي، والحاكم، وأخرجه أحمد والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن حباب السلمي الصحابي قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحثّ على جيش العسرة، قال عثمان: عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حثّ على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله على ثمانمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل على المنبر، وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد ذلك، قال الترمذي: إسناده جيد وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن سمرة قال: أتى عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال الترمذي، بل في مسند أبي يعلى الموصلي بسنده، أن عثمان جهز جيش العسرة، وجاء بسبعمائة أوقية من الذهب، وأخرج ابن عدي عن حذيفة وأبو نعيم في مسند أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستسلفه في غزوة غزاها، فبعث إليه بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه. ذكره الذهبي في الميزان في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثقفي.
وأخرج ابن سعد في الطبقات، عن محمد بن ربيعة بن الحارث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوسعون على نسائهم في اللباس، الذي يصان ويتجمل به، ثم يقول: رأيت على عثمان مطرف خزّ ثمنه مائتا درهم فقال: هذا لنائلة كسوتها إياه، فأنا ألبسه أسرها به، وأخرج فيها أيضا أن عثمان أجاز الزبير بن العوام بستمائة ألف، وقال سيدنا سعد بن الربيع: أنا أكثر الأنصار مالا، وكانت عند المقداد بن الأسود غرائر من المال، ببركة دعائه عليه السلام، وكذا دعا لعروة بن الجعد فقال: فلقد كنت أقوم بالكناسة، وهو موضع بالكوفة فما أرجع حتى أربح أربعين ألفا. وقال البخاري في حديثه: وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
وذكر الخفاجي وبناني في شرح الشفا أن حكيم بن حزام لما حج في الإسلام أهدى مائة، بدنة وألف شاة، ووقف بمائة وصيف في أعناقهم أطواق فضة، منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام، انظر ص 406 ج 1 من نسيم الرياض.
وبلغ من غنى عبد الرحمن بن عوف أن قال: كما للحافظ الشامي: لو رفع حجرا لرجا أن يصيب تحته ذهبا، وفتح الله عليه. ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت منه الأيدي، وأوصى بخمسين ألف دينار وأعتق يوما ثلاثين عبدا، وتصدق بشطر ماله أربعة ألاف، ثم بأربعين ألف دينار، ثم بخمسمائة فرس، ثم بخمسائة راحلة.
وفي الترمذي أنه أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف، قال: بحديث حسن.
وقال عروة بن الزبير: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ. وأوصى بألف فرس في سبيل الله، وعن أنس قال: لقد رأيته منح لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف.
قال الحافظ في الفتح إثره. قلت: مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ومائتي ألف، وهذا بالنسبة لتركه الزبير التي تقدم شرحها في الخمس قليل جدا فيحتمل أن تكون هذه دنانير، وتلك دراهم لأن كثرة مال عبد الرحمن بن عوف مشهورة جدا اهـ من باب الوليمة، من كتاب النكاح.
وفي الاستيعاب: كان عبد الرحمن بن عوف تاجرا مجدودا في التجارة، وكسب مالا
كثيرا. وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع على الجرف بعشرين ناضحا، فكان يدخر من ذلك قوت أهله سنة. وروي أن زوجته التي طلقها صولحت عن ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفا قيل: صولحت بهذا المقدار عن ربع الثمن من متروكه اهـ.
وقال جعفر بن يرقان [كذا] بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة.
أخرجه أبو نعيم في الحلية، وأخرج ابن سعد في الطبقات أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفا، وصدقاته أكثر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر.
وفي أيام خلافة عثمان توسع الناس في أمور الدنيا أكثر مما كانوا عليه في زمن عمر، واستعملوا النفيس من الملبس، والمسكن، والمطعم، واقتنوا الضياع والأثاث.
قال المسعودي، في مروج الذهب: في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان له يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وخيبر وغيرهما مائتا ألف دينار، وخلف إبلا وخيلا كثيرا. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف ألف فرس وألف أمة.
قلت: وفي طبقات ابن سعد أن الزبير خلّف أربع نسوة أصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف، قال فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ألف ومائتا ألف، وفيها عن سفيان بن عيينة قسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف، وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان قيمة ما ترك الزبير إحدى وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف. وفيها أيضا عروة قال:
كان للزبير بمصر خطط، وبالإسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، انظر ص 77 ج 3. من طبقات ابن سعد.
وفي باب إدام النبي صلى الله عليه وسلم من المناوي على الشمائل، في حق ابن مسعود قال في الكشاف: روي أنه خلف تسعين ألف دينار سوى الرقيق والماشية اهـ ثم قال المسعودي في مروج الذهب: وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك.
قلت: وفي طبقات ابن سعد: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالإعراض له غلات، وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه مؤونته ومؤونة عياله وزوج أياماهم وأخدم عائلهم، وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن صبيحة التميمي ثلاثين ألف درهم.
وفي طبقات ابن سعد أن طلحة كان في يده خاتم ذهب فيه ياقوتة حمراء، وفي الطبقات أيضا عن عمرو بن العاص قال: حدثت إن طلحة ترك مائة بهار، في كل بهار
ثلاث قناطير ذهب، وسمعت أن البهار جلد ثور. ثم قال المسعودي: وكان على مربض عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكة يوم وفاته أربعة وثمانين ألفا، وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما كان يكسر بالفؤوس، غير ما خلّف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار. وبنى الزبير داره بالبصرة، وكذلك بمصر، والإسكندرية، والكوفة، وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة، وشيّد داره بالمدينة، وبناها بالجص والآجر، والساج. وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها، وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات.
وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن، وفي تاريخ ابن عساكر: أن الثائرين على عثمان انتهبوا ماله كله يوم قتل، وكان ثلاثين ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم اهـ.
وترجم في الإصابة لحمزة بن أيفع الهمداني فذكر عن ابن الكلبي، أنه هاجر في زمن عمر إلى الشام ومعه أربعة آلاف عبد فاعتقهم كلهم، وفي مسند أحمد «1» عن أنس قال:
بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف، قدمت من الشام، تحمل كل شيء. قال: فكانت سبعمائة بعير. قال: فارتجت المدينة من الصوت، فذكر القصة. وفيها: فجعلها عبد الرحمن بن عوف بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
وممن كان يعدّ من أغنياء الصحابة عمرو بن العاص خرج ابن عساكر أن عمروا كان يلقح كروم الوهط (بستان له بالطائف بألف ألف خشبة، كل خشبة بدرهم، فالكرم الذي يحتاج إلى خشب بألف ألف. كم تكون غلته؟ وكانت له دور كثيرة بمصر، ودور بدمشق، منها دار بجيرون ودار في ناحية الجابية، ودار تعرف بدار بني أحيحة، ودار تعرف بالمارستان، أنظر تاريخ ابن عساكر، حتى قال بعض العصريين: إن ما ذكره المؤرخون من مقدار ثروة عمرو لا يقبله العقل.
ومن أغنيائهم أيضا عمرو بن حريث القرشي المخزومي، ترجمه النووي في التهذيب فقال: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له بالبركة في صفقته وبيعته، فكسب مالا عظيما فكان من أغنى أهل الكوفة، وهو أول قرشي اتخذ بها داره، وولي بها لبني أمية اهـ.
وفي ترجمة حويطب بن عبد العزى من الإصابة أن المصطفى عليه السلام استقرضه مالا فأقرضه أربعين ألفا، ونزل المدينة، وبقي بها إلى أن مات. وباع داره بمكة من معاوية بأربعين ألف دينار، فاستكثرها بعض الناس فقال حويطب: وما هذه لمن عنده خمس من العيال.
(1) ج 6 ص 115.
قلت: هذا يدلك على مقدار ما كانوا يستهلكون من المصاريف، ونفقات عيالهم.
وفي طبقات ابن سعد: عن سفيان بن الربيع قال: انطلقت في رهط في نسّاك أهل البصرة إلى مكة فقلت: لو نظرت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، فقلت: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم هو ومواليه وأحباؤه الخ أنظر ص 2 ج 4.
ومن أغنيائهم سيدنا أنس، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات: كان أنس بن مالك من أحرص أصحاب محمد على المال، وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية، على قول البوصيري في الصحابة:
أغنياء نزاهة فقراء
…
علماء أيمة أمراء
من كان بيده منهم فال كابن عوف وعثمان، فإنما كان خازنا لله يصرفه في مصارفه الشرعية، فهو مقتنيه لذلك لا لفخر، ولا لمحبة جمع الحطام الفاني، ولذلك جاء أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف رقيق، وتصدق هو وعثمان في غزوة تبوك بما يبهر العقل، وكان للزبير ألف مملوك يؤدون له الخراج، وما مات إلا وعليه قدر كثير جدا من الديون، وكون المخلف عن ابن عوف في ربع ثمنه ثمانون ألف دينار، لا ينافي ما تقرر أنه إنما كان خازنا لله، فإنه ليس معناه يخرج جميع ما بيده دفعة واحدة، بل يبقيه ويخرج منه ما هو المطلوب منه في كل حال، أو زمان. وأما إخراجه صلى الله عليه وسلم لجميع ما كان بيده دفعة فهو إما لاحتياجه لذلك، لسدّ ضروريات أصحابه أو لأن حاله في الأمور الخارقة للعادة، لا يقدر غيره على التأسي به فيها، فلا يكلف بذلك اهـ ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلاوي، والشريف السجلماسي، وأبي عبد الله الحضيكي السوسي، ثلاثتهم في شرحها أيضا وزاد الحضيكي على قوله:
زهدوا في الدنيا فما عرف الميل
…
إليها منهم ولا الرغباء
لا ينافي زهدهم فيها كونهم أغنياء كما تقدم، وحصولها بأيدي بعضهم بدعائه صلى الله عليه وسلم لأنس، وابن عوف، وثناؤه عليه السلام على المال بقوله: نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح، لأنهم خزان الله الخ. وانظر تحفة الأكابر على أثر عبد الرحمن بن عوف: يدخل الجنة حبوا.
وسأل السلطان الملك الأشرف حافظ عصره الشمس السخاويّ عن حديث: اللهم من أحبني فارزقه الكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده، هل هو صحيح؟ وما الجمع بينه وبين دعائه عليه السلام؛ لأنس بكثرة المال والولد، فأجابه بجواب نفيس جدا في نحو كراسين مضمونه؛ أن الحديث المذكور وارد من طرق ودعاؤه لأنس أصح منه، ومحملها أن المال الذي دعا به عليه السلام لأنس هو المطلوب من حله والمأخوذ من وجهه، أنظر الجواب المذكور فإنه مفيد.