الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وباب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، فقال ابن المنير وابن حجر والدماميني والعيني والقسطلاني وغيرهم: فائدة الترجمة على هذه الصنائع التنبيه على ما كان في زمنه عليه السلام، وأقره مع العلم به، فيكون كالنص على جواز هذه الأنواع، وما عداها إنما يؤخذ بالقياس اهـ انظر ص 267 من ج 4 من الفتح وص 441 من ج 5 من العيني وص 31 من ج 4 من القسطلاني.
(المقدمة الخامسة)
قد بوّب البخاري أيضا باب كسب الرجل وعمله بيده قال الحافظ:
وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب قال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة، والأشبه في مذهب الشافعي أن أطيبها التجارة، قال: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة، لأنها أقرب إلى التوكل، وتعقبه النووي بحديث المقدام وقد أدخله البخاري في الترجمة، وفيه: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من إن يأكل من عمل يده، ثم خرج البخاري أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن داود كان لا يأكل إلا من عمل يده، قال النووي:
الصواب أن أطيب المكاسب ما كان بعمل اليد، ولما فيه من النفع العام للآدمي وللدواب، ولأنه لا بد فيه في العادة أن يأكل منه بغير عوض، ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل، لما ذكرنا. قال الحافظ: والحق أن ذلك مختلف المراتب، وقد يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص اهـ.
قال الحافظ: ومن فضل العمل باليد الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو، وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال، والحاجة إلى الغير، وفي الشرح الجلي قيل:
التجارة أفضل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اتجر ولم يزرع اهـ وفيه نظر، يعلم مما يأتي وعن رافع بن خديج قال: قيل يا رسول الله أي الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
وأورده التبريزي في المشكاة وعزاه لأحمد، وعزاه القاري للبزار أيضا، وقال على قوله:
بيده أي من زراعة أو تجارة أو كتابة أو صناعة اهـ وقال في محل آخر: أفضل أنواع التجارة البز، ثم العطر اهـ.
وقد ورد في التجارة والتجار عدة أحاديث، أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر قال الحاكم صحيح واعترض: التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة «1» ، وأخرج الترمذي «2» والحاكم عن أبي سعيد قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم من مراسيل الحسن: التاجر الصدوق الأمين مع النبيئين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. وأخرج الأصبهاني في ترغيبه، والديلمي في الفردوس، عن أنس رفعه: التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة، وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رفعه: التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة. قال المناوي في التيسير: بل يدخل من أيها شاء لنفعه
(1) رواه في كتاب التجارات ص 724/ 2.
(2)
رواه في كتاب البيوع باب 4 ج 3/ 515.
لنفسه ولصاحبه، وسراية نفعه إلى عموم الخلق. وأخرج القضاعي عن أنس قال المناوي بإسناد حسن رفعه: التاجر الجبان محروم، والتاجر الجسور مرزوق، وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلا قال المناوي: ورجاله ثقات: تسعة أعشار الرزق في التجارة، والعشر في المواشي. يعني النتاج.
وقال الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في رسالته في مدح التجار وذم عمل السلطان: وقد علم المسلمون أن خيرة الله من خلقه، وصفوته من عباده، والمؤتمن على وحيه من أهل بيت التجارة، وهي معوّلهم وعليها معتمدهم، وهي صناعة سلفهم وسيرة خلفهم. وبالتجارة كانوا يعرفون. ولذلك قالت كاهنة اليمن: لله الديار ولقريش التجار، اسم اشتق لهم من التجارة. والتقريش، فهو أفخم أسمائهم وأشرف أنسابهم، وهو الاسم الذي نوّه الله به في كتابه، وخصهم به في محكم وحيه وتنزيله، ولهم سوق عكاظ وفيهم يقول أبو ذؤيب:
إذا ضربوا القباب على عكاظ
…
وقام البيع واجتمع الألوف
وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم برهة من دهره تاجرا، وباع واشترى حاضرا اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 124] ولم يقسم الله مذهبا رضيا ولا خلقا زكيا، ولا عملا مرضيا إلا وخصه منه أوفر الحظوظ، وأقسمه فيه أجزل الأقسام، ولشهرة أمره في البيع والشراء قال المشركون: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 7] فأوحى الله إليه: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 20] فأخبر أن الأنبياء قبله كانت لهم صناعات وتجارات اهـ كلامه انظر بقيته فيه ضمن مجموعة من رسائل الجاحظ طبعت بمصر سنة 1324.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس: أوصيكم بالتجار خيرا فإنهم برد الآفاق، وأمناء الله في الأرض. وهذا كالصريح في تفضيل التجارة على غيرها من المكاسب، وللإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الخلال، كتاب في الحثّ على التجارة، ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته، في حرف الجيم، وذكر إسناده له، وقد استدل كثيرون بحديث الصحيح:(ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)«1» ، على أن الزراعة أفضل المكاسب؛ لما فيها من النفع المتعدي. والنفع المتعدي أفضل من القاصر، وقال الحافظ ابن حجر: الصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأشخاص اهـ.
وقال بعض الأعلام: وينبغي أن يختلف التفاضل بين الثلاثة باختلاف الحال؛ فإن
(1) رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة ص 66 ج 3 من حديث أنس.