الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القانت؟ قلت: الله أعلم. قال: الأمة الذي يعلم الناس الخير، ويؤتم به، ويقتدى به، والقانت المطيع لله، وكذلك كان معاذ بن جبل معلما للخير، مطيعا لله.
وأخرج ابن سعد عن شهر بن حوشب قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: خرج معاذ إلى الشام، لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمات أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى علي، قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي الناس بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود: وكان معاذ معلما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه: لكل أمة عالم، وعالم هذه الأمة عبد الله بن عمر.
تنبيه منتهى غالب سلاسل الفقه المالكي، والفقه الحنبلي إلى عبد الله بن عمر، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الحنفي إلى عبد الله بن مسعود، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الشافعي إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، أنظر حرف الفاء من حصر الشارد للشيخ محمد عابد السندي الحنفي، وفي غير الغالب تنتهي إلى غير هؤلاء من فقهاء الصحابة، انظر: كنز الرواية المجموع، والرحلة العياشية وغيرها.
باب من عرف بالكرم والجود من الصحابة
مشاهيرهم وعظاماؤهم به سادوا، وعنهم في باب الجود الحديث الغريب يساق، وناهيك بجودهم بأنفسهم وأولادهم فمالهم بالأحرى، ومجيء أبي بكر له عليه السلام بجميع ماله، وعمر بنصفه معروف، خرّجه الدارمي وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن أبي عاصم وابن شاهين في السنة، والحاكم وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي وابن الضريس وغيره، وتجهيز عثمان جيش العسرة معلوم.
وممن جاء عنه العجب في هذا الباب سيدنا سعد بن عبادة سيد الخزرج، وهو الذي كان يلقب من بين الصحابة بالكامل، وقد ترجمه الدارقطني في كتاب الإستحياء قال في الأصابة:
مشهورا بالجود هو وأبوه وجده، وكان لهم أطم ينادى عليه كل يوم: من أحب اللحم والشحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكانت جفنته تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه.
وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن سيرين قال: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد، والرجل بالأثنين، والرجل بالجماعة، أما سعد فكان ينطلق بثمانين كل ليلة يعشيهم، هكذا ساقه في ترجمة فضائله ابن الهندي في الكنز، وكان سعد يقول: اللهم لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلح لي القليل، ولا أصلح عليه.
وأخرج أبو بكر في الغيلانيات، وابن عساكر عن جابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بعثهم في بعث عليهم قيس بن سعد بن عبادة، فجهدوا فنحر لهم تسع
ركائب، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن رافع بن خديج قال: أقبل أبو عبيدة ومعه عمر بن الخطاب فقال لقيس بن سعد: عزمت عليك لا تنحر، فلما نحروا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه في بيت جود انظر ص 84 ج 7 من كنز العمال.
وفي الإستبصار في انساب الأنصار؛ يقال: لم يكن في الأنصار كله أربعة مطعمون يتوالون في بيت واحد، إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم ولم يكن مثل ذلك في سائر العرب.
وجاء ابن عمر على أطم سعد فقال لنافع: هذه أطم جده. لقد كان مناديه ينادي يوما: من أراد اللحم والشحم فليأت دار دليم فمات دليم فنادى عبادة بمثل ذلك ثم مات عبادة فنادى سعد بمثل ذلك ثم رأيت قيسا يفعل مثل ذلك اهـ.
قال ابن قدامة: قيس بن سعد أحد الأجواد المذكورين، وأخباره في الجود والبسالة مشهورة، ومن مشهورها أنه كانت له ديون كثيرة، فمرض، فاستبطأ عوّاده فقيل له: إنهم يستحيون من أجل دينك عليهم، فأمر مناديا فنادى: من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له، فأتاه الناس حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه.
وفي ترجمة سنطاس مولى سعد بن عبادة من الأصابة، وقع ذكره في الإستحياء للدار قطني، فأخرج عن محمد بن عبد العزيز قال: كان سعد بن عبادة يغزو سنة ويغزو ابنه قيس بن سعد سنة. فغزا سعد مع الناس، فنزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيوف كثير مسلمون فبلغ ذلك سعدا، وهو في ذلك الجيش فقال: إن يكن قيس ابني فسيقول: يا سنطاس هات المفاتيح، أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فيقول سنطاس: هات من أبيك كتابا فيدق أنفه ويأخذ المفاتيح ويخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فكان الأمر كذلك. وأخذ قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وسق.
وعزا محدث الشام الشمس السفاريني في ص 99 ج 2 من شرحه على منظومة الآداب، لأبي بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري، في المجالس عن معن بن كثير عن أبيه أن سعد بن عبادة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة أو جفنة مملوءة مخا فقال: يا أبا ثابت ما هذا؟ قال؛ والذي بعثك بالحق، لقد نحرت أو ذبحت أربعين ذات كبد، فأحببت أن أشبعك من المخ، قال: فأكل ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير، قال: إبراهيم بن حبيب: سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث فقسمت قسما من مالها على ولد سعد بن عبادة، وقالت:
أكافىء ولد سعد عن فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السفاريني: الخيزران هي أم هارون الرشيد وهي أمة بربرية ولها خيرات، وقد أخرج هذه القصة ابن عساكر، فساقها الحافظ السيوطي في الجمع وابن الهندي في الكنز. أنظر ص 40 ج 7.
قلت: هذه القصة من عظيم ما جاء عن ذلك التاريخ، مما يدل على التوسع والرفاهية، ولذيذ المطعم، وفيه قوة عمارة المدينة، وأنها كانت تحمل أن يذبح فيها مثل ذلك العدد من ذوات الكبد، ولا يعد ذلك تضييعا للمال، وما كان الصحابة يأتون من الأعمال الحامل عليها منهم التقرب إليه عليه السلام بكل غال ورخيص، وقال ابن المسيب كما في الاصابة: عن سعد كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل العباس فقال: هذا أجود قريش كفا، وأخرج أبو نعيم عن المسوّرين مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة، وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين.
وبعث معي إلى عائشة بمال من ذلك المال، فقالت له عائشة: أما أني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
فهذا يدل على ارتفاع الأرضين في زمن الخلفاء الراشدين، فإن البلدة التي يكون ثمنها الآن نحو الثمانين ألف ريال بلدة عظيمة، فكيف بها هناك في ذلك الزمن، ويدل على عظيم بذل الصحابة وبرّهم وهبتهم، فبخ بخ لتلك الهمم القعساء، والخلل الشماء.
وأخرج الإمام أحمد «1» وأبو نعيم قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت؛ ما هذا فقالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، من الشام، وكانت سبعمائة بعير فقالت عائشة: أما أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الحنة حبوا، فبلغ ذلك ابن عوف، فأتاها فسألها عما بلغه، فحدثته فقال: إني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله، وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة، ولما ذكر ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية، أن الزبير كان له ألف عبد يؤدون له الخراج، كتب عليه الشمس الحفني في حواشيه أي: في كل يوم فيتصدق في مجلسه به ولا يقوم بدرهم اهـ.
وأخرج الروياني وابن عساكر، عن حبيب ابن أبي ثابت، أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا له أن عليه دينا، فلم ير فيه ما يحبه ورأى ما يكرهه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم سترون بعدي أثرة قال: فأي شيء قال لكم؟ قال: اصبروا. قال: فاصبروا.
قال: فو الله لا أسألك شيئا أبدا، فقدم البصرة فنزل على ابن عباس، ففرغ له بيته وقال:
لأصنعن لك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أهله فخرجوا، وقال له: لك ما في البيت كله، وأعطاه أربعين ألفا وعشرين مملوكا: انظر فضائل أبي أيوب من كنز العمال. وترجم
(1) انظر ج 6 ص 115 من المسند.