الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على سؤاله، والجواب: فيه أن استعماله وإن كان لا يجوز ففي حبسه منفعة وهو أنه يذكر العهد القديم، ويترحم من أجله على من قد مات من السلف الكريم اهـ منه.
باب [في حديث ابن أبي هالة]
جعلته خاتمة الأبواب وزبدة الكتاب في حديث ابن أبي هالة الذي هو أجمع حديث عندي في صفاته عليه السلام الخلقية والخلقية.
وبتتبعه لا يستغرب أحد أن يربي صاحب تلك الأحوال، والتراتيب والأخلاق رجالا يصلحون لإرشاد الخليقة، والقيام بسياسة الكون، وتأسيس دول في مشارق الأرض ومغاربها.
أخبرنا عاليا القاضي المسند المعمر نصر الله بن عبد القادر الخطيب الدمشقي سماعا عليه بدمشق، عن عمر بن مصطفى الآمدي، أنا مصطفى الرحمتي الأيوبي، عن العارف عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، أنا نجم الدين بن بدر الدين الغزي، عن أبيه قال أنا شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري، أخبرنا العز بن الفرات، عن إبراهيم التنوخي أخبرنا الدلاصي، عن ابن تاميتت، أخبرنا ابن الصائغ، عن أبي عمرو بن التوزري، عن أبي محمد بن برطلة، عن أبي الحسين الغافقي، أخبرنا القاضي أبو الفضل عياض، قال حدثنا القاضي أبو علي الحسين بن محمد الحافظ رحمه الله، بقراءتي عليه سنة ثمان وخمسمائة قال أنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي قرأت عليه، أخبركم الفقيه الأديب أبو بكر محمد بن عبد الله ابن الحسن النيسابوري، والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن المحمدي والقاضي أبو علي الحسن بن علي بن جعفر الوخشي، قالوا: أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعي، قالوا أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاسي، قال أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الحافظ، قال أنا سفيان بن وكيع، أنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، إملاء من كتابه قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، يكنى أبا عبد الله ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصّافا، وأنا أرجوا أن يصف لي منها شيئا أتعلق به قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن إنفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، ويحسبه من لم يتأمله أشم، كثّ اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقيق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا سواء البطن والصدر بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة
والسرة بشعر، يجري كالخط، عاري الثديين مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين وسائر الأطراف، سبط العصب.
ورواه ابن الأنباري: سبط القصب وهو شبه خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا إلتفت إلتفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام.
قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول فيه، ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، لم يكن يذم ذواقا، ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدث إتصل بها يضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفترّ عن مثل حبّ الغمام.
قال الحسن: فكتمها الحسين بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأل أباه عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخرجه، ومجلسه، وشكله، فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي عليه السلام عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله وجزؤ لأهله، وجزؤ لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدّخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، قسمته على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب منكم، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنه إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره. يدخلون أو إذا قال في حديث سفيان بن وكيع ولا يفترقون إلا عن ذواق، يخرجون أذلة يعني فقهاء.
قلت: فأخبرني عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيهم، ويؤلفهم، ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصونه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغافل مخافة أن يغافلوا، أو يملوا، لكل حال
عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، لا يجاوز إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة، وموازرة.
فسألته عن مجلسه عما كان يصنع فيه؟ فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ويوطيء الأماكن وينهى عن إيطائها، وإذا إنتهى إلى القوم يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قام منه لحاجة سايره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين، متفاضلين فيه بالتقوى وفي الرواية الآخرى وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا توبن [كذا] فيه الحرم، ولا تتنى [كذا] فلتاته، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويرحمون الغريب.
فسألته عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مزّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها، فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتى يتجاوزه فيقطعه بإنتهاء، أو قيام هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع.
وزاد الآخر: قلت: كيف كان سكوته صلى الله عليه وسلم؟
قال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، فأما تقديره ففي تسوية النظر، والإستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر صلى الله عليه وسلم، فكان لا يغضبه شيء يستفزه، وجمع له في الحذر أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينهي عنه، وإجتهاد الرأي بما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم من أمر الدنيا والآخرة.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في القواصم والعواصم ومنها نقلت: أخبرني أبو القاسم بن المنفوخ بزقاق القناديل، أنه سمع من رضوان الفيلسوف يقول: حين قرأت عليه