الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يقص فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ [مريم: 54] الآية وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ [مريم: 56] الآية ذكرنا بأيام الله، وأثن على من أثنى الله عليه، وانظر كتاب القصّاص والمذكّرين للحافظ ابن الجوزي، وكتاب المذكر والتذكير والذكر، لأبي أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم، وكتاب الحافظ العراقي المسمى بالباعث على الخلاص من حوادث القصاص، وللحافظ السيوطي أيضا فيهم رسالة.
قال الزبيدي في الاتحاف: الذي تلخص مما ذكرنا أنه لا ينبغي أن يقصّ على الناس إلا العالم المتقن، الحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، العارف بصحيحه من سقيمه، وبسنده ومقطوعه، ومنفصله، العالم بالتواريخ وسير السلف، الحافظ لأخبار الزهاد، الفقيه في دين الله، العالم بالعربية واللغة، ومدار كل ذلك على تقوى الله، وأن يخرج الطمع في أموال الناس من قلبه. كذا حققه ابن الجوزي فانظره.
تنبيه: خرج أبو نعيم والعسكري، أن تميما الداري استأذن عمر أن يقصّ على الناس قائما فأذن له فقص قائما.
مهمة: ترجم ابن سعد في طبقاته لأم الحسن البصري، فأخرج بسنده عن أسامة بن زيد عن أمه قالت: رأيت أم الحسن البصري تقصّ على النساء، وأم الحسن هذه كانت في عصر كبار الصحابة، وروت عن أم سلمة وغيرها، من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي طبقات ابن سعد عن الحسن قال: كان الأسود بن سويع رجلا شاعرا وكان أولّ من قص في هذا المسجد. قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات، وفيها أيضا عنه قال: كان الأسود بن سويع يذكر في مؤخر المسجد، انظر ترجمة الأسود من الطبقات ص 28 من ج 7.
باب في ذكر ما بثه عليه السلام من الفرائض الطبية والعلوم الحكمية المتعلقة بالأغذية والأدوية وعلاج الأمراض حتى دونت فيه الدواوين
ذكر المولى أحمد طاشكبري زاده في مفتاح العلوم: علم طبه عليه السلام من جملة العلوم التي اشتغل بها البشر، فقال ما نصه: علم طب النبي صلى الله عليه وسلم هو علم أبرز من الحديث، كإبراز الفرائض من الفقه، والكحالة من الطب، وهو علم يعرف منه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أمر تصحيح الأبدان الإنسانية، وموضوعه ومباديه يظهر بالقياس إلى علم الحديث، وغرضه وفائدته أظهر من أن تخفى.
وقد صنف فيه الإمام المستغفري. تصنيفا فائقا ولا أجمع وأنفع من كتاب ابن طرخان يجده من يطلبه اهـ وقد ترجم لهذا العلم أيضا صاحب كشف الظنون، فذكر أن ممن ألف فيه أبو نعيم الأصبهاني، وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضى، للمأمون رسالة مشتملة عليه. والحبيب النيسابوري جمعه أيضا، وابن السني وعبد الملك بن حبيب، والحافظ
السيوطي، واسم كتابه فيه (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي) وإن أول كتابه:
الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها، وهو مرتب على ثلاثة فنون الأول: في قواعد الطب، الثاني في الأدوية والأغذية الثالث: في علاج الأمراض.
قلت: ولعله اختصره من كتاب الطب النبوي للحافظ الذهبي أيضا، فإنه على هذا النسق، وقد طبع مرارا، ولم يذكر صاحب الكشف كتاب ابن طرخان، الذي ذكره طاشكبري، وهو كتاب نفيس في مجلد، اسمه الأحكام النبوية في الصناعة الطبية، ومؤلفه الإمام أبو الحسن علي بن مهذب الدين أبي المكارم عبد الكريم بن طرخان بن بقى الحموي، ثم الصفدي، صاحب كتاب مطلع النجوم في شرف العلماء والعلوم، رتب ابن طرخان كتابه الطبي هذا على عشرة أبواب، وبناه على أربعين حديثا في الطب مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.
الباب الأول: في الأحاديث الواردة في ذكر الأمراض ومعالجتها، والأمر بالتداوي، ومن تطبب ولم يعلم منه طب.
الباب الثاني: في الأحاديث الدالة على ما يتعلق بحفظ الصحة من صفة الأكل والشرب والنوم وغير ذلك.
الباب الثالث: في شأن أصل الطب وهل هو وحي، أو تجربة أو قياس. وذكر الواضع وفضيلته، وموافقته للعقل والشرع.
الباب الرابع: في بيان الصحة وفضلها، وذكر الأحاديث الواردة فيها.
الباب الخامس: في بيان المرض وفضله، وذكر الأخبار الواردة فيه وفيه شيء من الرقى.
الباب السادس: في فضل عيادة المريض، وما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية.
الباب السابع: في ذكر أربعين حديثا طبية فصلت عن الأربعين الأولى فنبه على أكثرها.
الباب الثامن: في ذكر الخلاف هل التداوي أفضل أو تركه؟ وحجة كل واحد من الطائفتين.
الباب التاسع: في ذكر الحمية وفضلها، وما يكتب للحمى وما ورد في ذلك.
الباب العاشر: في ذكر أدوية مفردة وقواها، ومنافعها وما ورد فيها من الأحاديث الطبية وغيرها، وهو كتاب نادر الوجود، كندورة ترجمة مؤلفه عندي منه نسخة قديمة، بخط مشرقي كتبت بمكتبة الناصرية بالشام بقرب زمن مؤلفه، كنت ظفرت بها بالمدينة المنورة سنة زيارتي لها عام 1324.
وممن أتى بقسم نافع من الطب النبوي؛ الحافظ ابن القيم في الهدى النبوي، وتبعه
الشهاب القسطلاني في المواهب، فإنهما أتيا بزبدة ما لمن تقدم جزاهم الله خيرا، وفي الهدية المقبولة في حلل الطب المشمولة، للشهاب أحمد بن صالح الأكتاوي الدرعي:
هذا النبي المصطفى من يرتضى
…
سيد كل من يجيء أو مضى
أرقى وعالج تداوى واحتجم
…
مع التوكل الذي فيه ارتكم
والأمر بالتوكل الصحيح
…
عن مثلنا يفيد بالتصريح
وفي العلاج سنة الرسول
…
وتطييب «1» لخاطر العليل
فقال النظام في شرح هديته: الأذن فيه أي الطب من الشارع يكفي فيه فعله، وما تواتر عنه نقله، كما صرحت به أحاديث كثيرة، وأخبار وافرة جديرة، يطول بنا نقلها، ويعرفها من أصولها وفروعها أهلها اه.
وقد اعتنى بالتعرض لما جاء عن جانب النبوة من درر الحكمة في هذا الباب، أحد حكماء الإسلام الشيخ داود الأنطاكي في التذكرة في مواضع منها؛ لدى كلامه على داء الاستسقاء، وأفضى به الكلام إلى ذكر أن من علاجه لبن اللقاح وأبوالها فقال: إنه غاية في أنواع الاستسقاء الثلاثة؛ خصوصا إذا كانت في البادية لاقتياتها حينئذ بالعطريات المفتحة، كالشيح والقيصوم وقال: وفيها أحاديث عن صاحب الشرع عليه السلام، أخرجها ابن السني وأبو نعيم وأحمد والترمذي في حديث غريب، ثم ذكر قصة العرنيين وحاصلها: أن قوما وفدوا عليه وهو في المدينة، ففي رواية فأصابهم وعك وأخرى فاجتووها بالتخمة، أي المدينة أي أصابهم منها الاجتواء، وهو عبارة عن فساد البطن ورائحة كريهة، وفي رواية فذربت بطونهم، فأرسلهم إلى إبل الصدقة، فشربوا من ألبانها وأبوالها وقصتهم مشهورة.
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بذلك، لكون الاستسقاء من الأمور الباردة اللزجة القروية، وفيها تقطيع وتفتيح وجلاء يطابق المادة، كما في المفردات وتخصيصه في الرواية الأخيرة بالبرية إما لتعدد الواقعة وكون مرض المأمورين بذلك أشد، فنصّ على البرية لرعيتها المفتحة الفعالة في ذلك بنفسها أيضا، كالشيخ والعرفج أو غير متعددة فيكون من حمل المطلق على المقيد، ومن هنا حكم بعض المجتهدين بطهارة بول ما يؤكل لحمه، لأمره به، ومنع بعضهم لزوم ذلك، وجعله من باب الجواز الضروري إذا تعين كإساغة اللقمة بالخمر، واعلم أنه غير لازم في مداواته عليه السلام، بما من شأنه أن ينفع من ذلك المرض، بل قد يداوي بما لا يجوّز العقل استعماله، فمن عثر على شيء من ذلك فليعلم أنه خرج مخرج الإعجاز، كما في قصة ملاعب الأسنة، وقد شكى إليه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء، فأرسل إليه بحثية من تراب تفل فيها فحين شربها برىء اهـ كلام التذكرة. وانظر ما كتبه في الجذام والحمي تر عجيبا.
وفي الطرق الحكمية لابن القيم ص 264 على قوله عليه السلام: لا تديموا النظر
(1) الموزن هنا مضطرب ويستقيم لو قال: مطيب.
للمجذومين، فيه فائدة عظيمة، وهي أن الطبيعة نقالة، فإذا أدام النظر إلى المجذوم خيف عليه أن يصيبه ذلك بنقل الطبيعة، وقد جرب بين الناس أن المجامع إذا نظر إلى شيء عند الجماع، وأدام النظر إليه انتقل منه صفته إلى الولد. وذكر البيهقي وغيره أن المصطفى تزوج امرأة من غفار، فدخل عليها فأمرها فنزعت ثيابها، فرأى بياضا عند ثديها، فانحاز النبي صلى الله عليه وسلم عن الفراش، فلما أصبح قال: إلحقي بأهلك، وحمل لها صداقها اهـ.
وفي الهدي النبوي لابن القيم أيضا، وسفر السعادة للمجد الفيروز آبادي: لم يجمع صلى الله عليه وسلم بين سمك ولبن، ولا بين لبن وشيء من الحوامض، ولا بين غذاءين حارين، ولا باردين لزجين، ولا بين قابضين، وقابض ومسهل، ولا مسهلين، ولا بين غليظين، ولا بين سريع الهضم وبطيئه، ولا بين مشوى ومطبوخ، ولا بين قديد ورطب، ولا بين الحليب والبيض، ولا بين اللحم والحليب، ولا أكل طعاما بائتا، ولا ما فيه عفونة من الأطعمة، ولم يثبت أنه تناول شيئا من الملوحات والمخللات، وثبت أنه شرب الحليب المشوب بالماء، وماء التمر المنقع للهضم، والعسل الممزوج بماء بارد في غاية البرودة اهـ.
وانظر بسط الكلام على ماكله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك في المناهج السنية للفاكهي، وتأليف سيدنا الوالد في السنة تر عجبا عجابا. ومن المهاثرة ما ذكره الفيلسوف ابن خالدون في مقدمة تاريخه حين فصل أنواع الطب ومستنداته قال: وللبادية من أهل العمران طب بنوه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح فيه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا موافقة المزاج. وكان في العرب أطباء من هذا القبيل معروفون، كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا عند العرب اهـ كلامه الخشن.
ولله در العلامة الشيخ عبد الهادي الأبياري المصري، إذ قال إثره في سعود المطالع ص 155 ج 2 ما نصه: وأقول: هذه هفوة لا ينبغي النظر إليها، كيف وقد قال عليه السلام للمبطون الذي أمره بشرب العسل، فلم ينجح: صدق الله وكذب بطنك اهـ.
وإذا قرأت كلام الشيخ داود الذي سقناه لك أولا تعلم أن عقيدته في هذه المسألة أسلم مما لابن خالدون، والجواد قد يكبو والكمال لله.
ولنختم هذا المبحث بلطيفة ذكرها السيوطي في الإكليل، نقلا عن كتاب العجائب للكرماني، قال طبيب نصراني لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له: جمع الله الطب في نصف آية، وهي قوله: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31]، فقال الطبيب: ما ترك كتابكم لجالينوس طبا اهـ.