الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهم فوائدها معرفة تفريع القبائل، وإلحاق الفروع بأصولها، على شدة البعد بين تلك الأصول والفروع. وقد كان منهم اختصاصيون بهذا العلم يلقونه على من يتحلقون حولهم اهـ.
باب في رواج علم الفرائض في الزمن النبوي وحضه عليه السلام الناس على تعلمه وتعليمه
قال حافظ المذهب المالكي حطاب المغرب أبو علي بن رحال، في شرحه العظيم على المختصر: علم الفرائض علم قرآني، حيث بين فيه السدس وغيره، ولمن هو، وبيّن فيه الحجب من حال لحال، وغير ذلك واجتهاد الصحابة فيه، واختلافهم فيه لقوة اعتنائهم به، وحضّ الرسول صلى الله عليه وسلم كاف في ذلك، وهو فرض كفاية إجماعا، ذكره ابن العربي والستاني اهـ.
قلت وأخرج ابن ماجه «1» والحاكم عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم، وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي» وفيه حفص بن عمر متروك.
وعن أبي هريرة «2» إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس، فإني مقبوض، وإن العلم سيقبض. أي يموت أهله، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما. خرّجه الترمذي عن أبي هريرة. وقال فيه اضطراب.
وورد نحوه في مسند أحمد والحاكم عن ابن مسعود، وعند الدارمي: في أوائل الجامع في باب الاقتداء بالعلماء والواحد في آية فريضة من الله. وخرج الشيرازي في الألقاب وغيره نحوه أيضا، انظر الجامع الكبير. وفي مسند الدارمي عن عمر قال: تعلموا الفرائض واللحن (الأعراب) والسنن، كما تعلمون القرآن. وخرج عنه أيضا قال: تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وخرج أيضا عن عبد الله قال: تعلموا القرآن والفرائض، فإنه يوشك أن يفتقر الرجل إلى علم كان يعلمه أو يبقى قوم لا يعلمون.
ثم خرّج عن أبي موسى: من علم القرآن ولم يعلم الفرائض فإن مثله مثل الرأس لا وجه له، أو ليس له وجه. وخرج أيضا عن الحسن. قال: كانوا يرغبون في تعلم القرآن والفرائض، والمناسك.
وعن عبد الله أيضا: من قرأ القرآن فليتعلم الفرائض؛ فإن لقيه إعرابي قال: يا مهاجر اتقرأ القرآن؟ فإن: قال: نعم. قال: تفرض. فإن قال: نعم، فهو زيادة وخير، وإن قال:
لا قال ما فضلك عليّ يا مهاجر؟.
(1) ونصه في ابن ماجه أول كتاب الفرائض ص 908 ج 2 ورقمه 2719 وأوله يا أبا هريرة.
(2)
خرّجه الترمذي في كتاب الفرائض ج 4 ص 414 باب 2 بدون: وإن العلم سيقبض الخ.
وفي تحفة الناظر للعقباني، نقلا عن جامع المستخرجة قال؛ وحدثني أنه بلغه أن ابن مسعود كان يقول: إذا لم يحكم أحدكم الفرائض، وسنة الحج والطلاق، فما فضله على أهل البادية؟.
قال ابن رشد: المعنى في هذا بيّن. لأن أهل البادية أهل جهالة، فإنما فضلهم أهل الحاضرة بمعرفتهم بأمور الدين، قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: 11] اهـ.
وقال ابن العربي في الأحكام: كان علم الفرائض جل علم الصحابة، وعظيم مناظرتهم، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف العلم. مبالغة في الثناء على عظيم فائدته، وتحريكا للنفوس على المبادرة إلى تحصيله، حتى كأنه بشرفه نصف جميع ما يتعلم من العلوم، وروى أصحاب مالك عنه أنه قال: لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يحكم الفرائض والنكاح، والطلاق والإيمان، قال ابن العربي: إشارة إلى عظم منازل هذه الأصول في الدين، وعموم وقوعها بين المسلمين. وقال المتيطي [كذا] في نهايته بعد ذكر بعض الأحاديث: وقد حض على تعليم الفرائض جماعة من الصحابة والتابعين اهـ.
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر التلمساني: الرسقي نزيل سبتة، في رجزه في الفرائض المشهور رحمه الله:
وخصّنا بالمصطفى محمد
…
هادي الأنام للطريق الأرشد
فبيّن الحلال والحراما
…
وفصّل الحدود والأحكاما
وحضّ في تعليم علم الفرض
…
صلّى عليه الله أيّ حضّ
وقال في ذاك: تعلموه
…
ثم جميع الناس علّموه
جعله من العلوم شطرا
…
فهو أجل كل علم قدرا
وهو الضروري بلا محالة
…
أرى عليّ فرضا انتحاله
إذ ليس يخلو الدهر بالحدوث
…
من وارث في الناس أو موروث
قال الإمام أبو يوسف يعقوب بن موسى السيتاني في شرحها: وقوله عليه السلام:
نصف العلم؛ مما يدل على تأكيدها على غيرها، من سائر العلوم سواها وتشريفها عليها، ولأجل أنها بهذه المنزلة الشريفة أمر الإنسان ببذل المجهود في تحصيلها، وأمر أيضا بعد تحصيلها ببذلها لجميع الناس. ثم قال: أورد على قوله عليه السلام: نصف العلم سؤالان.
أنه قال في الفرائض: إنها نصف العلم، وقال حسن السؤال نصف العلم، «1» والشيء لا يكون له أكثر من نصفين؟ والذي بقي أضعاف ما اندرج بكثير. وثانيهما: أن مسائل
(1) ورد في كشف الخفاء هذا الحديث هكذا: (الاقتصاد في النفقة نصغ المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم) وعزاه للبيهقي والعسكري وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعا وضعفه البيهقي. الخ ما علق عليه.
الفرائض بالنسبة إلى مسائل الفقه لا تفي بعشرها؛ فضلا عن مسائل غير الفقه من سائر العلوم الشرعية.
وأجيب عن الأولين بوجهين: أحدهما: أن قوله عليه السلام: حسن السؤال نصف العلم، جاء باعتبار السائل والمسؤول، وهذا الحديث باعتبار الفرائض مع غيرها، فلم يتواردا على محل واحد الوجه الثاني: إن هذا مجاز على جهة التشريف والمبالغة في الحث عليها، كقوله عليه السلام: الحج عرفة، وقوله: الهم نصف الهرم، والتدبير نصف العيش، والقود نصف العقل، تنبيها على عظم هذه الأشياء، وموقعها مما نسبت إليه. قال القرافي: وقد أورد هذا السؤال على فرضي قليل التصرف، فلم يجد ما يجاوب به. وأجيب عن الثاني بوجهين:
أحدهما إن علم الفرائض لما كان عظيم المنفعة، تمس الحاجة إليه أكثر مما تمس إلى غيره، وإن كان صغير الجرم فهو يساوي ما عداه، مما هو أكثر مسائل. وهذا من المحسوسات كثير. وثانيها: أن ما أمر به الإنسان شيئان؛ شيء في الحياة وشيء بعد الممات. فهو نصف بهذا الاعتبار، وأورد عليه أن الذي يتوجه عليه الخطاب بعد الموت ليس الفرائض وحدها، بل مع الوصايا النظرية والمالية ومسائل الجنازة، وأجيب بأنا نلتزم بأنها من حق الفرض أن يتكلم فيها، وإنها من جملة الفرائض، أو يقال: الوصية ليست مما يتوجه [يتوجب] بعد الموت. وإنما يتوجه بعد الموت انفاذها. وأما إنشاؤها فقبل الموت، وأيضا فليست بلازمة في كل حال؛ بخلاف الميراث. وما في كتاب الجنائز إنما يتعلق بالأحياء وردّ بأن تعلّم الفرائض إنما يتوجه إلى الحيّ وما يفعل بالميت وماله، إنما يخاطب به الحق. وهذا كله تكلف، والأولى أن يقال: هذا على وجه المبالغة؛ كالحج عرفة، ونظائره.
وقال بعض المتأخرين: وأظنه لم ير كلام القرافي: يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث عن أبي هريرة، بناء على أن الفرائض فرض الوارث، والذي يظهر أن هذا الحمل بعيد. وأن المراد إنما هو الفروض التكليفية في العبادات والعادات وغيرهما، وبهذا المعنى تصح النصفية والثلثية، ثم الاعتراض الثاني، ثم قال: ويتعين المراد أن حمله على هذا الفن المخصوص، وتخصيصه بفروض الوراثة إنما هو إصطلاح ناشىء عند حدوث الفنون والاصطلاحات، ولم يكن صدر الإسلام يطلق إلا على كونه مشتقا من الفرض، الذي هو لغة التقدير. أو القطع. وما كان المراد إلا جميع الفروض كما قلناه، وهي حقيقته الشرعية، فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل عليه في عصرهم. فهو الأليق بمرادهم. هذا نص كلامه. وظاهره أن أهل الفرائض بل بعضهم اختصوا بجلب هذا الحديث، وليس كما قاله بل جلبه ابن ماجه، وكثير من المحدثين والفقهاء والمفسرين والموثقين، وكلهم جلبوه في مقدمة كتاب الفرائض بلفظه أو معناه، وأتوا بعد ذلك باثار عن الصحابة والتابعين، تدل على هذا. وفيها لفظ الفرائض، وكلهم أطلقها على فرض الوراثة وهم أعلم منه بالإطلاق اللغوي والشرعي اهـ كلام أبي يوسف السيتاني.
قلت: مراده ببعض المتأخرين الولي ابن خالدون؛ فإنه الذي بحث بما ذكر في مقدمة العبر، وبحث السيتاني معه بمن ذكر الحديث في أبواب المواريث من أئمة السلف وجيه، وناهيك بالإمام الترمذي فقد ترجم أبواب الفرائض، ثم ترجم بقوله: باب ما جاء فيمن ترك مالا فلورثته، ثم ترجم ثانيا بقوله: باب ما جاء في تعليم الفرائض، وذكر حديث الترجمة.
وكذا ابن ماجه وغيره.
وناهيك بقرين البخاري أبي محمد الدارمي فإنه بوّب في مسنده كتاب الفرائض، وذكر عدة آثار عن الصحابة في ذلك، وقد قدمناها أول الترجمة. وذلك أعظم دليل على أن اطلاق علم المواريث على علم الفرائض قديم الإستعمال.
وفي نهاية ابن الأثير على حديث ابن عمر: العلم ثلاثة منها فريضة عادلة، يريد العدل في القسمة بحيث تكون على السهام والأنصباء المذكورة في الكتاب والسنة، وقيل: إنه أراد أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة، وإن لم يرد بها نص فيهما. فتكون عادلة للنص، وقيل: الفريضة العادلة ما اتفق عليه المسلمون اهـ.
وقال بعض شيوخنا- رادا على ابن خالدون- قوله في آخر الحديث في رواية النسائي: حتى يختلف الاثنان في الفرائض فلا يجدان من يفصل بينهما، وقوله تعالى:
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 11] وقوله في الحديث الآخر: وأعلمكم بالفرائض زيد بن ثابت، يبعد ما قاله ابن خالدون ويرجح ما لغيره وقوله: إنما هو اصطلاح ناشىء للفقهاء في محل المنع اهـ.
أما المناوي في التيسير؛ فإنه ذكر الحديث على الإحتمالين قائلا: قيل: المراد بالفرائض هنا علم المواريث، وقيل: ما افترض الله على عباده بقرينة ذكر القرآن اهـ وكذا فعل صاحب مجمع بحار الأنوار، مع ميلانه لكلام ابن خالدون والله أعلم، بل وجدت الشيخ أبا علي ابن رحال، قال في شرحه على المختصر، إثر كلام السيتاني: ما قاله ابن خالدون هو الحق، والعلم عند الله. قال: ويكون المراد بالحديث الحض على الإعتناء بالواجبات، والواجبات نصف العلم؛ باعتبار المندوب وترك المحرم واجب وترك المكروه مندوب والجائز قد علمت ما ذكر فيه أهل الأصول، وهاته الآثار التي أشار لها السيتاني يشترط في الإحتجاج بها صحتها، ويشهد بذلك أرباب الفن من المحدثين فافهم اهـ وهو كما علمت ساقط بمن بوّب على الحديث في أبواب التركات؛ كالدارمي، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم. والإحتجاج قد يكون بالحسن اتفاقا. نعم. قال أبو علي ابن رحال:
حديث حسن السؤال نصف العلم معناه: والعلم عند الله وإن لم يشر إليه السيتاني ولا غيره ممن وقفت عليه؛ أن المراد بالعلم، العلم الذي وقع عليه السؤال. كما إذا قال إنسان لعالم: ما حكم الوتر هل الوجوب أو الندب فيقول له العالم مثلا: هو الوجوب أو الندب فسؤال الرجل: هو نصف هذا العلم الذي أجيب به، إذ بسؤاله ظهر هذا الحكم مع إجابة