الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما تكلم الحافظ ابن رجب على حديث «1» : لم يخلق الله وعاء إذا ملىء شرا من بطن، فإذا كان لا بد فاجعله ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح: إنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب ابن أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني قوله عليه السلام حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه إلى أخرى لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت المارستانات [المستشفيات] ، ودكاكين الصيادلة.
وقال القرطبي في شرح الأسماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة، وفي الأحياء: ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما في قلة أكل أحكم من هذا، ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح.
وقال ابن القيم في الهدى النبوي: مراتب الغذاء ثلاثة؛ أحدها مرتبة الحاجة، والثانية مرتبة الكفاية، والثالثة مرتبة الفضيلة، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته، ولا يضعف فإن تجاوزها فليأكل ثلثا لبطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس. وهذا أنفع للبدن والقلب، انظر بقيته فيه.
وفي شرح منظومة الآداب للسفاريني، وفي مسند أحمد «2» عن عائشة قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى يلقى أحد طرفيه) يعني يبرأ أو يموت، وهو أصل ما سبق عن الجيش لاكنسوس في باب الطب، من القسم الثامن انظره.
باب في ذكر توسعه عليه السلام مع أصحابه في ذكر الوقائع التاريخية وأخبار الأمم السالفة واتخاذه لذلك وقتا وهو أصل تعاطي الدروس اليوم في شبه ذلك
بوّب البخاري «3» باب السمر في العلم، وخرج أبو داود وصححه ابن خزيمة، وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمر، وهو ليس على شرط البخاري: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح، لا يقوم إلا لعظيم صلاة. وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح عن عمران بن حصين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا لعظيم صلاة «4» .
(1) روى الترمذي حديثا يقاربه عن المقدام بن معدي كرب وأوله: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. انظر كتاب الزهد باب 47 ص 590/ 4. وأحمد 122/ 4 وابن ماجه كتاب الأطعمة ص 111/ 2.
(2)
ج 6/ 138.
(3)
انظر الجزء الأول ص 37 باب 41.
(4)
انظره في الجزء الرابع ص 444 والإسلامي 592.
قلت: وذلك منه عليه السلام امتثال لأمر الله له، ففي القرآن: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] . وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [النساء: 26 أ] بمعنى وذكرهم بوقائع الله التي وقعت للأمم السالفة، ويريد أن يعرفكم ما خفي عنكم من مصالحكم، ومحاسن أعمالكم ببيانها، ويهداكم مناهج من تقدمكم، من أهل الرشد والخير، لتسلكوا مسالكهم، فإن التاريخ يبحث فيه عن أحوال الأمم الخالية والأجيال الفانية، مع ضبط أشخاصهم بأسمائهم وألقابهم، وكناهم وأنسابهم واستيعاب رسومهم وأخبارهم، وبضائع علومهم وآثارهم، وصنائع الطوائف وعوائدهم، وسقوطهم ونهضتهم، وهو علم يتنافس فيه عقلاء الأمم والأجيال، ويتفاخر به الملوك والأقيال، وتسمو إلى معرفته حتى السوقة والأغفال، وتشد إلى تحصيله الركائب والرحال.
وناهيك أن الله قص علينا في القرآن ما دار بين الأنبياء وأممهم، وأوضح لنا بيان مدتهم ومواطنهم، وأسماء أماكنهم كسبأ، والأحقاف، والحجر، ومكة، والمدينة، ومدين، ومصر، وأرشدنا بذلك إلى تعاقب أدوار الزمان، والتحول والنضارة والذبول، والعمار والدمار، وأمرنا بالمسير لننظر الحقائق، ونتناظر فيها، ونجانب الظنون، ولا نركن إليها، ولنطلع على عجائب صنع الله فيها، وامتن عل عباده بالجبال الشاهقة، التي يأوون إليها ويعتصمون فيها، وبالبحار الزاخرة الواسعة، التي ينتفعون بما يخرج منها، ويسافرون عليها، وبالحدائق المزينة بالأزهار، المطرزة بالثمار، وذكر لنا الجب والكهف والأخدود والغار، والقصر والبيت والدار، والقرى، والمدائن، والبروج، والحصون والمساكن، والبيع والصلوات، والمقاعد والعمد، والمحاريب، والمساجد والمجالس، والتناد والصخر والواد، وعنّف القاعدين الذين لم يركبوا متن الآمال الواسع، واستبعدوا المحل الشاسع، ولم يهجروا المضجع الوثير، لطلب المحل الأثير فقال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الروم: 9] وحضّ سبحانه على النظر والتأمل والاعتبار بقوله، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم: 42] ولا يرد على ما ذكر أول الترجمة حديث: لا سمر إلا لمصل أو مسافر، فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول. قال الحافظ في الفتح: وبتقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالصلاة النافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه، فقال أبو موسى: الصلاة فقال عمر: إنا في صلاة.
قلت: القصة التي أشار لها الحافظ خرّجها عبد الرزق، وابن أبي شيبة عن أبي بكر ابن أبي موسى، أن أبا موسى أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر: ما جاء بك؟
قال: جئت أتحدث إليك قال: هذه الساعة قال: إنه فقه، فجلس عمر فتحدث طويلا، ثم إن أبا موسى قال الصلاة يا أمير المؤمنين قال إني في الصلاة.