الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي مناهج الفاكهي: كان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم، فإن النفس تمل كما تمل الأبدان اهـ.
ونقل عياض في معنى الأمر بالإحماض، كما في هذه الآثار أي: إذا مللتم من الحديث والفقه، وعلم القرآن، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، كما أن الإبل إذا ملت ما حلا من النبت، رعت الحمض وما ملح.
باب في حديث خرافة
روينا في الشمائل للترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا فقالت امرأة منهن: كان الحديث حديث خرافة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أتدرون ما خرافة؟ كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث دهرا فيهم ثم ردوه إلى الأنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة.
قال ابن المعافي: عوام الناس يرون أن القائل هذا خرافة، إنما معناه أنه حديث لا حقيقة له، وإنما هو مما يجري في السمر، وينتظم في الأعاجيب وطرف الأخبار، وأنه لا أصل له، وأضيف فيه الجنس إلى بعضه كثوب خز، واشتقاقه على هذا من أخرف الثمرة إذا اجتناها، وهي خرفة، ولذا سمى الفصل خريفا لاختراف الفواكه فيه، فكأن هذه الأحاديث بمنزلة ما يتفكّه به من الثمار للتلهي به، وأرى أن قولهم: خرف إذا ثغر عقله من هذا، لأنه يتكلم بما يضحك ويتعجب منه، ومن هاهنا قيل: فكهت كذا أي تعجبت منه، وقيل للمزاح: فكاهة لما فيه من مسرة أهله، والاستمتاع به وقالوا: الغيبة فاكهة القراء، قال الزمخشري في ربيع الأبرار: سمعت العرب يشددون الراء من خرافة، ويسمون الأباطيل الخراريف اهـ.
باب في حديث أم زرع
«1»
في الشمائل باب: ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر. عن عائشة قالت:
جلست إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، اني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العشنّق، أن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سئامة.
(1) حديث أم زرع ورد في الصحيحين أيضا انظر كتاب النكاح في البخاري باب 82 ص 146/ 6 وفضائل الصحابة في مسلم باب 14 الحديث 92 ص 1896/ 2.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولم يولج الكف ليعلم البث.
قالت السابعة: زوجي عياياء أو غياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلّالك.
قالت الثامنة: زوجي المسّ مس أرنب، والريح ريح زرنب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد كثير الرماد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ أناس «1» من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني من أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول: فلا أقبح وأرقد فأتصبح، وأشرب فاتقمح، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع طوع أبيها، وطوع أمها. وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها، كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا وأخذ خطيا وأراح عليّ نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقك.
أخذ الأئمة من هذا الحديث جواز التحديث عن الأمم الماضية، والأجيال البائدة، وضرب الأمثال بهم، لأن في سيرهم اعتبارا للمعتبر، واستبصارا للمستبصر، واستخراج الفائدة للباحث المستكثر، فإن في هذا الحديث، لا سيما إذا حدّث به النساء منفعة في الحض على الوفاء للبعولة، والندب لقصر الطرف، والقلب عليهم.
قال القاضي عياض: وفيه من الفقه التحدث بملح الأخبار، وطرف الحكايات، تسلية للنفس، وجلاء للقلب.
وهكذا ترجم أبو عيسى الترمذي عليه باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر، وأدخل في هذا الباب هذا الحديث، وحديث خرافة، ويروي عن علي أنه قال: سلوا هذه
(1) أناس: فعل ماض متعد ولازمه: ناس ينوس.