الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نسيم الرياض على حديث ركانة: يقتضي جواز المصارعة إلا أنهم قالوا: بالمال حرام، كالمسابقة عليه أو أنه من خصائصه عليه السلام.
تتمة وكان لركانة المذكور ابنه يزيد وابن ابنه علي، وكانت لهما قوة زائدة كأبيهما ركانة، وقد صارع يوما يزيد بن معاوية عليا هذا فصرعه عليّ صرعة لم يسمع بمثلها، وكان يزيد من أشد العرب، ثم حمل معاوية بعد ذلك عليا على فرس جموح لا يطاق، فعلم علي ما يراد به فلما جمح الفرس به ضم عليه فخذه ضمة انفتق به الفرس فمات. وذكر عنه أيضا أنه تأبط رجلين باليدين، ثم جرى بهما وهما تحت إبطه حتى صاحا: الموت الموت فأطلقهما. كذا في ابن التلمساني على الشفا.
حجل بعض كبار الصحابة بين يديه صلى الله عليه وسلم
في الصحيح «1» أنه عليه السلام قال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي.
وفي التوشيح زاد ابن سعد من مراسيل الباقر فقال جعفر: فحجل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي دار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يفعلونه لملوكهم. وفي طريق آخر: أن الثلاثة فعلوا ذلك والحجل بحاء فجيم فلام كسبب رقص على هيئة مخصوصة اهـ.
وفي تخريج أحاديث الإحياء للحافظ العراقي: اختصم علي وجعفر وزيد بن حارثة في ابنة حمزة فقال لعلي: أنت مني وأنا منك فحجل، وقال لجعفر أشبهت خلقي فحجل، وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل الحديث. أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد حسن وهو عند البخاري «2» دون ذكر الحجل. [ورواه أحمد ج/ 1 ص 108] .
قال الحافظ السيوطي في الحاوي، لما تكلم على مسألة الرقص، بعد أن ذكر حجل من ذكر، عن مسند أحمد وذلك من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، فكان هذا أصلا في رقص الصوفية، يدركونه من لذة المواجيد اهـ.
حبس الطير للعب الصبيان به
قال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حزينا فقال: ما شأنه؟ قال: مات نغزه. فقال له يا أبا عمير ما فعل النغير؟ خرّجه البخاري «3» ومسلم والترمذي.
قال الجوهري: النغير تصغير نغر، بوزن رطب. وهو طائر صغير كالعصفور. وقيل
(1) انظر البخاري كتاب الصلح ج 3 ص 168.
(2)
انظر البخاري كتاب الصلح ج 3 ص 168.
(3)
انظر في البخاري ج 7 ص 102 من كتاب الأدب.
فراخ العصافير. قال عياض: والراجح أنه طائر أحمر المنقار، وأهل المدينة يسمونه البلبل.
وقد أكثر الناس من استنباط الأحكام من هذا الحديث، وزاد أبو العباس بن القاص من الشافعية على مائة، وأفردها في جزء وقال ابن غازي: حدثني أبو الحسن ابن منون أنه بلغه أنه أي ابن الصباغ أملى في درسه بمكناس على حديث أبي عمير ما فعل النغير أربعمائة فائدة. وكان آخر ما أقرأ بها. قال وكنت تأملت هذا الحديث فانقدح لي زهاء مائتين وخمسين من الفوائد، فقيّدت رسومها ولم أجد فراغا لبسطها: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها اهـ وانظر ج 4 من نفح الطيب، وترجمة أبي عبد الله بن الصباغ المكناسي من كفاية المحتاج لأبي العباس السوداني.
وقال ابن غازي أيضا في حواشيه على الصحيح: مرّ بنا أن بعض العلماء استنبط منها زهاء ثلاثمائة فائدة، وسمعت من يذكر عن أبي الفضل ابن الصباغ المكناسي بلديّنا أكثر من ذلك، وكنت أعملت فيه الفكر فرسمت في مبيضة فوائد ما يزيد على المائتين، إلا أنها لا يخلو بعضها من تداخل والله أعلم اهـ.
وفي حواشي ابن الشاط على مسلم لدى حديث الترجمة عن عياض فيه جواز لعب الصغير بالطيّر، ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه وتلهيته بمسكه لا بتعذيبه وعبثه.
وقال الشيخ أبو علي بن رحال في باب الغصب، بعد أن ذكر أنه أخذ من المدونة جواز حبس الطير في القفص ما نصه: وما ذكر من حبس الطير إنما هو إذا لم يكن فيه تعذيب أو تجويع أو تعطيش، ولو بمظنة الغافلة عنه، أو بحبسه مع طير آخر ينقب رأسه، كما تفعله الديوك في الأقفاص، ينقب بعضها رأس بعض، حتى إن الديك يقتل آخر وهذا كله حرام بإجماع؛ لأن تعذيب الحيوان لغير فائدة لا يختلف في تحريمه. والفائدة يتأتى وجودها بلا تعذيب، وهذا إن كان يحبسه وحده أو مع لا ينقبه، أو يعمل بينهما حائلا، بحيث لا يصل بعضه إلى بعض، ويتفقده بالأكل والشرب، كما يتفقد أولاده ويضع للطير ما يركب عليه كخشبة. وأما أن يضعه على الأرض بلا شيء فذلك يضر به غاية في البرد. وهذه الأمور لا تحتاج إلى جلب نص فيها لوضوحها، وكم رأينا من يعذب الدجاج في الأقفاص على وجوه مختلفة من أنواع العذاب، وكذا حبس الكبش بلا أكل ولا شرب أو بغل، يربطه في موضع ويغلق عليه حتى يكاد يموت جوعا. ومن لا رحمة فيه لا يعتبر في الدفع عن الدواب إلا ما يقتلها أو يضعف بدنها. وأما عذابها في نفسها إذا سلمت مما ذكر فلا يبالي به. وذلك كله حرام وعقوبة في الدنيا والآخرة إن لم يعف الله، فإن هذه الحيوانات غير الإنسان لا تتكلم، فلا تنادي أنها في الحاجة في كذا إن لم تكن رحمة من مالكها. ومن مازج الناس وأمعن النظر بقلبه وتفكر ورأى من عذابه الحيوانات من هذه الجهة من لا يسامح فيه، إلا من له مائة رحمة ثم قال: فالحاصل أن هذا باب من العقاب ترك كثير الهروب منه، فينبغي لمن فيه رحمة أن ينبه على هذا كل من لا يعرفه، ثم قال: وكثير من الناس يسمع مثلا أن الطير
يجوز حبسه وأن العصفور يجوز أن يلعب به ويستدل بحديث أبي عمير ما فعل النغير، ويعتمد على ذلك بلا شرط عدم تعذيبه وهذه مسألة عظيمة الأجر والعقاب، وكذا تحميل الدواب أكثر مما تقدر عليه بحسب العادة وغير ذلك، وذلك كله من نزع الرحمة من القلوب ولكن إنما يرحم الله من عباده الرحماء اهـ.
وفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دارم قال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمّالا وقال: لم تحمل بعيرك ما لا يطيق. ووجدت في فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم: أن عمر كتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدا بلجام ثقيل من هذه الرستية، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة، وكتب عمر إلى حيان بمصر: أنه بلغني أن بمصر إبلا نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
وفي عون الودود على سنن أبي داود على حديث: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)«1» الراحمون أي لمن في الأرض؛ من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله في الشفقة عليهم والاحسان إليهم اهـ.
وفي طبقات ابن سعد أن المصطفى عليه السلام قال لنقاده ابن عبد الله بن خلف الأسدي: يا نقادة ابغ لي ناقة حلبانة ركبانة، ولا تولّها على ولد «2» .
وفيها أيضا في ترجمة سوادة بن الربيع الجرمي عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأمي، فأمر لي بشياه وقال لها: مري بنيك أن يقلموا أظفارهم خشية أن يوجعوا أو يعبطوا ضروع الغنم، ومري بنيك أن يحسنوا غذاء رباعهم.
وفي طبقات ابن سعد أن عمر بن الخطاب؛ كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول:
إني لخائف أن أسأل عما بك.
ولما قال ابن رشد: يقضى للعبد على سيده إن قصّر عما يجب له عليه بالمعروف؛ في مطعمه وملبسه خلاف ما يملكه من الدواب، فإنه يؤمر بتقوى الله في إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها، ردّه مستعظما له حطاب المغرب الشيخ أبو علي بن رحال في باب النفقات، من شرح المختصر. بنص ابن عبد البر في الكافي، والرفق بالدواب في ركوبها، والحمل عليها، واجب سنة فإنها عجم لا تشكو وفي كل ذي كبد رطب أجر. هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان في الأحسان إليها أجر، فكذلك في الإساءة إليها وزر. ولا يحمل على الدواب أكثر من طاقتها، ولا تضرب وجوهها، ولا تتخذ ظهورها كراسي، ولا تقلد الأجراس، ولا تستعمل ليلا إلا أن يروح عنها نهارا، ولا يحل حبس بهيمة مربوطة عن السرح والانتشار بغير علف ولا طعام. قال ابن رحال: فإن قول ابن رشد: الدابة لا يقضى
(1) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب 58 ص 231 ج 5 ورقمه 4941.
(2)
روى أحمد في مسنده ج 5 ص 77 حديثا يقرب معناه من هذا الحديث.